على وقع موجات متصاعدة من التوتر السياسي والأمني تجتاح آسيا وأوروبا جراء الحرب الأوكرانية، وتدهور غير مسبوق في النظام الاقتصادي العالمي، وتهديدات محتملة بأزمة غذاء عالمية غير مسبوقة، طفت إلى السطح خلال الأيام القليلة الماضية أزمة عالمية جديدة باحتمال وقوع مناوشات عسكرية بين الصين وأمريكا، بسبب اتفاقية عسكرية وقعتها الأولى مع جزر سليمان على المحيط الهادي، ما اعتبره الحلفاء الأوروبيون تهديداً مباشراً لمصالح أوروبا وأمريكا.
وكانت الصين فجّرت، مؤخراً، مفاجأة من العيار الثقيل بعد أن أعلنت، توقيع اتفاق أمني واسع مع جزر سليمان القريبة من حدودها في المحيط الهادي، والتي شهدت على مدار الأعوام الماضية حالة من الاستياء جراء زيادة النفوذ الصيني بها، بينما تشعر دول غربية عدة على رأسها الولايات المتحدة بالقلق من الطموحات العسكرية لبكين في المحيط الهادي، فيما حذرت أمريكا من أي تواجد عسكري صيني داخل الجزر.
رسالة ردع صينية
ويرى الدكتور أحمد سيد أحمد، الخبير بمركز الأهرام للدراسات، والمختص بالعلاقات الدولية والشأن الأمريكي، أنّ الصين بهذا التحرك أرادت أن تُرسل رسالة واضحة إلى أمريكا مفادها أنّ الأولى لن تسمح بأي تمدد للولايات المتحدة في منطقة شرق آسيا أو بحر الصين وتايوان وهي المناطق التي تمثل بعداً استراتيجياً حيوياً لبكين كما تعتبره جزءاً من أراضيها لها حق السيادة الكامل عليه ومسألة التواجد الأمريكي فيه تعد ومساس واضح بالأمن القومي الصيني، لذلك فهي لن تسمح به.
وفي تصريح لـ"حفريات"، يشير أحمد إلى أهمية ودلالة التوقيت، بالتزامن مع الحرب المشتعلة بين روسيا وأوكرانيا داخل الأراضي الأوكرانية منذ 24 شباط (فبراير) الماضي، وموقف الصين المتضامن مع روسيا ورفضها انضمام أوكرانيا لحلف الناتو في مواجهة واضحة لموقف الولايات المتحدة والدول الأوروبية، فيما تعتبره بكين رفضاً للهيمنة الأمريكية في آسيا، وما يمثله ذلك من تهديد مباشر لمصالح كل من الصين وروسيا في المنطقة.
وبحسب الخبير المختص في العلاقات الدولية، يأتي التحرك الصيني في إطار إظهار سياسة الردع تجاه أمريكا، لمنع أي محاولات من جانب الأخيرة لفرض النفوذ أو السيطرة في تلك المناطق، مشيراً إلى أنّ إرسال روسيا قوات لأوكرانيا شجع الصين على هذه الخطوة وأنها تتأخر في ردع أي تدخل يخص أمنها القومي.
خيارات محدودة للولايات المتحدة
وحول السيناريوهات المرتقبة للأزمة الراهنة بين واشنطن وموسكو، يرى أحمد أنّ الجانب الأمريكي في وضع صعب يتعلق بمحدودية الخيارات المتاحة أمامه، والتي يعززها مجموعة من العوامل، أبرزها التركيز الأمريكي على دعم أوكرانيا وتعزيز سياسات الردع الدولي لفرض عقوبات على الجانب الروسي للتوصل إلى حل بشأن الأزمة الأوكرانية التي تلقي بظلالها الثقيلة على العالم أجمع، وفي الوقت نفسه تخشى الولايات المتحدة من إقدام الصين على تقديم أي مساعدات عسكرية أو مالية لروسيا لدعم عملياتها ضد أوكرانيا.
خبير بالشأن الدولي: الصين بهذا التحرك أرادت أن تُرسل رسالة واضحة إلى أمريكا مفادها أنّ الأولى لن تسمح بأي تمدد للولايات المتحدة في منطقة شرق آسيا أو بحر الصين وتايوان
ويوضح الخبير بالشأن الدولي أنّ أمريكا حذرت مراراً من أي دعم من جانب الصين لتعويض روسيا عن خسائرها جراء الحرب الأوكرانية؛ لأن هذا التدخل سيعصف بموازين القوى الراهنة وسيزيد الأزمة تعقيداً، مشيراً إلى أنه ليس من مصلحة أمريكا فتح جبهة جديدة مع الصين بجانب جبهتها المشتعلة مع روسيا على الأراضي الأوكرانية لذلك ستسعى لاستمالة الصين لمعسكرها، دون الإقدام على أي خطوات عسكرية تصعيدية من جانب الولايات المتحدة.
وفي المقابل تستغل الصين التداعيات الخاصة بالحرب الأوكرانية لتثبيت وجودها في منطقة جزر سليمان وربما تتخذ موقفاً حيادياً في تقديم الدعم العسكري لروسيا مقابل تنازلات أمريكية للتغاضي عن التواجد العسكري الصيني في تايوان وجزر سليمان بحسب أحمد، ويرى في الوقت ذاته أنّ انضمام الصين للمعسكر الروسي يقلق الجانب الأمريكي وسيفشل سياسة العقوبات التي تسعى الولايات المتحدة لجعلها أكثر فاعلية في ضوء تعاونها مع معسكر دول الاتحاد الأوروبي في مواجهة موسكو.
تحذير أمريكي
وعلى إثر التداعيات الخاصة بالأزمة زار وفد أمريكي، مؤخراً، جزر سليمان، حاملاً رسائل تحذيرية لبكين، وناقش الوفد الذي ترأسه كورت كامبل، منسق مجلس الأمن القومي لشؤون منطقة المحيطين الهندي والهادي مع رئيس وزراء جزر سليمان ماناسيه سوجافاري تداعيات إعلان الاتفاق العسكري مع الصين وما يمثله من تهديدات للمنطقة ولمصالح الولايات المتحدة والدول الأوروبية.
وقال البيت الأبيض في بيان أعقب اللقاء إنّ "الوفد الأمريكي حدد جوانب واضحة مثيرة للقلق فيما يتعلق بالغرض ونطاق وشفافية الاتفاقية، وإنه إذا تم اتخاذ خطوات لإنشاء وجود عسكري دائم بحكم الأمر الواقع، أو قدرات لاستعراض القوة، أو منشأة عسكرية، على حد وصف الوفد، فإنّ الولايات المتحدة ستكون لديها عندئذ مخاوف كبيرة وسترد وفقاً لذلك".
لماذا تنزعج أوروبا وأمريكا؟
لم تكن منطقة جزر سليمان الواقعة على المحيط الهادي، وتبعد نحو 1500 كيلومتر شمال شرق أستراليا، وليس لها أي شهرة دولية، بعيدة عن الصراع الصيني الأمريكي.
وبحسب الكاتب، مفتاح شعيب في مقاله المنشور في موقع "الخليج" تحت عنوان "جزر سليمان وأوكرانيا" سبب "انزعاج الولايات المتحدة ومعها أستراليا واليابان ونيوزيلندا من توقيع الاتفاق بين الصين والمستعمرة البريطانية السابقة، هو أنّ الصين ستحصل على بعثة عسكرية دائمة، وبناء قواعد متعددة الأهداف، وهو ما سيعزز موقع بكين بشكل كبير في منطقة جنوب المحيط الهادي الشاسعة، والغنية بالموارد، فجزر سليمان تتشكل من نحو ألف جزيرة، وعدد سكانها أقل من مليون نسمة، ولها أهمية استراتيجية بالنسبة للقوى المتنافسة منذ نهاية القرن التاسع عشر".
حول السيناريوهات المرتقبة للأزمة الراهنة بين واشنطن وموسكو، يرى سيد أحمد أنّ الجانب الأمريكي في وضع صعب يتعلق بمحدودية الخيارات المتاحة أمامه
ويضيف: "ما زال الغرب يعدها دولة تدور في فلكه، وتتبع التاج البريطاني؛ لذلك فإنّ دخول الصين إلى هناك سيمثل تحدياً، وسيكون رداً عملياً من بكين على توقيع الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة وأستراليا معاهدة دفاع عُرفت باسم "أوكوس" الهادفة إلى تعزيز وجود الحلفاء الغربيين في منطقة المحيطين الهادي والهندي".
مواضيع ذات صلة:
- هل اندلاع حرب مستقبلية بين أمريكا والصين أمر حتميّ؟
- الحرب الأوكرانية واستحضار قضية تايوان: الحسابات الصينية والأمريكية
- الاستعلاء الأمريكي... هل يدفع دول الخليج للتقارب مع الصين؟