هل لغّمت الحكومة الجديدة حراك الجزائر؟

الجزائر

هل لغّمت الحكومة الجديدة حراك الجزائر؟


09/01/2020

يطرح 4 محللين جزائريين دلالات متعددة، لأول حكومة في عهد الرئيس عبد المجيد تبون، ويشيرون في تصريحات خاصة لـ "حفريات" إلى حزمة رسائل تطبع راهن جزائر ما بعد الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة.

اقرأ أيضاً: جزائر 2020: الرئيس الجديد في مواجهة 8 خطوات لإنعاش البلاد

ويذهب الكاتب والباحث، فارس شرف الدين شكري، إلى أنّ "الحراك لم يعد بالقوة التي كان عليها حين كان جامعاً، لا مفرّقاً"، موضحاً: "كانت به كلّ الحساسيات بلا تمييز، وكان العدو واضحاً؛ الرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة، وشقيقه السعيد".

ويضيف شكري: "لكن بمجرّد أن تمّ اجتثاث جهة بعينها من الحراك، كانت دافعاً للشارع من أجل إسقاط آل بوتفليقة من الحكم، من أجل استيلائها هي نفسها عليه، عن طريق المؤسسة العسكرية، تحوّل الأمر إلى رسائل أيديولوجية، أكثر منها وطنية".

اقرأ أيضاً: إسلاميو الجزائر يغازلون السلطة الجديدة

ويأسف شكري لكون "العاصمة الجزائر هي مرتع تلك الأيديولوجيا الضيقة، دون باقي الوطن؛ لأنّنا لم ننجح حتى في الشكل غير الرسمي في تغيير قاعدة "المركزية"، ولأنّ تلك الجهات لم تختلف عن سابقاتها من المعارضة الواهنة،
التي كانت تسيّر الحراك، فإنّه وبمجرّد تشكل حكومة كان الحراك ينعتها باللاشرعية وباستمرار نظام بوتفليقة، حتى انجذب نحوها عتاة الحراك، وأبانوا عن ضعفهم السياسي، وعن سذاجة وطنية، وعن قلة خبرة، وعن خواء الحراك من القاعدة الشعبية".

ويجزم شكري بأنّ هذا الأمر "جعل منه مجرّد حراك شعاراتي يعتليه من في المقدّمة من أجل الظفر باستمرار، مثلهم مثل من سبقهم بـ (تورتة) النظام، وهكذا دواليك، حتى تتدخل الدولة من أجل وضع حدّ لهذه التمثيلية الأيديولوجية التي كان بإمكانها أن تهددها حقاً، وتكون هي الرقيب الفعلي لها مستقبلاً، خاصة إذا تحولت إلى قوة حزبية منظّمة، وتقضي عليها".

محلل: عمر الحكومة الجزائرية قصير جداً، لأنّ فراغ هذا المنصب لا بدّ من أن يُملأ، في ظلّ طبول الحرب في ليبيا

ويقدّر شكري: "لم يتم تلغيم الحراك بحكومة جرّاد؛ لأنّ الحراك أصلاً ملغّم بطغمة أيديولوجية، ذات مصالح ضيقة، والنظام الجزائري الحالي لا يشكّل استمراراً لسابقه، بل هو عبارة عن تشكيل لكيان جديد، سرعان ما سيتخلى مع الوقت عن لواحقه القديمة شيئاً فشيئاً".

ويلفت محدثنا إلى أنّه "إذا فهمنا النظام على هذا الشكل، يمكننا أن نحسن تعاملنا معه في إطار حزبي منظّم ومُراقب، وتشكيل معارضة حقيقية، سرعان ما ستجد وزنها أثناء الانتخابات البرلمانية والمحلية القادمة، خاصة أنّ دعائمه الحقيقية القديمة؛ حزبيْ السلطة، أصيبا بارتجاج وبصرع قضى عليهما، وربما إلى الأبد، كما حدث مع تونس والحزب الدستوري".

وينوّه شكري إلى أنّ "فرصة الحراك في تخلّيه عن المصالح الضيقة، لا الجري غير المؤسس عبر شوارع العاصمة، وغياب أيّة جملة سياسية ناضجة أو رؤية واضحة".

 الرئيس عبد المجيد تبون

النظام أذكى
يؤكد صاحب كتاب "الهوامش الكونية" أنّ النظام أذكى بكثير من رؤية الحراك الواهنة، لذلك فهو ماضٍ دون احتساب حقيقي للشارع الملغّم أيديولوجياً، والذي لم يحترم كباره، وخوّنهم، بل وأصاب كلّ من تخوّل له نفسه التمثيل بالهلع من التخوين المسبق، لذلك لا أتوقّع من الحراك أن يذهب بعيداً، حتى إن تعمّدت السلطة مدّ يدها له؛ لأنّ التمثيل سيكون دوماً ضعيفاً أو مرفوضاً أو مؤدلجاً، وأغلب الحراكيين اليوم يعلمون ذلك، خاصة أولئك الذين انسحبوا منه، وزادت قناعتهم بصدق إحساسهم، حين انضمّ الحراكيون المتشددون إلى حكومة جراد.

اقرأ أيضاً: لماذا اعتذرت الجزائر عن زيارة أردوغان؟

ويتوقع شكري أن "تستفرد الدولة بتمثيل حراكي ضعيف وجريح، وسوف تنقضّ عليه كما تفعل الجوارح بفرائسها، وتفرغه من (حشوه)"، مضيفاً: "كلما طالت المدة فقد الحراك وزنه، وفي اعتقادي، هو يعيش آخر أيامه، ولم يتبقَّ منه إلّا طيف حراك؛ لأنّ أغلب المطالب تحققت، وعلى رأسها رحيل آل بوتفليقة، ودخل الحراك التاريخ.

وإزاء بقاء مطالب رحيل النظام، يوقن شكري بأنّه "لا يوجد نظام يحافظ على نظام، القطيعة في الجزائر هي ما تربط الأنظمة، لا الاستمرار، وحين نجهل هذه القاعدة، نجهل طبيعة السياسة في الجزائر، للأسف، هذا ما يحدث مع الحراك اليوم، إنّه لا يعرف طبيعة السياسة الجزائرية؛ لذلك مصيره الزوال بطرق عديدة، بما في ذلك، لجوء الدولة إلى المناورات والإغراءات، أو حتى القوة، وفي النهاية؛ صعود نظام جديد إلى الواجهة، من حيث لم تتوقع المعارضة".

اقرأ أيضاً: الحراك... صحوة البركان الجزائري

ويذهب شكري إلى أنّ "تغييب" منصب نائب وزير الدفاع في أول حكومات تبون، يشي بأنّ الجيش حفظ الدرس، شارحاً: "هو خروج مشرّف من الواجهة، وترْك الساحة السياسية للشعب فيما بينه، مع ضرورة تفعيل دور الاستخبارات من أجل المحافظة على أمن الدولة".

وفي هذا الجانب، بروتوكولات كثيرة وسيناريوهات عديدة يمكن الاعتماد عليها في فهم دور المؤسسة العسكرية الآن، لكن، بحسب اعتقاد شكري؛ "ما دامت هناك صراعات دولية على المنطقة، ومخلفات نظام العصابة القديمة التي لم تتخل عن المناصب التنفيذية على مستوى الإدارة، فإنّ دور المؤسسة العسكرية، الاستشاري والآمر، يظلّ قائماً، خاصة بعد استعادة هذه المؤسسة التي فقدت قيمتها في التسعينيات لدورها البطولي في حماية الشعب وعودة اللحمة المتينة التي أثبتتها هذه المؤسسة منذ بداية الحراك، وتعهّد قيادة الأركان بحماية الأرواح، ووفائها بذلك".

شباب الحراك يناضلون في الميدان منذ أحد عشر شهراً

اللاشرعية "تلغي" نجاح الحكومة
يتصور شكري؛ أنّ "دور المؤسسة العسكرية سيكون أكثر سرية، ولكن في الوقت نفسه، أكثر نجاعة، فنحن على عتبات اقتصاد منهار، سيكون الجانب الأمني هو أول من قد يدفع الثمن، وهو أمر كان نظام آل بوتفليقة مسؤولاً عنه، ولا أرى من منفذ آخر قد يجابهنا مع حقيقتنا من أجل الانطلاق مستقبلاً، إلّا بمواجهة حقيقتنا التي تقول إنّنا بلد يعيش مرحلة خطيرة في تاريخه، وعلى عتبة الإفلاس، إن لم نسارع في تدارك الأمور وترشيد أفعالنا، وهو الأمر الذي تريد أن تقوم به حكومة جراد الفتية، التي ستكون في صراع مع المستحيل!".

خبير اقتصادي: إطلاق القضاء الجزائري لـ 76 معتقلاً، هو تصحيح لوضع، وتقويم لمسار ظلّ فيه القضاء يشتغل بالهاتف

من جانبه، يشير الخبير الاقتصادي، إسماعيل لالماس، العضو السابق في لجنة الحوار الوطني، إلى أنّ "شباب الحراك يناضلون في الميدان منذ أحد عشر شهراً، ليأتي المتحزبون ويستولوا على الوزارات، فيما يتم تسويغ سجن معارضين بوزن كريم طابو وفضيل طابو وسمير بلعربي، ومجاهد بمكانة الأخضر بورقعة، تحت طائلة "المساس بمعنويات الجيش"، بينما نسمع كلاماً خطيراً عن الأمازيغ وغيرهم، دون أن يحرّك القضاء ساكناً".

ويتابع لالماس: "القضاة مدعوون للتدخل بسرعة قبل فوات الأوان، والتعاطي مع الكثير من النواب والسياسيين الذين يثبّطون بشكل لافت معنويات الشعب والجيش والشهداء والأحياء وحتى الموتى؛ لذا من العيب ألا يتحرك القضاء أمام خطر هؤلاء الناس". 

ويرى لالماس؛ أنّ "إطلاق القضاء الجزائري لـ 76 معتقلاً، هو تصحيح لوضع، وتقويم لمسار ظلّ فيه القضاء يشتغل بالهاتف"، مضيفاً "القضاء أدخل أشخاصاً بالهاتف إلى السجون، وأخرجهم كذلك بالهاتف"، معتبراً أنّ "الجزائر الجديدة ليست جزائر السجون، بل جزائر المستقبل، وإطلاق السجناء السياسيين أول خطوة للتهدئة، إذا أرادت السلطة الذهاب إلى المفاوضات وليس إلى الحوار".

اقرأ أيضاً: الجزائر: هل بدأ الحراك الشعبي في التفكك

وبشأن الحكومة الجديدة، بقيادة رئيس الوزراء عبد العزيز جرّاد، شدّد لالماس على أنّه "يتعين على أيّ وزير الإدراك بأنّه أتى لخدمة شعب وبلد، لا لخدمة نظام ومصالح شخصية، وللأسف نرى أنّ ما كانت السلطة تلوكه عن "حكومة كفاءات"، اتّضح أنّها "حكومة مكافآت"، فمن غير المعقول تعيين أشخاص في الحكومة بعدما ضربوا الحراك ومارسوا خطاب الكراهية والعنف".

ويتصور لالماس: "ميدانياً، الحكومة الحالية عُيّنت لتسيير مرحلة انتقالية، وكان يفترض تعيين حكومة مصغّرة تسعى لحلّ مشكلات كبرى، مثل تفاقم مشاكل البطالة والصحة والتعليم والتضخم وارتفاع عجز الموازنة إلى مستويات مهولة، لا حكومة موسّعة بـ 39 حقيبة، لا يكفيها منتجع نادي الصنوبر المخصص لشخصيات الدولة غرب العاصمة الجزائرية".

وينتهي لالماس إلى الجزم بأنّ "إخراج الجزائر من عنق الزجاجة، وحلّ مشاكل الاقتصاد لا يمكن أن يأتي دون شرعية، ففي غيابها لا مكان لأي مشروع تقدمي، ولا تستطيع أيّة حكومة إجادة التسيير وإخراج الجزائر من وضعها الراهن".

قناعة واستثناء وعمر قصير
يلاحظ الأكاديمي يعرب جرادي؛ أنّ أول حكومة بعد انتخابات الرئاسة، أثارت ردود فعل مختلفة، "نظراً إلى الوضعية الخاصة التي أفرزتها، وهي الحراك الشعبي، ونظراً إلى الابتذال الذي تمّ به الإعلان عنها، بما يسيء لصورة الجزائر في الداخل والخارج".

ويردف جرادي: "من الصعب جدّاً القول إنّ الحراك راض عن هذه الحكومة، لكن المؤكد أنّ شبكات التواصل الاجتماعي أبدت في مجملها حالة من النشوة والتشفي من أصحاب الأصبع الأزرق، لوجود أسماء كانت محسوبة على الحراك، في الحكومة".

ويستغرب جرادي؛ أنّ "مواقع الحراك النشطة لم تعاقب افتراضياً الملتحقين بالحكومة، فلم تلبسهم ثوب الخيانة، ولم تشغّل خاصية (الفار)، كما فعلت مع كثيرين قبل الرئاسيات، مما يوحي بصفقة ما، قد تمت، أو أنّ إطلاق سراح كثير من السجناء، في محافظات مختلفة، أحدث حالة من غضّ الطرف عن الحكومة".

اقرأ أيضاً: المغرب والجزائر.. هل تفتحان صفحة جديدة؟

ويحيل جرادي: "الرئاسة نفذت أول خطوة في الطريق إلى الحوار، بإبداء نية حسنة من خلال إخلاء سبيل بعض السجناء في ولايات عديدة، وباستوزار كثير من المحسوبين على الحراك، الذي يمرّ الآن في حالة من الهدوء النسبي، وأكثر نجومه يتحدثون عن ضرورة التوجه إلى الحوار دون تسرع، وبحذر شديد، لأجل تحقيق مكاسب أعلى، فالكلمة الأكثر تداولاً في فيديوهات الأسبوع السادس والأربعين من الحراك هي الحوار".

ويقرأ جرادي الموقف على أنّه يشير إلى "قناعة في هذا المسعى، من عدة أطراف واتجاهات داخل الحراك، خاصة أنّ أكثر اتجاهاتها ممثّلة داخل الحكومة وهو ما يفسر تضخيم عدد الوزراء، في سابقة تاريخية".

وبمنظور جرادي؛ فإنّ "الحكومة استثنائية بكلّ المقاييس، فهي أول حكومة جزائرية دون نائب وزير دفاع، وهو ما أثار عدة تساؤلات وتأويلات حول موقف الجيش من الحكومة نفسها ومن هذا المنصب، وللمرة الأولى يتولى رئاسة الجمهورية رئيس من جيل الاستقلال، وكذا الأمر بالنسبة إلى قيادة الأركان، ما يوحي بأنّ عمر هذه الحكومة قصير جداً؛ لأنّ فراغ هذا المنصب لا بدّ من أن يُملأ، في ظلّ التوازنات، وطبول الحرب في ليبيا، وعلى أهبة تجديد المؤسسة البرلمانية التي فقدت شرعيتها بعد تمرير كلّ شيء إلا مطالب الشعب الحقيقية".

اقرأ أيضاً: من هو عبد المجيد تبون الذي فاز بمنصب الرئاسة في الجزائر؟

بدوره، يتحدث الناشط والفنان، ربيع قشي، عن عودة "المكاتب السوداء للسلطة بسياستها التي استعملتها قبل عقود، لزرع الفتنة وتقسيم الأمة بحجة أنّ الأمازيغ يريدون تقسيم الجزائر".

ويكشف قشي "ارتضاء السلطة الخفية بممارسة لعبتها المفضلة للقفز عن الواقع، بعد أن نظمت الاقتراع الرئاسي رغم الرفض الشعبي المعبّر عنه في العشرات من جُمع الحراك".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية