كيف يحاول إخوان السودان توظيف الصراع الراهن لتحقيق مكتسبات سياسية؟

كيف يحاول إخوان السودان توظيف الصراع الرهن لتحقيق مكتسبات سياسية؟

كيف يحاول إخوان السودان توظيف الصراع الراهن لتحقيق مكتسبات سياسية؟


19/04/2023

تمثل حالة الصراع الراهن في السودان، رغم تداعياتها الكارثية على كافة المستويات، بيئة مثالية أمام جماعة الإخوان لتحقيق مكاسب سياسية، وقد بدت بوادر هذا الصراع حاضرة بالفعل خلال الأيام القليلة الماضية، وعكسه خطاب التنظيم الذي حاول بشكل كبير توظيف الأزمة الراهنة لصالحه، ذلك إن لم يكن فلول التنظيم هم أحد أذرع تغذية هذا الصراع على حدّ وصف عدد من المراقبين.

ومنذ السبت الماضي يشتعل قتال محتدم لم يتوقف في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، لم تنجح حتى الآن كافة المبادرات الإقليمية والمطالب الأممية والدولية في احتوائه، أو إقرار هدنة مؤقتة بهدف إيصال بعض المساعدات الإنسانية للمتضررين الذين تتجاوز أعدادهم الملايين، يعانون ظروفاً قاسية بسبب نقص الغذاء والمياه والأدوية، وتوقف عدد من منظمات العمل الإنساني عن العمل نتيجة احتدام القتال.

وسط كل ذلك تحاول جماعة الإخوان جاهدة من أجل توظيف الظرف الراهن بشكل براغماتي بحت لتحقيق أهداف سياسية، وحجز مكان لها في الخارطة السياسية بشكل مسبق، وتشير إصبع الاتهام إلى عناصر التنظيم بالوقوف وراء إشعال فتيل الصراع وتغذيته لخدمة الأهداف ذاتها.

موقف التنظيم المعلن

سارع إخوان السودان منذ بداية الأزمة مطلع الأسبوع الجاري إلى إعلان موقفهم بالانحياز للفريق عبد الفتاح البرهان والجيش السوداني مقابل قوات الدعم السريع، في إجراء حاولت الجماعة تصديره باعتبار أنّه دعم لحالة الاستقرار والمؤسسات الوطنية، لكنّ مراقبين اعتبروا أنّ قرار التنظيم جاء كجزء من عملية اتفاق سياسي مسبق مع البرهان، مشروط بعودة الإخوان لممارسة السياسة مجدداً.

أحمد سلطان: أعلنت الجماعة بشكل واضح انحيازها للجيش ممثلاً في عبد الفتاح البرهان

ودعا بيان صادر عن الإخوان مساء السبت الأطراف إلى إعلاء المصالح الوطنية والحفاظ على وحدة واستقرار السودان فوق أيّ اعتبار، والمضي قُدماً من دون إبطاء في إنجاز ما تبقى من استحقاقات المرحلة الانتقالية لتسليم السلطة كاملة للمدنيين، وتأسيس نظام حكم تعددي يشمل كل مكونات الشعب السوداني دون إقصاء، وتوحيد القوات المسلحة تحت قيادة جيش وطني واحد.

ماذا وراء موقف الإخوان؟

يقول الباحث المصري المختص بالإسلام السياسي والإرهاب أحمد سلطان لـ "حفريات": إنّ جماعة الإخوان السودانية، سواء فرع التنظيم الدولي بقيادة المراقب العام عادل عبد الله، أو التنظيم المحلي برئاسة سيف الدين أرباب، أعلنت بشكل واضح انحيازها للجيش ممثلاً في عبد الفتاح البرهان، ويبدو أنّه كان هناك اتصالات وتنسيق بين الطرفين منذ فترة طويلة، ممّا دفع البرهان للسماح للتنظيم بالعودة إلى ممارسة العمل السياسي، القرار الذي أثار حالة من الجدل خلال الفترة الماضية.

أحمد سلطان: تحاول الجماعة لعب أدوار جديدة في ضوء الصراع الراهن، وتستهدف أن يكون لها دور في عملية حسم هذا الصراع

ويشير سلطان إلى أنّ الجماعة عادت مؤخراً إلى ممارسة العمل السياسي في السودان منضوية تحت ما يُسمّى "التحالف الإسلامي العريض"، وحاولت لعب أدوار سياسية جديدة وفرض نفسها على المشهد السياسي في البلاد، قبل اشتعال فتيل الأزمة بين الجيش وقوات الدعم السريع.

اليوم تحاول الجماعة أن تلعب أدواراً جديدة في ضوء الصراع الراهن، وتستهدف الجماعة أن يكون لها دور في عملية حسم هذا الصراع، خاصة أنّ التنظيم كانت له علاقات وثيقة بالنظام السابق (نظام عمر البشير)، وبالتالي الجماعة لديها صلات وتواصل مع عدد من المؤسسات الأمنية والتنفيذية داخل البلاد حتى اللحظة، وستسعى لتوظيفها بشكل كبير لتحقيق مكاسب سياسية في الوقت الراهن.

يبدو أنّ موقف الجماعة في الوقت الحالي موحد في اتجاه دعم الجيش وقائده عبد الفتاح البرهان، سواء الإخوان من داخل السودان أو من جبهتي لندن وإسطنبول، إلا أنّ موقف الجماعة لا يمكن فصله عن دوافع البراغماتية السياسية التي تغلب على ولاءات الإخوان غالباً.

وبحسب سلطان، هناك اتفاق مسبق بين جماعة الإخوان والبرهان يقضي بعودتها إلى المشهد وممارسة العمل السياسي، مقابل موقفها الداعم له ضدّ قوات الدعم السريع.

هل لعب الإخوان دوراً في إشعال الأزمة؟

بحسب  المحلل السياسي السوداني محمد المختار، "الإخوان هم من يجرّون الأوضاع في البلاد إلى حرب، لإجهاض الاتفاق الإطاري والعملية السياسية التي تؤدي في نهاية الأمر إلى حكومة مدنية، وخروج العسكريين من السلطة وممارسة السياسة".

وفي تصريح نقلته عنه "سكاي نيوز" يقول المختار: إنّه "لا أحد في السودان لديه مصلحة في الحرب غير بقايا النظام البائد لقطع الطريق أمام التحول الديمقراطي وتفكيك بنية تنظيمهم داخل مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية".

ويشير المختار إلى أنّ التوترات قد تفاقمت وسط العسكريين بعد توقيع الاتفاق الإطاري مع قوى سياسية مدنية، وذلك بسبب خلاف حول إصلاح المؤسسة العسكرية والوصول إلى جيش مهني موحد، ومسألة دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة، فقد رهن قائد الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان الاستمرار في العملية السياسية بحسم عملية الدمج.

 موقف الجماعة لا يمكن فصله عن دوافع البراغماتية السياسية التي تغلب على ولاءات الإخوان غالباً

وعلى وقع الخلاف العسكري، كثف عناصر نظام الإخوان المعزول نشاطهم في الساحة السودانية رافعين رايات الحرب وفتح جبهات من العداء السافر على الاتفاق الإطاري، وسط حملة تحريض للقوات المسلحة ودعوتها إلى الانسحاب من العملية السياسية تحت ذريعة قصورها على مجموعة سياسية محددة.

الضابط المتقاعد في الجيش السوداني خليل محمد سليمان: الحركة الإسلامية سعت وعملت بجهد خلال الفترة الماضية لجرّ البلاد إلى الحرب، بغرض الحيلولة دون الوصول إلى اتفاق سياسي نهائي يعيد مسار الانتقال الديمقراطي وتشكيل سلطة مدنية جديدة

أيضاً يرى الضابط المتقاعد في الجيش السوداني خليل محمد سليمان أنّ الحركة الإسلامية سعت وعملت بجهد خلال الفترة الماضية لجرّ البلاد إلى الحرب، بغرض الحيلولة دون الوصول إلى اتفاق سياسي نهائي يعيد مسار الانتقال الديمقراطي وتشكيل سلطة مدنية جديدة.

يقول سليمان لـ "سكاي نيوز": إنّ "الحركة الإسلامية معنية بشكل أساسي بما يدور في المشهد الحالي، فقد وصلت إلى ما تصبو اليه، وبعد أن فقدت رفاهية الخيارات كان لزاماً دخول معركة كسر العظم".

وبحسب الخبير العسكري، فإنّ الهدف المحوري لتنظيم الإخوان ليس استعادة السلطة بالمعنى المحدد، بل خلق أوضاع فوضوية في السودان ليتسنّى لهم التمتع بالامتيازات التي حصلوا عليها، وضمان عدم محاسبة منسوبيه على الجرائم التي ارتكبوها خلال فترة حكمهم، ولكن في تقديره لن تمضي الأمور كما يشتهي أنصار البشير، فرغم الحرب ستنتصر إرادة الشعب السوداني.

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية