هل يرتبط التصعيد بين إيران وطالبان بقضية الخلافات المائية فقط؟

هل يرتبط التصعيد بين إيران وطالبان بقضية الخلافات المائية فقط؟

هل يرتبط التصعيد بين إيران وطالبان بقضية الخلافات المائية فقط؟


03/06/2023

في محطة جديدة من محطات التصعيد بين طالبان وإيران، وقعت اشتباكات وسقط قتلى من الجانب الإيراني، وسيطرت طالبان على مراكز حدودية تابعة لقوات حرس الحدود الإيرانية، وقد تناقضت الروايات بين الجانبين حول من بدأ التصعيد، فكلّ طرف يتهم الطرف الآخر بإشعال فتيل الأزمة والتصعيد، لكنّ الجانبين يتفقان "ظاهرياً" على أنّ سبب النزاع هو الخلاف على حقوق المياه في نهر (هلمند).

وقد تكون الاشتباكات الجديدة بالفعل مرتبطة بأزمة مياه بين البلدين، في ضوء الجفاف الذي يعاني منه البلدان، وعدم قدرة أفغانستان على الوفاء بالتزاماتها في تزويد إيران بحصتها المقررة من المياه، عبر الأنهار المشتركة، وأبرزها نهر (هلمند) الذي ينبع من جبال أفغانية ويتدفق عبر أفغانستان، وينقسم إلى نهرين وهما: (شيل تشاراك) و(سيستان) الذي يتدفق غرباً إلى إيران، وينتهي مصبّاهما في الأراضي الإيرانية، وفقاً لاتفاقية موقعة بين كابل وطهران عام 1973. وقد أنشات أفغانستان مجموعة من السدود أنتجت هذا الخلاف، وبصورة مماثلة لقضية سد النهضة الإثيوبي بين إثيوبيا من جهة، مع مصر والسودان من جهة أخرى، والسدود التركية وأثرها على سوريا والعراق، وهي غير بعيدة عن سياسات إيران المائية تجاه العراق في الجنوب العراقي.

تمتلك إيران أوراق قوة في أفغانستان؛ من بينها: علاقات وثيقة مع بعض أجنحة طالبان، واختراقات استخبارية عبر استخبارات الحرس الثوري الإيراني من خلال علاقات تم بناؤها منذ عام 2001، بالإضافة إلى ولاء المكوّن الشيعي (الهزارة) لها

ومع ذلك، فإنّ قراءة فاحصة لتطور العلاقات بين طهران وطالبان تؤكد أنّها مرّت بمحطات عديدة، لعل في مقدمتها أنّ سيطرة طالبان على الحكم في أفغانستان قبل عام 2001، كان يشكّل تهديداً استراتيجياً لإيران، بمرجعية مذهبية، وكان إسقاط حكم طالبان بعد الاحتلال الأمريكي لأفغانستان، وبعده إسقاط نظام الحكم في العراق عام 2003، مكسباً استراتيجيّاً لإيران، بالتخلص من أنظمة حكم "سنّية" معادية.

وقعت اشتباكات وسقط قتلى من الجانب الإيراني، وسيطرت طالبان على مراكز حدودية تابعة لقوات حرس الحدود الإيرانية

وخلال (20) عاماً من الاحتلال الأمريكي لأفغانستان، نسجت طهران علاقات وثيقة مع حركة طالبان، وقدّمت لها شتى أنواع ومستويات الدعم، بما في ذلك تزويد الحركة بالأسلحة والتوسع بإقامة معسكرات تدريب داخل إيران، بهدف إفشال أمريكا وسيطرتها على أفغانستان، وتغاضت طالبان عن توسع طهران في استقطاب الشيعة الأفغان، وتقديم الدعم السياسي لهم، بالتزامن مع بناء حسينيات وجامعات مذهبية وتقديم مساعدات اقتصادية، إلى الدرجة التي أصبح معها الحضور الإيراني "عبر الهزارة" عنواناً من العناوين السياسية لأفغانستان، وهو ما أفقد إيران مكوّناً رئيساً في أفغانستان بعد الانسحاب الأمريكي وسيطرة طالبان على مقاليد الحكم في أفغانستان، لا سيّما بعد إجراءات طالبان ضد "الهزارة"، خاصة التهجير من بعض الولايات التي يغلب عليها السنّة.

تتعدد سيناريوهات مستقبل الصراع بين طالبان وإيران، لكنّ المؤكد أنّ هذا الصراع أكبر وأعمق من قضية خلافات حول المياه، رغم وجاهة هذه القضية لتكون سبباً للخلاف، وهو صراع قابل للتفجر مجدداً في ظل قائمة خلافات واسعة، لا تتوقف عند قضايا المياه والحدود، وربما عبّرت تصريحات إيرانية وردت على لسان وزير الخارجية الإيراني (عبد اللهيان)، بعد الاشتباكات الأخيرة، عن الأهداف الاستراتيجية لطهران، وما تريد أن يكون عليه الحكم في أفغانستان، إذ تعتبر طهران أنّ طالبان لا تمثل كل الأفغانيين، وأنّه لا بدّ من مشاركة مكونات أخرى في الحكم (الهزارة)، لا سيّما أنّ عودة طالبان إلى الحكم تمّت بعد مفاوضات و"اتفاق" بين طالبان وواشنطن.

استمرار الصراع بين طالبان وإيران هو السيناريو المرجح، ولا تنقصه الأسباب، فالخلافات عميقة بين الجانبين، وهو ما يطرح تساؤلات حول نجاعة المقاربة الأمريكية للانسحاب من أفغانستان، والقائلة إنّ استمرار وجود أمريكا في أفغانستان ومحاربة طالبان إنّما يقدّم خدمات مجانية تخدم استراتيجيات إيران وروسيا والصين، لأنّ أفغانستان بكل تفاصيلها يجب أن تكون مشكلة وتحدّياً لخصوم أمريكا.

طالبان 2023 ليست طالبان التسعينيات، ولا طالبان خلال (20) عاماً من الاحتلال الأمريكي، فالحركة تملك اليوم كميات ضخمة من الأسلحة التي تركتها واشنطن بعد انسحابها، كما تحظى بتأييد شعبي بمرجعيات دينية، رغم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة

وتمتلك إيران أوراق قوة في أفغانستان؛ من بينها: علاقات وثيقة مع بعض أجنحة طالبان، واختراقات استخبارية عبر استخبارات الحرس الثوري الإيراني من خلال علاقات تم بناؤها منذ عام 2001، بالإضافة إلى ولاء المكوّن الشيعي (الهزارة) لها، وهو ما يعني أنّ لدى طهران خيار إعادة لواء (فاطميون) من سوريا، وشنّ عمليات ضد قوات طالبان في الداخل الأفغاني، بالإضافة إلى علاقات غامضة مع "القاعدة" و"داعش"، لا سيّما تنظيم داعش الذي يشنّ عمليات متكررة ضد الحسينيات والمساجد الشيعية في أفغانستان، وهو ما يُعدّ سبباً تم استخدامه من قبل إيران للدخول إلى سوريا، بحجة حماية "الأضرحة والمزارات" الشيعية، وإلى جانب ذلك تمتلك إيران سلاحاً جديداً وهو الطائرات المسيّرة التي أثبتت فاعليتها في ضرب الأهداف الأوكرانية من قبل روسيا.

تمتلك إيران أوراق قوة في أفغانستان

وبالمقابل، فإنّ طالبان 2023 ليست طالبان التسعينيات، ولا طالبان خلال (20) عاماً من الاحتلال الأمريكي، فالحركة تملك اليوم كميات ضخمة من الأسلحة التي تركتها واشنطن بعد انسحابها، تتوزع بين (دبابات حديثة ومدرعات وطائرات ومنظومات دفاع جوي وصواريخ...)، كما تحظى بتأييد شعبي بمرجعيات دينية، رغم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة، وتبني استراتيجيتها على أساس العدو الخارجي المذهبي، بالإضافة إلى إمكانية أن تتمكن من الحصول على دعم عسكري جديد من قوى إقليمية ودولية يهمها خسارة إيران وهزيمتها في المنطقة، وتبرز هنا مخاوف جدية من استقطاب طالبان لجماعات إسلامية سنّية تخوض الحرب مع إيران على قاعدة مذهبية، أسهمت إيران في التأسيس لها منذ عام 2003 في العراق وسوريا.

إنّ مخاوف إيران من استمرار وتوسع المواجهات العسكرية مع طالبان، من مستوى مواجهات واشتباكات حدودية يمكن تطويقها، وانتقالها إلى حرب دامية، لن يكون في مصلحة إيران، وهو ما يفسّر الرد الإيراني على الاشتباكات الأخيرة بأنّ التصعيد بين إيران وطالبان لن يكون من مصلحة الطرفين على المدى الاستراتيجي، وهو ما يطرح تساؤلات حول أدوار أطراف إقليمية ودولية بهذا الصراع، وهل سينتقل الجهد العسكري الإيراني إلى حدودها الشرقية، بدلاً من حدودها الغربية في العراق، وصولاً إلى سوريا ولبنان؟

مواضيع ذات صلة:

توحش "طالبان باكستان"... ما التداعيات الإقليمية والدولية المحتملة؟

طالبان ومؤشرات التمرد على سلطة المرشد الأعلى للحركة

بعد الحديث عن التطبيع.. اجتماع بين طالبان وحماس في تركيا.. ما هدفه؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية