
يتفق خبراء ومحللون على أن عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض ترامب سيكون لها تأثير على الساحة الدولية، التي قد تشهد تحولات ملحوظة، فقد أشار إلى نيته استعادة قناة بنما وإعادة تسمية خليج المكسيك، مما يعكس توجهاً توسعياً قد يثير جدلاً دولياً، كما أبدى حماساً لاستكشاف الفضاء، متعهداً برفع العلم الأمريكي على سطح المريخ، بدعم من إيلون ماسك.
كما يرجح الكاتب الصحفي مصطفى بن خالد أن تؤدي سياسات ترامب إلى تغييرات جوهرية في العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية، إذ من المتوقع أن يستمر في دعم التحالفات الاستراتيجية مع دول الخليج، خاصة في مجالات الأمن والطاقة، أما فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، فإن انحيازه السابق لإسرائيل قد يستمر، مما قد يعقد جهود السلام في المنطقة.
وفور وصوله إلى المكتب البيضاوي، وحتى قبل انتهاء مراسم حفل تنصيبه، بدأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب توقيع سلسلة من القرارات والأوامر التنفيذية لإلغاء وتجميد قوانين اتخذتها الإدارة التي سبقته، بينما تعهد في ثلاثة خطابات ألقاها في يوم تنصيبه باتخاذ جملة من القرارات الخارجية والمحلية التي ستعيد "العصر الذهبي لأمريكا"، ما أثار ردود فعل واسعة.
ماذا ينوي بخصوص مصر والأردن؟
اقترح الرئيس الأميركي دونالد ترامب نقل فلسطينيين من قطاع غزة إلى بعض الدول العربية المجاورة، في إشارة إلى مصر والأردن، وقال متحدثاً إلى الصحافيين، الأحد، إنه يتعين على الأردن ومصر استقبال المزيد من الفلسطينيين، لاسيما أن القطاع مدمر بشكل تام وفي حالة فوضى عارمة.
وتابع: القطاع هدم حرفيًا.. لذلك أفضل أن أشارك مع بعض الدول العربية في بناء مساكن في موقع مختلف، حيث يمكنهم ربما العيش في سلام لأول مرة"، وفق ما نقلت وكالة رويترز.
وحين سئل عما إذا كان هذا "النقل لسكان غزة سيكون مؤقتًا، فأجاب: "يمكن أن يكون مؤقتًا أو طويل الأمد". كما أضاف أنه تحدث، السبت، إلى العاهل الأردني الملك عبد الله "وطلب منه استقبال المزيد من سكان غزة". وأردف: "أنظر إلى قطاع غزة بأكمله الآن وهو في حالة من الفوضى، إنها فوضى حقيقية. لذا أود من الأردن أن يستقبل البعض".
كذلك أشار إلى أنه يأمل أن تستقبل مصر المزيد من الفلسطينيين أيضا، لافتاً إلى أنه سيتحدث إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اليوم.
وقد دأبت القاهرة منذ تفجر الحرب بين إسرائيل وحركة حماس يوم السابع من أكتوبر 2023، على رفض أي مخططات إسرائيلية أو غيرها من أجل نقل سكان القطاع، معتبرة أنها حملة تهجير ثانية، وشددت على حق الفلسطينيين بالبقاء في أرضهم وبيوتهم، رافضة أي تلميحات إلى احتمال بناء منازل في سيناء.
يذكر أن كلام ترامب تزامن مع استعداد مئات آلاف الفلسطينيين إلى العودة لمنازلهم في شمال غزة، تنفيذاً لاتفاق وقف إطاق النار الذي وقعت عليه إسرائيل وحماس الأسبوع الماضي وأفضى إلى التوافق على تبادل الأسرى بين الطرفين على 3 مراحل، وعودة النازحين من الجنوب إلى الشمال، فضلا عن الانسحاب الإسرائيلي من القطاع وإعادة إعماره في المرحلة الأخيرة.
طرد المهاجرين
وفي خطاب التنصيب، أعلن دونالد ترامب أنه سيعلن عن حالة طوارئ وطنية على الحدود الجنوبية للبلاد للتصدي للهجرة غير القانونية. وقال إنه سيوقف أي دخول غير قانوني وسيعيد ملايين الأشخاص الذين دخلوا الولايات المتحدة بطريقة غير قانونية إلى بلادهم.
وأضاف أنه سيرسل آلافا من القوات المسلحة إلى الحدود لوقف تدفق من وصفهم بالمجرمين، مؤكدا أن إدارته ستقوم بتشييد الجدار الحدودي مع المكسيك بسرعة.
كما قال إن السلطات ستتعامل مع المتسللين على أنهم إرهابيون، مضيفا "سأمنح قوات الأمن الإمكانية من أجل القضاء على العصابات التي تجلب الإجرام إلى حدودنا وبلادنا"، واتهم الديمقراطيين بأنهم كانوا يريدون أن تكون الحدود مفتوحة وأن تدخل أعداد كبيرة من المهاجرين.
وفي حين كانت إدارة الرئيس السابق جو بايدن قد أوقفت بعض السياسات المتعلقة بالهجرة، تم ترحيل حوالي 270,000 شخص خلال عام 2023، وهو رقم تجاوز الرقم السنوي لترحيل المهاجرين في فترة ولاية ترامب الأولى (2017-2021).
كيف ستكون العلاقة مع دول الخليج
ويتوقع الخبراء، بحسب موقع "الخليج أونلاين" أن تؤثر عودة ترامب على أسواق دول مجلس التعاون الخليجي بعدة طرق، فهو يركز على تعزيز إنتاج الطاقة المحلي وتنظيم صناعة النفط والغاز وترويج صادرات الغاز الطبيعي المسال عالمياً، ما قد يعزز سوق الطاقة الأمريكي، وينعكس ذلك على اقتصادات دول الخليج المعتمدة على النفط.
وتنقل قناة "العربية Business" عن اقتصاديين، قولهم إن سياسات ترامب التجارية، خاصة مع الصين، قد تؤثر على ديناميكيات التجارة العالمية والطلب على النفط.
عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض ترامب سيكون لها تأثير على الساحة الدولية التي قد تشهد تحولات ملحوظة
فقد يؤدي التباطؤ في اقتصاد الصين، نتيجة التوترات التجارية، إلى خفض الطلب على صادرات النفط من دول مجلس التعاون؛ وهو ما يؤثر على أسعار النفط واقتصادات الدول الست.
واحتفظت دول الخليج والولايات المتحدة بعلاقات اقتصادية متوازنة خلال تولي ترامب الرئاسة، واستمرت كذلك حتى انتشار فيروس كورونا الذي أوقف سلاسل الإمداد حول العالم.
ومع مجيء بايدن إلى الرئاسة لم تعد قيمة الصادرات أو الواردات الأمريكية من منطقة الخليج وإليها إلى مستويات ما قبل كورونا، واستمر الميزان التجاري بين البلدين يميل تجاه أمريكا.
ويعني هذا أن الميزان التجاري بينهما يسجل فائضاً لمصلحة أمريكا؛ أي إن صادرات أمريكا إلى دول الخليج أكبر من وارداتها.
سحق أوروبا
في غضون ذلك، حذر رئيس الوزراء الفرنسي، فرانسوا بايرو، من أن فرنسا والاتحاد الأوروبي قد "تُسحقان" بسبب السياسة المعلنة لدونالد ترامب، إذا لم يتحركا لمواجهتها، وفقا لما نقلت عنه شبكة "بي بي سي".
وقال بايرو إن "الولايات المتحدة قررت اتباع سياسة مهيمنة على نحو لا يصدق من خلال الدولار، ومن خلال السياسة الصناعية، ومن خلال الاستيلاء على كل الأبحاث والاستثمارات". وأضاف أنه "إذا لم نفعل شيئاً، فسوف نخضع للهيمنة ونتعرض للسحق والتهميش، والأمر مناط بنا نحن الفرنسيين والأوروبيين لاستعادة زمام الأمور".
وقال بايرو أمام موظفي بلدية "بو" التي يترأسها، في جنوب شرق فرنسا، إن "تنصيب دونالد ترامب يضعنا أمام مسؤولياتنا".
وكانت إيزابيل شنابل، المسؤولة الكبيرة في البنك المركزي الأوروبي، قد قالت يوم الأحد إن اندلاع حرب تجارية مع الولايات المتحدة أمر "محتمل جداً" في ظل رئاسة دونالد ترامب، محذّرة من أن هذا الأمر ستكون له عواقب سلبية على الحركة التجارية والأسعار.
وقالت شنابل، عضو المجلس التنفيذي للبنك المركزي الأوربي، إن الرسوم الجمركية "كانت محورية في تصريحات دونالد ترامب... وبالتالي من المرجح جداً أن تندلع حرب تجارية".
تحديات تواجه ترامب في ولايته الثانية
وبحسب دراسة حديثة أصدرها "مركز تريندز للبحوث والاستشارات" بعنوان " تنصيب ترامب وتأثيره.. ملامح تحوُّلات عالمية وشيكة"، فإن مجموعة من التحديات المتشابكة تواجه ترامب في ولايته الرئاسية الثانية، قد تعيق تحقيق أهداف إدارته وتضعف تأثير سياساته داخليًّا وخارجيًّا.
من أبرز هذه التحديات هو الانقسام السياسي والاجتماعي العميق داخل الولايات المتحدة، حيث يواجه ترامب معارضة شرسة من الديمقراطيين، ومن شرائح مجتمعية واسعة، ترفض سياساته في مجالات حساسة، مثل الهجرة والرعاية الصحية والتعليم. هذه الانقسامات تعكس استقطابًا حادًّا داخل المجتمع الأمريكي، مما يزيد من صعوبة تمرير التشريعات المهمة، ويعيق تنفيذ سياسات داخلية فعّالة.
من جانب آخر، تمثل إدارة الأزمات الاقتصادية الداخلية تحديًا كبيرًا، خاصة في ظل استمرار تداعيات التضخم وعدم المساواة الاقتصادية، مما يضع الإدارة أمام اختبار صعب في استعادة ثقة المواطنين في السياسات الاقتصادية.
وينبغي أن يُوضع في الاعتبار أيضًا حرائق لوس آنجلوس الأخيرة التي اندلعت في يناير 2025 قُبيل تنصيبه؛ لأنها -بطبيعة الحال- ستفرض المزيد من التحديات الاقتصادية على ترامب، حيث تسببت هذه الحرائق في خسائر اقتصادية كبيرة. ويُذكر أن شركة “أكيوويذر” قدّرت هذه الخسائر بما يتراوح بين 52 و57 مليار دولار، ما يجعلها من بين أكثر حرائق الغابات تكلفة في تاريخ الولايات المتحدة.
يواجه ترامب صعوبات جمة في الحفاظ على العلاقات مع الحلفاء التقليديين مثل الاتحاد الأوروبي وكندا وسط تزايد التوترات الناتجة عن سياساته التجارية والاقتصادية
تشمل هذه الخسائر تدمير آلاف المنازل والشركات، ما يؤدي إلى زيادة تكاليف إعادة الإعمار وفقدان الوظائف وتعطيل الأنشطة الاقتصادية في المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، تأثرت البنية التحتية بشكل كبير، بما في ذلك شبكات الكهرباء والمياه والطرق؛ ما يزيد من الأعباء المالية على الحكومتين المحلية والفيدرالية.
من المتوقع أيضًا أن تؤثر هذه الحرائق على سوق التأمين، حيث يُحتمل أن تواجه شركات التأمين زيادة في المطالبات، وهو ما قد يؤدي إلى ارتفاع أقساط التأمين في المستقبل. كما قد تتأثر قطاعات أخرى مثل السياحة والزراعة؛ بسبب تدهور جودة الهواء وتدمير الأراضي الزراعية.
على المستوى الوطني، قد تُسهم هذه الخسائر في تباطؤ النمو الاقتصادي، خاصة إذا استمرت الكوارث الطبيعية في تكرارها وزيادة حدتها نتيجة لتغير المناخ. وهذا الاحتمال يستدعي تعزيز الاستثمارات في البنية التحتية المقاومة للكوارث وتطوير سياسات فعّالة للتعامل مع تأثيرات التغير المناخي.
أما على الساحة الدولية، يواجه ترامب صعوبات جمة في الحفاظ على العلاقات مع الحلفاء التقليديين مثل الاتحاد الأوروبي وكندا، وسط تزايد التوترات الناتجة عن سياساته التجارية والاقتصادية. وقد تؤدي سياسات “أمريكا أولًا” إلى تصعيد النزاعات التجارية وتقويض التعاون داخل التحالفات الدولية مثل حلف الناتو.
كما أن التوترات مع الصين وروسيا تمثل محورًا آخر للتحدي، حيث يمكن أن تشهد الفترة القادمة تصاعدًا في الصراعات التجارية والتنافس الجيوسياسي، خاصة في آسيا والمحيط الهادي وأوروبا الشرقية.