هل فقدت البعثة الأممية في ليبيا مصداقيتها؟ 

هل فقدت البعثة الأممية في ليبيا مصداقيتها؟ 


16/03/2022

تتعامل البعثة الأممية للدعم في ليبيا، وعلى رأسها مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة بشأن ليبيا، ستيفاني ويليامز، بوصايةٍ على الشعب الليبي، ولهذا لم تقبل بالمرة الوحيدة التي توافق فيها معظم الليبيين على حلّ أزمتهم بأنفسهم، فعملت البعثة والسيدة ويليامز على تخريبها، بطرح مبادرة فجائية تعرقل خريطة الطريق التي توافق عليها مجلس النواب ومجلس الدولة.

وجاءت المبادرة كرفضٍ غير مباشرٍ لجهود الحلّ الليبي الليبي، والذي توافق على خريطة طريق تتضمن سلطة تنفيذية جديدة، برئاسة فتحي باشاغا، وتعديل دستوري، ثم خطوات لتنقيح الدستور والاستفتاء عليه، وصولاً إلى انتخابات عامة حقيقية، بدلاً من فرض الانتخابات من الخارج، كما تفعل البعثة الأممية، والتي سيكون مصيرها الفشل، كما حدث في موعد 24 كانون الأول (ديسمبر) الماضي.

هدّد حراك شعبي في منطقة الهلال النفطي بإغلاق الحقول النفطية ما لم يتخلَّ الدبيبة عن السلطة، ويتم وقف نزيف المال العام على يد حكومته والمقربين منه 

مبادرة ويليامز

وعقب يومٍ واحدٍ من أداء الحكومة الليبية الجديدة، برئاسة فتحي باشاغا اليمين الدستورية أمام مجلس النواب، خرجت ستيفاني ويليامز بمبادرة على الشعب الليبي، في الرابع من الشهر الجاري، تنسف ما تمّ إنجازه خلال شهرين ونيف من المحادثات الليبية - الليبية، منذ تشكيل لجنة خريطة الطريق من مجلس النواب، في نهاية شهر كانون الأول (ديسمبر) الماضي، بعد تعذّر إجراء الانتخابات العامة؛ الرئاسية والبرلمانية، في موعدها السابق.

وعقدت لجنة خريطة الطريق اجتماعات مع مختلف القوى السياسية والمؤسسات، وعلى رأسهم المجلس الأعلى للدولة، بقيادة خالد المشري، والذي تهيمن عليه جماعة الإخوان المسلمين الليبية، وهيئة صياغة الدستور، وخلصت إلى توافق بين المجلسين، وهما الجسمان المعبران عن أطراف النزاع في البلاد.

 وقام مجلس النواب بالتصويت بالموافقة على خريطة طريق، في السابع من شباط (فبراير) الماضي، وتضمّنت؛ إجراء الانتخابات في مدة أقصاها 14 شهراً، والتوافق على تعديل دستوري مع مجلس الدولة، وبعد ذلك تكليف رئيساً جديداً للحكومة.

وفي العاشر من الشهر نفسه، وافق المجلس على تعديل الفقرة 12 من المادة 30 من الإعلان الدستوري المؤقت لعام 2011، والتي توضح كيفية الوصول للانتخابات؛ إما عبر إقرار دستور دائم يتمّ الاستفتاء عليه، أو عبر وضع قاعدة دستورية من لجنة مشكلة من مجلسي النواب والدولة، لإجراء الانتخابات وفقاً لها لدورة انتخابية واحدة، لتتطلع السلطة التشريعية الجديدة بمهمة كتابة دستور البلاد.

المستشار العجيلي: المبادرة خبيثة وسيئة النية

وتضمّنت مبادرة مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة، دعوة مجلسي النواب والدولة لترشيح 12 عضواً مناصفةً، للاتفاق على قاعدة دستورية لإجراء الانتخابات، دون تحديد إنّ كانت النيابية فقط أم النيابية والرئاسية، على أن تبدأ عملها منتصف الشهر الجاري. وقالت ويليامز: "حلّ الأزمة الليبية ليس في تشكيل إدارات متنافسة ومراحل انتقالية دائمة".

وتعليقاً على ذلك، يقول المستشار القانوني والمحامي الليبي، فرج العجيلي: "يحرص المجتمع الدولي؛ الأمم المتحدة وعلى رأس البعثة مستشارة الأمين العام، ستيفاني ويليامز على إدارة الأزمة الليبية وليس حلّها. ويُفهم من مبادرة ويليامز أنّها تعيد الحياة لحكومة الدبيبة، وتعطيها نوعاً من الدعم المعنوي والدولي".

معاداة الحلّ الليبي

وكان مجلس الدولة تراجع عما توافق عليه مع مجلس النواب بشأن خريطة الطريق، وعاد إلى طرح فكرة تكوين لجنة مشتركة مع النواب للاتفاق على قاعدة دستورية لإجراء الانتخابات النيابية وفقاً لها، وجدّد تمسّكه ببقاء حكومة الدبيبة، وإنّ بشكلٍ غير مباشر. 

وجاءت مبادرة ويليامز متوافقة مع ما يريده المجلس.

وفي حديثه لـ "حفريات"، كشف المحامي العجيلي تناقض مواقف ويليامز قائلاً: "المبادرة خبيثة وسيئة النية، وقبل تكليف باشاغا أيدت ويليامز خطوات البرلمان في هذا الصدد، وأكّدت على حقّه في ذلك، وتعهّدت باحترام ما يخرج عن البرلمان، ثم عادت لترفض ما وصل إليه البرلمان، ولهذا لا أثق في البعثة ولا ممثليها، وأثبتت التجارب أنّها ليست نزيهة بالقدر الذي تدعيه".

اقرأ أيضاً: كيف سيدخل العاصمة طرابلس؟.. باشاغا يستجيب للدعوات الدولية

وأيّد المحلّل السياسيّ الليبيّ، هيثم الورفلي، ما سبق، وقال: "كان من المفترض أنّ تدعم البعثة مسار خريطة الطريق، الذي يذهب للانتخابات في مدة 14 شهراً، وأن تعمل على استكمال ذلك وتحقيقه، لكنّ البعثة عن طريق ويليامز خرجت بمبادرةٍ جديدة، وتريد الدخول في حوار ولقاءات لا تسمن ولا تغني من جوع".

ولفت الورفلي، في تصريح لـ "حفريات"، إلى أنّ "البعثة تخشى على دورها من التوافق الليبي؛ فاستلام باشاغا المُكلف من مجلس النواب، والمدعوم من القيادة العامة السلطة يعني انتهاء أيّ دور للبعثة، ولهذا تعمل على استمرار الوضع الراهن، ليبقى الجميع في حاجةٍ إلى دورها".

استثمار الحرب في أوكرانيا

ورحّب المجلس الأعلى للدولة بالمبادرة الأممية، بينما رفضها مجلس النوّاب، ووقّع 93 نائباً مذكرةً توضيحيةً، أُرسلت إلى ويليامز جاء فيها: "المبادرة أتت بشكل مفاجئ، وتُعدّ مساراً موازياً غير مبررٍ، خصوصاً بعد الذي تمّ التوصل إليه من توافق ليبي ليبي بين المجلسين، تُوِّج بإصدار التعديل الدستوري الثاني عشر".

أبو أسعيدة: الدبيبة يتمسك بالسلطة لمعرفته التامة بانشغال العالم بأزمة أوكرانيا

ومن زاويةٍ أخرى، يرى المحلل السياسي الليبي، عمر بو أسعيدة، أنّ هدف مبادرة ويليامز: "المماطلة وكسب الوقت وعدم حدوث المواجهة المباشرة بين الميليشيات الموالية للدبيبة وقوات فتحي باشاغا، حتى لا يحدث أيّ توتر وحرب في ليبيا، في هذا التوقيت الحساس لأوروبا وأمريكا بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا".

وتابع بو أسعيدة، لـ "حفريات": "يعلم الدبيبة هذا الظرف، ويتمسك بالسلطة لمعرفته التامة بانشغال العالم بأزمة أوكرانيا، ويعزز موقفه بدفع الأموال للعديد من الميليشيات لضمان ولائها، ويقوّي شعبيته بإغراء الشباب بوعودٍ وهميةٍ؛ مثل إعطاء قروض سكنية، وتوزيع قطع الأراضي والشقق السكنية".

مصير حكومة باشاغا

وتُترجم المبادرة الأممية والتأييد الأوروبي لها ودعوتهم إلى عدم الانجرار إلى العنف، بالاعتراف ببقاء الحكومة التي يقودها عبد الحميد الدبيبة، رغم انتهاء تفويضها الذي منحه لها البرلمان، وعدم الاعتراف بخريطة الطريق التي صدرت عن البرلمان، والدفع مرةً ثانيةً نحو الانتخابات.

وفي مفارقةً تشكك في نوايا البعثة الأممية والدور الأمريكي الغربي، هدّد بيان السفارات الغربية الخمس في طرابلس (أمريكا، فرنسا، بريطانيا، إيطاليا، وألمانيا) بفرض عقوباتٍ على معرقلي الحلّ السلمي، وزعزعة الاستقرار، في إشارةٍ إلى أية تحرّكات لاستلام فتحي باشاغا السلطة. 

وكان الأخير قد حاول دخول طرابلس برفقة قوة مسلحة، الجمعة الماضية، قبل أن ينسحب منعاً للصدام مع الميليشيات الداعمة للدبيبة، وبعد تدخل البعثة الأممية والسفير الأمريكي، وقبل ذلك هددت السفارات نفسها بالعقوبات على معرقلي الانتخابات، ثم تركت الحكومة المنتهية ولايتها تعرقلها دون تدخّل.

المستشار القانوني فرج العجيلي لـ "حفريات": حرص المجتمع الدولي، الأمم المتحدة وعلى رأس البعثة مستشارة الأمين العام، ستيفاني ويليامز على إدارة الأزمة الليبية وليس حلّها

ويتوقع المحلل الورفلي؛ أنّ "الاتفاق على صفقةٍ مربحة ٍ بين باشاغا والدبيبة، في حال حصول الثاني على ضمانات بعدم ملاحقته وفتح ملفات فساده، وكذلك عدم وجود موانع من ترشحه للانتخابات الرئاسية".

وكان المبعوث والسفير الأمريكي، ريتشارد نورلاند، قد أعلن استجابة باشاغا والدبيبة لوساطة برعاية البعثة الأممية لحلّ الأزمة بينهما، وشدّد على أنّ "إدارة المراحل النهائية من فترة الحكم الموقت هذه، والاستعداد لانتخابات برلمانية ورئاسية في أقرب وقت ممكن".

الورفلي: البعثة تخشى على دورها من التوافق الليبي

ومن جانب آخر، هدّد حراك شعبي في منطقة الهلال النفطي بإغلاق الحقول النفطية ما لم يتخلَّ الدبيبة عن السلطة، ويوقف نزيف المال العام على يد حكومته والمقربين منه. 

وكانت تركيا قد أعلنت عن دعمها لحكومة الدبيبة، وذلك على لسان وزير خارجيتها خلال مشاركة الدبيبة ووزيرة الخارجية، نجلاء المنقوش، في اجتماعات منتدى أنطاليا الدبلوماسي. وسبق أن تحدثت مصادر ليبية عن طرح تركيا وساطة بين باشاغا والدبيبة، وذكرت رفض الأخير لها، وهو ما يثير استغراب حول زيارته لأنقرة بعد رفض وساطتها.

ويعتقد المحلل السياسي الليبي، محمد قشوط، أنّ "رفض الدبيبة لوساطة تركيا جاء بالتنسيق معها".

قشوط: رفض الدبيبة لوساطة تركيا جاء بالتنسيق معها

وأضاف لـ "حفريات": "قبول باشاغا التفاوض برعاية تركية أو أمريكية بدعة تحدث للمرة الأولى في تاريخ السياسة بين حكومة مكلفة شرعية وحكومة انتهت ولايتها، والمفترض أن تسلّم السلطة. ولو ذهبنا في هذا الاتجاه وتمّ الاتفاق أخشى أن يستند باشاغا مستقبلاً عليه؛ لأنّه سيكون من أوصله إلى السلطة فعلياً، وليس تكليف مجلس النواب".

وأشار قشوط إلى أنّ "حكومة باشاغا، إن استلمت السلطة، فلن تكون بالقوة التي طمح إليها الشعب؛ لأنّه وقع في فخ الابتزاز من أطراف محلية ودولية، ستملي عليه شروطها لاحقاً". ومن المحتمل أنّ تتجه الأمور في ليبيا إلى التأزم، ومن غير المتوقع أن تنجح البعثة الأممية في تحقيق تقدم يُذكر، بعد أن باتت في نظر كثير من الليبيين مواليةً لصالح طرفٍ على حساب الآخر.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية