نساء الكرملين: الحياة السرية لزعماء الثورة في الاتحاد السوفييتي

روسيا

نساء الكرملين: الحياة السرية لزعماء الثورة في الاتحاد السوفييتي


29/11/2018

يضئ كتاب "نساء الكرملين" للأديبة والصحافية الروسية، لاريسافا فاسيليفا، الذي ترجمه الأديب المصري الدكتور أحمد الخميسي، جانباً خفياً، وغير معلن، من حياة زعماء الكرملين، في فترة ما قبل سقوط الاتحاد السوفييتي؛ تلك الحياة المضمرة والمتوارية خلف طبقات السياسة والعمل الحزبي والنضالي بانضباطه وتجهمه.

اقرأ أيضاً: اهتمام أمريكي بمئوية الثورة البلشفية: الشمولية تبعث روسيا مجدداً

بيْد أنّ فصول الكتاب تروي تفاصيل ومسارات مختلفة عن هؤلاء القادة السياسيين، وتفصح عن ملامح غير مرئية في حيواتهم الخاصة ولحظاتها الاستثنائية، التي تعكس معها شتى المشاعر الإنسانية والعاطفية، في ضعفها ورقّتها، خشونتها ونعومتها، وإكراهات الواقع ومؤامراته، وما يترتب على ذلك من مصائر متفاوتة.

حفل سجل ستالين بمحطات شديدة الدموية، وإطاحة بكل من وقفوا أمامه بالقتل والنفي والتعذيب حتى طال الأمر زوجته

يعد الكتاب الذي شرعت في جمع مصادره المختلفة، الأديبة الروسية صاحبة المسرحية الشهيرة "أغصان الزيزفون"، بمثابة دراسة صحافية ونفسية وفنية للمصير الصعب والمأساوي، أحياناً، والمجهول، أحياناً أخرى، للنساء اللواتي ارتبطن بهؤلاء الزعماء، سواء باعتبارهن زوجات أو عشيقات أو صديقات، وتقاسمن معهم الحياة بتفاصيلها ويومياتها.

وفي مقدمة الكتاب، يشير المترجم إلى المصادر التي اعتمدت عليها المؤلفة، والعوامل التي ساعدتها في فك شيفرات تلك الحياة الملغزة المثيرة، حيث كانت حقائقها غير مكشوفة وغامضة، وظلت معظم تفاصيلها ونهاياتها مجهولة، وبلا أثر.

غلاف كتاب "نساء الكرملين" للاريسافا فاسيليفا

الأرشيف السري لنساء الكرملين

تقول لاريسا فاسيليفا: "إن نساء الكرملين جديرات بأزواجهن. فهن رفيقات نضال ونصيرات فكر وثوريات، كما أنّ الزوجات البلشفيات كن مصابات بتقاليد السرية والكتمان التي لا تقل عما عرف عن أزواجهن؛ فقد عرفن هن أيضاً السجون والمنافي والهجرة. والى هذا كله أضيف خوف جديد، خوف من الثورة المضادة: ماذا لو جاؤوا وطالبوا بما لهم؟".

يعد رد كروبسكايا على رسالة لينين أثناء فترة تواجدها بالسجن طالباً إياها للزواج محطة خلاف في تفسير ما وصفوه بـ "الرد الغريب"

ولهذا، فإنّ المؤلفة التي تنتمي للأوساط القريبة من الكرملين، حيث كان والدها يعمل مصمماً للدبابات، وهو ما سمح لها أن تختلط بالقمم الحاكمة، و"تفهم الطبيعة النفسية لمن عاشوا في الكرملين".

وإلى جانب ذلك، تمكنت عبر موقعها المتميز من الوصول إلى مواد من الأرشيفات والوثائق الرسمية السوفيتية، بالإضافة إلى الأحاديث الخاصة لها مع زوجات القادة أنفسهن، ممن تواصلت معهن مباشرة أو أقربائهن، أثناء إعدادها للكتاب، ومطالعتها مذكرات من عاصروا أولئك النساء.

للمرة الأولى، يرصد الكتاب تفاصيل ذلك المثلث الفريد الذي تتجمع بين أضلاعه، القصة الكاملة لزعيم الثورة البلشفية، فلاديمير أوليانوف "لينين"، وزوجته ورفيقة دربه، كروبسكايا، وعشيقته الوحيدة، إينيس أرماند.

لينين وزوجته كروبسكايا

لينين والحب والثورة

"كان عمرها 49 عاماً عندما دخلت الكرملين كربّة بيت جديدة. ولم تكن شابة ولا جميلة. وجه كبير منتفخ، وشفتان غليظتان بارزتان دليلاً على طبع متأجج، لم يتجرأ أحد على افتراضه فيها، وأسنان بيضاء غير متساوية وغير مصبوغة بالنيكوتين، وجبين ضخم عريض وشعر أسبل له فرق مستقيم ومجموع في عقدة، وقامة غير مكتنزة، لكنها منسقة خالية من التعرجات المثيرة، ووقفة مستقيمة تنم عن أن صاحبتها تربت في مدرسة جيدة. إنها ناديجدا كروبسكايا، زوجة لينين". تصف المؤلفة رفيقة درب زعيم "البروليتاريا" الذي قاد الثورة حتى انتصر، والتي استطاعت من جهتها أن تلعب دوراً مؤثراً، في تلك الفترة المحتدمة من تاريخ الثورة الروسية، بصراعاتها وتناقضاتها العديدة، بدون أن تبدو كمجرد ملحق نسوي، لهذا الرجل الثوري الكبير والملهم.

اقرأ أيضاً: عودة روسيا العظمى عبر بوابة القرن الإفريقي

تعرفت كروبسكايا على لينين، في العام 1894، في إحدى الحلقات النقاشية المنتمية لها، والتي كانت تنظمها مدرسة عمالية في روسيا؛ مهمتها تدريس النظرية الماركسية، وعقد جلسات مناظرة حولها، بغية تنوير الطبقة العاملة، وتشكيل وعيها الطبقي، وتسليحها بالمعرفة النظرية. وبعد أعوام على اللقاء الأول الذي جمعهما، كان أحدهما في السجن، والثاني يعيش منفياً في سيبريا.

يعرج الكتاب على تلك العلاقة المكتومة بين لينين وإينيس أرماند، التي ظلت طي الكتمان، وتتردد همساً وبسرية

يعد رد كروبسكايا على رسالة لينين أثناء فترة تواجدها بالسجن، طالباً إياها للزواج، محطة خلاف بين العديدين، في تفسير ما وصفوه بـ "الرد الغريب"، حيث كان جوابها: "طيب، فليكن زوجة"، بحسب الترجمة العربية للكتاب، ما كشف عن تساؤلات جمّة حول طبيعة خيارها له بين كونه ـزوجاً أو زعيماً؟

كان من بين المهمات الثورية التي شرعت في تنفيذها سيدة الكرملين الجديدة، في المرحلة التي تلت القصيرية، هي قضية التعليم الشعبي، حيث ألغت مادة الدين في جميع المدارس.

لكن، من بين الأشياء التي وصمت بها تلك السيدة، وجلبت ضدها الانتقادات الواسعة، كانت عملية حظر بعض الكتب والمؤلفات السياسية والأدبية والفكرية، حيث حجبت عن أجيال كاملة أسماء مهمة في الأدب والفكر؛ كمثل أندرية بلاتونوف وبوريس باسترناك، وغيرهما.

إينيس أرماند

وعلق على ذلك، الروائي الروسي، مكسيم غوركي، في العام 1923 أنه: "من الأنباء التي تصيب العقل بالذهول أنّ كروبسكايا منعت في روسيا قراءة أفلاطون وكانط وشوبنهاور والفيلسوف فلاديمير سولوفيوف ونيتشه وتولستوي وجون ريسكين ونيكولاي ليسكوف".
لماذا أخفى لينين حبه؟

اقرأ أيضاً: كيف أصبح الدب الروسي ملك الرهانات الخاسرة؟

ومن ناحية أخرى، يعرج الكتاب على تلك العلاقة المكتومة بين لينين وإينيس أرماند، التي ظلت طي الكتمان، وتتردد همساً وبسرية، بسبب ما أرغمه عليه موقعه الحزبي وقيادته للثورة وإكراهات الواقع السياسي، فحرم كلاهما من ذلك الحب المعلن، حتى ماتت في ظروف مأساوية.

بيد أنّ لينين خرق القواعد البروتوكولية، بعد وفاتها، وضم رمادها داخل جدران الكرملين، كنوع من الوفاء لها، وطلباً لصفحها وغفرانها، لتخاذله أمامها، وعدم مقدرته أن يظفر بالحب الذي ظل سرياً.

علق خروتشوف على وفاة زوجة ستالين المبهمة بأنها: "انتحرت بسبب إهانة بالغة لحقت بكرامتها وعزة نفسها كامرأة"

تعود تفاصيل العلاقة، التي جمعت لينين بحبيبته الباريسية، كما تقول لاريسافا، في العام 1910، حيث "وصلت إينيس أرماند إلى باريس قادمة من بروكسل، وسرعان ما أمست إحدى العضوات النشيطات في مجموعتنا الباريسية، وكانت بلشفية الحماسة".

وفي ظل الإشاعات التي ترددت حول تلك العلاقة وما سوف يترتب عليها، كمثل أن المكتب السياسي للحزب الشيوعي سيتخذ موقفاً سلبياً ضد لينين، ومن جهة ثانية، تتطلع كروبسكايا أن تحرر زوجها من إسار الرباط الزوجي، ليقترن بحبيبته نهائياً، فقد تسببت كل تلك الأحاديث التي انتشرت ضد كليهما بأن باعدت بينهما وفرقتهما، واضطرتهما للعزلة والتخفي بصورة قسرية.

جوزيف ستالين

وترصد الكاتبة مزحة راجت بين أوساط ودوائر البلاشفة، تقول: "ضرورة إدخال إينيس أرماند في كتاب تدريس المادية الجدلية باعتبارها نموذجاً لوحدة الشكل والمضمون".

الموت الغامض لزوجة ستالين

ولئن كان إلى جانب لينين زوجته ناديجيدا كروبسكايا، وبالقرب من تروتسكي وقفت ناتاليا، ومع كلمنتي فوروشيلوف كانت تظهر بجواره، دائماً، يكاترينا، إلا أنّ ستالين ظل "وحيداً مثل البومة العمياء"، كما تصفه المؤلفة، وذلك بعد وفاة زوجته الأولى، ثم زواجه من "ناديجدا"، ابنة صديقه الثوري، سيرجي اليلويف، والتي عاشت في ظل أزمات عاصفة، وحياة لا تلين، كانت تمزقها وتنتاهبها مشاعر الغبن والألم، تليق بزوجة أكبر ديكتاتور بلغ عرش الكرملين، والذي تخير لنفسه اسماً مشتقاً من كلمة الصلب، وهو ستالين.

اقرأ أيضاً: أشهر 6 نساء مؤثرات في تاريخ الفلسفة

الحياة المرهقة التي عاينتها زوجة ستالين مع شخصيته التاريخية الصعبة، والتي لعبت عوامل عديدة في صناعتها وحبكتها، وضعتها في مواجهة حادة وقلقة مع الرجل الطامح للسلطة، ووضع قبضته الفولاذية على زمامها، ونسف كل الألغام التي تعيق وصوله وصعوده.

وحفل سجل ستالين التاريخي بمحطات شديدة الدموية، وإطاحة كل من وقفوا أمامه ومواجهتهم بالقتل والنفي والتعذيب، وغيرها من الوسائل القمعية، لا سيما زوجة لينين التي تطاله شبهة قتلها، حيث ماتت بتسمم حاد على إثر تناولها "كعكة" في عيد ميلادها أرسلها ستالين لها.

الرجل الفولاذي وصناعة القهر

ستالين عندما وجد حفاوة شديدة من أعضاء المكتب السياسي، في الحزب الشيوعي، تجاه زوجة لينين، تراكمت لديه شكوك عميقة وخشية من تأثير ميراثها السياسي والتاريخي عليه، قد يؤدي إلى تضاؤل نفوذه وصعوده، لم يتردد لحظة في طرح كافة التعقيدات لتقييدها ومحاصرتها وتصفية أي دور لها.

تعرفت كروبسكايا على لينين، في العام 1894 بإحدى الحلقات النقاشية المنتمية لها والتي كانت تنظمها مدرسة عمالية في روسيا

ناديجدا، ابنة الاثنين وعشرين ربيعاً، التي عملت في مكتب لينين، واطلعت على أوراقه السرية، كما تروي المؤلفة، تصدت بجسارة وصمدت في مواجهة ستالين، في كل مرة طلب فيها الاستعانة بالمعلومات والأوراق الوثائق التي وقعت في حيازتها، أثناء عملها مع قائد الثورة البلشفية، ووجدت نفسها في خضم ذلك الصراع السياسي الناشئ بين لينين وستالين وكروبسكايا، وفي مرحلة لاحقة، تروتسكي، بيد أنّ طبيعتها الحادة والعنيدة تسببت في تعقيد الحياة مع زوجها، ولم تفصح له عن أوراق لينين ومضمونها، ومن ثم لم يتمكن من الحصول عليها في معركته، من أجل السيطرة على الحزب والوصول للسلطة.

وكانت ناديجدا، أول من قرأت، بحسب المؤلفة، الوصف الشهير الذي أطلقه لينين على ستالين، وملاحظاته كما دونها حول طباعه وسلوكه، بالإضافة إلى خشيته من وصوله للسلطة واستيلائه عليها في عبارته الشهيرة: "الفظ والخشن في معاملاته وغير المنصف".

اقرأ أيضاً: أشهر 10 نساء كسرن القيود الاجتماعية والثقافية وحلقن خارج السرب

وعلق خروتشوف، أحد قادة الاتحاد السوفييتي، على وفاة زوجة ستالين المبهمة بأنها: "انتحرت بسبب إهانة بالغة لحقت بكرامتها وعزة نفسها كامرأة". وهو ما كان يتكرر في مشاجرات عديدة بينهما.

وذكرت لاريسافا نقلاً عن سيدة بلشفية روت شهادتها حول ملابسات وفاة زوجة ستالين، وذلك ضمن المقابلات التي عقدتها بغية توثيق بعض الأحداث التي يتعرض لها الكتاب، حيث أفصحت ناديا لإحدى صديقاتها: "إن شيئاً رهيباً سيقع لي عما قريب، لأنني ملعونة منذ ولادتي، ملعونة إلى آخر أيام حياتي، لأنني زوجة ستالين وابنته في الوقت نفسه". واستطردت أنّ ستالين نفسه قال لها ذلك في لحظة شجار عنيف بينهما.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية