
مع استمرار خضوع وتنازل قائد الجيش السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان للإخوان، يواجه حالياً ضغوطاً وانتقادات لاذعة داخلية وخارجية، ممّا دفعه لاتخاذ موقف مناهض لحزب المؤتمر الوطني.
ووفق ما نقل موقع (ملفات عربية) فإنّه رغم اجتماع البرهان نهاية شهر كانون الثاني (يناير) مع القيادي البارز في الحركة الإسلامية علي كرتي ورئيس حزب المؤتمر الوطني "المحلول" أحمد هارون المطلوب للعدالة الدولية، في مدينة بورتسودان، للتنسيق فيما بينهم حول مجريات المعارك، إلا أنّه شنّ هجوماً مباغتاً أمس على الحركة، ممّا يعكس التوترات بين الطرفين.
وأعلن البرهان عن اعتزامهم التوافق على رئيس وزراء مدني لتشكيل حكومة من التكنوقراط مبيناً أنّهم مقبلون على تشكيل حكومة تكنوقراط في السودان.
وفي خطاب ألقاه أمس وجّه البرهان رسالة لحزب البشير (المؤتمر الوطني) بأنّه لا فرصة لهم ليحكموا على أشلاء السودانيين، موضحاً أنّ من يريد أن يقاتل خلف لافتة سياسية عليه إلقاء السلاح، وفق ما نقلت وكالة الأنباء الرسمية (سونا).
وأعلن البرهان العفو عمّن يتخلى عن دعم قوات الدعم السريع سياسياً، فضلاً عن الترحيب بكل من يصحح موقفه من السياسيين.
وأكد البرهان بأنّه لا مكان لتنسيقية (تقدم) ما لم توقف دعم التمرد، وأضاف مخاطباً (تقدم): ساندتم قوات الدعم السريع، وأنتم وهو سواء.
هذا، وأفرد موقع (الراكوبة) مساحة كبيرة لفهم خطاب البرهان الذي هاجم فيه المؤتمر الوطني، مؤكداً أنّ الهجوم يتعلق بالقوى الإقليمية الداعمة للبرهان. فقد استلم البرهان خلال الأسبوعين الماضيين (3) رسائل من دول بالمحتوى نفسه، وهو التحذير من النشاط المتعاظم لميليشيات الإخوان المسلمين والقاعدة وداعش.
وبحسب معلومات هذه الدول، فإنّ تنظيمي داعش والقاعدة يستغلان فوضى الاستنفار وتوزيع السلاح العشوائي لتدريب وتسليح عناصرهما، ومن ثم الانقلاب على طرفي الحرب الرئيسيين (الجيش وقوات الدعم السريع) والاستقلال بمنطقة معينة على تخومهما وإقامة إمارتين بالغتي التطرف. فضلاً عن أنّ ميليشيات الإخوان (الكيزان)، مثل البراء والبرق الخاطف، وبعلاقتها بإيران وتركيا، تمكنت من حيازة كمية من الأسلحة والمسيّرات النوعية، فإذا استمر تدفق هذه الأسلحة عليها، فسيكون من الصعب مستقبلاً السيطرة عليها.
وحذّرت الدول البرهان بأنّ الإدارة الأمريكية الجديدة ـ إدارة ترامب ـ أقلّ احتمالاً وأقلّ صبراً تجاه الميليشيات الإسلاموية، فإمّا أن يتخذ البرهان إجراءات عملية ضد هذه الميليشيات، وإمّا عليه أن يتوقع عواقب جدية من إدارة ترامب.
وحول المعلومات الداخلية أكد موقع (الراكوبة) أنّها مرتبطة بشقين؛ الشق الأول استخدام الجيش للأسلحة الكيميائية ضد قوات الدعم السريع في منطقتين. وقد تمكنت أجهزة استخباراتية غربية من التوثيق الكامل لواقعتي الاستخدام، بما في ذلك أخذ صور وشهادات ضباط وجنود من القوات المسلحة نفسها أصيبوا في الواقعتين بأضرار جانبية (Collateral Damage).
الشق الثاني هو أنّ هناك عمليات تصفية واسعة جداً للمدنيين في المناطق التي سيطر عليها الجيش مؤخراً، خصوصاً في أم روابة والعاصمة. وهي عمليات قتل أوسع كثيراً ممّا يتخيل أيّ سوداني بريء. وتقدر عمليات القتل هذه بحوالي (2000) عملية قتل في العاصمة وأم روابة. وقد نفذت هذه التصفيات ميليشيات الإخوان البراء والبرق الخاطف وقوات العمل الخاص (جهاز أمن مفضل)، إضافةً إلى وحدات الاستخبارات العسكرية.
وأشار موقع (الراكوبة) إلى أنّ البرهان يعرف يقيناً، كما يعرف داعموه الإقليميون، أنّ هذه الجرائم الواسعة لا يمكن إخفاؤها لفترة طويلة، بل إنّه منذ الآن بدأ يتسرب مداها الواسع جداً، وتتجمع الأدلة عليها. وهي جرائم، مهما كان التعاطف مع البرهان، وبسبب فداحتها ووحشيتها البالغتين، لا يمكن التغاضي عنها.
المرغني: المؤتمر الوطني هو الحاكم الحقيقي والفعلي لكافة المناطق التي يسيطر عليها الجيش وكتائبه.
ولفت داعمو البرهان إلى حقيقة أنّ الغرب لم يُصعّد بعد أيّ حملة إعلامية/ دبلوماسية، لا على استخدام السلاح الكيميائي، ولا على حملات القتل خارج القانون، رغم أنّها اتخذت شكلاً داعشياً واضحاً: من جزّ الرقاب وبقر البطون وأكل الأكباد. ويعزو داعمو البرهان الإقليميون هذا التجاهل المؤقت إلى تقدير الغرب بأنّ الأولوية الأولى حالياً هي دفع قوات الدعم السريع لإخلاء العاصمة والجزيرة، ومن بعد ذلك وضع المطالب الأساسية أمام البرهان، فإمّا أن يستجيب بسرعة ووضوح، وإمّا أن تتصاعد ضده الحملة تمهيداً للعواقب الوخيمة.
ولذا، نصح الداعمون الإقليميون البرهان بتحميل ميليشيات الإخوان مسؤولية الانتهاكات الوحشية بدلاً عن الجيش وقيادته.
وتؤكد المعلومات أنّه بعد تصريحات البرهان العدائية ضد الكيزان (إسلامويي المؤتمر الوطني)، تشاورت قيادة المؤتمر الوطني/ الحركة الإسلامية فيما بينها ومع عدد من الكوادر، وتوصلت إلى أنّها حالياً لا تستطيع الدخول في مواجهة مع البرهان، الذي يحظى بدعم غالبية الضباط غير الحزبيين، إضافة إلى الدعم الإقليمي الضروري للمجهود الحربي، وكذلك لاستقطاب أموال إعادة الإعمار. ورغم أنّ قطر وتركيا والصين وروسيا يمكن أن تدعمهم كإسلاميين، إلا أنّها جميعاً لا ترغب في مواجهة مع إدارة ترامب لأجل عيون إخوان السودان.
وتابع الموقع السوداني: "هذا إضافة إلى أنّ ميليشيات الإسلاميين ما تزال تعتمد على أموال الدولة وأسلحتها وذخائرها، فضلاً عن أنّ الأولوية هي القضاء على قوات الدعم السريع أو إخضاعها إخضاعاً كليّاً. ولذا، فالأفضل حالياً إحناء الرأس للعاصفة والتحضير المتصاعد لاستقلالية (المقاومة الشعبية) ـ ميليشياتهم ـ تنظيماً ومالاً وتسليحاً وتمويناً، ومن ثم التحضير لإزاحة البرهان في الوقت الملائم للتنظيم.
وقال المؤتمر الوطني في بيان رسمي صدر عنه يوم أمس 8 شباط (فبراير) الجاري، ونقلته صحيفة (التغيير): "وما أن تضع الحرب أوزارها، نبشر السيد القائد العام والقوى السودانية السياسية الوطنية وغير الوطنية والجيش السوداني وكل أبناء وبنات السودان والمجتمع الدولي بأنّه لن يصادر إرادتنا أحد، فنحن حزب ضاربة جذوره في المجتمع السوداني".
بما يعني أنّهم يريدون تأجيل المواجهة مع البرهان إلى ما بعد أن تضع الحرب أوزارها، أي بعد هزيمة قوات الدعم السريع.
وفي سياق متصل قال القيادي بالحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل إبراهيم الميرغني: إنّه "من الطبيعي ألّا يريد المؤتمر الوطني الحكم الآن".
وأضاف في منشور على (فيسبوك) نقله موقع (سودان سكاي) "أنّ المؤتمر الوطني هو الحاكم الحقيقي والفعلي لكافة المناطق التي يسيطر عليها الجيش وكتائبه".
من جهته كتب المحلل السياسي السوداني صلاح شعيب في مقالة له عبر صحيفة (التغيير) أنّ الخطاب الذي ألقاه البرهان أمس أمام القوى السياسية الوطنية والمجتمعية، هو أنّ قائد الجيش منذ أن منحته الوثيقة الدستورية منصب رئيس مجلس السيادة ـ وهو في سدة الجيش ـ ظل يراوغ ضد رغبة ثوار وقادة ثورة (ديسمبر)، وحكومتهم حتى انقلب عليهم. وكذلك ناور مع من تعاونوا معه في الانقلاب إلى أن تركهم وعاد إلى قوى الحرية والتغيير مرة أخرى عبر الاتفاق الإطاري.
وأضاف شعيب: والآن ممّا يتبدى من حديثه لو كان صادقاً فإنّه يضرب الفئات السياسية والعسكرية المتحالفة معه في معسكر الحرب بعضها ببعض. وواضح من ردود الفعل العجلى لداعميه ـ أشخاصاً وكيانات ـ أنّهم أحسوا بأنّ البرهان لدغهم أكثر من مرة، وفي أزمان يضعهم كدروع فقط أمام الذين ينازعون سلطته الديكتاتورية.
وأشار شعيب إلى أنّه في حالة صدق البرهان حول حديثه عن إعفاء المؤيدين لقوات الدعم السريع سياسياً فإنّ هذا سيخلط أوراق الإسلاميين. وهل ما تسرب عن تجميد البرهان لأوامر قبض أعضاء (تقدم) وإعادة منح الجوازات للمعارضين سيسعد الإسلاميين الذين يريدون استمرار التضييق القانوني والسياسي على ألد خصومهم؟، وهل هذا يعني أنّ البرهان يريد أن يخفف غلواءه السابق ويمهد للتفاهم مع تقدم من جديد، وتتوسط له من أجل تفاوض مع قوات الدعم السريع؟.
المتحالفون مع البرهان في حربه كثر، خصوصاً الذين ينطلقون من أفكار مناطقية تريد تحرير السودان من مناطق النزاع. هؤلاء من المؤكد أنّ خطاب البرهان أمس سيجعلهم يتحسسون مواقفهم تجاهه، فهل يأتي خطاب البرهان كجزء من البروباغندا الإعلامية عن نهاية الحرب، أم أنّه قرر أخيراً إقصاء الإخوان من المشهد والعودة إلى القوى السياسية المدنية؟