
لأول مرة منذ بداية انطلاق عملها المسلح قبل (37) عاماً، تلوح حماس بتفكيك جناحها المسلح "كتائب القسام"، كخطوة نحو وقف الحرب بشكل دائم على غزة وإعادة الإعمار، في الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل المراوغة في إنهاء الحرب، والإصرار على تحقيق كامل الأهداف، بما فيها القضاء على حماس، وتصاعد معاناة السكان بعد الدمار الكبير الذي حل بالقطاع.
ورغم رفضها المتكرر منذ بداية حرب الإبادة على قطاع غزة مطلع تشرين الأول (أكتوبر) 2023 التخلي عن السلاح، إلا أنّ الحركة، بعد الضربات الموجعة التي تلقتها خلال عام ونصف من الحرب، تبدي استعدادها للحديث عن سلاح المقاومة، وذلك خلال محادثات سرّية ومباشرة أجرتها الحركة مع المبعوث الأمريكي آدم بوهلر في العاصمة القطرية الدوحة، مقابل سعي واشنطن الضغط على إسرائيل لوقف الحرب وإعادة الإعمار.
حماس بدورها، على لسان رئيس المكتب السياسي خليل الحية، قال قبل أشهر قليلة خلال جولات التفاوض على المرحلة الأولى من الهدنة: إنّ الحركة مستعدة لتسليم السلاح إذا أقيمت دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران (يونيو) 1967، لكن اليوم وبعد تنصل الاحتلال من المرحلة الثانية، تعمل أمريكا من خلال المبعوث الأمريكي لشؤون الأسرى آدم بولر على إحياء المفاوضات، حيث عقد اجتماعات سرّية ومباشرة مع قادة حماس في الدوحة، وصرح بأنّ الحركة لا تعارض الحديث عن السلاح مقابل هدنة طويلة في غزة.
أوساط سياسية وعسكرية إسرائيلية أبدت غضبها من إجراء أمريكا محادثات مباشرة مع حركة حماس المصنفة إرهابية، كما شكك جنرالات وسياسيون في نوايا حماس التخلي لاحقاً عن السلاح والمقاومة، معتبرين أنّ حماس تتحايل من أجل ضمان وقف الحرب في الوقت الحالي، ومن ثم تعمل على تفعيل عملها العسكري كي لا تخسر شعبيتها.
وفي الوقت الذي تُجرى فيه محادثات حول استكمال صفقة التبادل، وبحث المرحلة الثانية من اتفاق التهدئة الذي تحاول إسرائيل التنصل منه، وتصرّ حماس على التوصل إلى اتفاق حول تلك المرحلة، تفرض إسرائيل قيوداً مشددة على السكان في غزة، من خلال إغلاق كافة المعابر التجارية ووقف إدخال المساعدات منذ الأيام الأولى من شهر رمضان؛ الأمر الذي أفرز مجاعة كبيرة وحالة من الغضب الشعبي ضد حماس التي أوصلت السكان إلى الوضع السيّئ الذي هم عليه، حيث تفرض إسرائيل مثل هذه القيود من أجل الضغط على حماس التي تسيطر على البضائع والمساعدات.
مختصون في الشأن الإسرائيلي يرون أنّ حماس تعيش ظروف صعبة للغاية؛ نتيجة الضربة التي تعرضت لها وفقدان الحركة كبار قادتها، وتوقف الدعم المالي والعسكري لها نتيجة الحصار المشدد الذي تتعرض له، إلى جانب تعرض محور المقاومة بقيادة إيران إلى هزة غير مسبوقة، بعد إضعاف الاحتلال حزب الله وقطع طرق الإمداد الإيرانية إلى جبهتي غزة ولبنان.
يقول الكاتب والمختص في الشأن الإسرائيلي عصمت منصور: إنّ "الظروف التي نشأت في أعقاب السابع من تشرين الأول (أكتوبر) كانت صادمة بالنسبة إلى حماس، والوضع الراهن يهدد بقاء حماس، والضغوط التي تمارس عليها لا تجد مخرجاً سوى إبداء مرونة عالية حيال ما تريده حكومة نتنياهو وإدارة ترامب، لذلك سمحت لأول مرة بالحديث عن سلاح المقاومة لإيجاد مخرج من الوضع الصعب الذي تعيشه غزة".
ويستبعد منصور في حديثه لـ (حفريات) أن "تتخلى حماس عن السلاح بشكل كامل، ولكن ربما خلال المرحلة الحالية يتم الاتفاق على تجميد عمل حماس العسكري ووضع السلاح تحت رقابة سواء عربية أو دولية، لكن المهم هنا ما هو المقابل للاتفاق على تجميد العمل أو تسليم السلاح، خاصة أنّ أمريكا وإسرائيل لا ترغبان بأيّ دور لحماس بعد انتهاء الحرب، وهذا يدفع حماس لتمرير المرحلة، ومن ثم تفعيل نشاطها لاحقاً".
وبسؤاله عمّا إذا كانت حماس ستخسر شعبيتها حال ألقت السلاح، أجاب منصور: "بكل تأكيد إذا لم يكن هناك ثمن سياسي من قبل إسرائيل أو إنهاء الاحتلال مقابل تسليم حماس للسلاح، فسوف تخسر كامل شعبيتها، ولا تجد أيّ مبرر مقنع لتحاول تغيير خطابها الذي نشأت عليه، لذلك على حماس إيجاد مخرج يحفظ شعبيتها إذا قبلت بتسليم السلاح".
أمّا الكاتب والمختص في الشأن الإسرائيلي عليان الهندي، فقد بين أنّ "حماس أخطأت التقدير عندما أقدمت على هجوم السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، فهي تجاهلت نتائج الهجوم التي كانت صادمة لها، وشكلت ضربة قاضية بعد أن دمر الاحتلال غزة بالكامل، وقضت إسرائيل على كبار قادة الحركة السياسيين والعسكريين، وتحتاج إلى وقت طويل من أجل ترميم صفوفها مجدداً".
وأوضح في حديثه لـ (حفريات) أنّ "قبول حماس بالحديث عن السلاح، جاء بعد الضعف الكبير الذي أصاب الحركة، وبعد أن فرض الاحتلال وأمريكا ضغوطاً قاسية عليها، وعدم وجود بدائل أمامها إلا القبول بالإملاءات، خاصة بعد قطع خطوط الإمداد عنها، وتراجع الدور الإيراني الداعم بعد الضربة القاسية التي تعرض لها حزب الله في لبنان".
ولفت إلى أنّ "حماس ستجمّد على الأقلّ عملها العسكري لأعوام، كونها بحاجة إلى إعادة ترتيب وترميم صفوفها، إلى جانب أنّ غزة تتعرض إلى ضغوط ومخططات صهيوأمريكية، وبحاجة إلى إعادة إعمار، وهذا لن يحدث إلا بتنازلات كبيرة من قبل حماس، تصل إلى حد التنازل عن سلاحها".
يُذكر أنّ الاحتلال الإسرائيلي شنّ حرباً مدمرة على غزة في أعقاب هجوم السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023، وقد وضعت الحكومة اليمينية المتطرفة في إسرائيل أهدافاً للحرب، منها القضاء على حماس، ونزع سلاح غزة، وبالرغم من التوصل إلى تهدئة مؤقتة في غزة، إلا أنّ إسرائيل ترفض إنهاء الحرب، وتصرّ على تفكيك حماس التي تعرضت لضربات موجعة.