هل يوقظ حراك المؤسسات المصغّرة "العملاق النائم" في الجزائر؟

الجزائر

هل يوقظ حراك المؤسسات المصغّرة "العملاق النائم" في الجزائر؟


03/03/2020

تراهن الحكومة الجزائرية، في مخططها الممتدّ إلى آفاق عام 2024، على تفعيل مليون مؤسسة مصغّرة، بغرض تطوير النسيج الاقتصادي وجلب القيمة المضافة في منظومة محلية تشكو هزالاً رغم إنفاق ما يربو عن 600 مليار دولار على الإنماء في 3 مخططات سابقة. 

اقرأ أيضاً: الجزائر والأزمة الليبية
ولمنح المؤسسات المصغّرة "عمراً ثانياً"؛ بدأت الجزائر خطة لإحياء المنظومة الصناعية الراكدة منذ عدة عقود، عبر مسعى يقوم على استحداث مليون مؤسسة مصغّرة، ولكسب معركة الارتقاء بالمشروعات المنتجة، استحدثت حكومة رئيس الوزراء، عبد العزيز جرّاد، عبر وزارة الحاضنات التي تعدّ الأولى من نوعها في الوطن العربي وأفريقيا والعالم.

وتقوم إستراتيجية الوزير الشاب، نسيم ضيافات (36 عاماً)، على استثمار تجاربه، في الجزائر والأردن ومصر والصين، لوضع المؤسسات المصغّرة على المحكّ، وتأطير حاملي المشاريع الذين كانوا يعانون ويلات الآليات غير المدروسة، ما تسبّب في وأد مئات الآلاف من المؤسسات المصغرة التي كانت تعاني وتموت في صمت.

اقرأ أيضاً: الجزائر وفرنسا وتركيا: آلام الماضي وأطماع المستقبل

ورغم إنفاق الجزائر مخصصات زادت عن 600 مليار دولار، بين عامَي 2001 و2018، إلّا أنّ النشاط الصناعي ظلّ محتشماً، قبل أن تكشف أولى محاكمات رؤوس الفساد عن احتيالات بالجملة عرّت مصانع السيارات التي كانت محض "ورش لنفخ العجلات".

وبعد أن نجح في خلق تجمّع ما يربو عن 400 مؤسسة مصغرة إبّان ظرف وجيز، بدأ وزير الحاضنات الجزائري مخططاً واعداً لإقامة شبكات دعم بآليات فعّالة تتيح استمرار المؤسسات المصغّرة وتطويرها، واستحداث فرص عمل مستدامة، وتنمية المواهب والابتكارات، وترقية روح المبادرة الفردية، وتحقيق التنمية المتوازنة جغرافياً.

المشهد الحالي إفراز طبيعي لما شهدته الجزائر على مدار عقدين، من إنفاق نحو 800 مليار دولار تحت مظلة (التنمية)

وذكر مصدر مسؤول بوزارة الحاضنات الجزائرية لـ "حفريات"؛ أنّ التفكير جارٍ في إعادة إحياء المؤسسات المصغرة التي صنّفت في خانة "الزائلة"، كما عقد الوزير المنتدب لقاءات ماراثونية بشكل يومي مع مئات الشباب الممارسين للمقاولاتية، لإيجاد حلول سريعة وجذرية تشمل من باعوا تجهيزاتهم، وغيّروا أنشطتهم الأساسية؛ حيث ستتمّ إعادة جدولة ديونهم وتمكينهم من فرص جديدة لإنجاح مشروعاتهم.
وتقوم إستراتيجية الوزير نسيم ضيافات على تطوير المؤسسات المصغرة الناشطة في القطاعَين؛ الزراعي والصناعي، لذا يتّم التخطيط لابتعاث مؤسسات ناشئة لتطوير برامج ومنصات لرقمنة المجتمع وأخرى لترقية الحلول المدمجة وتحسين الأنشطة والتمويل، وما يتصلّ بالذكاء الصناعي، وتشجيع حاملي المشروعات الابتكارية لبناء أرضية خصبة للمقاولاتية ونقل المعرفة ورفع جودة ونوعية المنتوج المحلي وتعزيز قدرته التنافسية.

وينوّه الكاتب الصحفي، جلال مناد، إلى منح أولى حكومات الرئيس عبد المجيد تبون، الأفضلية لجعل المؤسسات المصغّرة رقماً أساسياً في الموازنة الاقتصادية، ومصدراً آخر للمساهمة في ترقية الاقتصاد الجزائري والتحرر من تبعية قطاع المحروقات، الذي ما يزال مهيمناً بـ 98 % على منظومة الإيرادات المحلية.

إنشاء بنوك خاصة 
في تصريحات لـ "حفريات"؛ يشدّد عبد الرزاق طرابلسي، المفوّض العام السابق للجمعية الجزائرية للبنوك والمؤسسات المصرفية، على أنّ المؤسسات المصغّرة المحلية ستحرّر، لا سيما مع وجود تخطيط حثيث لتوسيع القطاع المصرفي والانفتاح على البنوك المموّلة لما هو استثماري.

اقرأ أيضاً: الجزائر وخطر "الإسلام السياسي"

ويرى طرابلسي؛ أنّ إخراج المؤسسات الجزائرية المصغّرة من عنق الزجاجة، مرهون بالاستثمار على المدى الطويل بصفة دائمة ومنظمة في إطار واسع، وذلك عن طريق تمويل الاستثمار من خلال الارتقاء بأدوار المصارف وتمديد آجال القروض، وكبح "آفة" البيروقراطية، إضافة إلى تحفيز مؤسسات القطاع الخاص، خصوصاً أنّ 95% منها كانت مجموعات صغيرة جداً، ولا تستوعب أكثر من 9 مستخدمين.

ويركّز طرابلسي على حاجة المؤسسات المصغّرة إلى تأطير، والعمل على مساعدتها في اختيار أحسن المشروعات التي ستأخذها لاحقاً؛ حيث لا تكتفي بالتسهيلات، بل تتعداها إلى استثمار واكتساب الخبرات لتطوير النسيج الاقتصادي المحلي.

لكن، كيف ستتعاطى المؤسسات المصغّرة مع متغيرات المرحلة القادمة؟ يجيب طرابلسي: "طلبات أرباب العمل صارت كثيرة، وهناك ترحيب رسمي واسع، خاصّة مع وجود متغيرات بشأن تشجيع طرق التمويل في الاقتصاد، بينها الإيجار المالي وتغيير طرق العمل بتشجيع الاستثمار لدى المؤسسات الخاصة"، ويحيل محدّثنا إلى مشروع لتوسيع بنوك خاصة لتشجيع استثمارات المؤسسات المصغّرة.

ويربط الخبير عبد الله زغمان إنجاح مخطط المؤسسات المصغّرة بالاستغلال الفوري لمليونَين ونصف هكتار لمضاعفة إنتاج الحبوب، مبرزاً منح الأولوية لتطوير محاصيل القمح والأعلاف والبقوليات، ويشدّد زغمان على امتلاك البلاد للإمكانيات التي تكفل تحسين مستوى الإنتاج، وكسر هيمنة الاستيراد.

خبير اقتصادي لـ"حفريات": إخراج المؤسسات الجزائرية المصغّرة من عنق الزجاجة، مرهون بالاستثمار على المدى الطويل بصفة دائمة ومنظمة

ويشير زغمان إلى الطفرة التي تشهدها مؤسسات إنتاج الأنابيب البلاستيكية، بكلّ أنواعها، فضلاً عن مجموعات الصناعات الغذائية، وبشكل خاص المعصرات المختصة بإنتاج زيت الزيتون الذي أصبح ذا نوعية يشهد لها أهل الاختصاص، على نحو يشي بمستقبل واعد للصناعات الغذائية في الجزائر، وما يترتب على ذلك من استثمار القوى النشطة.
ويسجّل الخبير الاقتصادي الجزائري المخضرم، عبد الرحمن مبتول؛ أنّ تعداد مواطنيه بلغ 42 مليون نسمة هذا العام، وسيقفز إلى 50 مليوناً في عام 2030، وهو ما يفرض تحديات يتعين الوفاء بموجباتها في غضون الأعوام العشرة المقبلة.

ويضيف مستشار رئيس الوزراء الموقوف، عبد المالك سلال: "أهم معطى أنّ الاقتصاد الجزائري ما يزال رهينة النفط بنسبة تربو عن 98%، في المقابل؛ ما يزال قطاع خارج المحروقات يساهم بقدر محتشم للغاية في التنمية المحلية".

رهان يصطدم بواقع فجّ
يثمّن الإعلامي جمال زروق، المتخصص في ملف المؤسسات الصناعية المصغّرة، الآليات التي وضعتها الجزائر، لكنّه ينبّه إلى الواقع الفجّ الذي يطبع راهن هذه المجموعات، ويقول لـ "حفريات": "الأمر يتعلق بشركات المناولة في مجال الصيانة والكهرباء، وما يزالون يتخبطون بسبب وضعيات عالقة وتراكم الديون، ما أدّى إلى شلل كبير لعدد هائل من الورشات والوحدات الإنتاجية، مما أثر في السيرورة العامة وتراجع نسبة الإنتاج بنحو 65%".

اقرأ أيضاً: 8 محللين جزائريين يعاينون موقف بلادهم من الأزمة في ليبيا
مع ذلك؛ يتوقّع الخبير عبد الكريم بوعكوك مساراً إيجابياً للمؤسسات المصغّرة المختصة بالمناولة الصناعية، تبعاً لكون الأخيرة تظلّ أنموذجاً إستراتيجياً يمكّن من تحسين مردودية وإنتاجية المنظومة الاقتصادية، وما يترتّب على ذلك من إنشاء متزايد للثروة (القيمة المضافة) ومناصب الشغل، وكلّ ذلك مع التخصص في نشاطها الأساسي.

بدوره، يرى الخبير، سيد علي مخفي؛ أنّ حراك المؤسسات المصغّرة سيتيح إحياء ما يشتهر محلياً بـ "العملاق النائم"، وهو توصيف يُطلق على المنظومة الصناعية الراكدة منذ عدة عقود، في بلد يُعرف بعراقته الصناعية منذ سبعينيات القرن الماضي.
وتعوّل الجزائر، في غضون الخطة الخماسية القادمة (2019 – 2024) على دفع الصناعات البحرية والجوية والإلكترونية، إضافة إلى الصناعة التركيبية، مثل الأثاث والديكور والنسيج والجلود والألبسة الجاهزة، والصناعات الكهربائية والإلكترونية، فضلاً عن الصناعات الكيميائية والبيتروكيميائية.

اقرأ أيضاً: لماذا فشل لوبي أردوغان في "توجيه" القرار السياسي الجزائري؟

وتكتنز الجزائر ثروات ضخمة، مثل الذهب والألماس والألومنيوم واليورانيوم وعدة معادن نفيسة أخرى، على غرار الشمس والريح وغيرهما من الطاقات الإيجابية، واستحدثت الجزائر منذ ثلاثة أشهر، محافظة الطاقات المتجددة، في خطوة تندرج ضمن رغبة حكومية لإنعاش استثمار برنامج استغلال الطاقات الإيجابية المتعثّر بعد تسعة أعوام من إطلاقه.

وأظهر كشف حديث؛ تراجع احتياطي النقد في الجزائر إلى ستين مليار دولار، بعد أن كان 79.88 مليار دولار في نهاية العام الأخير؛ أي بانخفاض بلغ 19.88 مليار دولار.

وفي تصريح لـ "حفريات"؛ أكد الخبير الاقتصادي، أرسلان شيخاوي؛ أنّ الاحتياطي النقدي لن يغطي أكثر من نفقات 24 شهراً من الواردات؛ ما سيخلط حسابات حكومة رئيس الوزراء عبد العزيز جراد لإنعاش الوضع الاقتصادي السيئ في الجزائر.

وبدأ الجهاز التنفيذي برنامجاً واسعاً لابتعاث "اقتصاد تكاملي يصنع الثروة"، لكنّ المسألة مرهونة بتصنيع أرضية صلبة قوامها الأموال، بعد أن شهدت الأعوام الستة الأخيرة من عهد الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة؛ إنفاق ما يربو عن 134 مليار دولار دون دفع حقيقي لمنظومة الإنماء.

عجز وشبح الصدمة
تعاني الخزانة الجزائرية العامة من عجز يربو عن العشرة مليارات دولار؛ ما يعني إرباكاً لالتزام الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بإنعاش قطاعَي الصناعة والتجارة واستثمار الطاقات غير التقليدية.

وأشار الرئيس الجزائري إلى رقم مخيف أفرزته سياسة "طبع العملة" بين عامَي 2017 و2019؛ في بلد تعوّدت الحكومات السابقة فيه على "شراء السلم الاجتماعي"، بدلاً من "تصنيع بدائل" و"رسم سياسات اقتصادية إنمائية بعيدة المدى".

اقرأ أيضاً: الجزائر: إرسال أردوغان للمرتزقة السوريين فاقم أزمة ليبيا

ونبّه الخبير الاقتصادي، أمحمد حميدوش، إلى "وجوب عدم النوم في العسل"، باعتبار أنّ احتياطات الصرف ستنزل إلى 52 مليار دولار بنهاية العام الجاري، ثمّ 47.8 مليار دولار في 2021، على أن تنحدر إلى 33.8 مليار دولار عام 2021، ما سيضع البلد أمام خطر "صدمة حقيقية"، إن لم تبادر الحكومة بمخطط استباقي.

بدوره، رأى الخبير الاقتصادي، عبد الرحمن مبتول، أنّ المشهد الحالي إفراز طبيعي لما شهدته الجزائر على مدار عقدين، من إنفاق نحو 800 مليار دولار تحت مظلة (التنمية)، قبل أن تكشف محاكمات الفساد عن سرقات وتلاعبات بأرقام فلكية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية