لماذا يسهل استقطاب الشباب المتعلم داخل التنظيمات المتطرفة؟

لماذا يسهل استقطاب الشباب المتعلم داخل التنظيمات المتطرفة؟

لماذا يسهل استقطاب الشباب المتعلم داخل التنظيمات المتطرفة؟


01/12/2024

تهتم العديد من المؤسسات البحثية بدراسة تنامي ظاهرة التطرف الديني لدى الشباب خاصة المتعلم خلال السنوات الأخيرة، نظرا لارتفاع معدلات هذه الفئة من الشباب في صفوف التنظيمات المتطرفة.

وعلى الرغم من هزيمته عسكرياً بحلول عام 2017، لا يزال تنظيم “داعش” موجوداً ويحاول إعادة تنظيم صفوفه، هو وباقي المنظمات المتطرفة، عبر استقطاب أعداد كبيرة من المراهقين والشباب، الذين تسهل السيطرة على عقولهم، وقد تزايد عدد المراهقين والشباب الذين تم استقطابهم، بحسب مختلف الدراسات التي اُجريت.

وكانت دراسة عنوانها "العدالة الاجتماعية والاقتصادية لمنع التطرف العنيف"، أكدت أن داعش لم يأت بمجنديه الأجانب من بين الفقراء والأقل تعليمًا، بل العكس هو الصحيح. إذ بحسب الدراسة، فإن غالبية المنضمين إلى التنظيم خلال عامي 2013 و2014 "يؤكدون أن مستواهم التعليمي هو المرحلة الثانوية، وقسم كبير منهم تابعوا دراستهم حتى الجامعة". 

وأظهرت بيانات الدراسة أن الأجانب الذين انضموا لداعش، 43.3 منهم مستواهم التعليمي هو المرحلة الثانوية، و24.5 في المائة هو المرحلة الجامعية، في حين أن 13.5 في المائة فقط يقتصر مستواهم التعليمي على المرحلة الابتدائية، وبلغت نسبة الأميين في صفوف التنظيم 1.3 في المائة فقط.

عوامل نفسية

هذا و لفت مقال، لـ"اندبندنت عربية"، إلى جملة من العوامل النفسية التي قد تدفع الشاب المتعلم نحو التطرف كالبحث عن الإجابات البسيطة والنظر إلى الأشياء بمفهوم "الأبيض أو الأسود"، ويرتكز هذا النهج على ثنائيات الخير والشر والصواب والخطأ والمسلم وغير المسلم وما إلى ذلك. وإن نظرة خاطفة على أدبيات وأدلة المنظمات المسلحة تكشف عن ميلها إلى تبسيط الأمور المعقدة.

المبالغة في تبسيط معتقدات الفرد يمكن أن تؤدي إلى التطرف الأيديولوجي وتنتشر هذه السمة خصوصاً بين الانتحاريين

واعتبر المقال أن المبالغة في تبسيط معتقدات الفرد يمكن أن تؤدي إلى التطرف الأيديولوجي. وتنتشر هذه السمة، خصوصاً، بين الانتحاريين الذين يتشبعون بالاعتقاد بأنهم "شهداء أبطال" يمجدون الدين من خلال تضحياتهم، وسيحصلون في المقابل على الجنة ونعمها الموعودة.

ويروج المتطرفون فكرة مفرطة في التبسيط مفادها بأن إحياء الشريعة الإسلامية و"الخلافة" من شأنه أن يحل تلقائياً عديداً من المشكلات المعقدة في العالم الإسلامي من دون أن يقدموا التفاصيل العملية لكيفية عمل نظام الشريعة، وكيف سيتم التوصل إلى توافق في الآراء داخل مختلف المذاهب الإسلامية التي تختلف نوعياً عن بعضها بعضاً في تفسيرها للشريعة.

وعلى نحو مماثل، تفشل الجماعات المسلحة المختلفة في تفسير كيف ستشكل الجماعات المسلحة المنتشرة في أنحاء العالم دولة "الخلافة" الموحدة بينما هي تشهد انقساماً داخلياً في صفوفها، واختلافاً أيديولوجياً مع بعضها بعضاً.

هذا إلى جانب، ظاهرة "الانطوائية الاجتماعية" وعدم المعرفة، التي تدفع الشخص إلى رفض كل ما يأتيه من الخارج من دون النظر إليه. والانطوائية الاجتماعية تخلق شعوراً دائماً بالخوف بأن "الإسلام مهدد"، وتغلق الباب أمام تدفق الأفكار، بل إن المعلومات الجديدة تسهم في وضع نظريات المؤامرة عندما يصاب المرء بهذه الظاهرة. 

ظاهرة "الانطوائية الاجتماعية" وعدم المعرفة، التي تدفع الشخص إلى رفض كل ما يأتيه من الخارج من دون النظر إليه

ويرتبط استبعاد المعرفة بإجراءات عدوانية تجاه "الآخر"، كذلك فإن الحاجة الشديدة إلى الإغلاق تجعل الناس ينظرون إلى العلاقات الجماعية بطريقة "نحن مقابل هم" التي تشجع المنافسة. على سبيل المثال يرفض المتطرفون الثقافة الغربية ويدافعون عن مجموعتهم باعتبارها نقية أيديولوجياً أو في الأقل ثقافياً.

ما علاقة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية؟

تعد العلاقة بين الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والتطرف العنيف أحد نقاط الجدل بين دارسي ظواهر العنف السياسي، وأيضًا بين صانعي السياسات المهتمين بصياغة إستراتيجيات لمواجهة تحدي التنظيمات العنيفة في مجتمعاتهم. حيث أكدت بعض الدراسات على أن الظروف الاقتصادية هي العامل الرئيسي الذي يدفع الشباب إلى الانضمام إلى التنظيمات العنيفة.

ويشير تيار واسع داخل الأدبيات التي تدرس التطرف العنيف، إلى أن المظالم الاجتماعية والاقتصادية هي ضمن العوامل الأساسية التي قد تدفع الشباب إلى العنف. 

ويفرق الباحثون بين تلك العوامل على المستوى الكلي، بحسب دراسة نشرها موقع "منتدى البدائل العربي"، مثل معدلات الفقر، وعلى المستوى الجزئي مثل الحرمان النسبي، وكذلك تهميش بعض الفئات أو الطوائف بعينها دون غيرها داخل المجتمع. ويشكِّل الفقر والبطالة، بحسب الدراسة، داخل هذا التيار من الأدبيات الأسباب الأكثر ذكرًا بين المظالم الاجتماعية والاقتصادية. 

هذا ويذكر تقرير لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي عن التطرف في إفريقيا، أن إحدى نتائجه الرئيسية هي أن العوامل الاقتصادية هي إحدى المحركات الرئيسية في اتجاه التطرف العنيف، حيث يؤدي الاستبعاد الاقتصادي والبطالة ومحدودية فرص الحراك التصاعدي إلى الاغتراب أو الإحباط، ما قد يؤدي إلى التطرف الذي يؤدي إلى التطرف العنيف. 

يذكر تقرير لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي عن التطرف في إفريقيا، أن إحدى نتائجه الرئيسية هي أن العوامل الاقتصادية هي إحدى المحركات الرئيسية في اتجاه التطرف العنيف

ويقترح توماس هيجهامر خمس آليات مختلفة لشرح العلاقة بين التمرد والفقر، أربعة منها تدعم بشكل مباشر فكرة أن المظالم الاقتصادية والاجتماعية قد تدفع في اتجاه التطرف. أولًا، هناك معاناة موضوعية: يتمرد الشخص لأنه يشعر بالإحباط بسبب الفقر. وثانيًا، يتمرد الشاب لأنه لم يحصل على الوظيفة الجيدة التي يشعر أنه يستحقها نظرًا إلى مؤهلاته. ثالثًا، يضيف هيجهامر عدم المساواة الأفقية، أو “آلية روبن هود”: “أنت لا تتمرد لأنك نفسك فقير، بل لأن مجموعتك فقيرة وأنت تعزو ذلك إلى الظلم المنهجي”. تتكون الآلية الأخيرة من تأثيرات جانبية: “يأتي الفقر مع آثار جانبية تزيد من خطر التطرف. على سبيل المثال، إذا كنت عاطلًا عن العمل، فلديك المزيد من الوقت للتعرف على الأفكار والمجموعات المتطرفة”.

عوامل سياسية

كما أعد المعهد الجمهوري الدولي الأميركي مؤخراً دراسة ميدانية حول دوافع ومسببات التطرف العنيف بتونس، حيث كشفت النتائج الأولية للدراسة أن الأشخاص الذين لديهم قابلية لأن يميلوا نحو التطرف لديهم عدة دوافع.. منها: "معاناتهم من العنف من طرف السلطة وعلاقتهم السلبية مع الأمن، وهو ما جعلهم لا يثقون بالمؤسسات العمومية متوقعين انتشارا للفساد على جميع المستويات".

كما يعتقدون "أن الثورة لم يكن لها أي تأثير في حياتهم، حيث يعتبرون أن البيروقراطية تقف عائقاً أمام نجاحهم"، ويعتبرون أن "الديمقراطية هشة في تونس فقط على مستوى الحرية الدينية".

يؤدي الاستبعاد الاقتصادي والبطالة ومحدودية فرص الحراك التصاعدي إلى الاغتراب أو الإحباط

من جهة أخرى، بينت الدراسة أن المحافظين دينياً يعتقدون "أن جهل الشباب بالدين هو السبب المباشر لتبني الأفكار والسلوكيات المتطرفة خاصة وأنهم شهدوا تواتر العنف بصفة دورية في ولاية باجة، وخاصة العنف القائم على أساس ديني. ويعتقدون أن ذلك ناتج عن قمع المواطنين المتدينين قبل الثورة والنحو الذي تعاملهم به الحكومة الآن".

سهولة الاستقطاب عبر الانترنت

في السياق، أوضحت دراسة لـ"المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب" أن التنظيمات المتطرفة أدركت مبكرا أهمية شبكة الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي، واعتبرتها منفذا مأمونا لنشر وتنفيذ مشروعها الأيديولوجي بعد إقرارها بفشل عمل التنظيمات السرية والتجنيد المباشر في ظل الهجمة الأمنية الدولية والتنظيم الإقليمي.

وقالت إن العالم الرقمي وأدواته المتطورة والآمنة عزز قدرة تنظيم داعش الإرهابي على ترويج أفكاره المتطرفة واستقطاب الشباب ليكونوا جزءا من مخطط "الذئاب المنفردة" بسهولة لتنفيذ العمليات الإرهابية من غرفهم، خاصة مع استخدام تطبيقات وشبكات غير مراقبة أمنيا مثل تلغرام و"ديب ويب".

وهو ما أيدته دراسة أعدها "مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة"، التابع لدار الإفتاء المصرية بعنوان "استراتيجيات وأيديولوجيات الجماعات الإرهابية في تجنيد الشباب عبر الإنترنت" بتأكيدها على أن شبكات ومواقع ومنصات التواصل الاجتماعي تمثل جامعة إلكترونية لإعداد وتجنيد "الذئاب المنفردة"، وأداة خصبة لنشر أفكارهم المتطرفة.

وأكدت أن الجماعات الإرهابية تقوم بتصنيف مواقع التواصل وفق استخدامها المناسب، حيث تنشط على فيسبوك لاستدراج الشباب بطرق غير مباشرة، أما تويتر، فيستخدم لنشر الأخبار الترويجية للأفكار المتطرفة، وتليغرام للمساهمة في نشر أدبيات التنظيم وكتاباته وروابط تقاريره المصورة والمرئية، لترويج نجاحات مزيفة، في حين يستغل يوتيوب لتمكين مشاركيه من تحميل الفيديوهات قبل الحذف، حيث إن نظام المراقبة الخاص بالموقع يتم بعد رفع الفيديوهات عليه.


 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية