6 انعكاسات خطيرة للجفاف على الجزائر

الجزائر

6 انعكاسات خطيرة للجفاف على الجزائر


18/03/2020

يحصي خبراء الشأنين؛ الزراعي والاقتصادي في الجزائر وجود 6 انعكاسات خطيرة لظاهرة الجفاف المهيمنة محلياً منذ عدة أشهر غلّفتها ندرة مزمنة في الأمطار، على نحو يحرّك المخاوف من صدمة اقتصادية إذا ما استمرّ الجفاف.
وفي تصريحات خاصة بــ "حفريات"، أبرز المهندس الزراعي منيب أوبيري؛ أنّ شحّ الأمطار في الآونة الأخيرة، يشكّل عاملاً سلبياً بالنسبة إلى قطاع الزراعة بصفة عامة، خاصة أنّ أغلب المزارعين في الهضاب العليا والمناطق الشمالية يعتمدون كثيراً على مياه الأمطار لتوفير سائر المنتجات الزراعية والمحاصيل المختلفة.

اقرأ أيضاً: هل يوقظ حراك المؤسسات المصغّرة "العملاق النائم" في الجزائر؟
وتابع أوبيري: "رغم وجود المياه ببعض السدود لاستغلالها وتوزيعها والاستفادة منها لأجل السقي التكميلي، غير أنّ عدة وضعيات وإجراءات قد تعطّل الاستغلال الأمثل لتلك الموارد، ولا يجدي استغلالها الكمي أو النوعي في تقليص الأضرار بصفة كبيرة".

ندرة مزمنة في الأمطار
وأدرج أوبيري العامل النفسي للمزارعين جراء ظاهرة الجفاف، بما يجعلهم محبطين وغير محفّزين لاستكمال متابعة منتجاتهم ومحاصيلهم نتيجة الخوف والإحباط ومواصلة المغامرة؛ حيث إنّ الخسائر التي يمكن أن يسبّبها الجفاف على المزروعات يمكن أن تكون وخيمة.

اقرأ أيضاً: الجزائر والأزمة الليبية
ويتوقع رئيس الاتحاد الجزائري للمهندسين الزراعيين فقدان كميات كبيرة من المحاصيل وحتى جودتها، ويبرز أنّ الجفاف سيفرز انعكاسات أيضاً على الثروة الحيوانية، كما هو الشأن بالنسبة إلى الثروة النباتية، وسيتسبّب في غلاء الأعلاف وندرتها، وحتى تفشي الأمراض وخسارة القطعان.

تنظيم شؤون الدولة في الجزائر لا يساعد بتاتاً على تطوير الاقتصاد، فالسياسة الحالية ستبقي البلد ما دون خط النمو

ويشير أوبيري إلى انعكاس ما يحدث سلباً على مداخيل البلاد في ظرف حساس بالنسبة إلى اقتصاد محلي منهك، واحتمال توقف الحركية الاقتصادية والتجارية، محلياً ووطنياً، بما سيدفع الدولة إلى الاستيراد مجدداً لسدّ العجز، وتعويض الموّالين والمزارعين، وغيرها من التبعات.
وبشأن سبل مجابهة ظاهرة الجفاف، يقترح أوبيري اعتماد تحلية مياه البحر بالنسبة إلى المناطق الساحلية رغم التكاليف الباهظة لمثل هذه المشاريع الموجّهة في العادة للاستهلاك المنزلي وليس الزراعي.
ويعتقد الخبير الزراعي بحتمية تطبيق الطرق العلمية في السقي والحفاظ على الثروة المائية من خلال اعتماد السقي بالتقطير وإنشاء حواجز مائية بالوديان والأنهار لضخّ المياه واستعمالها في السقي الزراعي، إضافة إلى مراقبة عملية حفر الآبار العشوائية وحسن استغلال مياه السدود.

اقرأ أيضاً: الجزائر وفرنسا وتركيا: آلام الماضي وأطماع المستقبل
وينتهي منيب أوبيري إلى ضرورة إعداد دراسة استباقية لمخاطر ظاهرة الجفاف من خلال تقييم الحاجيات للمساحات المسقية أو الموجهة للثروة الحيوانية، فضلاً عن إحصاء شامل للهياكل والسدود ومقدراتها لحسن مجابهة الموقف.
غول الاستيراد آخذ في التعملق على حساب صفرية الإنتاج

جزع من تغوّل الاستيراد
تثور مخاوف كثيرة في الجزائر إزاء تسبّب احتمال استمرار الجفاف في تغوّل آلة الاستيراد بشكل مخيف إلى مستوى سنوي يبتلع ما يربو عن 50 مليار دولار، بينها 2.7 مليار دولار تصرف على شراء القمح لوحده، ما يجعل الأمن الغذائي للجزائريين مفخّخاً، خصوصاً مع الإرباك الناجم عن تفشي وباء كورونا والزيادات المهولة في أسعار المواد الأكثر استهلاكاً.
في هذا الصدد، يؤكّد عبد العزيز نايت، رئيس كونفدرالية أرباب العمل الجزائريين، أنّ تواصل شحّ الأمطار سيوفر مناخاً لاتساع نطاق الاستيراد الذي يصفه بـ "الخطر الحقيقي"، قائلاً إنّ البنوك تمنح الأولوية للمستوردين، ما يكبّد الخزانة العامة إنفاقاً خيالياً على حقيبة الواردات.

اقرأ أيضاً: الجزائر وخطر "الإسلام السياسي"
ويلفت نايت إلى أنّ غول الاستيراد آخذ في (التعملق) على حساب صفرية الإنتاج، في بلد لا ينتج حاجياته، ما اضطرّ الحكومة لشراء أزيد من نصف مليون طن من الحبوب، مع أنّ الحكومة ذاتها ظلّت تتفاخر بتحقيق فوائض "محترمة" من الحبوب، وهو وضع ينذر بتبعات وخيمة في بلد يشكو عجزاً في الموازنة واضطرابات بالجملة.
وأفاد نايت بأنّ الحكومة مدعوة لتحريك الأمور عبر إقرار مساعدات أكبر للمزارعين والمستثمرين في مجالي تحلية المياه ورسكلة المياه المستعملة، وذلك يمرّ بحسبه عبر اعتماد نظرة جديدة وأسلوب جديد عبر إستراتيجية المرافقة التي تسعى الحكومة من خلالها إلى تقييم سياستها الاقتصادية وضبط المصاعب التي تواجهها المنظومة الزراعية الجزائرية وإيجاد الحلول لها.

اقرأ أيضاً: لماذا فشل لوبي أردوغان في "توجيه" القرار السياسي الجزائري؟
وعلى نقيض تطمينات المسؤولين الحكوميين وتشديدهم على أنّ الجزائر محصنّة بشكل تام ضدّ أيّة تقلبات محتملة، يشكّك الخبير "عبد الرحمن مبتول"، ويتكئ على استيراد الجزائر لنحو 60% من احتياجاتها من مادة القمح بنوعيه، ومع ارتفاع سعر الأخير عالمياً، فإنّ السلطات ستغدو مدعوة لدفع ثمن باهظ للحصول على الكمية المطلوبة، علماً بأنّ مراجع مطلعة تحدثت منذ فترة عن عرض إيراني لتصدير الحبوب إلى الجزائر، لقاء قيمة تقلّ بثلاث مرات عن السعر الفرنسي، إلّا أنّ الجزائر رفضت عرض طهران لأسباب تظلّ مجهولة.
ورداً على التطمينات الرسمية، يشير عارفون بخفايا الأمور إلى أنّ الأرقام المُعلنة غير دقيقة، وحتى تباهي المسؤولين بخمسين مليون دولار كصادرات زراعية، قيمة محدودة برأيهم في قطاع يشكو فوضى وضحالة؛ إذ يؤكّد "يحيى زان" الأمين العام لاتحاد المهندسين الزراعيين أنّ حجم الأراضي المسقية في البلاد لا يتعدى مستوى 4%، إضافة إلى الظروف المناخية الكارثية، ما يكرّس الحلّ الأسهل وهو الاستيراد.
 خطط لتفعيل "الزراعة الذكية"

استثمارات ومفارقات 
يحيل شريف نقري، المدير المركزي على مستوى وزارة الزراعة الجزائرية، إلى خطط لتفعيل "الزراعة الذكية" بالتزامن مع إطلاق حزمة مشروعات بمحيط العاصمة الجزائر، وصولاً إلى محافظات الجنوب والهضاب. 
ويرى نقري أنّ المعطى المذكور سيتيح تجاوز شحّ الأمطار في المرحلة القادمة، معتبراً أنّ هذا الاتجاه يختلف بوضوح مع التباطؤ الذي ميّز العام الماضي، مضيفاً بثقة: "لدينا سياسة واضحة وكلّ الهيئات مجندة من أجل تشجيع الاستثمار وتقليص فاتورة الواردات".

اقرأ أيضاً: الجزائر: إرسال أردوغان للمرتزقة السوريين فاقم أزمة ليبيا
وفي ظرف حساس، تثار استفهامات عن مفارقة القطاع الغذائي الجزائري القائم في كلياته على تبعية كبيرة للأسواق الدولية؛ حيث تقوم الحكومة كلّ عام بضخّ أغلفة ضخمة للوفاء بحاجيات البلاد من سائر الأغذية، تبعاً للعجز عن تحقيق الحدّ المطلوب من الاكتفاء الذاتي، ما أورث عبئاً هائلاً يثقل الكواهل منذ عشريتين.
من جانبه، يشير الخبير الاقتصادي، فالح نوار، إلى أنّ الأخطر قادم، طالما أنّ فاتورة الواردات الجزائرية مرشحة للارتفاع أكثر، كون أسعار الغذاء في الأسواق الدولية مرشحة لارتفاع أكبر.
ويتكئ نوار على أنّ العالم مقبل على أزمة غذاء سترفع من أسعاره في الأسواق الدولية، وأنّ مواصلة الاعتماد على الواردات لتغطية الطلب المحلي سيرفع من الأسعار، وسنصل إلى مرحلة لا يمكن الحصول على تلك السلع رغم الوفرة المالية في البلاد.

اقرأ أيضاً: هل زرت وادي ميزاب في الجزائر من قبل؟.. شاهد أبرز معالمه
وبخصوص القمح، الذي يعدّ أحد أهم المواد الإستراتيجية في البلاد، ذكر نوار أنّ الجزائر أصبحت تدفع أكثر للحصول عليه في الأسواق الدولية، وعليه فإنّ الواجب هو تطوير القدرات التي تمكن من تقليص الفاتورة، وعلى اعتبار أنّ الجزائر لها قدرات في تطوير القمح الصلب، فإنّ هذا المنتوج يجب أن ينال الأولوية على القمح اللين المستورد.
ويبرز نوار محدودية الوعاء البشري في القطاع الزراعي، الذي لا يستوعب أكثر من 29 ألف شخص، في حين أنّ عدد المرافقين التقنيين للمزارعين يصل إلى نحو ألفي تقني، وعليه، ويلاحظ نوار أنّ هذه القدرات البشرية والعلمية غير قادرة على ضمان اكتفاء ذاتي، يمر حتماً عبر استغلال عقلاني للزراعة التي تحتاج إلى مرافقة تقنية وكفاءة عالية للخبراء وعدد كافٍ من الفلاحين لتنميتها. 

94 وصفة للانبعاث
يطرح 3 من أرباب العمل 94 "وصفة" لتسريع حلقات الإنماء الاقتصادي وإنعاش الاستثمارات وكسر الشللية المهيمنة على مختلف مفصليات النشاط الاقتصادي، لا سيما مع وقوع نصف مليون مؤسسة تحت مقصلة الزوال، ويتفق كلّ من بوعلام مراكش، رضا حمياني وسعيدة نغزة، حول حتمية الانتصار لسياسة مغايرة تبسّط التشريعات تسهيلاً للاستثمار، حتى لا تجترّ البلاد حكاية الاستيراد المتفاقمة الحلقات رغم كلّ شيء.

اقرأ أيضاً: هل لغّمت الحكومة الجديدة حراك الجزائر؟
وتحتدم المطالبات بمنح "ترياق" خاص يكفل تسريع حلقات الزراعة، بينما يذهب عبد الحق لعميري إلى أنّ تحقيق الجزائر لانبعاث اقتصادي مرهون في أساسياته بإعادة تنظيم الدولة وتوخي سياسات مجددة، مركّزاً على أنّ أكثرية الثروات في بلد مثل الصين تخلقه البلديات.

خبير اقتصادي جزائري لـ"حفريات": العالم مقبل على أزمة غذاء ومواصلة الاعتماد على الواردات لتغطية الطلب المحلي سيرفع من الأسعار

ويؤكد لعميري بأنّ تنظيم الدولة في الجزائر لا يساعد بتاتاً على تطوير الاقتصاد، متصوراً أنّ السياسة الحالية ستبقي الجزائر دولة ما دون خط النمو، كما يلفت مدير معهد التسيير والأستاذ في المدرسة العليا للتجارة، إلى أنّ القرار السياسي في الجزائر يلوّث المنظومة التقنية، ما جعل الاقتصاد سجين المناخ السياسي العائم، والإشكال الأكبر بعيونه يتجلى في وجود مشكلات هيكلية بنيوية، ناهيك عن كون الفصيل الاجتماعي الاقتصادي السياسي ليس مهيكلاً بالشكل الذي يسهم في دفع قاطرة الاقتصاد. 
وينتهي لعميري إلى حتمية استنساخ نماذج ناجحة على منوال ما هو حاصل في الصين، كوريا الجنوبية، ماليزيا وأندونيسيا، والدول الإسكندنافية، داعياً إلى استحداث مؤسسة/ دماغ تتولى رسم مخطط جماعي تكاملي، بدل ما هو واقع من خطط قطاعية غير متقاطعة، ما جعل الجزائر تنفق 1600 مليار دولار منذ العام 2001 دون أن تحقّق ما تصبو إليه من نمو.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية