لماذا اعتذرت الجزائر عن زيارة أردوغان؟

أردوغان

لماذا اعتذرت الجزائر عن زيارة أردوغان؟


30/12/2019

علمت "حفريات" من مصادر موثوقة، أنّ السلطات الجزائرية اعتذرت عن زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لأراضيها، في وقت أبدت الجزائر تحفّظاً غير معلن بشأن ما سعى الأتراك للترويج له عن حلف تونسي تركي جزائري في ليبيا.

ذكرت مصادر مطلّعة لـ "حفريات" أنّ أردوغان اضطر إلى تحويل وجهته باتجاه تونس بعد اعتذار الجزائر عن استقباله

وتشير معطيات بحوزة "حفريات" إلى أنّ أردوغان، الذي زار الجزائر أربع مرات خلال الأعوام الـ14 الماضية، خطّط للقيام بجولة جديدة إلى الجزائر في أعقاب زيارته المريبة لتونس، وما أفرزته من جدل عارم بشأن بحث أردوغان عن ملاذات آمنة ودعم في حال تدخّله العسكري في ليبيا.

وذكرت مصادر مطلّعة لـ "حفريات" أنّ أردوغان كان قادماً في الأصل إلى الجزائر، لكن الرئيس الجديد عبد المجيد تبون تذرّع بترتيبات الوضع العام في البلد لتأجيل الزيارة، خصوصاً وأنّ الغرض من الزيارة يستدعي تريثاً في بلد خرج لتوّه من انتخابات الرئاسة، ولم تشهد الجزائر إلى حد الآن تشكيل الحكومة الجديدة، قبل أن يتم تكليف البروفيسور عبد العزيز جراد، مساء أول من أمس، برئاسة الوزراء.

وبناءً على اعتذار الجزائر، اضطر أردوغان إلى تحويل وجهته بشكل فجائي باتجاه تونس التي لم يُعلن فيها عن خبر الزيارة إلاّ عبر وكالة الأنباء التركية (الأناضول). 

وأفيد أنّ الرئيس التونسي، قيس سعيّد، وافق على العرض التركي، لكنّه حين علم برفض الجزائر، اضطر إلى تقديم توضيحات بشأن ما دار، بعد كل الجدل الذي خلّفته الزيارة في الأوساط التونسية، والتصريحات الساخنة التي أطلقها وزير الدفاع الليبي فتحي باشاغا.

اقرأ أيضاً: أردوغان في تونس محاولة لإنقاذ إخوان ليبيا

وتبدي الجزائر الكثير من التحفّظ، حيال محاولة الجانب التركي، ضمّ قوات عسكرية جزائرية ضمن حلف إقليمي في عمليات قتالية خارج الحدود، علماً أنّ الجزائر ظلت تشدّد على رفضها أيّ تدخل في الشأن الليبي الداخلي.
ويذهب الخبير السياسي الجزائري، هيثم رباني، إلى أنّ زيارة أردوغان للجزائر لو تحدث، نابعة من تصميم الرئيس التركي على إشراك الجزائر وتونس في حلحلة الأزمة الليبية، بعدما ظلّ جارا ليبيا غائبين عن المسألة منذ الإطاحة بنظام القذافي.

اقرأ أيضاً: أردوغان والثأر من العرب

ويضيف رباني في حديثه لـ "حفريات": "لكن على أردوغان أن يعلم بأنّ الجزائر ستشارك في حل الأزمة الليبية بما يتوافق مع مصالحها الاستراتيجية التي قد لا تتفق بالضرورة مع المصالح الأخرى لأطراف الصراع المحلية والعربية والتقليدية".

قلق الإضعاف

يرى رباني أنّه "ليس هناك ما يقلق الجزائر أكثر من تفكك ليبيا وانهيار السّلْم المدني فيها، بعد تدخل أطراف دولية وإقليمية عملت ضد مصلحة الشعب الليبي، وإذا انتظر فرقاء الصراع في ليبيا غير دور الجامع والحافظ لليبيا كشعب ودولة، فهم واهمون؛ لأنه قد طفح الكيل، ولا يمكن أن تسمح الجزائر بأكثر مما حدث خاصة وأنّ ما يجري في ليبيا هو مسلسل مستمر مترابط لإضعاف المنطقة وتركيعها وفتفتة شعوبها خدمة لأمن وسلامة الطفل المدلل الكيان الصهيوني".

اقرأ أيضاً: هل تورّط الرئيس التونسي باستقبال أردوغان بضغط من النهضة؟

من جهتها، تسجل سمية شريط، الباحثة الجزائرية في الدراسات الاستيراتجية،  محاولة تركيا لإقناع الجزائر بضرورة التدخل في ليبيا، وهو ما ترفضه الدولة الجزائرية بناء على المبدأ الرافض للتدخل الأجنبي في ليبيا، إيماناً منها بأنّ التدخل لا يزيد الأمور إلا تعقيداً، وأنّ الحل لن يوجد إلا بمحاولة لملمة شمل الليبيين.

وتؤكد شريط، في حديثها لـ "حفريات"، أنّ الجزائر هي المتضرر الأكبر من أيّ تدخل عسكري في ليبيا، بحكم ما آلت إليه الحدود التي أصبحت بؤرة لانتشار الإرهاب وكل أنواع الجريمة المنظمة في الأعوام الأخيرة، والتي أثقلت كاهل الجزائر وصعّبت عليها مهمة استتباب الأمن في المنطقة.

اقرأ أيضاً: ليبيا وتونس واختيال أردوغان

وتراهن الجزائر على إنجاح مبادرة التنسيق الأمني بين الفرقاء الليبيين، في خطوة موصوفة بالمهمة ومن شأنها إخماد نيران الراهن الليبي، وإيقاف فوضى 22 مليون قطعة سلاح متبعثرة في أرجاء ليبيا. 

ومنذ احتدام الاقتتال في ليبيا، ظلت الجزائر ترافع لحلّ ليبي – ليبي، وقادت الجزائر رفقة تونس ومصر وإيطاليا أكثر من مبادرة لوقف نزيف الدم في ليبيا، خصوصاً مع اتساع التهديدات الإرهابية وخطط التنظيم الدموي "داعش" للتمدّد في الداخل الليبي.

ويؤثر الصراع الليبي على دولتي تونس والجزائر، وعلى أوروبا من خلال المهاجرين، وتعدّ الجزائر أول طرف معنيّ بهذا الصراع قبل أي دولة عربية أخرى، اعتباراً لعلاقات حسن الجوار والقرابة والكفاح التاريخي المشترك بين الشعبين؛ الجزائري والليبي اللذين تربطهما علاقات تاريخية وعائلية.

اقرأ أيضاً: تركيا 2020: إلى أين تتجه سياسة أردوغان بمستقبل البلاد؟

واعتباراً للمكانة والحنكة التي اكتسبتها الجزائر منذ عقود في معالجة أكثر من أزمة، فإنّها تتواجد في أفضل رواق لإنجاح مسار المصالحة الوطنية في ليبيا، خصوصاً مع ما تتمتع به الجزائر من مصداقية وحياد، وابتعادها عن أي أطماع، إلى جانب قدرات دبلوماسيتها في إقناع المتنازعين على غرار ما حصل في مالي، بما يمنحها حظوظاً كبيرة لرأب الصدع الليبي، خصوصاً مع حرص الجزائر على استقرار ليبيا؛ لأنّ ذلك يسهم في استقرار المنطقة ككل، وهو ما دفع الجانب الليبي الرسمي أن يبرز مراراً "المراهنة على دور جزائري أكبر يسمح بحلّ الأزمة الليبية".

تسريع الحل

من جهته، يؤكد الخبير السياسي الجزائري، رفيق بحري، اهتمام بلاده بتسريع الحل في ليبيا، طالما أنّ استمرار ما يحدث هناك ينذر بزلزال أمني بالنسبة للجزائر، احتكاماً لجملة من الاعتبارات الجيو-سياسية والأمنية المتعلقة بمستقبل قبائل الطوارق، وامتدادات ما يسمى بـ "داعش"، وهي محاذير غير مفصولة عن العمق الاستراتيجي والأمن القومي للجزائر، خصوصا مع اتساع التسلّح والتهريب على الحدود، في صورة أطنان من الأسلحة بينها مضادات جوية تصل إلى منطقة الساحل عبر جهاتها الجنوبية الشرقية المحاذية لليبيا.

اقرأ أيضاً: هل باتت تركيا دولة مارقة في عهد أردوغان؟

ويخشى الجانب الجزائري تغذية تعفين الصراع الليبي، وما يمكن أن ينشأ عن تأسيس قبائل الطوارق لدولة في عمق الصحراء الليبية، بجانب إمكانية إنشاء قاعدة عسكرية أمريكية تحت غطاء مكافحة الإرهاب.

ويشكّل تواجد حقول النفط على أطراف الصحراء الكبرى عاملاً إضافياً يفرض على صنّاع القرار في الجزائر حراكاً أكبر؛ لأنّ تحوّل حدودها مع ليبيا إلى معترك أمني مهزوز، سيلقي بظلاله غير المأمونة على الشريان النابض للاقتصاد الجزائري الذي يقوم بـ 98 % على ما تدرّه المحروقات.

وفي تعليقه عما يلف الملف الليبي، يقدّر الكاتب جمال زروق، أنّ ما يحصل "إفراز طبيعي لممارسات نظام القذافي الذي امتدّ أكثر من أربعة عقود ونيف، أعدم الحياة السياسية والرأي الآخر، وبالتالي فإنّ أغلبية الشعب الليبي لم تمارس السياسة سوى تلك المقننة، والمعلبة منها".

ويضيف زروق في حديثه لـ "حفريات": "أكثر من ذلك غذّى نظام القذافي بنى المجتمع التقليدية، ووظفها لصالح بقائه عبر تطويع الشعب، وتوزيعه، بدلاً من تحديث البنى القبلية، ونقلها إلى مصاف الدولة الوطنية، ناهيك عن الأفكار القومية التي تغنّى بها القذافي عقوداً، ثم الأفريقية التي استخدمها بطريقة التنابذ الذي يؤدي إلى التنافس والتصارع، والتناقض.. كي يبقى هو المرجعية، والحاكم".

اقرأ أيضاً: اجتماع أردوغان والملالي: كيف وقعت ماليزيا في الفخ؟!

ورأى زروق، أنّ هذه البنية شكّلت الأرضية الخصبة لإنبات تناقضات ما قبل الديمقراطية، وحين نضفي عليها تعقيدات الحالة الليبية عبر، وبعد الثورة، إن كان لجهة مستوى التدخل الخارجي الذي كان عاملاً حاسماً في إنهاء النظام، ومستحقات ذلك التدخل وفعله في البنى والقوى والتحالفات، والتشكيلات التي نهضت، أو لجهة ضعف الوعي بالعمل السياسي، والديمقراطي وتقاليد الاختلاف، واحترام الرأي الآخر، ومفاهيم وتجسيدات التعددية، أو لجهة انتشار السلاح بشكل فوضوي والتسابق لامتلاكه بغية تشكيل مواقع قوة تفرض أجنداتها...يمكن فهم خلفيات الصراع المنفجر، والذي فشلت محاولات التهدئة، والتوافق، والترقيع في إيقافه، أو منعه من الوصول إلى استخدام السلاح.

تجاذبات الفوضى   

يعزو زروق، التخبط الليبي إلى نشوء تشكيلات سياسية تحاول كلّ منها الاستحواذ على السلطة، أو فرض مرجعياتها، لكنها تفتقر إلى وعي الاختلاف، والإيمان بالتعددية، وبالعودة للشعب كمرجعية أساس.. يختار فيها، بانتخابات مباشرة، نوابه، وشكل الحكومة التي يراها.

ويقدّر الكاتب أنّ مستوى فعل وتأثير التدخلات الإقليمية وانعكاس خلافاتها، أدخل ليبيا في دائرة التجاذب الإقليمي الحاد الذي يمنع جهود التوافق، وإيقاف الاقتتال لصالح الحوار.

اقرأ أيضاً: المغامرة التركية في ليبيا.. هل تكون آخر معارك أردوغان في المتوسط؟

من جانبه، يذهب الخبير محمد طمين، إلى أنّ الحالة الليبية فتحت المصاريع كلها أمام فوضى السلاح، والتقاتل البيني.. تجد تنظيم داعش الدموي، وغيره من القوى المتطرفة أرضية مناسبة لها وهي توظف خبراتها، وإمكاناتها لتجنيد عديد الشباب، وإثبات موجوديتها.

وفي منظوره، فإنّ الاقتتال البيني في الحالة الليبية، يقدّم المثال البشع لثورات الربيع العربي.. ذلك أنّ الثورة الليبية انتصرت بزمن قصير، وكان يفترض أن تقيم نظاماً بديلاً جاذباً لبقية الدول العربية، وليس العكس.

اقرأ أيضاً: هل يطالب أردوغان بإنشاء "منطقة آمنة" في ليبيا؟

وينهي طمين حديثه لـ"حفريات" بقوله: إنّ إغراق الحالة الليبية بالاقتتال الداخلي، ينذر بتقديم أنموذج مريع، ومنفّر، وسط انتشار السلاح بشكل فوضوي، فهناك نحو 22 مليون قطعة سلاح في ليبيا موجودة في جميع أرجاء ليبيا وجمعها وتوحيدها، وضبطها أحد أهم المشكلات التي تواجه أي اتفاق لاحق.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية