
أحمد الشيخ
حققت صورة مؤيدة للفلسطينيين انتشارا غير مسبوق على وسائل التواصل الاجتماعي واعتبر البعض ذلك انتصارا للفلسطينيين في الميدان الرقمي ودللوا على ذلك بأن مشاهير غربيين قدموا الصورة إلى عشرات الملايين من متابعيهم ونشروا بينهم شعار ”كل العيون على رفح“، ولكن هذا الانتشار لا يعني بالضرورة انتصارا لوجهة النظر الفلسطينية بقدر ما يرضي أطرافا عديدة في الغرب وإسرائيل.
وردت عبارة ”كل العيون على رفح“ في حديث لبيتر بيبركورن ممثل منظمة الصحة العالمية في فلسطين وكان يحذر من اجتياح اسرائيلي للمدينة التي يفترض أنها ملاذ آمن للاجئين، ولكن في وقت لاحق شاهدت ”كل العيون“ القصف الاسرائيلي لخيام اللاجئين. تلقف العبارة صانع محتوى ماليزي وصمم الصورة الشهيرة باستخدام أحد تطبيقات الذكاء الصناعي ونشرها على حسابه على انستجرام مع السماح بالاستخدام أو إعادة النشر، ويبدو أن الصورة وجدت طريقها لأحد المؤثرين، فكان ذلك بداية الانتشار.
جاءت الصورة طوق نجاة لكثير من مشاهير الشبكات الاجتماعية في الغرب الذين كانوا في مرمى الانتقادات اعتراضا على تقاعسهم عن الدعوة لإنهاء الحرب، وكانت الحملة دعت إلى حظر حسابات المشاهير من جانب أكبر عدد من الجمهور وهو ما يؤدي في نهاية المطاف إلى تراجع التفاعل مع الحسابات وانخفاض شعبيتها مما يفترض أن يؤثر على المكاسب المالية التي تجنيها الحسابات من حصيلة التفاعل واتفاقيات الرعاية.
يفضل المشاهير صورة تظهر صفوف الخيام كما نظمها الذكاء الصناعي وليست صورة من أرض الواقع تركز على طفل فقد أطرافه أو جد مكلوم يبكي حفيدته أو أم ثكلى تنعي رضيعها أو عائلة تم اقتلاعها من أرضها. المشهد الذي يحمل تزكية من خوارزميات الذكاء الاصطناعي ستتسامح معه خوارزميات الشبكات الاجتماعية، والصورة التي لا تشمل دما مسفوكا أو مساعدات منهوبة أو جسدا جائعا لن تحبط المتابعين مرهفي الحس ومؤيدي إسرائيل. يأمل صاحب الحساب أن تساعده الصورة في الاحتفاظ بأكبر قدر من المتابعين من الجانبين.
الشبكات الاجتماعية تفضل هذه الصورة لأنها أقل إثارة لغضب إسرائيل وأصدقائها وانتشار الصورة بشكل كبير سيساعد شركة ميتا المالكة لانستغرام على التهرب من تهمة حظر المحتوى المؤيد للفلسطينيين، خصوصا وأن الصعود الكبير للصورة يتزامن مع صدور التقرير ربع السنوي لشركة ميتا والذي يوضح جهود الشركة في وقف الجيوش الالكترونية.
واشار التقرير إلى أن الشركة أوقفت واحدة من الشبكات المؤيدة لإسرائيل، وكانت الشبكة المذكورة تشمل مواقع الكترونية وحسابات مفبركة أو مسروقة على انستجرام وفيسبوك وكانت تنشر الدعاية المؤيدة لاسرائيل في تعليقات على صفحات السياسيين والمشاهير في الولايات المتحدة ودول غربية أخرى. وأشارت الشركة إلى علاقة بين الشبكة وشركة للتسويق السياسي في تل أبيب.
إسرائيل وحلفاؤها لم تعجبهم صورة ”كل العيون على رفح“ واعتبروها دعاية لحركة حماس
ورد الفعل هذا متوقع من اسرائيل وأصدقائها الذين يحاولون دائما خفض سقف مساندة الفلسطينيين إلى الحد الأدنى، ولكنهم يدركون أن هذه الصورة أقل ضررا على اسرائيل من غيرها.
تعرف إسرائيل أن كل حدث تاريخي ارتبط بصورة ايقونية فمن ينسى صورة الطفل ضحية المجاعة في السودان أو صورة فتاة النابالم في حرب فيتنام؟! ومن مصلحة إسرائيل أن تربط حرب غزة بصورة من إنتاج الذكاء الصناعي وليس صورة للدمار الذي تخلفه الأسلحة الإسرائيلية.
وتعي إسرائيل أن النشاط المقتصر على الفضاء الرقمي أفضل لها من نشاط آخر يمتد تأثيره إلى العالم الواقعي، فالضغط على زر النشر عشرات الملايين من المرات يظل محدود التأثير مقارنة بأنشطة رقمية أخرى مثل الحملة التي نظمتها الممثلة الأيرلندية نيكولا كوجلان على انستجرام وجمعت حوالي سبعين ألف يورو لصالح منظمة تدعم الأطفال الفلسطينيين أو حملة الكترونية في بريطانيا تجبر البرلمان أو الحكومة على مناقشة الموضوع في حالة الوصول إلى عدد معين من التوقيعات، أو رهن التصويت للحزب الديمقراطي الأمريكي أو حزب المحافظين البريطاني بالضغط على إسرائيل لوقف الحرب.
كل هذه الأنشطة تصلح أن تكون نشاطا تكميليا لحملة نشر صورة ”كل العيون على رفح“ وتنقلها من خانة الانتشار الذي يرفع الحرج عن المشاهير والشركات في الغرب إلى نشاط حقيقي يدعم الفلسطينيين ويضغط على الحكومات الغربية واسرائيل.
وكل حملة رقمية على شبكات التواصل الاجتماعية يمكن أن توضح الفارق بين المشاهير والمؤثرين.
عن "العربية"