إرهابيون "أبطال" في نظر الباكستانيين واقتصاد البلاد يهوي

إرهابيون "أبطال" في نظر الباكستانيين واقتصاد البلاد يهوي

إرهابيون "أبطال" في نظر الباكستانيين واقتصاد البلاد يهوي


11/03/2023

ترجمة: محمد الدخاخني

بعد مقتل 101 من المصلّين، الذي كان معظمهم من رجال الشّرطة، في تفجير انتحاريّ في مسجد في بيشاور بباكستان، في 30 كانون الثّاني (يناير)، توقّع خبراء أنّ القادة الباكستانيّين قد يكونون في حالة تأهّب قصوى. لكن بعد عدّة أسابيع، سارت الأمور كالمعتاد في إسلام أباد.

بدلاً من التّعامل مع الهجمات الإرهابيّة المتزايدة على أنّها حالة طوارئ وطنيّة، يقف السّياسيّون من أجل التقاط الصّور للانتخابات المقبلة. وتنشغل القيادة العسكريّة في التّعامل مع التّحدّي الذي يمثّله رئيس الوزراء السّابق، عمران خان، الذي حشد الدّعم خلال حملة نقديّة استهدفت الجنرالات. وممّا يزيد الطّين بلة أنّ باكستان غارقة في أزمة اقتصاديّة: احتياطيّاتها الأجنبيّة عند أدنى مستوى لها منذ تسعة أعوام، والتّضخّم عند أعلى مستوى له منذ 48 عاماً، والرّوبية الباكستانيّة فقدت 22 في المائة من قيمتها العام الماضي. وحتّى تتجنّب التّخلّف عن السّداد، تأمل إسلام أباد في قرض آخر بقيمة 1.1 مليار دولار من «صندوق النّقد الدّوليّ».

إرهابيون يعملون بحرية

تتشابك المشكلات السّياسيّة والاقتصاديّة في باكستان مع تعاملها غير المتّسق مع الإرهابيّين. على مدى عقود، سمحت باكستان لبعض الجماعات الإرهابيّة بالعمل بحرّيّة، بينما قمعت جماعات أخرى. التّشدّد والعقوبات الأجنبيّة النّاتجة عن تمويل الإرهاب بدورهم جعلوا من الصّعب على باكستان جذب الاستثمارات. والتّعاطف مع الجهاديّين في أوساط الجمهور وداخل أجهزة إنفاذ القانون والاستخبارات، إلى جانب تقاعس أعضاء الطّبقة السّياسيّة، سمح للجماعات المحلّيّة المتشدّدة بالعمل مع شيء من الحصانة. يجب أن تغيّر إسلام أباد مسارها إذا كانت تأمل في منع تمرّد شامل واستعادة مكانتها العالميّة.

تتشابك المشكلات السّياسيّة والاقتصاديّة في باكستان مع تعاملها غير المتّسق مع الإرهابيّين

شنّت الجماعات الإسلامويّة والطّائفيّة هجماتها لأوّل مرّة داخل باكستان في أوائل التّسعينيّات من القرن الماضي، بعد انتهاء الحرب السّوفيتيّة الأفغانيّة. بعد نجاح المجاهدين الأفغان في طرد السّوفييت - بدعم من الولايات المتّحدة - حشدت أجهزة الأمن الباكستانيّة مجموعات مماثلة ذات دوافع أيديولوجيّة لمحاولة إجبار الهند على الخروج من كشمير المتنازع عليها منذ فترة طويلة. وقاتل الجهاديّون الباكستانيّون في الحرب الأهليّة في أفغانستان التي أعقبت انهيار النّظام المدعوم من الاتّحاد السّوفيتيّ من عام 1992 إلى عام 1996، ولاحقاً إلى جانب «طالبان» في مطلع عام 2001. (دعمت باكستان نظام «طالبان» الأفغانيّ في التّسعينيّات من القرن الماضي).

ساحة معركة للتّفسيرات

الجماعات الإسلامويّة التي تجنّد أتباعاً لها في باكستان استشهدت بأحاديث نبويّة تنبّأت بمعركة كبيرة في شبه القارة الهنديّة. وتوقّعت أجهزة الأمن الباكستانيّة أنّ الرّدكلة من خلال الدّين يمكن أن تساعد في كسر الجمود بشأن كشمير وتمكين حلفاء باكستان في أفغانستان. بدلاً من ذلك، جعلت هذه الاستراتيجية باكستان ساحة معركة للتّفسيرات المتنافسة للأفكار الإسلامويّة الرّاديكاليّة. وفي الأعوام الثّلاثين الماضية، دعمت باكستان بعض الجماعات الجهاديّة وتسامحت مع جماعات أخرى، بينما شاركت، أيضاً، في الحرب التي تقودها الولايات المتّحدة ضدّ الإرهاب.

قبل أن يستغلّ المقاتلون الباكستانيّون الفوضى السّياسيّة المستمرّة والمِحَن الاقتصاديّة لتنظيم تمرّد كامل، يجب على إسلام أباد إنهاء أعوام من عدم اليقين بشأن السياسات تجاه الإرهاب

وقد أدّى هذا العمل الذي هو أشبه بالشّعوذة إلى تآكل مكانة باكستان الدّوليّة ودفع بعض الفصائل الجهاديّة لاستهداف القوّات العسكريّة والأمنيّة الباكستانيّة، ممّا دعا في بعض الأحيان إلى الانتقام. وعندما عادت «طالبان» إلى السّلطة في أفغانستان في عام 2021، رأت إسلام أباد في نظام كابول الجديد حليفاً وثيقاً محتملاً. بعد عام 2001، واصلت باكستان رعاية «طالبان» كقوّة موازنة للفصائل الليبراليّة المدعومة من الولايات المتّحدة والتي كان يُنظَر إليها على أنّها شديدة الارتباط بالهند. لكن خلال جولتها الثّانية في السّلطة، أثبتت «طالبان» الأفغانيّة أنّها أقلّ صداقة ممّا توقّعته إسلام أباد، حيث اشتبكت مع حرس حدود باكستانيّين وانتقدت علناً السّياسات الباكستانيّة تجاه اللاجئين الأفغان.

في الوقت نفسه، تواجه باكستان عنفاً من «طالبان باكستان»، وهي فرع عن «طالبان» الأفغانيّة متحالف أيديولوجيّاً مع الفرع الأفغانيّ ولكنّه يجتذب قادته من داخل باكستان. أعلنت «طالبان باكستان» مسؤوليّتها عن العديد من الهجمات في أحدث موجة من الإرهاب في باكستان، وقالت جماعة منشقّة عن «طالبان باكستان» إنّها نفّذت هجوم المسجد في كانون الثّاني (يناير). تسعى الجماعة إلى قلب حكومة باكستان وإقامة إمارة إسلاميّة. وعلى مدى أعوام، وحتّى الآن، شنّت حرباً على الدّولة، واصفةً الصّراع بأنّه «غزوة الهند» - التي تنبّأ النّبيّ محمّد (عليه السلام) بأنّها من علامات السّاعة.

التسوية مع الإرهاب مستحيلة

دعت الأجهزة الأمنيّة الباكستانيّة وبعض السّياسيّين، بما في ذلك خان، إلى اتّباع مقاربة تراعي الفوارق الدقيقة تجاه «طالبان باكستان» وجماعات متشدّدة أخرى، على نحو يشير إلى أنّ هذه الجماعات تعكس تطلّعات إسلاميّة لا يجب أن يُنظَر إليها على أنّها معادية لباكستان. لكن الأحداث أثبتت مراراً وتكراراً أنّ التّسوية مع الجماعات الإسلامويّة الرّدايكاليّة العنيفة أمر مستحيل. ومثلما يشرح متشدّدو «طالبان» في أفغانستان فشلهم في الاعتدال باعتباره وظيفة من وظائف عقيدتهم، فإنّ «طالبان باكستان» تبرّر أفعالها باسم الإسلام والشّريعة. كما تلعب المنافسة بين الفصائل حول الجماعة الأكثر إخلاصاً للتّفسيرات الرّاديكاليّة للإسلام دوراً في تصلّب المتشدّدين.

 تواجه باكستان عنفاً من "طالبان باكستان"

قوّضت أعوام من السّياسات المتناقضة قدرة باكستان على مواجهة التّحدّيّات التي يفرضها التّشدّد الإسلامويّ. الرّئيس السّابق برويز مشرّف، الذي قاد الحكومة العسكريّة الباكستانيّة من 1999 إلى 2008، أقرّ علانية بتجنيد وتدريب مقاتلين كشميريّين ودعم وكلاء مسلّحين في أفغانستان. وقال، أيضاً، إنّ إرهابيّين مثل أسامة بن لادن يُنظَر إليهم على أنّهم أبطال في باكستان. في غضون ذلك، قمعت حكومته بشكل انتقائيّ بعض الجماعات المسلّحة، وتراجعت عن ذلك في وقت لاحق.

إنّ اعتبار بعض الجماعات المتشدّدة أدوات للتّأثير الإقليميّ أثناء محاربة جماعات أخرى له عواقب وخيمة: فقد أكثر من 8000 من أفراد قوّات الأمن الباكستانيّة حياتهم في حوادث إرهابيّة منذ عام 2000. وفي عام 2014، هاجمت «طالبان باكستان» «مدرسة الجيش العامّة» في بيشاور، ممّا أسفر عن مقتل 141 شخصاً، من بينهم 132 من أبناء الضّباط والجنود. استهدف هجوم 30 كانون الثّاني (يناير) رجال شرطة. ويبدو أنّ كلا الهجومين يهدفان إلى إضعاف الرّوح المعنويّة للجيش الباكستانيّ وإنفاذ القانون، وإثناء القادة الباكستانيّين عن خوض معركة مع «طالبان باكستان».

أثّر الإرهاب المحلّيّ سلباً على اقتصاد البلاد. تُقدّر وزارة الماليّة الباكستانيّة أنّ البلاد خسرت 123 مليار دولار من التّكاليف المباشرة وغير المباشرة بسبب الإرهاب

في غضون ذلك، أثّر الإرهاب المحلّيّ سلباً على اقتصاد البلاد، الذي غرق الآن في أزمة. تُقدّر وزارة الماليّة الباكستانيّة أنّ البلاد خسرت 123 مليار دولار من التّكاليف المباشرة وغير المباشرة بسبب الإرهاب. ولم يعد الكثير من الأجانب يرغبون في السّفر إلى باكستان، ممّا يؤثّر بشكل مباشر على السّياحة والصّادرات. ووجود القوات الباكستانيّة الضّخم على طول الحدود الأفغانيّة مع أفغانستان، والعمليّات العسكريّة العرضيّة، والعمليّات الاستخباراتيّة كلّها عوامل أضافت إلى ميزانيّة الدفاع. كما أدّى انخفاض الاستثمار الأجنبيّ المباشر والعقوبات الأجنبيّة على تمويل الإرهاب وغسيل الأموال إلى خسائر اقتصاديّة.

أدّت المفاوضات الدّوريّة بين الحكومة الباكستانيّة والجماعات المتشدّدة في الأعوام الأخيرة إلى إقناع المتشدّدين بأنّ السّلطات تفتقر إلى العزم على القتال المستمرّ. انهارت العديد من اتّفاقيّات السّلام واتّفاقيّات وقف إطلاق النّار بين إسلام أباد و«طالبان باكستان». في تشرين الثّاني (نوفمبر) الماضي، أنهت «طالبان باكستان» وقف إطلاق النّار الأخير، الذي جرى التفاوض بشأنه في حزيران (يونيو) الماضي، وهدّدت بشنّ هجمات جديدة عبر باكستان انتقاماً من تصرّفات جهاز الأمن.

مقاربة خاطئة

من الأفضل أن تتخلّى باكستان عن مقاربة «خطوتين إلى الأمام وخطوة إلى الوراء» في التّعامل مع الإرهاب المحّليّ. وقد أدّى تعريف بعض الجماعات الجهاديّة على أنّها حليفة لباكستان في النّزاعات الإقليميّة - ضدّ سيطرة الهند على جامو وكشمير، على سبيل المثال - إلى تعاطف مع المتشدّدين، ممّا ساعد حتّى الجماعات الأكثر تطرفاً على التّهرّب من التفحّص الدقيق حتّى عند شنّها هجمات ضدّ مواطنين باكستانيّين. يساعد هذا التّعاطف، أيضاً، الجماعات المتشدّدة في التّجنيد، ويتداخل مع جمع معلومات استخباراتيّة، ويجبر الحكومة على تقديم المزيد من التّنازلات أثناء محادثات السّلام مع الجماعات.

من الأفضل أن تتخلّى باكستان عن مقاربة «خطوتين إلى الأمام وخطوة إلى الوراء» في التّعامل مع الإرهاب المحّليّ

حان الوقت لكي يدرك قادة باكستان أنّ الإسلامويّين الرّدايكاليّين العنيفين ليسوا مجرّد أفراد ساخطين يمكن تهدئتهم من خلال تسوية تفاوضيّة. لديهم معتقدات قويّة وشعور جَبريّ، ويؤمنون باستخدام العنف لتشكيل العالم وفقاً لوجهة نظرهم. قبل أن يستغلّ المقاتلون الباكستانيّون الفوضى السّياسيّة المستمرّة والمِحَن الاقتصاديّة لتنظيم تمرّد كامل، يجب على القادة في إسلام أباد إنهاء أعوام من عدم اليقين بشأن سياستهم تجاه الإرهاب. وقبل أن يتمكّنوا من القيام بذلك، تحتاج البلاد إلى إجماع وطنيّ بدعمٍ كامل من جنرالاتها. لسوء الحظّ، لا يوجد حالياً أيّ مؤشّر على أنّ البلاد تتحرّك في هذا الاتّجاه.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

حسين حقاني، فورين بوليسي، 3 آذار (مارس) 2023



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية