الإسكندرية تحارب التطرّف بتأسيس متحف للأديان

الإسكندرية تحارب التطرّف بتأسيس متحف للأديان


30/01/2018

كوزموبوليتان مدينة عالمية لا يشعر فيها الإنسان بالغربة، وكلمة "Cosmopolitan" تعني شخصاً يعدّ العالم كلّه موطناً له، وهذا ما اشتهرت مدينة الإسكندرية به؛ لأنّها كانت موطناً لأجناس مختلفة غير الجنسية المصرية، مثل: اليونانيين والإيطاليين والأرمن، وانطلاقاً من تلك الخصوصية التي تميّز المدينة، دشّنت مكتبة الإسكندرية مؤتمرها السنوي لمواجهة التطرف، الذي عقد دورته الرابعة، في الفترة بين 28 - 30 كانون الثاني (يناير) 2018، بعنوان "الفنّ والأدب في مواجهة التطرف".

أدباء ومفكّرون يواجهون التطرف في الإسكندرية

تجمّع في الإسكندرية 400 كاتب وفنان وإعلامي عربي وآسيوي وأوروبي؛ لبحث كيفية استنهاض الدور الحقيقي للثقافة في مواجهة التطرف، وقد افتتح المؤتمر مدير مكتبة الإسكندرية، الدكتور مصطفى الفقي، بكلمة قال فيها: "الأدب والفنّ والموسيقى، أدوات لصنع الحياة، بينما الإرهاب أداة لإنهاء الوجود والحياة"، عبارته التي أكّدها ضيوف منصة الافتتاحية؛ الكاتب اللبناني جهاد الخازن، وعالم الاجتماع والمفكر الكويتي محمد الرميحي، والدكتور ماريو جاتي، مدير الجامعة الكاثوليكية في ميلانو بإيطاليا، والدكتور جابر عصفور، وزير الثقافة المصري الأسبق، ونقيب الفنانين المصريين أشرف زكي. 

الفقي أشار إلى ما يموج به العالم الآن من تيارات الفكر المظلم والمتطرف، التي ينبغي علينا أن نواجهها معاً، مؤكّداً أنّ المكتبة تعدّ 2018، عام مواجهة التطرف؛ حيث ستوجّه طاقاتها للشباب والفئات العمرية الأصغر، وستعمل على التواصل مع المؤسسات الدينية، بهدف تنظيم زيارات مكثفة وبرامج خاصة لهم في المكتبة، لتقديم برنامج ثقافي مدروس فكرياً تنويرياً، يواجه آفة التطرّف، ونشر ثقافة التسامح والمواطنة وقبول الآخر في المجتمع.

المشاركون في المؤتمر

متحف للأديان في التاريخ المصري

وأضاف الفقي أنّ محافظة القاهرة أهدت مكتبة الإسكندرية قصراً في حلوان، سيتم تحويله إلى متحف للأديان في التاريخ المصري، بداية من الحضارة الفرعونية، مروراً باليونانية الرومانية، والتراث اليهودي، والحقبة القبطية، وصولاً إلى التراث الإسلامي.

وقد وجّه مدير الجامعة الكاثوليكية في ميلانو بإيطاليا، الدكتور ماريو جاتي، كلمة شكر إلى مكتبة الإسكندرية، لتنظيمها هذا المؤتمر المهمّ، الذي يساعد في استعادة مفهوم الثقافة، بحيث يمكن تخطّي الصور النمطية التي تجعل الإنسان منغلقاً على نفسه، وقال في كلمته: إنّ "المبادرات واللقاءات، مثل هذا المؤتمر، تعدّ أساسية لتجاوز الأحكام المسبقة، وفتح القلوب والعقول للثقافة والجمال، فالأدب والموسيقى والفنّ يساعدون على الانفتاح على الواقع، وإدراك الجمال في مختلف الثقافات".

تجمّع في الإسكندرية 400 كاتب وفنان وإعلامي عربي وآسيوي وأوروبي لاستنهاض الدور الحقيقي للثقافة في مواجهة التطرف

ولفت إلى أنّ الجامعة الكاثوليكية في ميلانو، سعت إلى استرجاع مفهوم الثقافة، من خلال تنظيم "احتفالية الثقافة العربية"، إلى جانب المؤتمرات العلمية التي تدرس الثقافة العربية، وحفلات الموسيقى وعروض المسرح، التي أتاحت لمدينة ميلانو التفاعل مع اللغة العربية وثقافتها وجمالياتها، وتقدّم بالشكر لمكتبة الإسكندرية، وكلّ مؤسسة تسعى لفتح آفاق أرحب للتعرّف إلى لغة الآخر وفنّه وثقافته.  

الإسكندرية موطن الاستنارة ومنبع التسامح

وقد أكّد وزير الثقافة الأسبق، الدكتور جابر عصفور، في كلمته، أنّ مدينة الإسكندرية هي موطن الاستنارة ومنبع التسامح؛ ففيها ظهرت مجلة "الفتاة"، وجريدة "الأهرام"، ومجلة "الجامعة" التي ظهر فيها مفهوم التسامح، للمرة الأولى، على يد فرح أنطون، وظلّت الإسكندرية موطن الكثير من الأعمال الأدبية، التي رسّخت قيم التسامح وقبول الآخر، وشدّد على أنّ هذا "الخلل"، المسمَّى "الإرهاب" عمره قصير، والجرائم التي يرتكبها تؤكّد روح التحدّي لدى المصريين، كما أنّ الكتّاب والأدباء كانوا أول من تصدّوا له. وأضاف: "جئنا لنتحدّى قوةً شديدةً تصادر حقّ الحياة، بأن نؤكّد على المعاني العظيمة للإنسانية".

من جانبه، قدّم عالم الاجتماع والمفكر الكويتي، الدكتور محمد الرميحي، بعض الأفكار التشخيصية للوضع القائم، لتتمّ مناقشتها في جلسات المؤتمر، وقال: إنّ "العالم، في القرن الحادي والعشرين، بالغ التعقيد، استطاع المتطرّفون فيه تحقيق أهدافهم، إمّا بالسلاح، أو بالأفكار التي تمثل خطراً أكبر، والعولمة تبشّرنا باحتمالات متزايدة من المخاطر، التي ستؤدّي إلى فوضى عارمة، لو تمّ تجاهلها"، وأكّد وجود مجموعة من التساؤلات التي ينبغي مناقشتها، ومنها: ماذا يستطيع أن يقدّم الأدب والفنّ في مواجهة خطر التطرف؟ ما هو نوع هذا الفنّ؟ وما موضوعه؟ ما هي الرسالة التي ينبغي أن يقدّمها؟ وكيف يجب أن تكون العلاقة بين الأدب المحلّي والعالمي؟

محافظة القاهرة أهدت مكتبة الإسكندرية قصراً في حلوان سيتم تحويله إلى متحف للأديان في التاريخ المصري

وفي كلمته؛ أكّد الكاتب اللبناني، جهاد الخازن، أهمية هذا المؤتمر، لما يشهده العالم العربي من تصاعد لموجة الإرهاب وتزايد العمليات الإرهابية، مشدداً على أنّ قمع الإرهاب في العالم العربي يجب أن يبدأ من مصر، التي طالما كان لها الريادة العربية في كلّ المجالات.

أشرف زكي: أين هي مسارح الإسكندرية؟

كلمة الختام، كانت لنقيب الفنانين، الفنان أشرف زكي، وقد طرح فيها سؤالاً دفع إلى ضرورة إعادة تقديم تصورات جديدة عن حقيقة مواجهة الفنّ والأدب والتطرف؛ إذ قال: "الإسكندرية، منذ أعوام ليست بالبعيدة، كانت مليئة بالمسارح على طول الشاطئ، أين هي الآن؟"، في إشارة إلى تراجع معنى "الكوزمبليتان" للمدينة، أمام المدّ السلفي القطبي، الذي تعدّ مدينة الإسكندرية أحد أهم أعمدته في القاهرة.

وأشار أشرف زكي، إلى زيارة وفد من الفنانين لمحافظة شمال سيناء، إثر مذبحة داعش في مسجد الروضة، الذي راح ضحيتها ثلاثمئة شهيد من أبناء المحافظة، وهم يؤدّون صلاة الجمعة، وقد لفت انتباهه هناك، بعد حوارات أجراها مع أهل القرية، أنّ هناك جيلاً كاملاً من الشباب تربّى على فكر الدعوة السلفية، وأنّهم لم يشاهدوا يوماً عرضاً مسرحياً، أو يقرؤوا كتاباً يقدّم فكراً مغايراً للفكر السلفي، منوّهاً إلى غياب القدوة، الثقافية والفنية، عن جيل جديد من أبناء المحافظة، حتى أصبحوا صيداً سهلاً للفكر التكفيري والمتطرف.

 


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية