هل تضع "مغامرة ليبيا" حداً لنهج أردوغان في المنطقة؟

هل تضع "مغامرة ليبيا" حداً لنهج أردوغان في المنطقة؟


05/07/2020

الحراك الذي جرى نهاية الأسبوع الأول من شهر أيار (مايو) 2020، بشأن الأزمة الليبية يحمل دلالات مهمة، وقد تبدّى في الزيارة المفاجئة التي قام بها وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان التركية إلى ليبيا، غداة لقاء الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بأمير قطر، تميم آل ثاني، وتزامنها مع زيارة رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، إلى موسكو، هذه الدلالات تشير إلى جملة من المتغيرات على خريطة الصراع السياسي والعسكري، في المشهد الليبي بين الجيش الوطني الليبي، وميليشيات حكومة الوفاق، المدعومة من جانب أنقرة.

تمارس أنقرة منطق الابتزاز عبر الضغط على أوروبا في سبيل إحكام نفوذها على الساحل الليبي

تأتي قراءة تلك الزيارات على أكثر من مستوى، في إطار التطورات الأخيرة التي لحقت بالمشهد الليبي، إقليمياً ودولياً، وهو ما تجلّى في سياق تصاعد الضغوط الدولية على أنقرة، بعد أن أثار تدخلها إدانات عديدة، أوروبية وعربية، وفي ظل مطالبات بضرورة وقف إطلاق النار، مع حث تركيا على وقف التدخل العسكري، والانسحاب من ليبيا.

تصاعدت حدة هذه المطالبات، على خلفية التصريحات الأخيرة التي أطلقها الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، نهاية شهر حزيران (يونيو) الماضي، وأعلن فيها أنّ مدينتي سرت والجفرة خط أحمر، لن تسمح القاهرة بتجاوزه، ما استلزم من أنقرة والدوحة مراجعة الأمر سياسيّاً، بالتقاء أردوغان بالشيخ تميم في الدوحة، وميدانياً من خلال لقاء وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان، مع حكومة الوفاق في طرابلس.

هل يدقّ أردوغان طبول الحرب؟

ثمة مؤشرات لتصريحات المسؤولين الأتراك، على خلفية الزيارتين، تذهب باتجاه تعزيز اتخاذ قرار معركة "سرت"، ودخوله حيز التنفيذ، ودعم ذلك بتحرك أهم قيادتين في أيّ مؤسسة عسكرية نحو مسرح الأحداث، على عكس ما تفرضه الظروف الإقليمية والدولية من مواقف، من المفترض أن تتماهى والضغوط المستمرة على تركيا، بغية توقف الأعمال العسكرية، والعودة إلى طاولة الحل السياسي بين العناصر المكوّنة للنسيج الليبي، وهو الأمر الذي نستطيع أن نلتقطه من الموقف الأوروبي، خاصة حرب التصريحات الأخيرة فيما بين أنقرة وباريس، ومحددات الصراع بين واشنطن وموسكو، على خريطة تفاعلات الشرق الأوسط، لا سيّما أنّ الأخيرة، رغم انخراطها غير المباشر في الصراع الميداني على الأراضي الليبية، أعلنت على لسان وزير خارجيتها، سيرجي لافروف، عن استئناف أنشطة السفارة الروسية في ليبيا، من خلال تونس، والمتوقفة منذ العام 2013.

اقرأ أيضاً: الموت الدماغي للناتو: أردوغان يلعب بالخطر ويواصل الانتهاك

رغم صعوبة المشهد الليبي منذ سقوط العقيد معمر القذافي في أعقاب حراك شباط (فبراير) من العام 2011، وما تلا ذلك من اندلاع أعمال عسكرية، وتوطن جماعات جهادية وتنظيمات إرهابية، انخرطت في أعمال القتال بين الفرقاء، بيد أنّ الانخراط التركي المباشر نحو مسرح الأحداث في ليبيا، عبر توقيع اتفاقيات اقتصادية وأمنية وعسكرية مع حكومة السراج، ألقى بمزيد من التعقيدات على المشهد الليبي، جرّاء التفاعلات الإقليمية والدولية، في الشرق الأوسط، الذي تشتعل أطراف عديدة منه، تتماس بشكل مباشر مع المصالح الدولية والإقليمية، فضلاً عن خرقها المباشر لمقتضيات الأمن القومي العربي، بمستوياته المتباينة، وأولوياته المتعددة، بحسب كل دولة.

ليبيا ساحة للصراع الإقليمي

يعكس المشهد الليبي، بكلّ تفاعلاته المباشرة، ميدانياً وعسكرياً، وغير المباشرة سياسياً ودبلوماسياً، تحركات اللاعبين الإقليميين والدوليين، على مسرح التنافس والصراع؛ من أجل حيازة النفوذ مرّة، وكبح نفوذ الآخرين مرّات أخر، وما بينهما، تتجلى مساحات من الحقيقة، وتتكشف غيوم الأهداف الخفية والمستترة، ويبدو الصراع فيما بين تلك القوى مفتوحاً نحو أفق متباينة.

اقرأ أيضاً: لماذا يقف أردوغان على أطرافه في العراق؟

في جانب رئيسي من تلك الأحداث، يمكننا مطالعة قوس الصراع، وهو في انزياح نحو عدد من التأويلات، فيما بين القاهرة وأنقرة، وقد اتخذ منسوبه في التصاعد عبر ملفات متباينة، منذ سقوط حكم الإخوان المسلمين بمصر، وتضاعف وتيرة ذلك، منذ الانخراط المعلن لأردوغان داخل المشهد الليبي، بدعم حكومة الوفاق، وجلب المرتزقة، والإعلان عن قواعد عسكرية؛ برية وبحرية، على الأراضي الليبية، بيد أنّ واقع الأمر يشي بأنّه كلما واجه الشرق الأوسط مخططات جديدة لتشكيله، ورسم ملامح واقعه ومستقبله، وصياغة التفاهمات حول مناطق النفوذ اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، فإنّ ثمّة صراعاً يفرض حضوره بين مصر وتركيا، وذلك أمر يرتبط بالتاريخ، ويمتد واقعياً نحو حقائق الجغرافيا.

اقرأ أيضاً: التحرك التركي في ليبيا: هل اقتربت معركة سرت؟

مطالعة ذلك تتبدى عقب كشف السيسي، عن "إعلان القاهرة" بداية حزيران (يونيو) الماضي، وتباين ردود فعل المسؤولين الأتراك، وتبدل الأدوار فيما بينهم، إذ رفضت أنقرة إعلان القاهرة، الذي تضمّن مبادرة لوقف إطلاق النار، وإطلاق عملية سياسية في ليبيا، وجاءت تصريحات أردوغان مناهضة للإعلان، كما استنكر التأييد الروسي للمبادرة.

اقرأ أيضاً: كيف فضح فيلم "شوغالي" إرهاب ميليشيات السراج لابتزاز روسيا؟

بينما جاء تصريح وزير الخارجية التركي، مولود تشاويش أوغلو، ليحمل أكثر من تصوّر وموقف؛ إذ أبدى رفض أنقرة للإعلان، وصرّح بأنّ "مسعى وقف إطلاق النار مات في مهده"، بينما عبّرت تصريحات أخرى له عن هامش المناورة، حول موقف القاهرة، وكأنّه يبحث في فضاء الخلافات والاشتباكات عن منطلقات للحوار عبّر عنها بقوله: إنّ "الطريقة الأكثر عقلانية لعودة العلاقات التركية المصرية، تكون عبر الحوار والتعاون مع تركيا، بدلاً من تجاهلها".

أردوغان وسياسة الابتزاز

يتّسق ذلك كله مع منطق الابتزاز الذي تمارسه أنقرة، عبر الضغط على أوروبا من خلال سعي أردوغان إلى إحكام نفوذه على الساحل الليبي، بحيث يجعل أوروبا في مجابهة أخطار التنظيمات الإرهابية، وتدفق اللاجئين غير الشرعيين، في إطار استنساخ الاتفاق الذي أبرمته تركيا مع الاتحاد الأوروبي، بشأن اللاجئين السوريين، والذي عُرف باسم "إعادة القبول"، وقد أبرم في العام 2016، ويقضي بإنهاء تدفق الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا، وحصلت بموجبه أنقرة على ما يقارب السبعة مليارات دولار، من الدول الأوروبية، وفي مقدمتها فرنسا وألمانيا.

يعكس المشهد الليبي بكلّ تفاعلاته المباشرة وغير المباشرة تحركات اللاعبين الإقليميين والدوليين بالمنطقة

تدرك القاهرة مخاطر توسّع الدور التركي وتغوّله في العمق الليبي، ومدى التداعيات الخطيرة جرّاء ذلك الأمر على الأمن القومي المصري، وفق ما ورد في تصريحات السيسي الأخيرة بهذا الشأن، وانعكس أثرها خلال الأيام الأخيرة من شهر حزيران (يونيو) الماضي، على تصريحات المسؤولين الأتراك، وظهرت تبعات ذلك في التحركات الأخيرة؛ لإدراك أنقرة وصول الملف الليبي إلى ذروة التعقيد، وأنّ العالم يقف منتبهاً في تلك اللحظة لحجم المخاطر الناجمة عن التغوّل التركي في ليبيا، وانزلاق المواجهة العسكرية المباشرة بين تركيا ومصر داخل حيز التنفيذ، ومدى تبعات ذلك على المنطقة إقليمياً ودولياً.

اقرأ أيضاً: هكذا خطط أردوغان للبقاء في الرئاسة مدى الحياة

التأويلات الناتجة ماتزال مفتوحة، وتنبئ بتعقد المشهد السياسي باتجاه التعامل الخشن فيما بين أنقرة والقاهرة، على تخوم الملف الليبي، أو استمرار نمط صراع الكرّ والفرّ، الممتد بين اللاعبين الإقليميين والدوليين في المدى المتوسط، إلا أنّ واقع الأمر يؤكد أنّ تعدد تورّطات أردوغان، في ملفات الشرق الأوسط، بكلّ ما تحمله من تناقضات وتشابكات، سيخطّ حتماً بداية النهاية لهذا النهج الاستعلائي.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية