عواقب كورونا الجانبية: السمنة والاكتئاب والانطوائية تحاصر طلبة المدارس

عواقب كورونا الجانبية: السمنة والاكتئاب والانطوائية تحاصر طلبة المدارس


05/09/2021

قرابة شهر يفصل طلبة المدارس في مصر عن بدء العام الدراسي، في 10 تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، ومازالوا ينغمسون في ظروف غير مسبوقة فرضتها جائحة كورونا؛ خبراء يرون أنّ ثمة حالة عامة من الاكتئاب والانطوائية ومشاعر من الثقل والضيق والخوف، ليس فقط لقرب انتهاء الإجازة الصيفية وما يفرضه ذلك من الانشغال بجدول مكتظ بالواجبات والمهام، ولكن لأنّ العامين الماضيين غيّرا كثيراً من أنماط التعليم وفلسفته، وباتت العودة المنتظمة كاملة العدد بدوام كامل تجربة مقلقة.

اقرأ أيضاً: كورونا في إيران: مؤشرات على فشل برنامج التطعيم... ما قصة اللقاحات المزيفة؟

قبل كورونا، كان من الطبيعي أن يقضي الأطفال وأهاليهم هذا الشهر في التجهيز للمدارس، بحماس أو فتور يختلف وفق قرب كل منهم أو بعده وجدانياً عن العملية التعليمية وارتباطه بها، أمّا الآن، فالقلق والتساؤلات هي المسيطرة على مجموعات الأهالي عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

ما يقلق الأهالي، وفق ما أمكن رصده، هو شبح إصابة أبنائهم بالفيروس، أو دفع المصاريف المدرسية، ثم تحول العملية مجدداً إلكترونياً أمام موجة جديدة واسعة، أو غيرها من الاحتمالات، أمّا الطلاب أنفسهم، فلديهم أسباب مختلفة للقلق.

ثمة أناس كانوا اجتماعيين جداً لكن بسبب الكورونا وتأثيراتها تأثرت نفسيتهم

(شهد أشرف) التي ستلتحق بالصف الثاني الإعدادي عبرت عن قلقها من مواجهة زملائها في المدرسة بعدما زاد وزنها على نحو لافت، بسبب تغير نمط حياتها خلال فترة كورونا، خصوصاً أنّ شقيقها الأكبر بدأ يتنمر بالفعل على هيئتها.

تقول شهد لـ"حفريات": ليس لي صداقات واسعة في المدرسة، ولا أندمج على نحو كبير مع زميلاتي، لي دائرة محددة، لكن رغم ذلك كانت تمثل المدرسة متنفساً للخروج كل يوم خلال الدراسة، العام الماضي اقتصر الحضور على يومين فقط، في فترة ما بعد الإغلاق التي توقفت فيها الدراسة بالكامل، لم أعد أبرح المنزل تقريباً، أقضي يومي بين التلفاز والطعام.

أظهرت الدراسات أنّ التواجد في الفصل يساعد في الحفاظ على أوزان الطلاب تحت السيطرة

وتضيف أنّها رغم ذلك غير متحمسة لعودة الدراسة والانتظام بالكامل من جديد، فقد باتت تلك تجربة بعيدة ومرهقة لا تعتقد أنّ جسدها يتحملها بعدما اعتاد عليه من الراحة.

ولم يختلف الأمر مع (هايدي مجدي) الطالبة في الصف الثالث الثانوي، التي باتت تستاء عند النظر إلى المرآة من زيادة وزنها على غير المعتاد، ويحول القلق من كورونا بينها وبين مزاولة أي نشاط يساعدها على التغلب على ذلك.

تقول هايدي إنّها تلاحظ بالنسبة إليها أو من تجارب أقاربها وأصدقائها في المراحل التعليمية المختلفة خوفاً وقلقاً متزايداً من الخروج والتعامل مع الناس والتجمعات، مشيرةً لـ"حفريات" إلى أنّ بعض معارفها تحوّل الأمر معهم إلى "هوس غير طبيعي" على حد وصفها.

اقرأ أيضاً: مركز أمريكي يصنف الدول العربية من حيث مخاطر السفر بسبب كورونا... توصيات

وتضيف: "أنا أعرف طلاباً في الثانوية العامّة هذا العام يرفضون النزول إلى الدروس الخصوصية في مراكز التقوية غير الرسمية بسبب كورونا، وخايفين على أنفسهم خصوصاً مع أخبار الموجة الرابعة وأعراضها التي تشبه البرد..".

وتابعت: ثمة أناس كانوا اجتماعيين جداً لكن بسبب الكورونا وتأثيراتها تأثرت نفسيتهم لدرجة التوحد، لا يرغبون في مقابلة أحد، ولا يفعلون شيئاً سوى الأكل والنوم، ومن ثم فالطبيعي أن يتعرّضوا لسمنة وزيارة في الوزن على غير المعتاد.

لا يفعلون شيئاً سوى الأكل والنوم فمن الطبيعي أن يتعرّضوا لسمنة وزيارة في الوزن على غير المعتاد

واستطردت الطالبة: "طبيعي أن نخاف، لكن ليس الخوف الذي يؤثر على نفسيتنا ويجعلنا مصابين بالهوس به، فكلما حاولنا مقاومة آثاره السلبية السيئة على نفسيتنا، ساعدنا أنفسنا أكثر".

ولا تقتصر تلك الآثار على دولة دون أخرى، بل هي آثار ملحوظة رصدها أطباء ومعنيون بالعملية التعليمية ضمن الآثار السلبية لجائحة كورونا على التعليم والأطفال والمراهقين.

 في شباط (فبراير) الماضي، نشرت جريدة "وول ستريت جورنال" تحذيرات لأطباء الأطفال من أنّ الانقطاع المطوّل عن الذهاب إلى المدارس، والتعلم عن بعد، وعدم ممارسة الرياضة والأنشطة الأخرى بسبب فيروس كورونا، أدى كل ذلك إلى زيادة الوزن التي يمكن أن يكون لها آثار طويلة الأمد على صحة الأطفال.

يقول هاي كاو، طبيب أطفال ومالك مركز ساوث سلوب لطب الأطفال في بروكلين، نيويورك: "نرى الكثير من الأطفال في سن المدرسة الابتدائية يكسبون 20 إلى 30 رطلاً في العام"، بحسب ما نقله موقع الحرّة.

معاناة الأطفال منذ بداية فترة الوباء تعود أساساً إلى "الحصار المطبق" الذي أصبحوا يعيشون فيه

وأضافت بريتاني ويلسون، طبيبة مساعدة في مركز "Island Kids Pediatrics" في جزيرة ستاتين، نيويورك، أنّ الوباء يبدو أنه يسرّع من زيادة الوزن بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و12 عاماً، الذين يعانون من زيادة الوزن بالفعل.

وقالت بريتاني: "حتى الأطفال الذين يذهبون إلى المدارس يصابون بالاكتئاب، إنهم يفتقدون أصدقاءهم، الكثير منهم لا يبلي بلاءً أكاديمياً، مع الاكتئاب تأتي أيضاً زيادة الوزن، إنّهم يشعرون بالملل، وأعتقد أنهم يأكلون للراحة".

وأظهرت الدراسات أنّ التواجد في الفصل يساعد في الحفاظ على أوزان الطلاب تحت السيطرة، وخاصة الأطفال الذين يعيشون في الأحياء ذات الدخل المنخفض.

وبحسب بحث أجراه مايكل يديديا من جامعة روتجرز، وبونام أوري فاكاسباتي من جامعة ولاية أريزونا، اللذان تتبعا فيه ارتفاعات وأوزان عشرات الآلاف من أطفال نيوجيرسي الذين يعيشون في المجتمعات منخفضة الدخل منذ العام 2008، فإنّ الطلاب الذين يذهبون إلى المدارس التي تقدّم أطعمة مغذية أكثر يتمتعون بأوزان صحية.

حتى الأطفال الذين يذهبون إلى المدارس يصابون بالاكتئاب إذ إنهم يفتقدون أصدقاءهم والكثير منهم لا يبلي بلاءً أكاديمياً حسناً

يقول الدكتور يديديا: إنّ الأطفال يكونون أكثر نشاطاً خلال العام الدراسي، عندما يتنقلون من وإلى المدرسة، ويتنقلون بين الفصول الدراسية ويشاركون في أنشطة مثل الرياضة وصالة الألعاب الرياضية، وتابع: "هناك كل العناصر المختلفة المرتبطة بالتواجد في المدرسة والتي تعتبر صحية للأطفال"، بحسب ما أورده موقع الجزيرة.

 وفي ألمانيا، أطلق الدكتور جاكوب ماسكي -المتحدث باسم الجمعية المهنية لأطباء الأطفال- صيحة فزع، محذّراً من اكتظاظ أقسام العلاج النفسي للأطفال والمراهقين، واضطرار الطواقم الطبية للقيام بعمليات فرز لمعالجة الحالات الأكثر خطورة.

اقرأ أيضاً: دبي تتعافى من تبعات كورونا وتقود هذا المؤشر الاقتصادي عالمياً

 وتتحدث لويز بوستكا -مديرة علم نفس الطفل والمراهقة في "جامعة غوتينغن الألمانية- عن ظاهرة مماثلة، فتقول: إنّ "أقسام الإنعاش والحالات الخطرة في الوقت الحالي مكتظة بشكل دائم، وإنّ حالات الإصابة بالاكتئاب واضطرابات الأكل تزايدت بشكل واضح، هناك العديد من المراهقين المكتئبين الذين يفكرون في الانتحار، أو يعانون من اضطرابات في الأكل لدرجة تسبب المرض، ويصبح لزاماً علينا تغذيتهم باستخدام الأنابيب".

وحسب رأيهما، فإنّ معاناة الأطفال منذ بداية فترة الوباء تعود أساساً إلى "الحصار المطبق" الذي أصبحوا يعيشون فيه، فقد أُغلقت أبواب المدارس وتوقفت الأنشطة الترفيهية والرياضية بشكل تام أو جزئي.

وفي الواقع، حُرم الأطفال من الخروج مع أصدقائهم وممارسة الأنشطة البدنية والحصول على فرص التطور والنمو، وهذا الحرمان جعلهم يشعرون بالعزلة والحزن؛ لذلك يؤكد الأطباء على الحاجة الملحّة والعاجلة للشعور بالحرّية، والعودة إلى الحياة الطبيعية في أقرب وقت ممكن.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية