أي بديل أوروبي لطواقم الإخوان ومنابع تمويلهم؟

أي بديل أوروبي لطواقم الإخوان ومنابع تمويلهم؟


17/11/2020

تمارس باريس وفيينا اللتان شهدتا هجمات إرهابية دامية مؤخرا ضغوطا باتجاه محاصرة التطرف عبر مقاربات أشمل، فيما يرى خبراء أن الطريق باتت معبدة لنشوء أسلوب جديد لمكافحة ظاهرة التطرف الإسلامي بدءا من محاولات السيطرة على جماعات الإسلام السياسي التي انتشرت في أوروبا تمهيدا لتحييدها ووصولا إلى البحث عن البديل الإسلامي الذي ستوكل إليه مهام التأطير الديني الذي يوازن بين متطلبات العقيدة الإسلامية وقيم الديمقراطية العلمانية.

وأحيت تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأن “الإسلام في أزمة” الجدل بشأن مدى نجاح الدول الأوروبية في تكريس “إسلام أوروبي” يتماشى مع طبيعتها العلمانية دون المس من معتقدات المسلمين المقيمين على أراضيها.

ولا تزال المؤسسات الأوروبية تبحث إلى حد الآن عن الوصفة المثالية لمكافحة الإرهاب والتطرف الإسلامي في ظل فشل إستراتيجيات سابقة بنيت أغلبها على المقاربة الأمنية الزجرية التي لم تؤت أكلها رغم بعض النجاحات.

ويرى مراقبون أن مكافحة الإرهاب والتطرف الإسلامي معركة طويلة الأمد تستوجب مقاربة ثقافية واجتماعية ومؤسساتية شاملة، إذ أن محاربة الفكر المتطرف تستوجب اجتثاث منابع تفريخه ومنصات الترويج له.

وتتهم النمسا صراحة جماعة الإخوان المسلمين بتفريخ التطرف على أراضيها عبر المراكز الإسلامية والجمعيات التابعة لها والتي تمولها بالأساس تركيا وقطر، كما أن باريس تشاركها نفس القناعات بعد أن أعلنت دخولها في حرب ” بلا هوادة” مع تنظيمات الإسلام السياسي المتغلغلة في المساجد والمتخفية خلف ستار العمل الجمعياتي.

وبدأت أوروبا تراجع مواقفها السياسية من جماعة الإخوان المسلمين بعد أن كانت دول أوروبا حاضنة للجماعة سواء لمواقف سياسية أو لأنها كانت مخدوعة بخطابها المزدوج.

وتطورت مواقف دول أوروبا من مرحلة المراقبة لجماعة الإخوان المسلمين ومطالبتها بشكل مستمر بنبذ التطرف، إلى مرحلة مناقشة حظر الجماعة وتصنيفها منظمةً إرهابية، وذلك بعد أن انكشفت ازدواجيتها الأخلاقية، وكيف أنها تستغل أجواء الديمقراطية الأوروبية لتنفيذ أجندتها داخل أوروبا وخارجها من أجل تحقيق مكاسب سياسية.

وأنشأت الجماعة سلسلة من المنظمات تبدو مستقلة ظاهريا لكنها تدعم في الخفاء شبكات من الشركات والجمعيات الخيرية والمنظمات والمدارس والشركات والعديد من الكيانات الأخرى، من أجل تمرير خطابها الأيديولوجي المتطرف، في الوقت الذي كشفت فيه الكثير من الهجمات الإرهابية فى الدول الأوروبية عن وجود رابط أيديولوجي بين منفذي تلك الهجمات والإخوان. هذا إضافة إلى استمرار محاولات الإخوان لخلق مجتمع مواز، واستغلال كل السبل المتاحة لهم، وعلى رأسها وسائل التواصل الاجتماعي، لنشر أفكارهم المتطرفة.

وتطرح هذه التحديات على دول القارة مراجعة سياساتها تجاه جماعة الإخوان المسلمين والتنظيمات الإسلامية التي تشاركها الأيديولوجيا المتطرفة عبر تعزيز دمج المسلمين في المجتمعات الأوروبية وإغلاق جميع المنابر التي تروج للتطرف والانعزالية، وهو ما شرعت النمسا وفرنسا في تطبيقه.

وتطرح الإجراءات الفرنسية النمساوية التي ينتظر أن تتبناها بقية الدول الأوروبية تساؤلات بشأن من سيشرف على آلاف المراكز الإسلامية المنتشرة في أوروبا بعد تخليصها من دعاة التطرف والإرهاب؟ وكيف سيتم تمويل أنشطتها؟

مركز أوروبي لتدريب الأئمة

في ظل تنامي التيارات الإسلامية المتطرفة في الغرب بدعم خارجي يطرح الكثيرون مفهوم “الإسلام الأوروبي” لخلق القطيعة مع الفهم التقليدي للإسلام وممارسة تعاليمه في البلدان الإسلامية. ويرى الداعون إلى الإسلام الأوروبي أن على الدين الإسلامي التعامل بطريقة أكثر حداثة وتمدنا مع القضايا المعاصرة.

ويعكس تأييد رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال لإنشاء معهد أوروبي يتولى تدريب الأئمة -وذلك لوقف استقدام أئمة من الخارج وإضفاء استقلالية مالية وفكرية على تدريب المسؤولين الروحيين في أوساط الجاليات المسلمة- وعيا أوروبيا متأخرا بالدور الذي لعبه عدد من الأئمة المبتعثين في نشر الفكر المتطرف وتعزيز النزعة الانفصالية داخل المجتمعات الأوروبية.

وقال ميشال إن “تأسيس المعهد الأوروبي لتدريب الأئمة، مسألة تضمن أن رسالة التسامح والانفتاح هذه يمكن نقلها على المستوى الأوروبي، حتى نضمن قبول سيادة القانون المدني لدى بعض الفئات”.

وفي 2018 قامت الحكومة النمساوية بإغلاق سبعة مساجد وطرد ستين إماما مرتبطا ومموّلا من قبل تنظيمات الإسلام السياسي.

وطالب الرئيس الفرنسي -أثناء عرضه في 2 أكتوبر مشروع قانون حول الانعزالية يهدف خصوصاً إلى “هيكلة الإسلام” في فرنسا- من المجلس الفرنسي للديانة الإسلاميّة، المحاور الرئيسي للسلطات، أن يؤسّس خلال ستّة أشهر مسار “تأهيل تدريب الأئمّة” وتنظيم “شهادات” اعتماد لهم ووضع “ميثاق يؤدّي عدم احترامه إلى العزل”.

وسيُتيح تدريب الأئمّة تحقيق هدف آخَر بالنسبة إلى الحكومة الفرنسيّة، يتمثّل في إنهاء التعاون مع 300 إمام من تركيا والجزائر.

و يوجد الآلاف من أئمة المساجد في ألمانيا يديرون 2600 مسجد وأغلبهم ليست لهم مؤهلات علمية وتتحكم فيهم الجمعيات التركية غالبا، فعدد الأتراك في ألمانيا هو ثلاثة ملايين من أصل خمسة ملايين مسلم، ويصل عدد الجمعيات الإسلامية إلى حوالي 2000 جمعية غالبيتها مدعومة وممولة من قبل الدولة التركية .

ويؤثر نوع الجاليات في الدول الأوروبية على مدى تحكم الدولة التي تنحدر منها تلك الجاليات، ففي دولة مثل ألمانيا تتحكم تركيا في معظم المساجد وأئمتها وهي التي تختارهم وترسلهم إلى ألمانيا وتدفع رواتبهم من خزانة الدولة التركية.

ولطالما اشتكت جهات عدة في ألمانيا من تبعية اتحاد الجمعيات الإسلامية “ديتيب” للدولة التركية، وبما أن الدولة التركية انتهجت في عهد “العدالة والتنمية” برنامج دعم الحركات الإسلامية والجهادية فإن مجال تأثير الأئمة في ألمانيا على الشباب وتجنيد الجهاديين أوسع مما هو عليه في دولة مثل فرنسا التي ينحدر مسلموها من الدول المغاربية التي لا تمتلك سياسة ممنهجة مثل تركيا وقطر في دعم الجماعات الإسلامية في أوروبا.

ويتأكد مما سبق الدور السيئ الذي يلعبه أئمة المساجد في نشر العنف وخطاب الكراهية وتجنيد المقاتلين في عملية صناعة الموت الممنهجة، وأغلب هؤلاء الأئمة لا يتحركون بشكل منفرد بل يتبعون جهات ودولا أخرى هي التي تمولهم وتحركهم بالشكل المطلوب.

وتختلف تبعية الجمعيات والمساجد من دولة أوروبية إلى أخرى؛ فبينما يعمل بعض الأئمة بشكل فردي في بعض الدول مثل السويد نجد أن دولة مثل ألمانيا تتحكم فيها الجمعيات التركية في الغالب بينما تتحكم قطر في الجمعيات الإسلامية في بريطانيا وأغلبيتها تتبع جماعة الإخوان المسلمين النشطين في لندن وضواحيها. وتستفيد قطر من حجم استثماراتها الهائلة في بريطانيا للتحكم في هذه الجماعات.

ونستشف مما سبق أن مساجد أوروبا متحكم فيها من الخارج ومن الضروري أن تكون هناك مرجعيات أوروبية هي التي تؤهل الأئمة وتتحكم في المسار الديني وتنظم شؤون المساجد والخطابة.

وعلى الرغم من أهمية الخطوة يرى أخصائيون أنها تبقى غير كافية. ويعتبر الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية في أوروبا، هادي يحمد أن ”العقبة الكبرى أمام بناء خطاب إسلامي أوروبي يتوافق مع المجتمع الأوروبي وقيمه العلمانية ليس مكان تدريب الأئمة بل المناهج التي يتعلمونها ثم يعيدون إنتاجها في شكل خطب وممارسة دعوية'”.

ويضيف يحمد في حديث مع سكاي نيوز عربية “مسألة توطين معاهد تدريب الأئمة في الداخل الأوروبي لن تكون ذات نجاعة ما لم يرافقها تجديد في مناهج التدريب، ففي فرنسا وفي الكثير من الدول الأوروبية هناك العشرات من معاهد التدريب التابعة لجماعات الإسلام السياسي، الإخوان المسلمين والسلفيين، وتتمتع باعتراف إداري وقانوني، لكن مناهجها متطابقة مع مناهج الأئمة الذين يأتون من خارج الفضاء الأوروبي”.

ضريبة على المساجد

أسهمت المراكز الإخوانية بما تديره من مساجد في تصاعد القلق الأمني من التمويلات الخارجية واحتمالية استخدامها لأغراض مشبوهة، ما دفع السلطات الألمانية إلى التباحث حول قانون ضريبة على المساجد كأحد الحلول لقصر التمويلات على الداخل فقط دون تلقي الدعم الخارجي.

ويرى مراقبون أن مقترح قانون “الضريبة على المساجد” في ألمانيا يمكن تعميمه على باقي دول القارة كأحد مصادر التمويل الداخلية الهامة من أجل فك الارتباط المالي بالخارج.

ويقترح أكاديميون وساسة غربيون أيضا إنشاء صندوق أوروبي موحد لتمويل أنشطة المراكز الإسلامية داخل دول الاتحاد، يتم تمويله من قبل الحكومات الأوروبية ويكون تحت إشراف المفوضية الأوروبية.

وأفاد تقرير نشرته شبكة يورو نيوز تحت عنوان “ألمانيا نحو فرض ضريبة المسجد على المسلمين” في 13 مايو 2019 بأن الحكومة التركية تمول حوالي 900 مسجد بالبلاد، إلى جانب تمويلات أخرى تسعى برلين لتقويضها عبر مشروع الضريبة.

واقترحت المحامية سيران أطيش، مؤسسة مسجد “ابن رشد – غوته” الليبرالي في برلين، فكرة فرض ضرائب على المسلمين من رواد المساجد، على غرار ضريبة الكنائس للمسيحيين، بهدف ضمان تمويل داخلي للمساجد في المدن الألمانية، بدلاً من التمويل الخارجي للكثير منها عبر دول خارجية، مثل تركيا، أو عبر مؤسسات تابعة لدول مثل قطر.

وقالت أطيش في تصريحات لصحيفة “فيلت” الألمانية “كل ما تحتاج إليه المساجد من الممكن تدبيره في المستقبل من الأعضاء أنفسهم”، في إشارة إلى النقاش الساخن، الذي يجري في البلاد حول مدى تأثير الخارج على المساجد وروادها عبر تمويلها مالياً.

وتجمع ألمانيا ضرائب الكنيسة من أتباعها طواعية، أي أن كل من يسجل نفسه بأنه تابع لكنيسة معينة عليه أن يدفع ضريبة الكنيسة في إطار الاستقطاعات الضريبية من الراتب الشهري أو إثر تصفية الحسابات السنوية مع دائرة الضرائب. وعلى خلاف الكنائس، لا تجمع الدولة الألمانية ضرائب للمساجد.

والكنائس يتم تمويلها في ألمانيا عبر ضرائب تجمعها الدولة من أتباع هذه الكنائس فيما المساجد تمول من قبل تبرعات قادمة من الخارج. فهل يمكن لـ”ضريبة المسجد” أن تقلل من تبعية المساجد لتأثيرات الخارج؟

ويرى أخصائيون ماليون أن القطع مع التمويل الخارجي للمراكز الإسلامية التي تديرها تنظيمات الإسلام السياسي في أوروبا عبر إنشاء صناديق تمويل محلية لا يمكن أن يحقق أهدافه ما لم يتم أيضا تعزيز آليات مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب داخل دول الاتحاد.

وسبق للاتحاد الأوروبي أن أقر خمسة قوانين لمكافحة غسيل الأموال، قادت إلى أن جميع الدول الأعضاء أقامت ما يُسمى “وحدة الذكاء المالي” (Financial Intelligence Unit) المعروفة باختصار (FIU)، وهذا النظام من شأنه التحقق من التحويلات المالية المشبوهة.

ويقول ماركوس فيربير المتحدث باسم الشؤون المالية للكتلة المسيحية الديمقراطية في البرلمان الأوروبي “هناك الكثير من القصور في الاتحاد الأوروبي”.

ويضيف فيربير “يستغل غاسلو الأموال ومساعدوهم حقيقة أن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لا تنفذ اللوائح بدقة، ولا تنسق فيما بينها، ولا توجد رقابة أوروبية بتفويض حقيقي للتدخل”.

ونشرت المفوضية الأوروبية في 7 مايو 2020 خطة عمل لتحسين تطبيق قواعد الاتحاد الأوروبي بشأن مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب وللإشراف على هذه الخطة وتنسيقها.

ومن أهم ملامح خطة العمل تشجيع الهيئة المصرفية الأوروبية (EBA) على الاستفادة الكاملة من سلطاتها الجديدة في معالجة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، وقيام وحدة الاستخبارات المالية في الدول الأعضاء بدور حاسم في تحديد المعاملات والأنشطة التي يمكن ربطها بالأنشطة الإرهابية الى جانب تطبيق أحكام القانون الجنائي وتبادل المعلومات على مستوى الاتحاد الأوروبي من خلال التعاون القضائي والأمني، على أساس صكوك الاتحاد الأوروبي.

عن "العرب" اللندنية


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية