أسرى فلسطينيون في السجون الإسرائيلية يتحولون إلى أطباء

فلسطين

أسرى فلسطينيون في السجون الإسرائيلية يتحولون إلى أطباء


28/08/2019

يعاني الأسرى الفلسطينيون أوضاعاً مأساوية في غاية الخطورة نتيجة ممارسة مصلحة السجون الإسرائيلية سياسة الإهمال الطبي بحقهم، ورفضها تقديم الرعاية الصحية الملائمة لهم، حتى بات الأطباء بداخل المعتقلات الصهيونية أداة لترهيب وابتزاز الأسرى لمساومتهم على تقديم العلاج مقابل الاعتراف بالتهم الموجهة إليهم، وقد أدى تلكؤ الاحتلال الإسرائيلي في تقديم العلاج للأسرى إلى موت العشرات منهم، وفقدان آخرين بصرهم وبتر بعض أعضائهم.

اقرأ أيضاً: الأسرى الفلسطينيون.. نضال خلف قضبان الاحتلال

ونتيجة لهذه الإجراءات العنصرية وتعبيراً عن رفضهم للاستسلام لقيود السجان وغطرسته عليهم، اتجه الأسرى الفلسطينيون لتقديم العلاج الطبي لأنفسهم بداخل المعتقلات الإسرائيلية، ولجأ عدد منهم للقيام ببعض العمليات الجراحية الصغرى لزملائهم بوسائل بدائية تحدياً للممارسات الصهيونية بحقهم.

وزارة الصحة الإسرائيلية أقرت منح شركات الأدوية تصاريح بإجراء 6 آلاف تجربة سنوياً على الأسرى الفلسطينيين داخل المعتقلات

وبحسب هيئة شؤون الأسرى والمحررين، بلغ عدد الأسرى الفلسطينيين القابعين في السجون الإسرائيلية 5 آلاف و700 أسير، من بينهم 43 أسيرة فلسطينية، و500 أسير يواجهون الاعتقال الإداري، و700 أسير يعانون أمراضاً مختلفة، فيما يقضي 500 أسير أحكاماً بالسجن المؤبد.

وتشير إحصائيات مؤسسة الضمير إلى أنّ عدد شهداء الحركة الأسيرة منذ العام 1967 ارتفع إلى (219)، بينهم (78) أسيراً استشهدوا نتيجة القتل العمد، و(7) معتقلين نتيجة إطلاق النار عليهم مباشرة، و(60) أسيراً نتيجة الإهمال الطبي، و(74) نتيجة التعذيب.

ووفقاً لإعلان طوكيو عام 1956، المتعلق بالتعذيب والمعاملة والعقوبة الوحشية وغير الإنسانية والمذلة في المعتقلات والسجون، فقد نص على أنّ "على الطبيب عدم التشجيع أو التغاضي عن المشاركة في أي تعذيب أو أية إجراءات وحشية أو غير إنسانية أو مذلة، مهما كان الذنب الذي اقترفته الضحية".

تمتنع سلطات الاحتلال عن تقديم العلاج اللازم لهم

معاناة مستمرة

الأسير باسم قاسم (41 عاماً) من بلدة طمون في محافظة نابلس بالضفة الغربية، اعتقلته قوات الاحتلال الإسرائيلي في العام 2003، بعد اقتحام عشرات الجنود المدججين بالسلاح منزله الذي كان يتواجد به، بدعوى تنفيذه عملية إطلاق نار على دورية إسرائيلية على أحد الحواجز العسكرية في مدينة رام الله، وقامت محكمة عوفر العسكرية بالحكم عليه بالسجن لمدة 14 عاماً.

اقرأ أيضاً: الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال يواصلون إضرابهم.. هذه مطالبهم

يقول قاسم لـ "حفريات" وهو يتذكر عذاباته ومعاناته كحال معظم الأسرى الفلسطينيين بداخل المعتقلات الإسرائيلية، إنّه "وبعد النطق بالحكم عليه تم نقله بواسطة البوسطة، وهي عبارة عن سيارة عسكرية مقاعدها حديدية ونوافذها مغلقة وأشبه ما تكون بالقبر المتنقل لضيق مساحتها بعد تكبيل يديه وأرجله، لنقله إلى سجن الرملة".

ويضيف أنّ "رحلة الأسير داخل البوسطة قد تستمر أياماً وساعات عديدة، ويرفض الجنود خلالها، وهم من وحدة النخشون المتخصصة في قمع الأسرى داخل السجون الإسرائيلية، السماح للأسرى بالحديث أو قضاء حاجتهم، ويعطون إجازة في أحيان نادرة لتناول الطعام وهم مكبلو الأيدي، في امتهان واضح للكرامة الإنسانية ودون مراعاة للأوضاع الصحية للأسرى وخاصة المرضى منهم".

مماطلة إسرائيلية

ولفت قاسم إلى أنّه يعاني من عدة أمراض مزمنة "كالقلب والسكري وضغط الدم وترفض عيادة السجن التي تفتقر للأدوية وخدمات الرعاية الصحية الأولية تقديم العلاج المناسب لحالته، ويقتصر بعض الممرضين في داخل العيادة على إعطائه بعض المسكنات والحقن مجهولة المصدر، دون إشراف طبي من قبل الأطباء المتخصصين".

اقرأ أيضاً: أسرى فلسطينيون محررون يؤسسون منصة إلكترونية لتعليم العبرية: اعرف عدوك

يتابع قاسم: "مصلحة السجون الإسرائيلية تماطل بعرضي على أحد المستشفيات المتخصصة لإجراء عملية جراحية لإزالة عيار ناري يستقر في قدمي أطلقه عليّ جنود الاحتلال قبل اعتقالي بعدة أعوام، أثناء مشاركتي في تظاهرة سلمية خرج خلالها أهالي البلدة تنديداً بالاعتداءات المستمرة على المسجد الاقصى، ولم يستطع الأطباء في أحد المستشفيات الفلسطينية من إزالته تجنباً للمضاعفات الخطيرة التي قد تنجم عن ذلك".

وأوضح أنه لم يعد يحتمل الآلام الشديدة الناتجة عن بقاء العيار الناري في قدمه، في ظل عدم اكتراث إدارة المعتقل بتوصية الطبيب بحاجته لعملية جراحية لإزالته ولكن دون جدوى، مما دفعه للدخول في مجازفة خطيرة كادت أن تودي بحياته وتفقده قدمه، بعد مماطلة الاحتلال الإسرائيلي بتقديم العلاج المناسب له.
عمليات جراحية بوسائل بدائية

قاسم لجأ للاستعانة بأحد زملائه الأسرى والحاصل على بكالوريوس تمريض والمحكوم عليه بالسجن المؤبد "لإجراء عملية جراحية له بالرغم من صعوبتها وخطورتها عليه؛ حيث تم تحضير أدوات العملية وهي عبارة عن مشرط تقليدي ومقص وإبرة تخييط ملابس، وجرى تعقيم هذه الأدوات بالطرق التقليدية بتعريضها لدرجة حرارة عالية للقضاء على أي جراثيم قد تحتوي عليها، حتى تمكن زميله من إزالة الطلق الناري من قدمه بنجاح".

اقرا أيضاً: الغرامات المالية... سياسة إسرائيلية لتعذيب الأسرى وعائلاتهم

واضطر قاسم لتحمل آلام العملية الجراحية التي نتج عنها بعض المضاعفات في بداية الأمر نظراً لخطورتها وحاجاتها إلى مركز طبي متخصص لإجرائها، واضطره الأمر إلى جلب بعض العلاجات من خارج المعتقل بواسطة بعض السجانين الإسرائيليين بأسعار مضاعفة لتجنب المخاطر المحدقة التي قد تحدث له.

 بعض الممرضين في داخل العيادة يعطونهم بعض المسكنات والحقن مجهولة المصدر

إهمال طبي

ولم يكن حال الأسير خليل بشارات (37 عاماً) من قرية دير استيا قضاء سلفيت أفضل من غيره، حيث أبلغ "حفريات":"لجأت إلى عيادة سجن عسقلان بعد أن تفاقمت التقرحات والالتهاب في أحد أضراسي، بعد مطالبتي عدة مرات لإدارة المعتقل بتحويلي إلى أحد المراكز الطبية لتلقي العلاج، إلا أنّ جميع محاولاتي باءت بالفشل، ورفضت عيادة السجن تقديم العلاج لي".

أسير فلسسطيني لحفريات: الطبيب الإسرائيلي المختص يغيب كثيراً عن معالجة معظم الحالات المرضية للأسرى ويحل مكانه بعض الأسرى الفلسطينيين

بشارات الذي اعتقلته قوات الاحتلال الإسرائيلي في العام 2006، بتهمة تخطيطه لتنفيذ عملية مسلحة في مستوطنة أرئيل وحكمت عليه المحكمة العسكرية بالسجن لمدة 11 عاماً، لم يستسلم لقرار حرمانه من العلاج بعد تفاقم حالته الصحية، واضطر لتهريب بعض المضادات الحيوية اللازمة بمساعدة أحد حراس المعتقل لحين استقرار حالته الصحية قبل خلع ضرسه.

ويضيف: "بعدما يقارب أسبوعين من تناول العلاج وزوال التقرحات من فمي أحضر زميل لي في المعتقل بعض الأدوات البسيطة وهي ملقط معدني ومقص وزرادية والتي تستعمل لأعمال الكهرباء والأسلاك المعدنية، وقام بخلع ضرسي بعد محاولات عدة لصعوبة إجراء تلك العملية بهذه الأدوات غير المخصصة للقيام بذلك".

معاقبة الأسرى الفلسطينيين

ولفت بشارات إلى أنّ الطبيب الإسرائيلي المختص يغيب كثيراً عن معالجة معظم الحالات المرضية للأسرى، ويحل مكانه بعض الأسرى الفلسطينيين، لذلك يضطر الكثير من الأسرى لسلوك تلك الطرق وتقديم الرعاية الصحية وإجراء بعض العمليات الجراحية لأنفسهم، والتي لا تخلو من الخطر في ظل انعدام البدائل المتوفرة أمامهم".

اقرأ أيضاً: أسرى فلسطينيون يتابعون تعليمهم خلف القضبان ويتحدون عتمة السجون

وتابع: "لم يرق لإدارة السجن القيام بذلك عندما علمت بالأمر، ودأبت على معاقبة جميع المعتقلين بوضعنا في داخل زنازين انفرادية، وتم حرمان عائلاتنا من زياراتنا بداخل المعتقل لعدة أشهر، في ظل استمرار مصلحة السجون بزيادة معاناة الأسرى، وحرمانهم من أبسط حقوقهم التي كفلتها لهم القوانين والأعراف الدولية".

العيادات الطبية داخل المعتقلات الإسرائيلية غير مؤهلة لمتابعة أوضاع الأسرى المرضية

أوضاع مأساوية خطيرة

رئيس وحدة الدراسات والتوثيق في هيئة شؤون الأسرى والمحررين، عبد الناصر فروانة يقول لـ "حفريات" إنّ "سلطات الاحتلال تماطل في تقديم الرعاية الصحية للأسرى المرضى بداخل السجون الإسرائيلية وتتجاهل آلامهم ومعاناتهم، بهدف إلحاق الأذى بهم، وقتل الأسير من الناحية المعنوية والنفسية، وإبقائه عالة على أسرته والمجتمع بعد قضاء محكومتيه وخروجه من المعتقل".

اقرأ أيضاً: الاحتلال يقرّ قانوناً يستهدف أسر الأسرى والشهداء..هذه تفاصيله

ويضيف فروانة: "يؤثر الإهمال الطبي على حياة الأسرى بشكل كبير، وتمتنع سلطات الاحتلال عن تقديم العلاج اللازم لهم، أو تحويلهم إلى المراكز الطبية المتخصصة، لأسباب غير منطقية تحت ذريعة الأمن".

ولفت إلى أنّ "العيادات الطبية داخل المعتقلات الإسرائيلية غير مؤهلة لمتابعة أوضاع الأسرى المرضية من حيث الكوادر والخدمات الطبية المقدمة، وفي كثير من الأحيان أصبحت تستخدم هذه العيادات كزنازين لتعذيب الأسرى، وتحوّل أطباءها إلى محققين لزيادة معاناة المرضى وعدم الاكتراث بمعاناتهم وحياتهم".

وكانت وزارة الصحة الإسرائيلية قد أقرت منح شركات الأدوية الخاصة تصاريح بإجراء 6 آلاف تجربة سنوياً على الأسرى الفلسطينيين داخل المعتقلات الصهيونية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية