طالبان ومؤشرات التمرد على سلطة المرشد الأعلى للحركة

طالبان ومؤشرات التمرد على سلطة المرشد الأعلى للحركة

طالبان ومؤشرات التمرد على سلطة المرشد الأعلى للحركة


19/02/2023

في خطوة ربما تكون الأولى من نوعها، والتي تُعدّ مؤشراً على بوادر صراع داخلي في صفوف حركة طالبان الأفغانية، وجّه وزير الداخلية سراج الدين حقاني، وهو شخصية قوية داخل الحركة، انتقادات ضمنيّة للمرشد الأعلى للحركة هبة الله أخوندزادة.

الانتقادات يمكن أن تفسر التضارب في القرارات داخل الحركة المتشددة، ففي الأشهر الأخيرة كان واضحاً أنّ المرشد الأعلى للحركة يتجه نحو اتخاذ إجراءات متطرفة. على وجه الخصوص، وبناءً على أوامره، حظرت حكومة طالبان انخراط النساء والفتيات في الجامعات والمدارس بعد الصف السادس، على الرغم من تعهد طالبان، مراراً وتكراراً، بالسماح للفتيات بالالتحاق بالمدارس الثانوية، لكنّ قرار السماح لهن بالعودة العام الماضي تم التراجع عنه فجأة بأوامر من أخوندزادة.

انتقادات واضحة للمرشد الأعلى

وزير الداخلية الأفغاني أدلى بتصريحات مهمّة، في خطاب ألقاه خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، في حفل تخرج في مدرسة دينية إسلامية، في إقليم خوست بشرق البلاد.

وقال حقاني، بحسب مقاطع فيديو من الخطاب، الذي نشره أنصاره على مواقع التواصل الاجتماعي: إنّ "احتكار السلطة، والإضرار بسمعة النظام بأكمله ليس في مصلحتنا". وأضاف: "لا يمكن التسامح مع الوضع".

وتابع حقاني: الآن بعد أن استولت طالبان على السلطة، "تم وضع المزيد من المسؤولية على أكتافنا، ويتطلب ذلك الصبر والسلوك الجيد، والمشاركة مع الشعب"، مؤكداً أنّه على طالبان "تهدئة جروح الناس"، والتصرف بطريقة لا يكرهها الناس ويكرهون بها دينهم.

وجّه وزير الداخلية سراج الدين حقاني، وهو شخصية قوية داخل الحركة، انتقادات ضمنية للمرشد الأعلى للحركة

وبحسب موقع (The Diplomat) الناطق بالإنجليزية، فإنّ حقاني لم يشر إلى أخوندزادة، لكنّ التصريحات شاهدها الكثير من المعلقين على مواقع التواصل الاجتماعي، ولفتوا إلى أنّها موجهة إلى المرشد الأعلى للإمارة الإسلامية. كما لم يذكر حقاني موضوع تعليم المرأة، لكنّه قال علناً من قبل: إنّه يجب السماح للنساء والفتيات بالذهاب إلى المدارس والجامعات.

بودار الانشقاق

في أول ردّ فعل على تصريحات حقاني، قال ذبيح الله مجاهد، المتحدث باسم حكومة كابل: إنّ السريّة هي الطريقة المثلى لتوجيه الانتقادات. وأضاف: "إذا انتقد شخص ما الأمير أو الوزير أو أيّ مسؤول آخر، فمن الأفضل، بحسب الأخلاق الإسلامية، أن يعرب عن انتقاده له بشكل مباشر وسرّي، وليس علناً.

بدوره، انتقد نائب رئيس الوزراء في حكومة طالبان عبد السلام حنفي، بشكل غير مباشر، حظر تعليم النساء والفتيات، في خطاب ألقاه في كابل الأسبوع الماضي، حيث قال: "إذا لم نحسّن نوعية وكمية نظام التعليم ولم نحدّثه، فلن ننجح أبداً". وأضاف أنّ واجب علماء الإسلام يتطلب أكثر من حظر سلوك أو ممارسة، بل يجب عليهم أيضاً أن يقدّموا حلاً ومساراً للمضي قُدماً.

الحكومة الأمريكية أعلنت عن مكافأة قدرها (10) ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عن سراج الدين حقاني، لتورطه في شنّ هجمات على القوات الأمريكية والمدنيين الأفغان

وأضاف رشيد أنّ الوحدة أولوية بالنسبة إلى طالبان في مواجهة ما يرونه تهديدات من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، ومن المشكوك فيه أن يكون هناك "أيّ نوع من التمرد" داخل صفوف طالبان. لكنّه قال إنّ أولئك في قيادة طالبان، الذين يتعاملون مع عبء قيادة الحكومة، أدركوا أنّهم لا يستطيعون الاستمرار على هذا النحو".

جدير بالذكر أنّ حظر تعليم النساء أثار ضجة دولية شرسة، بعد أن عزلت طالبان النساء من معظم الوظائف، وأبعدت الفتيات عن المدارس الإعدادية والثانوية، وكذلك عن المنتزهات. وأمروا النساء بارتداء الملابس من الرأس إلى أخمص القدمين في الأماكن العامة؛ ممّا زاد من عزلة أفغانستان في وقت ينهار فيه اقتصادها، ويزيد من تفاقم الأزمة الإنسانية في البلاد.

المرشد الخفيّ

يقول الكاتب الأفغاني رحيم فايز في تقرير له على موقع (The Diplomat): إنّ أخوندزادة، وهو رجل دين إسلامي، نادراً ما يظهر في الأماكن العامة، ونادراً ما يغادر مقره شديد الحراسة في مقاطعة قندهار الجنوبية.

ويحيط المرشد الأعلى نفسه برجال دين متشددين، وزعماء قبائل يعارضون عمل المرأة وتعليمها، ولا توجد سوى صورة واحدة معروفة له عمرها أعوام. وقد جاء أخوندزادة إلى كابل مرة واحدة فقط، منذ استيلاء طالبان على السلطة؛ لإلقاء خطاب أمام تجمع من رجال الدين الموالين للحركة، لكنّه لم يظهر في التغطية الإعلامية للحدث.

نائب رئيس الوزراء في حكومة طالبان عبد السلام حنفي

بدوره، يقول مايكل كوجلمان، نائب مدير برنامج آسيا، المساعد البارز لجنوب آسيا في مركز ويلسون، في تصريحات خصّ بها (The Diplomat): إنّ طالبان تتعامل عادة مع الخلافات الداخلية من وراء الكواليس، ممّا يعني أنّ تصريحات حقاني تُعدّ تصعيداً كبيراً، مؤكداً أنّ المجموعة التي تحكم في كابل، وتتحكم بأعباء التعامل مع العالم الخارجي، تختلف كليّاً في رؤيتها عن مجموعة قندهار الأكثر تشدداً.

تشير تقارير إلى أنّ حقاني نجح في التكيف سريعاً مع ضرورات الحكم بعد عقدين من القتال، وأنّه بات أكثر مرونة تجاه الإصلاحات الضرورية لمستقبل الحركة

من جهته، قال توريك فرهادي، المسؤول الأفغاني السابق والمحلل السياسي، لإذاعة صوت أمريكا: إنّ حركة الإصلاح يجب أن تجمع القوة من داخل طالبان لحمل أفغانستان على فتح مدارس للبنات، والسماح للنساء بالعودة إلى العمل. وأضاف فرهادي: "لا أحد يستطيع أن يقوم بهذا إلّا طالبان أنفسهم، وعامل الوقت مهم؛ لأنّ الفتيات المراهقات فقدن أكثر من عام دراسي، والمزاج العام لليأس يشجع الشباب المتعلم على الهجرة خارج البلاد".

جناح حقاني

يقود حقاني فصيلاً من حركة طالبان يُعرف بشبكة حقاني، ويضم أفراد العائلة التي تتركز في خوست، إضافة إلى حلفائها. واشتبكت هذه المجموعة من قبل مع قوات حلف شمال الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة، وقوات الحكومة الأفغانية السابقة لأعوام، وعرف عنها العنف بشن هجمات على المدنيين، والقيام بتفجيرات انتحارية في كابل.

وكانت الحكومة الأمريكية قد أعلنت عن مكافأة قدرها (10) ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عن سراج الدين حقاني، لتورطه في شنّ هجمات على القوات الأمريكية والمدنيين الأفغان.

لكنّ تقارير أخرى تشير إلى أنّ حقاني نجح في التكيف سريعاً مع ضرورات الحكم، بعد عقدين من القتال، وأنّه بات أكثر مرونة تجاه الإصلاحات الضرورية لمستقبل الحركة، بينما يشير البعض إلى تطلعه إلى الحكم، وإزاحة المرشد الأعلى.

وربما يدعم تلك الرؤية تصريحات حقاني نفسه، الذي قال وسط أنصاره الأسبوع الماضي إنّ إدارة طالبان يجب أن تكفّ عن تبنّي سياسات من شأنها دق إسفين بين النظام الحاكم والشعب، ممّا يسمح للآخرين باستغلاله للتشهير بالإسلام".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية