إبراهيم لاصيفر: دار الإفتاء تحولت إلى حزب ديني، والإسلام السياسي يقود ليبيا نحو الهاوية

إبراهيم لاصيفر لــ (حفريات): دار الإفتاء تحولت إلى حزب ديني، والإسلام السياسي يقود ليبيا نحو الهاوية

إبراهيم لاصيفر: دار الإفتاء تحولت إلى حزب ديني، والإسلام السياسي يقود ليبيا نحو الهاوية


05/05/2025

أجرى الحوار: رامي شفيق

تجاوزت الأزمة السياسية في ليبيا حدود التناقضات، وتعطلت خطوات الفاعلين إلى حدٍّ بدت فيه الأجسام السياسية تتربص ببعضها بعضًا، وتخطط لإقصاء كل طرف لصالح آخرين.

إلى ذلك، قال المستشار السياسي إبراهيم لاصيفر: إنّ المشهد الليبي غدا متعثّرًا، مشددًا في حواره مع (حفريات) على أنّ "الجمود السياسي والانقسام المؤسسي" باتا يهدّدان بانهيار اقتصادي وأمني شامل في البلاد. وأكد أنّ غياب الإرادة الوطنية وتواطؤ بعض الفاعلين أسهما في عرقلة المسارات الانتخابية.

ولفت الباحث السياسي إبراهيم لاصيفر إلى أنّ الصراع داخل المجلس الأعلى للدولة ينذر بنتائج وخيمة، واصفًا الخلاف بين خالد المشري ومحمد تكالة بأنّه "انعكاس لانقسام داخلي حاد"، داعيًا إلى إقصائهما عن المشهد وإفساح المجال أمام شخصيات جديدة.

ولا يُخفي الباحث السياسي قلقه من "تحوّل دار الإفتاء إلى حزب ديني متطرف"، مشيرًا إلى أنّ الصادق الغرياني حوّل الخلاف السياسي إلى صراع بين الإيمان والكفر.

وفي ختام حواره مع (حفريات)، يطرح إبراهيم لاصيفر رؤية واضحة للخروج من الأزمة، تبدأ بتوحيد المؤسسات وتغليب المصلحة الوطنية على الحسابات الفئوية الضيقة، وصولًا إلى شكل الدولة الحديثة التي تستطيع مجاراة التحولات المتسارعة إقليميًا ودوليًا.

 المستشار السياسي: إبراهيم لاصيفر

نص الحوار:

كيف تقيّم المشهد السياسي الليبي الحالي في ضوء تعثّر المسارات الانتخابية وتعقّد الحوار بين الأطراف الفاعلة؟

 

 يقينًا الواقع يكشف أنّ الحالة الليبية تعاني بشكل واضح من الانقسام في مؤسسات الدولة المختلفة، سواء التشريعية أو التنفيذية أو الرقابية، وكذلك الفضائية والمؤسسات والهيئات التابعة لها. وقد أدى هذا الانقسام إلى حالة من الجمود السياسي أصابت الوضع السياسي والاقتصادي والأمني بشلل كامل؛ ممّا ألقى بظلاله على المسار السياسي بشكل خاص. وفي ظل غياب تكامل الفواعل السياسية والإرادة الوطنية في البلاد، تعطّل إجراء الانتخابات، سواء التشريعية أو الرئاسية. ومع غياب الضغط الدولي والإقليمي، الذي كان دائمًا هو الفيصل في عملية التغيير السياسي في ليبيا، وبسبب تعنّت ورفض القائمين على العملية السياسية في شرق البلاد وغربها، فإنّ استمرار غياب الإرادة الوطنية الحقيقية وتغليب المصلحة العامة على المصالح الشخصية الضيقة سيؤدي إلى استمرار الجمود السياسي والانقسام المؤسسي، ممّا سيؤثر بشكل سلبي على الحالة الاقتصادية والأمنية والاجتماعية في البلاد.

وتأسيسًا على ذلك تستطيع رؤية التضارب بين الفاعلين، الأمر الذي بدا مؤخرًا بين المراسيم التي يصدرها المجلس الرئاسي في العاصمة طرابلس وتعقيب مجلس النواب في طبرق عليه، وتهديد الأول بحلّ المجالس التشريعية سواء مجلس النواب أو المجلس الأعلى للدولة.

يشهد المجلس الأعلى للدولة صراعًا واضحًا بين خالد المشري ومحمد تكالة؛ ما خلفيات هذا الصراع؟ وهل هو انعكاس لخلاف أوسع بين تيارات أو جهات خارجية تندرج داخل الإسلام السياسي؟

 

 نعم، يشهد المجلس الأعلى للدولة انقسامًا حادًا بين أعضائه، ممّا أثر بشكل مباشر على رئاسة المجلس. فالخلاف الحاصل بين خالد المشري ومحمد تكالة ما هو إلا انعكاس لهذا الانقسام الداخلي، وحالة التباين الحاد بين القوى المؤيدة للحكومة والمعارضة لها، والتي تريد كل منها السيطرة على المجلس لما يمثله من سلطة تشريعية مكمّلة لسلطة البرلمان، حسب ما نص عليه الاتفاق السياسي.

كل ذلك يفصح بشكل واضح للأزمة التي بدت عليها البلاد وهي تمضي نحو توحيد كافة مؤسساتها وأجهزتها التنفيذية ومناصبها السيادية.

إذًا، ما الأجندات التي يمثلها كل من خالد المشري ومحمد تكالة؟ وهل هناك تمايز حقيقي في الرؤية السياسية بين الطرفين؟ خالد المشري ومحمد تكالة معروفان بانتمائهما إلى الإسلام السياسي، فهل تعتقد أنّ الصراع الحالي يُمثّل صراعًا حقيقيًا وواقعيًا بين أجنحة داخل الإسلام السياسي؟

 لا يخفى على أحد ما يمثله خالد المشري من تيار سياسي، سواء بانتمائه السابق إلى جماعة الإخوان المسلمين قبل أن يستقيل منها، أو بصفته عضوًا في حزب العدالة والبناء. وقد كان له دور فاعل في المحطات السياسية السابقة، ولعب دورًا جوهريًا وأساسًا في الحياة السياسية ما بعد شباط (فبراير)، على عكس محمد تكالة، الذي يُعتبر جديدًا على المشهد السياسي، ولم يبرز كاسم في المحطات السياسية السابقة إلا بعد ترشحه لرئاسة المجلس الأعلى للدولة. ورغم انتمائه لجماعة الإخوان المسلمين وحزب العدالة والبناء، فإنّ ظهوره كان على استحياء، وحتى أدواره داخل الجماعة أو الحزب لم تكن معروفة أو مذكورة.

العضو في حزب العدالة والبناء: خالد المشري

ما مدى تأثر المشهد الليبي عمومًا بتراجع الإسلام السياسي في دول الجوار، خاصة تونس والسودان ومصر؟

تأثر الإسلام السياسي في ليبيا بالتراجع والضيق الحاصل في دول الجوار، ممّا أصابه بحالة من الضعف. لكن يبقى الإسلام السياسي في ليبيا حاضرًا في العملية السياسية، رغم تراجعه وضعفه، وما تزال هناك شخصيات وأحزاب تنتمي إليه وتؤثر في المشهد الليبي، وتستفيد بشكل أو بآخر من تعثر الأجسام السياسية في حسم موقفها من التطور نحو دولة مدنية حديثة.

برأيك، هل بات المجلس الأعلى للدولة جزءًا من الأزمة السياسية، أم ما زال يمتلك فرصة للعب دور فاعل في الحل؟

 صحيح، المجلس الأعلى للدولة، وقبيل الانقسام، كان جزءًا من الأزمة الليبية، والانقسام الذي يعانيه الآن زاد من حالة الإرباك السياسي، كونه شريكًا في العملية السياسية بشكل عام، وفي العملية التشريعية بشكل خاص. يمكن للمجلس، في حال حلّ الخلاف الحاصل حول رئاسته، أن يلعب دورًا محوريًا في العملية السياسية، وأن يكون جزءًا من الحل والدفع بها إلى الأمام، وإنهاء حالة الجمود الحاصل.

كيف أضحت بعض رموز الإسلام السياسي في ليبيا بواعث للتحالفات ومحفّزًا على التوتر، خاصة أبناء تيار دار الإفتاء وتحالفاتهم مع السلطة السياسية والدبيبة؟

للأسف الشديد، إنّ دار الإفتاء، والشيخ صادق الغرياني، انحرفا عن الدور المطلوب، وأصبحا جزءًا من العملية السياسية؛ ممّا زاد من حالة الانقسام والضيق، وأصبحا عبئًا على بناء الدولة. فبآرائه السياسية المتطرفة، ومواقفه المؤيدة والمعارضة، حوّل الغرياني العملية السياسية من فن الممكن إلى الحلال والحرام، ونقلها من مربع الاجتهاد السياسي إلى مربع الإيمان والكفر. نراه يخاصم ويصف خصومه بالخيانة والعمالة، لا لشيء إلا لاختلافهم السياسي معه. للأسف، صادق الغرياني ومن يدور في فلكه حولوا مؤسسة الإفتاء إلى حزب ديني متطرف يحاول تكرار تجربة ولاية الفقيه على الطريقة "الغريانية".

كيف يؤثر هذا الانقسام على فرص تنظيم الانتخابات وتوحيد المؤسسات السيادية في البلاد؟

سأقول لك الأمر بكل وضوح: إذا أردنا الوصول إلى انتخابات واستقرار وازدهار في البلاد، يجب أوّلًا إنهاء حالة الانقسام الحاصل، وتوحيد مؤسسات الدولة، وإيجاد حكومة موحدة بمهام محددة. كما يجب وضع الخلافات السياسية جانبًا، والعمل بروح وطنية، وفرض هيبة الدولة، والحفاظ على المظلة الاجتماعية، ووضع كل التوجهات تحت مظلة الوطن، وتغليب المصلحة العامة على المصالح الضيقة.

في ظل هذه المعطيات، ما السيناريوهات الممكنة لمستقبل المجلس الأعلى للدولة؟ وهل تتوقع بروز شخصيات جديدة قادرة على تجاوز حالة الاستقطاب؟

في تقديري إنّ الحل الأنسب، وربما الأرجح في الأفق المنظور لما يعانيه المجلس الأعلى للدولة، هو إبعاد خالد المشري ومحمد تكالة، والدفع بشخصيات جديدة، وإنهاء هذا الخلاف. فخروج المجلس من حالة الانقسام يجعله شريكًا أساسيًا ومحوريًا في العملية السياسية.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية