أردوغان يريد أن يصل إلى القمر تاركاً الأزمات على الأرض

أردوغان يريد أن يصل إلى القمر تاركاً الأزمات على الأرض


17/02/2021

روبرت إليس

ربما يستطيع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن يحقق ما غناه فرانك سيناترا: "طر بي إلى القمر، دعني ألعب بين النجوم، دعني أرى كيف يبدو الربيع، على كوكب المشتري والمريخ".

في لفتة مذهلة، أرسلت الإمارات للتو مسبارا استكشافيا إلى مدار المريخ. وحتى يبرز قدرات بلده، أعلن الرئيس أردوغان في اليوم نفسه أن تركيا ستوجّه مركبة إلى القمر في مئويتها في 2023. وأضاف أنه قد يكون هناك سيدات يرغبن في الذهاب أيضا.

قبل أن ننخرط في الحماس، هناك عدد من الاعتبارات التي يجب أن نتذكّرها. أولا وقبل كل شيء، من غير المرجح أن تحقق الميزانية المخصصة لوكالة الفضاء التركية، التي تبلغ 5.4 مليون دولار، ما حققته الـ200 مليون دولار التي استثمرها الإماراتيون.

أما تكنولوجيّا، فلا شك في أن تركيا تستطيع أن تحقق بعض أهدفها. فعلى سبيل المثال، غيرت طائراتها بدون طيار من طراز بيرقدار تي بي 2 مشهد الحرب الحديثة وتوازن القوى في ليبيا وقرة باغ. كما أطلقت صناعة الدفاع التركية للتو سفينة مسلحة غير مأهولة، يمكن أن تغير الموازين في شرق البحر المتوسط في مواجهة البحرية اليونانية.

ولكن اقتصاد تركيا يبقى عاملا مهما. وقد حذر الخبير الاقتصادي، مصطفى سونميز، من أن المشاريع الضخمة في تركيا، كمطار إسطنبول الجديد، وجسر البوسفور الثالث، ومحطة أكويو للطاقة النووية، بالإضافة إلى عدد من محطات الطاقة الأخرى ومستشفيات المدن والطرق السريعة والجسور والأنفاق، تهدد بالدمار المالي. ومع انخفاض قيمة الليرة التركية، تعاني أنقرة أكثر. وكل هذا قبل أن نذكر "مشروع أردوغان المجنون"، المعروف بإسم قناة اسطنبول.

كما تواجه تركيا ظروف جفاف شديدة. وبسبب الجائحة، تضاعف الفقر وتناقل المواطنون القصص المروعة التي تروي لجوء بعض الأسر إلى الانتحار. وفي الأشهر الأولى من سنة 2020، انقطع الكهرباء والغاز عن 1.6 مليون أسرة بسبب فشلها في دفع فواتيرها ودعا حزب الشعوب الديمقراطي المعارض إلى إجراء تحقيق برلماني حول حقيقة مواجهة 34 مليون مواطن تركي لخطر المجاعة.

كما حدد سونميز أن العبء الضريبي الذي تتحمله تركيا يثقل كاهل الفئات ذات الدخل المنخفض والمتوسط، حيث تجمع الحكومة ثلثي الإيرادات الضريبية من الضرائب غير المباشرة على الاستهلاك. كما أدت زيادة كبيرة أخرى في سعر الكحول إلى زيادة في الوفيات الناجمة عن استهلاك الكحوليات المصنوعة خارج المصانع المعترف بها.

وفي اجتماع مع سائقي الحافلات في ملطية، اشتكى أحدهم إلى الرئيس أردوغان من أنه لا يستطيع تحمل تكاليف الخبز. وتجاهل شكواه باعتبارها مبالغا فيها وطُلب منه أن يتمتع بكوب من الشاي. وعلى هذه الخلفية، لا يمكن وصف البذخ الواضح، الذي يشمل حفلات الزفاف الفخمة، التي يعرضها المقربون من أصحاب المناصب الحكومية، سوى بالبذاءة.

وفي يونيو الماضي، قال الرئيس أردوغان، في خطاب ألقاه أمام المؤتمر الدولي الثاني عشر للاقتصاد والتمويل الإسلامي في اسطنبول، إن النظام الاقتصادي الإسلامي هو مفتاح الخروج من الأزمة الاقتصادية العالمية. وتابع: "لقد تسبب التمويل المفرط في ظهور نموذج اقتصادي متخم لا يأخذ بعين الاعتبار التكاليف الاجتماعية والإنسانية بل يتحرك وفق تحقيق المكاسب الشخصية". كما رأى أن توزيع الدخل والثروة يتدهور تدريجيا في جميع أنحاء العالم.

ووفقا لرئيس مكتب شبكة بلومبيرغ الأسبق بتركيا، مارك بنتلي، تحتاج أنقرة إلى دعم الغرب، الذي يشكل القوة الدافعة وراء تودد أردوغان إلى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. فمنذ استقالة صهر الرئيس ووزير المالية بيرات البيرق المفاجئة، وتعيين ناجي إقبال محافظا للبنك المركزي، تحوّلت هذه المؤسسة الحكومية إلى زيادة سعر الفائدة القياسي بأكثر من الضعف إلى 17 في المئة مع ارتفاع التضخم للدفاع عن الليرة.

قبل تسع سنوات، أعلن أردوغان أن حكومته تعتزم تربية "جيل تقي". ولكن، في العام التالي، ومع اندلاع احتجاجات منتزه غيزي، التي امتدت إلى 80 من 81 مقاطعة في تركيا، ثبُت أن مشروعه قد أتى بنتائج عكسية.

في 2020، شارك الرئيس في دردشة فيديو حية مع الشباب، وسرعان ما غمر شعار "لن نصوت لكم" التعاليق وضغط حوالي 300 ألف متفرج على زر "عدم الإعجاب". ودفعت ردود الفعل المشرفين على الغاء خاصية التعليقات الحية. وقد تنبأ أحمد كورو، وهو أستاذ العلوم السياسية في جامعة ولاية سان دييغو، بأن النظام الإسلامي في تركيا سوف يخلق رد فعل متطرف: جيل جديد علماني قوي.

وهذا ما تشهده تركيا مرة أخرى مع الاحتجاجات ضد تعيين أردوغان لعميد جامعة البوسفور المرموقة في اسطنبول بدلا من اعتماد الانتخابات الحرة. ومن النتائج المترتبة على ذلك خسارة تركيا لأثمن مواردها: الشباب المتعلم. وتظهر دراسة نشرتها جامعة عثمان غازي أن 59 في المئة يغادرون تركيا و73 في المئة يريدون المغادرة وأن العديد منهم لا يعودون أبدا.

في إشارة إلى الإنجاز الملحوظ الذي حققه تركيان في ألمانيا في تطوير لقاح ضد  فيروس كورونا المستجد، بحث كاتب العمود التركي بوراك بكديل، في أسباب هذا التراجع. كما حدد كاتب عمود تركي آخر، سميح إديز، جوهر المشكلة أيضا في مقالة بعنوان "تسطيح تركيا".

ناقش الرئيس التنفيذي لشركة تسلا، إيلون ماسك، مع الرئيس أردوغان التعاون في مجال تكنولوجيا الفضاء. وسيكون الاحتفال بالذكرى المئوية للجمهورية من خلال بناء مركبة يمكن أن تدور حول الأرض إنجازا رائعا، حيث يمكن للرئيس أردوغان أن يلوح للمشاهدين ويستمتع بالتصفيق الذي يستحقه.

عن "أحوال" تركية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية