في محاولة للالتفاف على القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، وتقويض إقامة دولة فلسطينية مستقلة؛ أقدمت وزارة الخارجية الأمريكية على حذف أية إشارة للأراضي الفلسطينية أو للسلطة الفلسطينية من الموقع الإلكتروني الخاص بها، ومن قائمة تعريف المناطق في الشرق الأوسط، بعد أن حذفت سابقاً كلمة الأراضي المحتلة، وأرسلت تعليمات إلى سفاراتها بالعالم للتقيد بأوامرها. وقدّر محللون أنّ قرار واشنطن يهدف للتأثير على الاعتراف الدولي بفلسطين، وإخضاع القيادة الفلسطينية للقبول بخطة السلام الأمريكية، وإعطاء الضوء الأخضر لإسرائيل للسيطرة على المناطق الفلسطينية كافة.
أكاديمي فلسطيني: المطلوب من الفلسطينيين التوافق على برنامج وطني تحرري نضالي لمجابهة المؤامرة الكبرى على الشعب الفلسطيني
وشهدت السياسة الخارجية الأمريكية تحولاً واضحاً حول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وانحيازاً للجانب الإسرائيلي، منذ تولّي دونالد ترامب الحكم، مطلع كانون الثاني (يناير) 2017، ما دفع القيادة الفلسطينية إلى وقف الاتصالات السياسية مع الإدارة الأمريكية بعد قرار الرئيس الأمريكي الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، في كانون الأول (ديسمبر) 2017، والذي أدّى إلى قيام الإدارة الأمريكية بإغلاق مكتب تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، في أيلول (سبتمبر) 2018، إضافة إلى وقف الولايات المتحدة، في نهاية آب (أغسطس) 2018، تقديم 365 مليون دولار سنوياً لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، ووقف تقديم المساعدات الأمريكية لأجهزة الأمن الفلسطينية.
اقرأ أيضاً: أسرى فلسطينيون في السجون الإسرائيلية يتحولون إلى أطباء
وخلال التجمّع السنوي لزعماء العالم في الأمم المتحدة، في أيلول (سبتمبر) 2018، كشف ترامب عن خطة مقترحة لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، تركز على الجانب الاقتصادي، وتتعلق بالجزء الأول من صفقة القرن، خلال ورشة اقتصادية استضافتها العاصمة البحرينية، المنامة، نهاية حزيران (يونيو) الماضي، ووفق الرئيس الأمريكي؛ فمن المتوقَّع أن يتمّ الإعلان عن خطة التسوية بالشرق الأوسط قبل الانتخابات الإسرائيلية المقررة في أيلول (سبتمبر) الحالي.
وما تزال أصداء القرار الأمريكي القاضي بحذف اسم فلسطين من قائمة تعريف المناطق في الشرق الأوسط مشتعلة على المستوى الرسمي الفلسطيني والعربي؛ حيث ذكّرت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية في بيان لها؛ بأنّ "عدم اعتراف الخارجية الأمريكية بالسلطة الفلسطينية وشطب مسمى أراضي السلطة الفلسطينية من قائمة الدول والمناطق لا يلغي وجود دولة فلسطين، ولا يلغي اعتراف 140 دولة بها، وتمثيلها في الأمم المتحدة كدولة مراقب".
ووصفت جامعة الدول العربية، قرار الخارجية الأمريكية "بالإجراء العدائي"، مؤكدة رفضها لأيّ قرار يهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية، وقال الأمين العام المساعد لشؤون فلسطين والأراضي العربية المحتلة، سعيد أبو علي: إنّ "هذا القرار ترفضه أيضاً الأغلبية الساحقة من دول العالم التي عبرت عن دعمها للحقوق الفلسطينية، وتمسّكها بمبادئ القانون والشرعية الدولية في أكثر من مناسبة، بما في ذلك اعترافها بالدولة الفلسطينية وإقامة العلاقات الدبلوماسية الكاملة معها".
لا دولة فلسطينية
أستاذ العلوم السياسية في جامعة الخليل، عماد البشتاوي، أبلغ "حفريات" أنّ قيام الولايات المتحدة بحذف فلسطين من موقعها الإلكتروني؛ هو "جزء من السياسة الأمريكية، التي باتت غير معنية نهائياً بشكل واضح بأيّة دولة فلسطينية، حتى إن بدت ضعيفة وهزيلة، وتريد واشنطن أن تكون السيادة لدولة إسرائيل على كامل المنطقة ما بين النهر والبحر"، مبيناً أنّ "جميع الإدارات الأمريكية قد تؤمن بدولة فلسطينية منزوعة السيادة والسلاح، إلّا أنّ إدارة ترامب الحالية لا تقبل حتى بمصطلح دولة فلسطينية".
اقرأ أيضاً: ما سر منح إسرائيل تراخيص بناء للفلسطينيين في المناطق "ج"؟
ويضيف إنّ "واشنطن تواصل عداءها ضدّ السلطة الفلسطينية بشقّين؛ أوّلهما يتعلق بالصعيد الداخلي الأمريكي، المعني بفوز ترامب بالانتخابات المقبلة بضغط من اللوبي اليهودي، والذي يقف إلى جانبه ويدعمه للفوز برئاسة ثانية للولايات المتحدة الأمريكية، والقضية الثانية تتعلق بالضعف والصمت العربي؛ حيث بقيت الإدارات الأمريكية السابقة تعمل حساباً لمشاعر الدول والشعوب والأنظمة السياسية العربية، إلّا أنّ جميع هذه الأنظمة ترفض صفقة القرن بالسرّ، لكنّها بالحقيقة تنسق مع واشنطن لتنفيذها على أرض الواقع".
اقرأ أيضاً: أهالي "يعبد" الفلسطينية يتوارثون زراعة التبع جيلاً بعد جيل
ولفت البشتاوي إلى أنّ "الظروف الحالية مواتية لتشجيع إدارة الرئيس ترامب على تنفيذ المزيد من الضغوطات على الجانب الفلسطيني"، مستدركاً بأنّ الفلسطينيين يشعرون منذ ما يزيد عن 3 أعوام، بأنّ هناك عداءً بين الفلسطينيين والولايات المتحدة أكثر من عداء الفلسطينيين أنفسهم لإسرائيل، وبقيت أمريكا تقف في خندق واحد مع إسرائيل، وأصبحت الإدارة الأمريكية أكثر يمينية من اليمين الإسرائيلي.
لم تعد واشنطن وسيطاً نزيهاً
وتابع: "القرار الأمريكي من شأنه التأثير على أيّ اعتراف دولي بفلسطين؛ باعتبار أنّ الولايات المتحدة دولة مهمة في المنطقة، والأخطر من ذلك؛ أنّ الدول المنحازة والحليفة لها في أمريكا اللاتينية وآسيا والمنطقة العربية جميعها تقف إلى جانبها، سواء كان ذلك بالسرّ أو العلن، وهو الأمر الذي سيزيد بدوره من صعوبة قيام القيادة الفلسطينية، بمحاولة إقناع المجتمع الدولي بقيام الدولة الفلسطينية، وحشد التأييد الدولي لصالح حلّ الدولتين".
اقرا أيضاً: هل تنجح السلطة الفلسطينية في تحدي إسرائيل بالبناء في مناطق (ج)؟
وبيّن البشتاوي؛ أنّ الولايات المتحدة ستركّز في أيّة مفاوضات إسرائيلية فلسطينية مستقبلية، على يهودية القدس كعاصمة موحدة لإسرائيل، وإبقاء المستوطنات الكبرى في الضفة الغربية في يدها، مبيناً أنّ أمريكا وإسرائيل والفلسطينيين مع العودة إلى طاولة المفاوضات، ولكن جميعهم يريدون أن تتم هذه المفاوضات بشروطهم، وبالتالي؛ فإنّ "ما تحدّده الولايات المتحدة وإسرائيل سيجعل السلطة الفلسطينية عاجزة تماماً عن الدخول في مفاوضات تستثني القدس واللاجئين".
اقرأ أيضاً: حرمان فلسطيني من الالتحاق بجامعة هارفارد بسبب منشور "لصديق" على فيسبوك
وعمّا إذا كانت الولايات المتحدة ما تزال وسيطاً نزيهاً لخوض أيّة عملية تسوية مستقبلية، يقول البشتاوي إنّ "القيادة الفلسطينية لن تقبل بأن تكون الولايات المتحدة وسيطاً لخوض أيّة عملية تسوية مقبلة؛ لأنّها فقدت نزاهتها باعتبارها شريكاً واضحاً لإسرائيل، بالتالي؛ السلطة الفلسطينية تبحث عن رعاية دولية لأيّة مفاوضات مقبلة، والحلول الحالية تكمن في أن يكون للاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة دور في رعاية أيّة مفاوضات مقبلة مع الإسرائيليين".
إخضاع السلطة الفلسطينية
وفي نظر أستاذ القضية الفلسطينية في جامعة القدس المفتوحة، أسعد العويوي، فإنّ "الولايات المتحدة تحاول الضغط على السلطة الفلسطينية للقبول بما تريده إسرائيل وواشنطن، التي تتبنى وجهة نظر الاحتلال الإسرائيلي؛ بهدف إخضاع القيادة الفلسطينية للقبول بالخطة الأمريكية الإسرائيلية المتبنّاة من قبل اليمين الأمريكي الذي ينتمي لدولة إسرائيل أكثر من اليهود أنفسهم".
الولايات المتحدة ستركّز في أيّة مفاوضات إسرائيلية فلسطينية مستقبلية على يهودية القدس كعاصمة موحدة لإسرائيل وإبقاء المستوطنات الكبرى
وفي تصريح لـ "حفريات" قال إنّ "واشنطن تريد أن تعيد صياغة الحلّ السياسي ليس وفق قرارات الشرعية الدولية، والتي لا تريد أن تلتزم بها إسرائيل"، مؤكّداً أنّ الشرعية الدولية تبيّن أنّ حلّ القضية الفلسطينية بتنفيذ القرارات الدولية كحلٍّ وسط، تمّ الاتفاق عليه سابقاً في الاتفاقيات الموقَّعة بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، برفض الولايات المتحدة كلّ هذه المرجعيات الدولية؛ فهي "تتخلى بذلك عن جميع خطط السلام التي كانت ترعاها؛ وذلك لأنّ اليمين الفاشي الصهيوني الذي يحكم حالياً تتطابق مواقفه مع المصالح الأمريكية، وتتساوق معه بعض الدول العربية التي تنفتح على دولة الاحتلال بدعوى التحالف ضدّ أعداء مفترضين غير إسرائيل".
التوافق على برنامج وطني تحرري
ولفت إلى أنّ "الولايات المتحدة تتبنّى وجهة النظر الإسرائيلية، وهي تحاول أن تضغط على الفلسطينيين منذ أن فشل مؤتمر "كامب ديفيد 2"، في تموز (يوليو) 2000، زمن الرئيس الراحل، ياسر عرفات، الذي لم يوافق على توقيع اتفاقية تنتقص من الحقوق الفلسطينية ولا تضمن القدس وقضية اللاجئين، اللتين تعدّان جوهر القضية الفلسطينية، وبدون حلّ هاتين القضيتين، لن يكون هناك حلّ عادل للقضية الفلسطينية".
اقرأ أيضاً: كيف أقام الانتداب البريطاني وطناً قومياً لليهود في فلسطين؟
ويتوقع العويوي أن يستمر الضغط الأمريكي "لمحاولة إخضاع وجلب القيادة الفلسطينية إلى طاولة المفاوضات للقبول بالإملاءات الصهيوأمريكية، وهو ما لن يقبل به أيّ فلسطينيّ، ولا حتى السلطة الفلسطينية، بالتفريط بقضية القدس واللاجئين، رغم ضعفهم والظروف الصعبة التي يعيشونها".
وبسؤاله عمّا هو المطلوب حالياً من قبل الفلسطينيين للتصدي للخطط الأمريكية التصفوية أجاب العويوي: "المطلوب من الفلسطينيين حالياً؛ التوافق على برنامج وطني تحرري نضالي لمجابهة هذه المؤامرة الكبرى على الشعب الفلسطيني. ودون إنهاء الانقسام لا يمكن للطرف الفلسطيني أن يكون قوياً لمواجهة الأخطار المحدقة بالقضية الفلسطينية".