لماذا فشل لوبي أردوغان في "توجيه" القرار السياسي الجزائري؟

أردوغان

لماذا فشل لوبي أردوغان في "توجيه" القرار السياسي الجزائري؟


21/01/2020

يؤكّد 5 محللين أنّ الحضور الاقتصادي التركي القوي في الجزائر لم يؤثر سياسياً في الجزائر، تبعاً لعدم ارتباط صنّاع القرار هناك باللوبي التركي، ورغم محاولة نظام أردوغان استغلال الوضع الاقتصادي السيئ للجزائر، في التمدّد وتمرير أجنداته، في الجزائر وشمال أفريقيا ككل.

مشاركة الجزائر في مؤتمر برلين فرصة لاستعادة مكانتها كفاعل إقليمي ودولي وتأمين مصالحها الحيوية وأمنها القومي عبر دول الجوار

وفي تصريحات خاصة بـ "حفريات"؛ جرى التأكيد على أنّ الجزائر ترى مصلحتها في حلّ ليبي للأزمة، لذا تمّ إفشال خطط إسطنبول في "توجيه" القرار السياسي الجزائري.

بدايةً؛ تلفت د. سهيلة برّحو، أستاذة الاقتصاد السياسي في جامعة الجزائر، إلى أنّ بلادها تعدّ أول شريك لتركيا في أفريقيا من حيث حجم التعاملات، والذي يصل إلى 5 مليارات دولار في قطاعات عدة، مثل: المحروقات، التعليم العالي، السياحة، الزراعة، والثقافة.

ولأنّ تركيا تتواجد في الصف السابع اقتصادياً بالجزائر، بعد عدة دول أوروبية، تشير برّحو إلى أنّ هذا ما يزيد من إرادتها في تحسين ترتيبها وطموحها لزيادة حجم الاستثمارات إلى 10 مليارات دولار، عقب تصريحات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في آخر زيارة له للجزائر عام 2018.

وترى برّحو أنّ هذا ما يعكس تمسك تركيا بتوسيع رقعة المبادلات وحرصها على إبقاء علاقات جيدة مع الجزائر، بحكم أنّها مدخل مهم لأفريقيا، التي تتواجد فيها قوى اقتصادية كبرى، مثل الصين والبرازيل والهند.

وتتواجد تركيا في الجزائر عبر ألف مؤسسة توظّف 55 ألف عامل، بما يجعل الأتراك في المرتبة الأولى من حيث حجم الاستثمارات في قطاعات النسيج، الصناعات الغذائية والصيدلة، وتشير برّحو إلى أنّ تركيا تسيطر على قطاعَي البناء والإنشاءات العامة، عبر مشروعات في محافظتَي تيزي وزو الشمالية وتلمسان الغربية.

اقرأ أيضاً: الجزائر: إرسال أردوغان للمرتزقة السوريين فاقم أزمة ليبيا

وتنوّه أستاذة الاقتصاد السياسي إلى أنّ تركيا تظلّ من الوجهات السياحية المفضلة للجزائريين، وهذا ما أنعش الوكالات السياحية في الجزائر والسياحة التركية أيضاً، إثر تجاوز عدد السياح الجزائريين في تركيا حدود 300 ألف شخص.

بالنسبة إلى الملف الليبي؛ ترى د. برّحو أنّ الغاز المكتشف في الجهة الشرقية من المتوسط، هو سبب تسابق القوى العظمى بما فيها تركيا عليها "بعدما تمّ تمزيق ليبيا، وعجزت نوايا ومبادرات الإصلاح لحلّ أزمتها، وأصبحت محطة لمختلف القوات العسكرية".

وتشدّد على أنّ هدف تركيا بحكم وجودها الجغرافي في المتوسط؛ هو "الظفر بعمليات الاستكشاف الغازي، ونيل حصة من الغاز بعد إنشاء أنبوب عابر في المستقبل من المنطقة المستكشفة إلى أوروبا".

اقرأ أيضاً: أردوغان في ليبيا وخامنئي في العراق

من جانبه، يعتقد الأكاديمي د. سعد صدارة أنّ الجزائر كانت دائماً تفرّق بين الدبلوماسية والاستثمار؛ أي البعدَين الخارجي والداخلي، فتتعامل مع الاستثمار والتجارة بعقلية الربح، خصوصاً ما يتعلق بالنفط والغاز، وهي تسعى جاهدة لفتح أسواق جديدة للتسويق، مهما كانت الأيديولوجيا والسياسة، لارتباطها بالفائدة الاقتصادية، ولهذا تتعامل مع تركيا كما تتعامل مع الصين وأمريكا وأوروبا.
أما بخصوص الدبلوماسية والعلاقات الخارجية وحماية الجوار، فيركّز صدّارة على "تمسك الجزائر بمبدأ عدم التدخل في سيادة الدول، مما يجعلها تنأى بنفسها عن أيّ مساس بالشؤون الداخلية للدول، ولو كانت حدودية، وترى في تفعيل البعد الدبلوماسي، إقليمياً أو دولياً، الحلّ الأمثل للحفاظ على سيادة الدول وأمنها".

علاقات مهمة بعيداً عن الهيمنة
يشير صدّارة، المتحدث السابق باسم الائتلاف الجزائري الأخضر، إلى أنّه "رغم الخطورة التي تشكلها القضية الليبية على الجزائر ككلّ، وليس الحدود فقط، خصوصاً مع دخول دول كثيرة على الخط في الملف الليبي؛ فإنّ الجزائر ملتزمة بحلّ المشكلة سلمياً، وبتفعيل حوار جاد بين أطراف النزاع، تقوده حكومة السراج التي تعترف بها الأمم المتحدة، وترى ضرورة أن يتم تعزيز وقف إطلاق النار ببدء مبادرات الحكمة لإعادة الفرقاء إلى طاولة الحوار".

اقرأ أيضاً: حفتر يقطع الطريق أمام الخدعة الأردوغانية

من جهته، يشير د. قوي بوحنية، عميد كلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة ورقلة جنوب الجزائر؛ إلى أنّ "العلاقات الجزائرية التركية هي علاقات مهمة وإستراتيجية، لكنّها ليست علاقات هيمنة"، مسجّلاً أنّ "الطرف التركي يرتبط بعلاقات تاريخية مع الجزائر، وتمّت تغذية هذه العلاقة بفعل الإستراتيجية التركية، التي أرادت أن تجعل القرن 21 قرناً أفريقياً بامتياز، وذلك من خلال إعطاء عمق إستراتيجي لدبلوماسيتها الأمنية والاقتصادية".

وبحسب بوحنية؛ فإنّ "تركيا تدرك تماماً أنّ الجزائر بيدها مفاتيح السلم في أفريقيا والمغرب العربي، وهي التي تخطت بعبع الربيع العربي؛ لذا تتعامل الجزائر بحذر ويقظة مع مسألة التدخل العسكري الخارجي بما فيه التدخل التركي، والرسالة بدت واضحة للجانب التركي".

اقرأ أيضاً: قبل أيام من مؤتمر برلين.. هذا ما أعلنه أردوغان!

من جانبه، يلفت عبد الحق بن سعدي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر، إلى أنّ تركيا تعدّ من الدول العشرين الأكثر تطوراً اقتصادياً في العالم، ما يعني أنّ مجالها الحيوي لم يعد ضمن حدودها الوطنية، الأمر الذي يفرض عليها الاهتمام بدورها الدولي وترقيته على أساس مبدأ تحقيق مصلحتها والدفاع عنها.
وبذلك، يرى بن سعدي؛ أنّه من الطبيعي بحث تركيا عن أسواق ومجالات تجارية واقتصادية تدعّم بها مكانتها الدولية وتجعلها لاعباً دولياً مؤثراً، إقليمياً وعالمياً، غير أنّ هذا المسعى المتعلق بتوسيع المجال الحيوي التركي يختلف مستواه ونتائجه تبعاً للدولة المتعامل معها، بحسب قوتها ومكانتها.

ويضيف بن سعدي: "إذا كان الحال يتعلق بدولة متخلفة تعاني من انهيار اقتصادي وضعف داخلي، فإنّ التفاوض يكون غير متساوٍ في الميزان، ومن ثم، تكون الكفة مائلة لصالح تركيا والعكس صحيح".

وعليه؛ فإنّ استحواذ تركيا على مكانة رائدة في تعاملها مع الجزائر، يدخل في "إطار البعد الجيو-إستراتيجي الذي توليه في علاقتها بالجزائر، لما تمثله الأخيرة من إمكانيات وموارد اقتصادية وبعد تاريخي وموقع جغرافي، وهي عوامل مجتمعة تفتح المجال واسعاً لتركيا لتدعيم اقتصادها ودورها على المستوى الدولي".

مرجعية كسرت التأثير
فيما يتعلق بتأثير تركيا على موقف الجزائر من الأزمة الليبية، فمن خلال المؤشرات، يتضح، في منظور بن سعدي؛ أنّ "الوضع بعيد عن أن يكون هناك تأثير تركي على الموقف الجزائري، الذي يدعو إلى حلّ سياسي، ويرفض التدخل الخارجي في الشأن الليبي، بل إنّ الجزائر اعتُبرت "مرجعاً" يجب أخذه بعين الاعتبار في التعامل مع هذه الأزمة".

محلل سياسي جزائري: مطامع الغاز وملء البطن هما الهدفان الخفيان للأتراك، فهم يطلبون دعماً لوجستياً وأمنياً من الجزائر

ويجزم بن سعدي بأنّ التأثير التركي على صناعة القرار السياسي الجزائري "غير ذي أثر"، على الرغم من التعامل الاقتصادي المتميز، لعدة اعتبارات، منها: "عدم ارتباط صنّاع القرار في الجزائر بلوبي سياسي تركي، ثقافياً وسياسياً، ووجود خلاف أيديولوجي بين النظامين في البلدين، وكون مصلحة الجزائر تكمن في حلّ ليبي للأزمة يضمن إقامة نظام سياسي غير خاضع للإرادة الخارجية التي يمكن أن تكون متعارضة مع مصلحة الجزائر".

ويذهب عبد الرحيم بن يحيى، ممثل الشباب لدى نموذج الأمم المتحدة، إلى أنّ مسؤولي ودبلوماسيي تركيا يأتون تباعاً إلى الجزائر، بغرض "طمأنة نظرائهم بشأن "عدم تواجد مطامع توسعية في المنطقة، كما يودون إطلاع الجزائر على أنّ مصالحها لا تهتزّ بموقفها في ليبيا".

ويشير المحلل السياسي إلى أنّ "مطامع الغاز وملء البطن هما الهدفان الخفيان للأتراك"، وأنّهم "يطلبون دعماً لوجستياً وأمنياً من الجزائر"، غير أنّ ذلك مستبعد تماماً؛ لأنّه في نظر الجزائر "طرابلس خط أحمر لا يمكن اجتيازه"، وهو ما يفسّر "عدم صدور أيّ بيان رسمي في أعقاب زيارة وزير الخارجية التركي"، وذاك يؤكد تشبث الجزائر بموقفها.

اقرأ أيضاً: أردوغان والغنوشي.. و"الاجتماع السري"

ويقول بن يحيى: "منذ البداية، الجزائر اخترقت الجبهات الليبية الثلاث، والناتو يدرك أنّ الحرب في ليبيا هي أزمة حقيقية لأوروبا، لذا يريدون من الجزائر أن تساعدهم كي يحافظ الكل على أوراقهم، وأن يكون الحل توافقياً، لا إقصاء فيه، خصوصاً مع عدم ميل الجزائر لأيّ طرف".

وينتهي بن يحيى إلى أنّ "الكلّ يوقنون بأنّ الحرب في ليبيا، من دون دعم الجزائر، خسارة كبرى وهذا هو مربط الفرس"، معتبراً أنّ ما حدث عشية مشاركة الجزائر في مؤتمر برلين "فرصة لاستعادة مكانة الجزائر كفاعل إقليمي ودولي، وتأمين مصالحها الحيوية عبر دول الجوار وأمنها القومي".

بالتزامن، وفي ظلّ الأزمة الخانقة التي يعاني منها الاقتصاد الجزائري، يتوجب، في نظر بن يحيى؛ "الحصول على استثمارات جديدة في هذا الوقت بالذات، والتكلم باللغة الدبلوماسية وفتح الأحضان لجميع الدول من أجل المجيء إلى الجزائر وتطمينها بذلك".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية