إسرائيل تسمّم وتدمّر المحاصيل الزراعية في غزة والأغوار

إسرائيل تسمّم وتدمّر المحاصيل الزراعية في غزة والأغوار


13/01/2022

ما إن يقترب فصل الشتاء حتى يستعد المزارعون الفلسطينيون لجني المحاصيل الزراعية، التي انتظروا نضوجها بفارغ الصبر، إلا أنّ ممارسات الاحتلال الإسرائيلي تحول دون ذلك، فالمناورات العسكرية المتكررة، أدت إلى تدمير أراضي المزارعين في منطقة الأغوار الشمالية، وضياع المجهود الذي بذلوه طوال العام.

وتشكّل التدريبات التي ينفذها الاحتلال الإسرائيلي في منطقة الأغوار الشمالية، معضلة أساسية أمام المزارع الفلسطيني، وتشكّل حجر عثرة أمام تقدم القطاع الزراعي في تلك المناطق.

وتمنع سلطات الاحتلال سكان خربة "إبزيق" في الأغوار من اقتناء السيارات، وتستولي عليها، إلى جانب الاستيلاء على معداتهم الزراعية، كما تحطّم الألواح الشمسية، وهي مصدر الكهرباء الوحيد للسكان هناك".

هناك احتلال جديد لمنطقة الأغوار، هو "الاحتلال الرعوي"؛ حيث قام ما يسمى بمجلس المستوطنات بتشكيل عصابات المستعمرين، تقوم بالتنكيل بالمواطنين، والرعاة الفلسطينيين، ومنعهم من الدخول إلى أراضيهم ومراعيهم

ولم تقتصر المضايقات الإسرائيلية على المزارعين بمنطقة الأغوار الشمالية فحسب، ففي قطاع غزة يعتدي الاحتلال على المزارعين الفلسطينيين الذين يعملون بالقرب من السياج الحدودي، سواء بإطلاق النار صوبهم، واستهداف أدواتهم، ومعداتهم الزراعية، أو تجريف أراضيهم  بالآليات، والجرافات العسكرية.

ومؤخراً استخدم الاحتلال طريقة جديدة للتنغيص على المزارعين من خلال رشّ المحاصيل الزراعية بالمبيدات السامّة بواسطة الطائرات، وفتح عبّارات وسدود مياه الأمطار تجاه مئات الدونمات الزراعية شرقي القطاع، الأمر الذي تسبّب في إتلاف محاصيلهم الزراعية، وتكبيدهم خسائر مادية كبيرة.

إقرأ أيضاً: ما الرسائل السياسية المضمَرة للاعتداءات الإسرائيلية على سوريا؟

وقام الاحتلال برشّ المبيدات على طول السياج الأمني الممتد على طول نحو 40 كيلو متراً شرق القطاع، سعياً منه إلى منع نمو نباتات بذريعة اعتبارات أمنية، علماً أنّ المزارعين يدركون خطورة المنطقة الحدودية، ولا يزرعون سوى المحاصيل الورقية التي لا يزيد طولها عن 60 سنتمتراً، ويبتعدون عن زراعة الأشجار وإقامة الدفيئات.

وجاء في تقرير لصحيفة "هآرتس" العبرية، أنَّ سكان تلك المنطقة فقراء يعيشون حياة بدائية ويقاسون البرد، ولا يملكون شيئاً يواجهون به آليات الاحتلال التي تدمر ممتلكاتهم.

ولفتت "هآرتس" إلى أنَّ جرافات الاحتلال سحقت، الإثنين الماضي، مئات الدونمات، ودمّرت بوادر المحاصيل، وصهاريج المياه، وتساءلت: "ما الذي سيقوله هؤلاء الجنود لعائلاتهم عندما يعودون إلى البيت من تلك المهمة؟".

تدمير القطاع الزراعي

وتعليقاً على هذه الممارسات الإسرائيلية، يقول الخبير الزراعي نزار الوحيدي، في حديثه لـ "حفريات": "دأب الاحتلال الإسرائيلي على تدمير القطاع الزراعي وإضعافه، وعمل خلال السنوات الماضية على تجريف المزارع، ومنع ترخيص الآبار في الضفة وغزة، ومنع حفر السدود التخزينية، ومصادرة مياه العيون، والآبار الجوفية الغزيرة، والآبار الارتوازية، وتحولت حياة المزارعين إلى جحيم لا يطاق".

 الخبير الزراعي نزار الوحيدي: دأب الاحتلال الإسرائيلي على تدمير القطاع الزراعي وإضعافه

ويرى أنّ عملية رشّ الأراضي الزراعية المحاذية للحدود بالمبيدات قبل موعد حصادها بفترات قليلة، "تعدّ جريمة ضدّ الإنسانية، خاصة وأنّ ذلك سبب حالات تسمم في صفوف المواطنين، وفق ما أثبتته الفحوصات المخبرية التي أجرتها وزارة الصحة، إضافة إلى إلحاق أضرار بالغة بالحقول والمزروعات، وهذا يشكّل تهديداً مباشراً، وخطيراً على الأمن الغذائي؛ إذ إنّ تلك الإجراءات مخالفة لقرارات الأمم المتحدة، والأعراف الدولية".

إقرأ أيضاً: 100 أسير فلسطيني ينالون البكالوريوس والماجستير رغم أحكام المؤبد

يتابع: "الزراعة بالمناطق الحدودية أصبحت انتحاراً جسدياً، ومغامرة مالية لا يمكن الاستفادة منها، فبعد أن كانت مناطق جذب للاستثمارات، ومعظم خضروات القطاع تكون منها، وكانت تشكّل ما يزيد عن 5% من إجمالي الناتج المحلي، وقرابة (30)% من إجمالي الإنتاج الزراعي النباتي، وحوالي (75) % من الإنتاج الحيواني، أصبح المستثمرون يهجرونها، كونها غير ملائمة للأنشطة الزراعية".

لماذا يستهدف الاحتلال المزارعين؟

ويلفت الوحيدي إلى أنّ العمل الزراعي في قطاع غزة تحول إلى مغامرات غير محسوبة العواقب، وهي سياسة مبرمجة تهدف إلى حزمة من الأهداف، أولها سرقة الأرض، وقتل المزارع، وتجويع الشعب، وضرب الاقتصاد، وزلزلة الأمن الغذائي، والتهجير القسري من خلال إعدام فرص العمل في القطاع الزراعي.

ويبين الوحيدي؛ أنّ رشّ المبيدات على الأراضي الزراعية المحاذية للسياج الأمني يكون في فترة الصباح، وحينما تكون الرياح متجهة من الشرق إلى الغرب، وذلك لضمان وصول ما يتم رشّه إلى أراضي الفلسطينيين، وليس إلى أراضي المستوطنين.

مسؤول ملف الأغوار في محافظة طوباس، معتز بشارات لـ"حفريات": أصدر الاحتلال قرارات بمصادرة (185) ألف دونم من أراضي المزارعين بالأغوار الشمالية؛ بذريعة أنها مناطق مغلقة تستخدم للتدريبات العسكرية

وأرجع الخبير الزراعي سبب ارتفاع معدلات الإصابة بمرض السرطان في صفوف المواطنين في قطاع غزة، إلى رشّ المبيدات بشكل مستمر على الأراضي الزراعية، خاصة أنّ تلك الأراضي المستهدفة تبلغ مساحتها (25)٪ من مساحة الأراضي الزراعية في غزة.

إخلاء الأرض من السكان

وفي سياق متصل،  يبيّن مسؤول ملف الأغوار في محافظة طوباس، معتز بشارات؛ أنّه منذ ثلاث سنوات صعّد الاحتلال من هجماته ضدّ الوجود الفلسطيني في الأغوار، وبدأ بشن هجمة شرسة ضدّ السكان والمزارعين، وخلال الفترة الأخيرة نشطت التدريبات العسكرية في تلك المناطق" الأغوار" بذريعة المناورات.

ويشير في حديثه لـ"حفريات" إلى أنّ المناورات العسكرية التي يجريها الاحتلال الإسرائيلي في الأغوار أثرت بشكل كبير على الزراعة بتلك المناطق، حيث يتم تدمير مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية تفوق الـ (3000) دونم سنوياً، الأمر الذي ساهم في تقيلص مساحة الأراضي الزراعية بالأغوار.

إقرأ أيضاً: تنظيمات إرهابية إسرائيلية تهدد برمي الفلسطينيين وراء النهر

 ويوضح بشارات أنه خلال السنوات الأخيرة أصدر الاحتلال قرارات بمصادرة (185) ألف دونم من أراضي المزارعين بالأغوار الشمالية؛ بذريعة أنها مناطق مغلقة تستخدم للتدريبات العسكرية، إضافة إلى ضمّ حوالي (76) ألف دونم وإعلانها محميات طبيعية، ومصادرة مساحات واسعة من الأراضي لإقامة بؤر استيطانية.

احتلال رعوي

اليوم، هناك احتلال جديد لمنطقة الأغوار، وهو "الاحتلال الرعوي"؛ حيث قامت حكومة الاحتلال، وما يسمى بمجلس المستوطنات بتشكيل عصابات المستعمرين، وهؤلاء يقومون بالتنكيل بالمواطنين، والرعاة الفلسطينيين، ومنعهم من الدخول إلى أراضيهم ومراعيهم، ومصادرة الآلات الزراعية، وصهاريج المياه التي تستخدم للريّ، وفرض الغرامات المالية الباهظة عليهم، "يقول بشارات".

مسؤول ملف الأغوار في محافظة طوباس، معتز بشارات: المناورات العسكرية التي يجريها الاحتلال الإسرائيلي في الأغوار أثرت بشكل كبير على الزراعة بتلك المناطق

ويشدّد على أنّ التدريبات المتكررة بتلك المناطق أدّت إلى تدمير مئات الدونمات المزروعة بالقمح والشعير والخضروات، وذلك بفعل جنازير الدبابات في خربة ابزيق، ومنطقة الشكّ بالفارسية وقاعون وغيرها.

إقرأ أيضاً: العرب داخل "إسرائيل" يودعون عاماً مثقلاً بالتمييز العنصري

عبد الرحمن عيد يمتلك أرضاً زراعية شرق مدينة خانيونس بالقرب من الشريط الحدودي مع الاحتلال الإسرائيلي، وتعد الزراعة مهنته الأساسية التي يعتاش منها، هو وأسرته المكونة من اثني عشر فرداً، لكنّه هذا العام لم يتمكّن من زراعة تلك الأرض، نتيجة الأضرار التي لحقت بها بعد رشّها بالمبيدات الحشرية من قِبل الطائرات الإسرائيلية العام الماضي.

يقول لـ "حفريات": "في الوقت الذي كنت أنتظر به، أنا وأبنائي، موسم الحصاد، كباقي المزارعين العام الماضي، لبيع ما زرعناه، قامت الطائرات الإسرائيلية برشّ المبيدات  على النباتات، والخضروات قبل قطفها بفترة قصيرة، وبعد معاينة وزارتي الصحة والزراعة، أخبرونا بأنّ تلك المبيدات تضمّ مواد سامة تسربت إلى الأرض، ويجب إتلاف المحصول، وعدم زراعة الأرض لعدة أشهر".

خسائر مادية

يضيف: "الاحتلال الإسرائيلي يحاربنا في لقمة العيش، فالمبيدات التي ترشّها الطائرات على أراضينا الزراعية، تؤثر بشكل كبير على التربة، وتجعلها غير صالحة للزراعة لفترة طويلة، وهذا يكبدنا خسائر مادية كبيرة، ويجعلنا غير قادرين على توفير متطلبات الحياة، خاصة أنّ تلك المهنة هي مصدر رزقنا الوحيد، ولا مهنة لنا سواه".

ويعتقد عبد الرحمن عيد أنّ "الهدف من رشّ المبيدات، وتجريف الأراضي الزراعية، وضخّ مياه الأمطار، وغيرها من المضايقات التي يتعرض لها المزارعون، بالمناطق الحدودية بشكل يومي، تدمير البنية الزراعية، وإحداث خلل في "الأمن الغذائي" في قطاع غزة، لاسيما أنّ المنطقة الشرقية تعدّ بمثابة السلة الغذائية للقطاع".

الصفحة الرئيسية