4 خيارات تحكم إسرائيل في ملف الأسرى العسكريين

4 خيارات تحكم إسرائيل في ملف الأسرى العسكريين

4 خيارات تحكم إسرائيل في ملف الأسرى العسكريين


27/12/2023

طارق فهمي

تتجه الحكومة الإسرائيلية إلى التعامل مع مسألة حجز الأسرى العسكريين انطلاقاً من مقاربة قد تبدو مترددة، بخاصة أن إسرائيل وحكومتها مصممة على استكمال نهجها في التصعيد، وعدم الاستماع أو الإنصات إلى الأصوات التي تدعو إلى التهدئة أو الحل أو في الأقل الدخول على خط هدنة إنسانية جديدة استكمالاً لما جرى.

وما جرى ومن واقع الصفقة الإنسانية يؤكد أن ما حدث بالنسبة إلى المدنيين لن ينطبق على الأسرى العسكريين، وأن الأمر تحكمه ضوابط مختلفة، خصوصاً بعد إعلان خطة المراحل الثلاث التي طرحتها القاهرة، التي تركز على ثلاث مراحل: تبدأ بهدنة إنسانية أسبوعين قابلة للتمديد، تتبادل فيها حماس 40 محتجزاً في مقابل 120 أسيراً فلسطينياً، والمرحلة الثانية إقامة حوار وطني فلسطيني برعاية مصرية، وتشكيل حكومة تكنوقراط، تتولى الإشراف على قضايا الإغاثة الإنسانية، وتنص المرحلة الثالثة على وقف كلي وشامل لإطلاق النار، وصفقة لتبادل الأسرى تشمل كل العسكريين الإسرائيليين لدى "حماس" والفصائل الفلسطينية.

خيارات محددة

يدور جدال حقيقي داخل مجلس الحرب الراهن في إسرائيل، للتعامل مع المراحل المطروحة حول أمرين، الأول: كيف يمكن الاستمرار في المواجهة واستعادة الردع ومكانة إسرائيل؟ إذ إن هذا الأمر له الأولوية على غيره من الرؤى والأفكار المطروحة بالتهدئة أو إيقاف المخطط الراهن في القطاع.

أما الثاني، فيرى أن إسرائيل تضررت كثيراً من استمرار المواجهة والحرب في قطاع غزة وخارجها، وأنه قد آن أوان الانخراط في عمل سياسي، يتزامن معه ترتيبات أمنية راهنة، يمكن أن تهدئ الأوضاع في القطاع، وكذلك حالة الهجوم الدولي، بما في ذلك المطالبات الأميركية بضرورة تغيير الحكومة الراهنة، واستبدالها بحكومة أخرى تشرع في مرحلة تفاوضية وسياسية، مع بدء توفير المتطلبات الأمنية في القطاع وخارجه، مع تأجيل النظر تماماً في الشروع بتنفيذ فكرة المؤتمر الدولي المنشود دولياً أو من خلال العمل على حل الدولتين، حيث الوقت المتبقي من عمر الولاية الراهنة للرئيس جو بايدن غير كافية، ومن ثم فإن العمل على جزئيات من مرحلة إلى أخرى وفقاً لطرح مصري، والمطروح في الوقت الراهن، وعدم الشروع في العمل على مطالب عامة أو كلية يمكن أن تؤخر النظر في أي حل حقيقي.

حل جزئي

وفي هذا الإطار من التجاذبات داخل الحكومة، فإن حل مسألة الأسرى العسكريين والانتقال من مرحلة إلى أخرى وفقاً لأحدث طرح يدور في أربعة خيارات مطروحة.

الأول، حل جزئي وعلى مراحل يمضي في سياق الإفراج عن بعض الأسرى ضمن صفقة محددة تمر بمراحل قد تصل إلى ثلاثة أو أربعة، من خلال الاتفاق على خروج المجندات والضباط الصغار من رتب دنيا إلى العليا، مع الإبقاء على القيادات الكبيرة في إطار عدد 137 ممثلاً للقوة العسكرية والأسرى العسكريين، الذين يوجدون لدى حركة "حماس".

ومع العمل على توفير المعلومات الأمنية عن باقي الأسرى لدى الفصائل الأخرى، بخاصة الجبهة الشعبية، وكذلك حركة الجهاد الإسلامي، وذلك مقابل الإفراج عن عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، بخاصة سجن عوفر في المقام الأول، ويمس في المقام الأول النساء والأطفال، وكذلك المتقدمون في السن من الشيوخ، ويلي ذلك الشباب غير المتورطين في العمليات ضد إسرائيل وغيرها من الشرائح المكملة.

ويواجه هذا الخيار عدة اعتراضات من قبل الحكومة، بخاصة أن العمل على مراحل قد يمتد إلى أشهر، وإسرائيل ليست في حاجة إلى استمرار العمل العسكري، وفرض استراتيجية الأمر الواقع على حركة "حماس"، ومحاولة تحجيم خياراتها السياسية أو الأمنية.

ومن الواضح أن هذا الأمر نقل إلى حركة "الجهاد" أثناء اتصالاتها في قطر، وزيارة كبار مسؤوليها للقاهرة، على اعتبار أن مصر لديها تأثير كبير على "حماس"، وأنه كلما زاد تحكم الجانب المصري بالجهود المبذولة لاستئناف المحادثات ارتفعت فرص نجاحها بصورة كبيرة ولافتة.

مرحلية الصفقة

الخيار الثاني هو البدء بالإفراج عن القيادات العليا ضمن مجموعة الـ137 لدى الفصائل كلها، وعدم اعتماد استراتيجية المراحل بشرط بناء إجراءات ثقة أولاً تعمل في اتجاه محدد، ومن خلال الاتفاق على استراتيجية اليوم التالي، وهو ما سيسمح باستبدال القيادات العليا والعناصر المتقدمة لدى حركة "حماس"، وعدم الاكتفاء فقط بالأسماء المطروحة من الجنود، مما يؤكد أن هذا الأمر قد يحدث من خلال الإفراج عن رموز فلسطينية كبيرة في السجون الإسرائيلية، وبما يسمح في المقام الأول بالبدء من أعلى في إطار استراتيجية ممكنة وحركية تعمل في اتجاهين.

وهذا الخيار هو ما قد تذهب إليه إسرائيل في إطار مخطط أشمل وكامل يربط الأوضاع في قطاع غزة بوضع السلطة الفلسطينية، وعدم الاكتفاء فقط بما سيجري في القطاع، ويمكن لإسرائيل الانتقال تدريجاً من السياسي الأمني إلى الاستراتيجي، مما قد يعطي الفرصة للانخراط في تسوية ولو منقوصة في القطاع.

وقد يكون الأمر مقبولاً من الحكومة الإسرائيلية، حال استمرار العمليات العسكرية، ومع افتراض استمرار وقوع خسائر إسرائيلية، وحدوث حالة من الفوضى في الضفة الغربية، واستمرار سقوط قتلى في الجيش الإسرائيلي، مما يؤكد لزومية اتجاه إسرائيل إلى القبول بهذا الخيار المطروح، والانتقال منه إلى خيارات مرحلية مكملة.

ومن المحتمل أن تعمل إسرائيل على قبول المرحلة الأولى فقط من دون المراحل الأخرى التالية، التي تشبه إلى حد ما الهدنة التي انهارت في الأول من ديسمبر (كانون الأول)، بعد استمرارها أسبوعاً، وقادت إلى إطلاق سراح 100 من المحتجزين الإسرائيليين ومزدوجي الجنسية، مما يعني أن إسرائيل غير مستعدة حالياً للالتزام بالمراحل التي تلي ذلك، بخاصة المرحلة الثالثة وفقاً للطرح الراهن.

خيار شبه صفري

الخيار الثالث، هو بناء مقاربة مقابلة في إطار عدم النظر إلى طرح الوسطاء القريبين سواء مصر أو قطر أو ألمانيا أو الاتحاد الأوروبي، والشروع في تأجيل الحديث عن أي صفقة يمكن أن تجري في المدى القصير، واستمرار العمل العسكري والاستراتيجي في المقام الأول، مع الانتقال تدريجاً إلى الحشد العسكري والشروع في تنفيذ الترتيبات الأمنية كاملة، وتأجيل العمل على أي خيارات مطروحة، رغم الضغوط الشعبية والجماهيرية المطالبة بالإفراج عن الأسرى، بخاصة أن حكومة نتنياهو نفسها أجلت من قبل إتمام صفقة الجنود والجثامين من صفقة جلعاد شاليط.

ووفق هذا التصور، فإن إسرائيل ليس لديها ما تخسره، وأن المطالبة بالرضوخ للإفراج عن الأسرى، والانخراط في مفاوضات كاملة لتبييض السجون الإسرائيلية كلام غير مقبول وغير واقعي، ولا يمكن أن يتم في توقيت قريب، وأن أجهزة المعلومات، خصوصاً "شاباك"، لديها تحفظات حقيقية على ما يجري، وستعترض على الدخول في مفاوضات من أي نوع في الوقت الراهن، مما قد يؤجل أي حل أو خيار حقيقي، للتعامل مع ملف الأسرى العسكريين، بخاصة أن الحل العسكري، واستمراره في قطاع غزة سيكون فاعلاً ومؤثراً، وله حضوره في مواجهة ما يجري.

ومن ثم فإن إنهاء حكم حركة "حماس" سينهي هذا الأمر، وفي ظل عدم خضوع إسرائيل إلى أي ضغوط من الداخل أو من الخارج، بخاصة من الولايات المتحدة، ولعل ما يؤكد ذلك ما قاله رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو أن إسرائيل ستواصل الحرب في غزة حتى تحقيق أهدافها، وأن الحرب ستكون طويلة، بهدف القضاء على حركة "حماس".

ويبدو أنه من المخطط أن يوسع الجيش الإسرائيلي التوغل البري، ليشمل مخيمات اللاجئين في المركز، فيما لا يزال لدى الجيش مناطق أخرى يتعين عليه التعامل معها، بما في ذلك رفح، كما سيواصل الجيش الإسرائيلي عمليات أخرى في شمال قطاع غزة، والمناطق القريبة من السياج الحدودي، على أن تتولى فرقة غزة مسؤولية إنشاء منطقة عازلة على بعد نحو كيلومتر واحد من السياج المحيط، وكذلك مسعى الجيش الإسرائيلي في التعامل مع أحياء مدينة غزة وجباليا وبلدتي بيت حانون وبيت لاهيا، التي تطل على منطقة سديروت وبلدات غلاف غزة، خالية من الفلسطينيين.

عمل عسكري

أما الخيار الرابع والأخير، فهو اتجاه الحكومة الإسرائيلية إلى العمل العسكري في عمق القطاع والوصول إلى الأسرى من دون إتمام أي صفقات أو إيجاد حلول من أي نوع، والوصول إلى أسير واحد قد يؤدي للعمل في اتجاه إلى الوصول لباقي الأسرى مع وجود تعاون بريطاني- أميركي لافت للوصول إلى الصيد الثمين.

ولا تزال تعمل إسرائيل في اتجاهات محكمة للوصول إلى الأسرى من دون مفاوضات أو اتصالات من أي نوع مما قد يؤدي إلى حسم الأمر، بخاصة أن أي تفاوض جديد قد يكون مكلفاً في ظل شروط المقاومة الفلسطينية، ومحاولة حركة "حماس" الاستمرار في الحكم، والبقاء في المعادلة الفلسطينية الراهنة، مما يؤكد أن الحكومة الإسرائيلية واعية تماماً بما يجري، وقد يكون من خلال رؤية أو مقاربة مختلفة.

وبحسب هذا التصور، فإن إسرائيل لن تنخرط في أي مفاوضات جادة، مع عدم الممانعة في تحرك الوسطاء في هذا الإطار، إذ ربما قد يساعد على التوصل أمنياً أو استخباراتياً للهدف الرئيس، وهو إخراج قادة "حماس" من قطاع غزة، في مقابل وقف إطلاق النار، كما يتداول دراسة خيار مطروح إسرائيلياً عدم تصفية السنوار والضيف، ومنحهما حصانة من نوع ما، لإتاحة ترحيلهما إلى دولة أخرى، مقابل إطلاق سراح بعض المحتجزين لدى "حماس".

الخلاصات الأخيرة

في كل الخيارات السابقة ستعمل الحكومة الإسرائيلية على الإبقاء على تحركاتها منفردة أو أن تحاول أن تنأى بنفسها عن الضغوط الدولية أو الداخلية الراهنة، مع توسيع دوائر الحركة في ملف الأسرى، وعدم إيجاد أي ارتباط مفصلي بين ما ستقوم بفرضه عبر الترتيبات الأمنية الراهنة المقترحة، والجارية في قطاع غزة، والشروع في أي مفاوضات مع حركة "حماس" من خلال الوسطاء.

وتأسيساً على ذلك، فإن الحكومة الراهنة وشخصها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لن تسمع أو تنصت إلى النصائح الأميركية بضرورة تغيير بعض وجوه الحكومة الإسرائيلية، بخاصة أن لإسرائيل خياراتها الكبرى في التعامل مع ملف الأسرى، والملفات المتعلقة بالتعامل مع قطاع غزة في الفترة المقبلة، سواء من خلال فرض استراتيجية إسرائيلية كاملة أو منقوصة، وبما يقر بالفعل بالعمل على حسابات حذرة تضع مصالح إسرائيل الكبرى في المقام الأول على أي اعتبار آخر في الفترة المقبلة، مع تأكيد ثوابت التحرك تجاه ملف الأسرى، وعلى اعتبار أن الدولة ووجودها وأمنها في كفة، وأمن المواطن والأسرى العسكريين في كفة أخرى.

عن "اندبندنت عربية"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية