توحش "طالبان باكستان"... ما التداعيات الإقليمية والدولية المحتملة؟

توحش "طالبان باكستان"... ما التداعيات الإقليمية والدولية المحتملة؟

توحش "طالبان باكستان"... ما التداعيات الإقليمية والدولية المحتملة؟


16/03/2023

يؤشر تنامي العمليات من جانب حركة طالبان داخل باكستان إلى جملة من التهديدات والتداعيات الإقليمية على المستوى المحلي والإقليمي وأيضاً الدولي، خاصة أنّ الحركة التي أعلنت في 28 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي تخلّيها عن اتفاق وقف إطلاق النار مع حكومة إسلام أباد، تحاول استغلال العديد من المحفزات الأمنية والسياسية لصالحها في الوقت الراهن، تمهيداً للاستيلاء على السلطة، وتعزيز نفوذها في الداخل.

وفي هذا الصدد تناولت دراسة صادرة حديثاً عن المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، للباحثة منى قشطة، تحت عنوان: "ملامح وتداعيات تصاعد نشاط حركة طالبان باكستان"، أبرز العوامل المؤثرة في زيادة نشاط الحركة خلال الأشهر الماضية، والتداعيات الإقليمية والدولية لذلك، وأيضاً السيناريوهات المستقبلية في ضوء المحفزات الداخلية المتعلقة بالهشاشة الأمنية وعدم الاستقرار السياسي.

باكستان على موعد مع ما هو أسوأ

تشير الدراسة إلى أنّه "منذ إعلان حركة طالبان باكستان عن إلغاء العمل بوقف إطلاق النار مع الحكومة الباكستانية، اتجهت كافة الأنظار إلى باكستان بعد إصدار الحركة أوامرها لمقاتليها بشن هجمات دامية في شتى أنحاء البلاد، وهو ما عُدّ مؤشراً على أنّ باكستان ستصبح خلال العام 2023 على موعد مع سيناريو التصاعد الملحوظ في أعمال العنف المرتبطة بتنامي نشاط حركة طالبان باكستان، مستغلة انشغال حكومة إسلام أباد في مجابهة التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية التي عصفت بالبلاد خلال العام المنصرم، وما تزال مستمرة حتى الآن.

يؤشر تنامي عمليات حركة "طالبان باكستان" إلى جملة من التهديدات والتداعيات الإقليمية على المستوى المحلي والإقليمي والدولي

وقد رُجحت كفّة هذا السيناريو بالفعل مع قيام عناصر الحركة بتكثيف هجماتهم التي استهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة في إقليمي خيبر باختونخوا وبلوشستان والمناطق الحدودية المتاخمة لأفغانستان، وكان من أحدث هذه الهجمات قيام مسلحي الحركة في 17 شباط (فبراير) الماضي بشن هجوم استهدف مقر شرطة كراتشي الباكستانية؛ ممّا أسفر عن سقوط (4) أشخاص على الأقل وإصابة آخرين معظمهم من رجال الشرطة.

وقد سبق هذا الهجومَ هجوم انتحاري آخر صُنف كإحدى أكثر الهجمات دموية في باكستان منذ أعوام، واستهدف مسجداً للشرطة في مدينة بيشاور؛ ممّا أودى بحياة نحو (100) شخص، وأصيب ما لا يقل عن (170) آخرين.

توحش العمليات

وفقاً لتقرير مركز البحوث والدراسات الأمنية الباكستاني (CRSS) الذي أوردته الدراسة، نفذت الحركة أكثر من (20) هجوماً في شهر كانون الأول (ديسمبر) وحده في إقليمي خيبر بختونخوا وبلوشستان، كان من أبرزها قيام عناصر الحركة باحتجاز عدد من رجال الشرطة في مركز تابع لإدارة مكافحة الإرهاب في منطقة بانو شمال غرب البلاد.

وفقاً لتقرير مركز البحوث والدراسات الأمنية الباكستاني (CRSS)، نفذت الحركة أكثر من (20) هجوماً في كانون الأول الماضي وحده في إقليمي خيبر بختونخوا وبلوشستان

 

كما تصاعدت هجمات الحركة خلال شهري كانون الثاني (يناير) وشباط (فبراير) الماضيين؛ حيث أكدت طالبان باكستان في بيان لها تنفيذها لـ (29) عملية مسلحة ضد الجيش وقوات الأمن الباكستانية في مختلف مناطق البلاد خلال شباط (فبراير) الماضي، مشيرة إلى أنّها أدت إلى سقوط وإصابة (127) من عناصر الأمن وتدمير (5) من دوريات الجيش، ودورية للشرطة، علاوة على تخريب (3) مبانٍ للشرطة الباكستانية، ونُفذت معظم تلك العمليات في المناطق القبلية ومناطق الشمال الغربي المحاذية لها.

هل بات سقوط إسلام أباد قريباً؟

تشير الدراسة إلى أنّ "الحركة تحاول على المستوى الدعائي الترويج لقدرة عناصرها على توجيه الضربات خارج نطاق نفوذها الحالية وصولاً إلى العاصمة إسلام أباد؛ وهو ما يتبدى جليّاً في مقطع فيديو نشرته الحركة عبر منصاتها الإعلامية، يظهر فيه أحد عناصرها من تلال مارجالا على بعد بضعة كيلو مترات من العاصمة إسلام أباد".

وتضيف: "باستخدام الكاميرا يقوم الشخص بتسليط الضوء على البرلمان الباكستاني وفي يده ورقة مكتوب عليها (نحن قادمون)، وهو ما يؤشر إلى أنّ بوصلة نشاط الحركة على المستوى الجغرافي تتجه بقوة تجاه العاصمة، خصوصاً بعد أن عادت طالبان باكستان في كانون الأول (ديسمبر) الماضي إلى تبنّي هجمات انتحارية في إسلام أباد مجدداً بعد أن كانت العاصمة بعيدة إلى حدٍّ ما منذ أعوام عن سلسلة الهجمات التي تشنها الحركة في المناطق الحدودية مع أفغانستان".

محفزات عديدة

تسلط الدراسة الضوء على مجموعة من العوامل التي تمثل محفزاً لحركة طالبان باكستان لتصعيد هجماتها على الجغرافيا الباكستانية، في مقدمتها تزايد مكامن قوة الحركة، حيث تعكس حالة العنف الشديدة التي تشنها الحركة مؤخراً في باكستان تزايد عناصر قوتها مادياً ومعنوياً، وهو ما انعكس أيضاً في إلغاء العمل بوقف إطلاق النار الأحادي الجانب، وإصرارها على مطالبها في المفاوضات مع الحكومة التي باءت نُسخها المتكررة بالفشل، إلى جانب نجاح الحركة في تعزيز الفعالية التكتيكية لعملياتها الحركية، وتوسيع كادرها من المقاتلين المدربين، والأسلحة والمعدات التي فاقت قدرات قوات الشرطة في بعض المناطق.

هجمات حركة طالبان باكستان تزيد من خطر التهديدات الإرهابية في المنطقة

وإضافة إلى ضعف قدرات قوات الشرطة الباكستانية أمام تطور قدرات وإمكانيات الحركة وهجماتها الدامية، تواجه قوات الشرطة الباكستانية مشكلات تتعلق بنقص الموارد المادية والبشرية واللوجستية المخصصة لهم للتصدي لتقدم عناصر الحركة وإحباط مخططاتها.

 وتحاول الحركة توظيف أزمات الحكومة الباكستانية، في ظل أوضاع سياسية واقتصادية وأمنية ومناخية مضطربة تعيشها باكستان مؤخراً.

 تداعيات خطرة

يحمل تصاعد نشاط حركة طالبان باكستان في ظل بيئة أمنية وسياسية مضطربة العديد من التداعيات ذات الطابع المحلي والخارجي، أبرزها زيادة الغضب الشعبي ضد الحكومة، حيث تُزيد موجات العنف المرتبطة بهجمات حركة طالبان باكستان من حالة الغضب الشعبي ضد الحكومة الباكستانية، خصوصاً في إقليم خيبر بختونخوا الذي كان مركزاً تاريخياً لهجمات الحركة، ويعاني سكان هذه المنطقة من غياب الأمن وتدفق مقاتلي الحركة وسيطرتهم على نقاط التفتيش الأمنية في الليل وممارستهم لعمليات الخطف والابتزاز.  

الحركة تحاول على المستوى الدعائي الترويج لقدرة عناصرها على توجيه الضربات خارج نطاق نفوذها الحالي وصولاً إلى العاصمة إسلام أباد

 

 فضلاً عن مفاقمة الأوضاع السياسية والاقتصادية المتأزمة، فمن شأن حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني المتزايدة أن تفاقم من الوضع المأزوم الذي يعيشه الاقتصاد الباكستاني في الوقت الراهن؛ ذلك لأنّ العمليات الإرهابية زادت من الأعباء الاقتصادية بتكلفة تخطت (123) مليار دولار، وأثرت بصورة مباشرة على قطاعي الاستثمار والسياحة.

 تهديد إقليمي

وحول التهديد الإقليمي لنشاط الحركة، ترى الباحثة أنّ هجمات حركة طالبان باكستان تزيد من خطر التهديدات الإرهابية في المنطقة، وهي التهديدات التي تصاعدت المخاوف حولها منذ عودة حركة طالبان الأفغانية إلى الحكم في أفغانستان، وتزايد المساحة المخصصة كملاذات آمنة للكثير من التنظيمات الإرهابية على الأراضي الأفغانية في كنف ورعاية طالبان.

يتوقع أن تستمر وتيرة العنف المرتبطة بتنامي نشاط حركة طالبان باكستان خلال العام الجاري، في ظل انشغال حكومة إسلام أباد في مجابهة التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية التي تعصف بالبلاد، وتزايد عناصر القوة التي تمتلكها الحركة

 

 كما أنّ تصاعد هجمات طالبان الباكستانية ربما يدفع حكومة إسلام أباد إلى الدخول في مفاوضات جديدة مع الحركة، وهو ما قد تحقق من خلاله الأخيرة بعض الامتيازات على المدى الطويل كخفض عدد القوات الحكومية في مناطق تواجدها، الأمر الذي قد يستغله تنظيم داعش في تعزيز صفوفه شمال غرب باكستان واتخاذها كمنصة لبقية مناطق البلاد، لا سيّما أنّ الخبرات التاريخية المختلفة أثبتت أنّ التنظيمات الإرهابية بشكل عام، وداعش على وجه الخصوص، استغلت انخفاض أعداد القوات الأمنية وتراجع جهود مكافحة الإرهاب في العديد من المسارح لشنّ المزيد من الهجمات، وهو ما يمكن تكراره في باكستان.

 وختاماً، تتوقع الدراسة أن "تستمر وتيرة العنف المرتبطة بتنامي نشاط حركة طالبان باكستان خلال العام الجاري في ظل وجود جملة من المحفزات؛ في مقدمتها انشغال حكومة إسلام أباد في مجابهة التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية التي تعصف بالبلاد، وتزايد عناصر القوة التي تمتلكها الحركة مقابل العقبات التي تحدّ من قدرات قوات الشرطة في التصدي لهجماتها الدامية."




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية