الاستعلاء الأمريكي... هل يدفع دول الخليج للتقارب مع الصين؟

الاستعلاء الأمريكي... هل يدفع دول الخليج للتقارب مع الصين؟


16/03/2022

الغطرسة والاستعلاء سلوكان أمريكيان قد يدفعان حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط إلى الابتعاد عنها والبحث عن بدائل أخرى، وقبول عروض من قوى تنظر إليها الولايات المتحدة الأمريكية على أنّها معادية.

أوساط خليجية: سياسات الغرب وطريقة تعاطيه "الفوقية" تشكّلان حافزاً إضافياً للسعودية لتطوير علاقتها مع الشرق، ولا سيّما مع الصين

ونقلت صحيفة "العرب" اللندنية عن أوساط دبلوماسية خليجية قولها: إنّ السياسات التي ينتهجها الغرب، وطريقة تعاطيه الفوقية التي لا تخلو من الازدواجية، تشكّلان حافزاً إضافياً للمملكة العربية السعودية للمضي قدماً في تطوير علاقتها مع الشرق، ولا سيّما مع الصين، مستندة في ذلك على ما تملكه من أدوات قوة، سواء في علاقة بمتانة اقتصادها وموارد الطاقة الهائلة التي تملكها، أو من ناحية ثقلها السياسي على الصعيد الإقليمي.

شرخ في العلاقة بين الخليج وواشنطن

لم يعد سرّاً أنّ العلاقات السعودية الأمريكية تمرّ بفتور كبير جرّاء رفض المملكة الضغوط الأمريكية لزيادة إنتاج النفط، لضبط أسواق الخام التي تشهد ارتفاعاً كبيراً بسبب الحرب الأوكرانية.

 وعلىمدار الأسابيع القليلة الماضية، تحاول إدارة الرئيس جو بايدن الضغط على المملكة من خلال إثارة بعض القضايا الخلافية ذات الصبغة الحقوقية، مع الدفع بحلفائها من الغرب على غرار بريطانيا إلى التحرك لإقناع الرياض بتغيير موقفها، إلا أنّه من غير المرجح أن تنجح في ذلك، والأقرب أنّ هذه السياسة ستكون لها ارتدادات عكسية.

ولعلّ النبرة الاستعلائية الأمريكية برزت كذلك قبيل الحرب الروسية الأوكرانية، وبالتحديد في كانون الأول (ديسمبر)، عندما علقت الإمارات العربية المتحدة المحادثات مع إدارة بايدن بشأن محاولة الإمارات شراء طائرات إف -35 أمريكية الصنع، فيما اعتبرته الصحيفة الأمريكية أنّه "غضب" إماراتي من قيود واشنطن على استخدام هذا الطراز من الطائرات.

مصائب قوم عند قوم فوائد

توضح الأوساط الخليجية أنّ العملاق الآسيوي الصين سيكون المستفيد الأول من الأخطاء الغربية المتراكمة، ولا سيّما الأخطاء الأمريكية الناجمة عن قلة فهم للديناميكية المتغيرة للبيئة الخليجية، حيث ما تزال الولايات المتحدة الأمريكية تنتهج الأسلوب القديم نفسه القائم على الضغط والذي لا يخلو من استعلاء، وإعطاء دروس، آخرها إثارة ملف حقوق الإنسان في المملكة بعد الحكم بالإعدام الذي صدر بحق عناصر متورطة ضمن جماعات متطرفة، على حدّ قول صحيفة "العرب"

وكشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" الثلاثاء أنّ السعودية "تدرس استخدام اليوان الصيني بدلاً من الدولار في مبيعات النفط إلى الصين"، الأمر الذي من شأنه، إن تحقق، أن يلحق ضرراً كبيراً بالدولار الأمريكي.

وتُعتبر الصين أكبر مستورد للنفط على الصعيد العالمي، وهي تشتري أكثر من 25% من صادرات المملكة، وإذا تمّ تسعير هذه الصادرات باليوان، فإنّ الصين ستعزز بذلك من مكانة عملتها، وستفتح المجال لدول أخرى للتعامل التجاري مع بكين بعيداً عن الدولار الأمريكي، وهو طموح لطالما سعت بكين إلى تحقيقه.

السعودية تدرس استخدام اليوان بدلاً من الدولار في مبيعات النفط للصين الأمر الذي قد يلحق ضرراً كبيراً بالدولار الأمريكي

ونقلت الصحيفة الأمريكية عن مصادر مطلعة -لم تُسمّها- قولها: إنّ الرياض "تجري محادثات نشطة مع بكين لتسعير بعض مبيعاتها النفطية إلى الصين باليوان"، وحذّرت المصادر من أنّ هذه الخطوة "من شأنها أن تقلل من هيمنة الدولار على سوق النفط العالمية".

رسالة سعودية وتحوّل جيوسياسي

تقول الأوساط الخليجية: إنّ إعادة إثارة موضوع التبادلات التجارية بين السعودية والصين باستخدام اليوان، بعد تجميد المباحثات حول هذه المسألة منذ نحو (6) أعوام بفعل التدخل الأمريكي، تُشكّل رسالة سعودية جديدة لا تخلو من تحدٍّ للإدارة الأمريكية، ويفيد مضمونها بأنّ المملكة ليست في وارد القبول بأيّ ضغوط تُمارس عليها، وأنّها ستسير أينما تقتضي مصلحتها، وفقاً لـ"العرب".

وجاءت تسريبات "وول ستريت جورنال" بعد يوم واحد من نشرها خبراً عن قيام السعودية بتوجيه دعوة إلى الرئيس الصيني شي جين بينغ لزيارتها، وذكرت "وول ستريت جورنال"، في تقرير نشرته يوم الإثنين، أنّ الزيارة من المقرر إجراؤها "في وقت لاحق من أيار (مايو) المقبل بعد انتهاء شهر رمضان".

ونقلت الصحيفة عن مصدر مطلع -لم تُسمّه- قوله: إنّ السعودية "تسعى لتعزيز وتعميق علاقتها مع بكين في ظلّ تحول جيوسياسي في الشرق الأوسط، حيث تتطلع الصين وروسيا إلى توسيع نفوذهما في آسيا والمنطقة.

وأشار المصدر إلى أنّ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الصيني "صديقان حميمان، وكلاهما يدرك أنّ هناك إمكانات هائلة لعلاقات أقوى"، مضيفاً أنّ الأمر ليس مرتبطاً بشراء النفط من المملكة والأسلحة من الصين.

وتشهد العلاقات بين السعودية، التي تقود منظمة أوبك، وبين الصين، تطوراً ملحوظاً في الأعوام الأخيرة، ويعيد متابعون ذلك إلى اعتبارات عديدة؛ من بينها الشعور المتنامي لدى السعودية بامتلاكها ما يكفي من مقومات القوة التي تخول لها أن تكون سيّدة قرارها وعدم اضطرارها إلى مراعاة حلفائها الغربيين الذين سبق أن خذلوها في أكثر من ملف،  بل إنّ هناك من وضع شروطاً مجحفة لتصدير أسلحة إليها، والبعض الآخر ذهب إلى حدّ وقف تلك المشتريات عن المملكة رغم أنّها في حاجة ماسّة إليها لحماية أراضيها من الهجمات المتكررة التي تتعرض لها على أيدي الحوثيين الموالين لإيران.

وقد زار الرئيس الصيني شي جين بينغ الرياض في عام 2016، ليردّ العاهل السعودي الزيارة عام 2017 بصحبة وفد من (1000) شخص. وأجرى ولي العهد السعودي في عام 2019 محادثات مع شي في بكين، أبرما خلالها اتفاقاً نفطياً بقيمة (10) مليارات دولار.

وكان من المفترض أن يحضر الأمير محمد افتتاح أولمبياد بكين في شباط (فبراير) الماضي، لكنّ "ظروفاً حالت دون ذلك"، ليتمّ إرسال وفد رسمي سعودي للمشاركة رغم المقاطعة الغربية للحدث الرياضي.

وحسب ما نقلته صحيفة "وول ستريت جورنال"، فإنّ الرياض تخطط لتكرار الاستقبال الحار الذي حظي به الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في عام 2017، عندما زار المملكة، مع الرئيس الصيني، ولم تصدر الرياض أو بكين أيّ تعليق على ما نشرته "وول ستريت جورنال" بشأن الزيارة المذكورة.

وستكون هذه أول رحلة خارجية يقوم بها شي منذ أزمة كورونا، ويرجح أن تُجرى خلالها مناقشة مسألة استخدام اليوان في التعاملات النفطية، لكنّ خبراء اقتصاد يرون أنّ التوصل إلى اتفاق بشأن هذه المسألة ليس بالسهولة المطروحة، حيث إنّ الاقتصاد السعودي مرتبط بشكل عضوي بالدولار الأمريكي، وبالتالي فإنّ السير في هذا الخيار "محفوف بالمخاطر".

 وقالت الصحيفة الأمريكية: إنّ زيارة الرئيس شي المفترضة تمثل النقيض من علاقة الأمير محمد بالرئيس بايدن، الذي تجنّب ولي العهد السعودي، بعد أن تعهّد خلال حملة عام 2020 بمعاملة المملكة العربية كدولة "منبوذة".

ومنذ تولّي جو بايدن منصب الرئيس الأمريكي في كانون الثاني (يناير) 2021، تعرّضت الشراكة الاستراتيجية بين السعودية والولايات المتحدة لاختبار قاسٍ، سواء في علاقة بالتعاطي الأمريكي المثير للجدل مع الملف اليمني، وإقدام إدارة بايدن على سحب المتمردين الحوثيين من لائحة الإرهاب، أو في علاقة بمسارعة واشنطن إلى فسح المجال للعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران دون أن تقيم أيّ اعتبار لهواجس حلفائها الخليجيين، فضلاً عن استمرار الحملة التي تستهدف ولي العهد السعودي بشأن مقتل الصحفي جمال خاشقجي في عام 2018.

وعن ذلك، قال ولي العهد السعودي في مقابلة حديثة مع مجلة "ذي أتلانتيك": إنّه "لا يهتمّ بما إذا كان بايدن قد أساء فهم الأشياء المتعلقة به"، و"أنّ الأمر متروك له".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية