"سِفر الخروج"... البرهان في الميدان.. فما مصير الإخوان؟

"سِفر الخروج"... البرهان في الميدان؛ فما مصير الإخوان؟

"سِفر الخروج"... البرهان في الميدان.. فما مصير الإخوان؟


27/08/2023

بعد (4) أشهر ونيف قضاها قائد الجيش السوداني عبد الفتّاح البرهان حبيساً في أحد أنفاق القيادة العامة للجيش السوداني؛ تمكّن الرجل أخيراً من الخروج إلى سطح الأرض، وغادر مخبأه في عملية ما يزال يشوبها الكثير من الغموض، وتُرسم حولها العديد من السيناريوهات، وتثار حيالها قصص شيقة وفانتازيا ساحرة.

كل ذلك طبيعي وعادي، لأنّ السودانيين لم يكونوا يعرفون منذ اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع من هي الجهة التي تتحكم بمجرياتها، ومن هي الجهة التي تدير البلاد نفسها؟ فقد وجدوا أنفسهم بلا حكومة، وأنّ قادة الجيش مقيّدو الحركة.   

توقع مراقبون للأوضاع الميدانية والسياسية بالخرطوم أنّ وجود البرهان خارج سردابه، سيمكنه من السيطرة والاستحواذ على الأوضاع العسكرية والسياسية على الأرض؛ وأنّ أولى خطواته ستكون إبعاد الإخوان المسلمين من حوله، ولو تدريجياً، لأنّه أصبح غير آمن بوجوده وسطهم

إلّا أنّ الصدمة الكُبرى جراء هذا الخروج حدثت لجماعة الإخوان المسلمين، التي لعبت دوراً كبيراً في إشعال الحرب بين الطرفين المتقاتلين، وما تزال تلعب دور "نافخ الكير" في تأجيجها والحفاظ على شعلتها متقدة وصبّ المزيد من الزيت عليها، فظهور قائد الجيش خارج أسوار مباني القيادة العامة وسط الخرطوم، وجولته الخاطفة بمنطقة وادي سيدنا العسكرية شمال أم درمان، ثم استقراره بمدينة عطبرة، (310) كيلومترات شمال الخرطوم، ويتوقع أن يحط رحاله - عقب كتابة هذا التقرير -  بميناء بورتسودان على البحر الأحمر (شرق السودان)، التي تقوم مقام العاصمة البديلة الآن، جعل الجماعة تضرب أخماساً في أسداس، خصوصاً بعد أن شنت أذرعها الإعلامية  في الآونة الأخيرة هجوماً لاذعاً وغير مسبوق على قائد الجيش، ووصفته بما لا يليق، وهددته بالتصفية الجسدية أو الحبس، ممّا فسره محللون سياسيون ومراقبون بأنّه تمهيد للانقلاب عليه والاستيلاء على السلطة، لكنّه استبق ذلك بالخروج من محبسه، فتفرقت الجماعة أيدي سبأ بين مؤيد خجول ومتوجس خائف من ردة فعل البرهان إزاء الجماعة في المرحلة القادمة.

أزمة ثقة

بالنسبة إلى قوى إعلان الحرية والتغيير (المجلس المركزي)، قال قيادي رفيع لـ (حفريات): إنّ الخلاف الرئيس بين قائدي الجيش والدعم السريع كان بسبب توجّه الأول ـ عقب انقلابهما ـ على حكومة عبد الله حمدوك تشرين الأول (أكتوبر) 2021 إلى إعادة الإخوان المسلمين إلى مفاصل الدولة، فيما رفض حميدتي هذا التوجه رفضاً حاسماً.

عبد الله حمدوك

وأضاف المصدر، الذي فضل عدم ذكر اسمه، أنّ اعتذار قائد الدعم السريع عن انقلاب تشرين الأول (أكتوبر) كان بسبب تحالف البرهان مع جماعة الإخوان المسلمين التي تخشى قوات الدعم السريع عودتها إلى الحكم، كما يخشى ذلك الشعب السوداني الذي أطاح بها في نيسان (أبريل) 2019 من خلال ثورة شعبية عارمة. 

وتوقع مراقبون للأوضاع الميدانية والسياسية بالخرطوم أنّ وجود البرهان خارج سردابه، سيمكنه من السيطرة والاستحواذ على الأوضاع العسكرية والسياسية على الأرض؛ وأنّ أولى خطواته ستكون إبعاد الإخوان المسلمين من حوله، ولو تدريجياً، لأنّه أصبح غير آمن بوجوده وسطهم طوال الشهور الـ (4) المنصرمة، حيث حاولوا وفقاً لتسريبات متطابقة اغتياله مرتين، وقاموا بتصفية بعض حُراسه الشخصيين؛ الأمر الذي أفقده الثقة بالجماعة، ممّا يحول دون تحالفه معها مستقبلاً.  

ما عدا الإخوان

وفيما اعتبرت جميع القوى السياسية والمدنية - ما عدا الإخوان المسلمين -  ظهور البرهان وخروجه من (سرداب) القيادة فرصة للتحكم في الملفات السياسية التي آلت في غيابه إلى جماعة الإخوان من فلول النظام المخلوع، دعت الرجل إلى إنهاء الحرب والعودة إلى التفاوض من خلال الخطوات التي تم إعلانها في منبر جدة، ومبادرة الايقاد، والاتحاد الأفريقي ودول جوار السودان.

ويستعد قائد الجيش لتنظيم زيارات خارجية يتوقع أن تبدأ بمصر السبت القادم، ثم السعودية، وقد أطلق حزب المؤتمر الوطني (الذراع السياسية للجماعة) حملة إعلامية كُبرى تروج إلى نية الرجل تشكيل حكومة طوارئ لإدارة البلاد، وعمليتيّ الحرب والسلام، فضلاً عن المفاوضات.

عزا مراقبون حالة البلبلة التي تسود جماعة الإخوان منذ خروج (حليفها) من مخبئه في القيادة العامة للجيش السوداني إلى توقعها أن يقلب لها ظهر المجن ويصيبها في مقتل، ولربما تكون مثل هذه الضربة الصادرة عن (أسد جريح) قاتلة هذه المرة

وقال محللون ومراقبون: إنّ الجماعة تهدف من ذلك إلى تسريب كوادرها الوسيطة داخل الحكومة والعمل على السيطرة عليها من الداخل وتجييرها لصالح أهدافها واستراتيجياتها بالعمل على إفشال المفاوضات بالتعنت والمماطلة، ووضع العقبات مع مواصلة التجييش والاستنفار والعمليات العسكرية، حتى لا تتوقف الحرب التي تسعى لتحويلها إلى حرب أهلية شاملة لخلق أوضاع مثالية لإدخال الجماعات الإرهابية المتطرفة الكامنة بالجوار، خصوصاً في دول الساحل على المثلث الحدودي بين بوركينا فاسو ومالي والنيجر، إلى البلاد وتحويلها إلى دولة أمراء حرب تمهيداً لتقسيمها مجدداً.

وفي هذا السياق، حذّرت الأحزاب السياسية والقوى المدنية والثورية قيادة الجيش من مغبة تشكيل حكومة من فلول النظام السابق حتى عنوان حكومة طوارئ، الأمر الذي سيزيد من أوار الحرب، ويعمل على تمددها لتشمل جميع مناطق البلاد، وأنّ على البرهان أن يتمهل إلى حين التوقيع على اتفاق سياسي يحدد كيفية تشكيل الحكومة المزمعة.

الحل في البل

كما ابتدرت الجماعة حملات منظمة من خلال بعض منسوبيها على وسائل التواصل الاجتماعي لتحذير عبد الفتاح البرهان من مغبة القيام بأيّ زيارات خارجية، وأنّه لو فعل، فلن تسمح له بالعودة مُجدداً إلى البلاد؛ وأنّ الحل لا ينبغي البحث عنه في الخارج وعبر التفاوض، وإنّما الحل (في البل) كما يقولون؛ أي على أسنّة الرماح وفي ميادين القتال.

إلى ذلك، عزا مراقبون حالة البلبلة التي تسود الجماعة منذ خروج (حليفها) من مخبئه في القيادة العامة للجيش السوداني إلى توقعها أن يقلب لها ظهر المجن ويصيبها في مقتل، ولربما تكون مثل هذه الضربة الصادرة عن (أسد جريح) قاتلة هذه المرة، لذا تشعر الجماعة بأنّ هذه الحرب وجودية بالنسبة إليها، وأنّ إنهاءها من خلال التفاوض مع قوات الدعم السريع يعني نهايتها الحتمية، بعد أن أصبح الجميع أعداءها.

مواضيع ذات صلة:

الخرطوم طهران عن طريق موسكو... هل أجبرت الحرب البرهان على اقتفاء خُطى سلفه؟

البرهان وحميدتي إلى طاولة حوار... والشعب السوداني إلى كارثة إنسانية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية