تهديدات وجودية تعصف بإسرائيل: هل تتجه إلى الديكتاتورية؟

تهديدات وجودية تعصف بإسرائيل: هل تتجه إلى الديكتاتورية؟

تهديدات وجودية تعصف بإسرائيل: هل تتجه إلى الديكتاتورية؟


كاتب ومترجم فلسطيني‎
24/08/2023

ترجمة: إسماعيل حسن
بعد مرور أكثر من ثلاثين أسبوعاً على الاحتجاجات الإسرائيلية المندّدة بالتعديلات القضائية المرفوضة التي تنفذها حكومة اليمين، تحضّر منظمات وهيئات إسرائيلية لإضراب عام وشل قطاعات حيويّة خلال الأيام المقبلة، للضغط على حكومة بنيامين نتنياهو للتراجع عن التعديلات القضائية.
ويرى المحتجون أنّ تلك التعديلات تشكل تهديداً وجودياً ليس فقط على هويّة وجوهر الدولة، ولكن لبقائها ووجودها من وجهة نظر أمنيّة واقتصادية واجتماعية وسّياسية، خاصة في الوقت الذي تقف فيه إسرائيل على شفا حرب أهلية، مع تصاعد موجة التظاهرات الرافضة لمساعي الائتلاف اضعاف الجهاز القضائيّ، وتصريحات قادة جهاز الأمن حول ضرر أهلية الجيش وبخاصة سلاح الجو، بعد قرار مئات الطيّارين المتطوعين في الاحتياط التوقف عن الامتثال للتدريبات، وهذا ما يدفع رئيس الوزراء إلى الحسم والإعلان عن فعل أي  شيء ما كي يوقف ما سيصبح ضرراً شديداً للردع الإسرائيلي، ولاحقاً ربما حتى للقدرة الإسرائيلية مع احتدام المشاكل داخل الدولة.
اليمين ضد الديمقراطية
على صعيد أعضاء حزب الليكود، هناك تجاهل كبير جداً من قبل غالبية السّياسيين حول الاندماج الاجتماعي، وهو نقطة المنطلق الضرورية للديمقراطيّة، الغالبية العظمى في إسرائيل تتفق على أنّ إسرائيل دولة يهوديّة وديمقراطيّة، ومعظم أعضاء الائتلاف الحكومي ضد دولة ديمقراطيّة، في زمن حكومة بينيت ولبيد تبنى الليكود قاعدة التصويت ضد كل قانون تطرحه الحكومة، حتى لو كانت هذه قوانين مناسبة لهم، ولكن مثل هذا السلوك هو خيانة للديمقراطيّة، والأزمة الحقيقية لدولة إسرائيل أعمق مما نتوقع.

 نتنياهو يبدو مسّروراً بتطهير الجيش من ضباط لا يتماهون معه شخصياً وسّياسياً
 الأزمة تنبع من أنّ معظم أعضاء الائتلاف الحكومي اليميني يعارضون الديمقراطيّة، بخلاف الدول التي عرفت كيف تحافظ على مبدأ الديمقراطيّة، نتنياهو يبدو مسّروراً بتطهير الجيش من ضباط لا يتماهون معه شخصياً وسّياسياً، وإذا لجأوا إلى الاستقالة فهذا أفضل من بداية الانقلاب النظاميّ، صرح نتنياهو تصريحات شديدة تجاه قيادة الجيش الإسرائيلي، وتحفظ على مما عرضه كموقف ليّن ومتساهل تجاه مظاهر رفض الخدمة في قوات الاحتياط، وتجاهل نداءات الضائقة بسبب المس بالقوة العسكرية، لقد أهان رئيس الأركان هرتسي هليفي وسد آذانه أمام قائد سلاح الجو تومار بار، من ناحية نتنياهو تحذيراتهما المتزايدة من مس بالكفاءة التنفيذية تعادل تحريضاً للتمرد ضد الحكومة، موقف نتنياهو ليس جديداً من بداية حياته السّياسية، فقد رأى في قادة الجيش معارضين سّياسيين وربما أعداء مقربين منه.
تفكك الجيش
في ذروة الاحتجاجات الجماهيريّة، تزداد المخاوف من حالة تفكك الجيش وتصدّع تماسكه الداخليّ وتدهور روحه القتاليّة، فضلاً عما يواجهه اقتصاد الدولة من التلاشي والخسارة التدريجيّة للدعم والتأييّد الاستراتيجي الأمريكي والغربي، وكل ذلك من شأنّه أن يمنح إسرائيل مكانة دولة متطرفة تقترب أكثر فأكثر من الدول المنبوذة، ما يعني أنّها في الطريق لمواجهة مستقبل أسود باعتراف الإسرائيليين أنفسهم، التقدير الإسرائيلي أنّه في مواجهة هذا المستقبل والتهديد، فإنّ المعركة من أجل صورة وشخصية الدولة هي البداية فقط، بجانب صياغة إسّتراتيجية لوقف التحركات الحكوميّة والبرلمانية السّاعية نحو تدمير المشروع الإسرائيلي، وفق ما تعلنه المعارضة الإسرائيلية ذاتها، ما يستدعي اسّتبدال أو إلغاء إجراءات الحكومة وزيادة المعسكر المناوئ لها.


وضع إسرائيل ومكانتها آخذ في التراجع والتدهور، على أقل تقدير في الجامعات والدوائر الليبراليّة والحزب الديمقراطي والجاليّة اليهوديّة في العالم، وحتى في أوروبا


على الصعيد الداخلي والخارجي، غالبية التوقعات الإسرائيلية تذهب باتجاه تسخير القطاعات الاقتصادية وتوسيع احتجاجها، وانضمام المزيد من النقابات المهنية، وضم نقابات المحامين والتقنييّن والأطباء، وأرباب العمل ورؤساء الاقتصاد وقطاع الأعمال والسلطات المحلية، رغم ما يعنيه ذلك من تراجع قيمة الشيكل وتذبذب مؤشرات الأسهم، والعجز في ميزانية الدولة وتعثّر النمو، وتراجع الاستثمارات وتصدّع التصنيف الائتماني.
أطماع نتنياهو تهدد الدولة
في الحقيقة نتنياهو وضع مصالحه الشخصيّة أمام مصالح الدولة، وبتشريع قانون الإصلاح القضائيّ سيحولنا إلى دولة على حافة الديكتاتورية، ولذلك أيضاً أثمان سّياسية وأمنية ستدفعها الدولة، تتمثل في الانشغال بتصاعد التهديد الفلسطيني، وتقدم إيران النوويّة واكتساب حزب الله مزيداً من الثقة والجرأة، وكل ذلك يعني باختصار أنّ هذا الانقلاب القانوني سيصل حتماً للإضرار بأمن الدولة.

غالبية التوقعات الإسرائيلية تذهب باتجاه تسخير القطاعات الاقتصادية وتوسيع احتجاجها
 وفي تقييم للأوضاع عقب التصعيد تجاه حزب الله في الشمال، توقعت الأجهزة الأمنيّة أن تؤثر توترات أمنيّة مع الحزب، واحتدام العلاقة مع الولايات المتحدة بسبب سّياسة الحكومة الإسرائيلية، في حين يرى الجيش أنّ عدم امتثال الطيّارين والمشاركة في التدريبات، سيؤثر في استعدادهم وجهوزيتهم لشن هجمات في سوريا أو غزة، أو الاستعداد لحرب مقبلة على أي من الجبهات، كما أنّ القلق يزداد من اتساع الرفض داخل الوحدات العسكرية، في أعقاب تقديرات للجيش الإسرائيلي بأنّه في حال استمر التشريع وتصعيد حملة الاحتجاج، فسيزداد عدد الطيّارين والجنود الرافضين للخدمة ليشمل مختلف الوحدات، وبحسب توقعات الجيش الإسرائيلي، فإنّ هناك زيادة في أعداد الرافضين للامتثال في التدريبات العسكرية التي سيجريها الجيش نهاية الشهر الجاري، وتحاكي مختلف السيناريوهات بما في ذلك اندلاع حرب في الشمال تمتد على مختلف الجبهات.
صورة إسرائيل تراجعت دولياً
إنّ وضع إسرائيل ومكانتها آخذ في التراجع والتدهور، على أقل تقدير في الجامعات والدوائر الليبراليّة والحزب الديمقراطي والجاليّة اليهوديّة في جميع أنحاء العالم، وحتى في قطاعات متعددة من أوروبا، وعلى المستوى الدوليّ الأحداث التي أحاطت بالتعديلات القضائية تضع إسرائيل بموقف غير مألوف من الساحة الدوليّة، وباتت صورتها كدولة ليبراليّة تحيط بها الكثير من المفاهيم السيئة، فالقناعة السائدة اليوم أنّ إسرائيل تخسر أحد أهم مصادر قوتها، وهي صورتها كدولة يهوديّة في بيئة معقدة ومعاديّة، وفي ظل هذه الخلفية يمكن فهم وتوقع الكثير من معارضي الثورة وصولاً إلى المجتمع الدولي، للضغط على الحكومة لتغيير مسارها، في حين إنّ صورة إسرائيل كدولة متقدمة نجحت بالتعامل مع العديد من القضايا الصعبة في العالم، تضررت بشكل مضاعف في الآونة الأخيرة، ما أعطى ذلك عن الدولة صورة مختلفة لم يعرفها العالم منذ سنوات طويلة.
مصدر الترجمة عن العبرية:
https://www.ynet.co.il/news/article/sypoquci2



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية