هل تصلح سياسة العقوبات سلوك أردوغان؟

هل تصلح سياسة العقوبات سلوك أردوغان؟


20/01/2021

إنجي مجدي

فيما يبدو محاولة لتهدئة التوتر غير المسبوق بين أنقرة والعواصم الغربية، اتخذ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تحركات تتناقض مع تصعيده الخطابي السابق ضد حلفائه، وإصراره التقارب مع موسكو على حساب علاقات بلاده مع دول حلف شمال الأطلسي (الناتو).

فعشية العام الميلادي الجديد، بعث أردوغان بخطاب إلى نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون يعرب فيه عن تعازيه في ضحايا هجمات عدة استهدفت فرنسا العام الماضي، وهو ما قوبل بخطاب إيجابي من الأخير، وذلك بعد عام مليء بالتوتر وتبادل الخطابات الهجومية بين أنقرة وباريس في شأن عدد من القضايا الدولية، بما في ذلك غاز المتوسط وسوريا وليبيا وناغورنو قره باغ، فضلاً عما يتعلق باستراتيجية فرنسية لمواجهة التطرف بالداخل التركي.

وفي حين أصرت أنقرة على شراء نظام الدفاع الصاروخي الروسي "إس-400" في مواجهة رفض واشنطن وحلفائها في الناتو، مما دفع الولايات المتحدة لاستبعاد تركيا من برنامج مقاتلات "إف-35"، سعى أردوغان من خلال تعليقات للصحافيين في إسطنبول الجمعة الماضية، إلى تهدئة التوتر معرباً عن آماله بإجراء محادثات مع الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن في شأن الأمر، واتخاذ إجراءات إيجابية تنطوي على عودة الأمور لمسارها الصحيح.

ويقول مسؤولون أتراك، إن روسيا لن تحصل على أية معلومات عسكرية حساسة تتعلق بحلف شمال الأطلسي نظراً إلى أن نظام الدفاع الصاروخي "إس-400" لن يتم دمجه مع البنية الصاروخية والجوية الخاصة بالحلف. وأضافوا أن تركيا اضطرت إلى شراء الأنظمة المثيرة للجدل، التي تم اختبارها في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بعد رفض الولايات المتحدة السماح لها بشراء أنظمة باترويت الأميركية.

العقوبات والاقتصاد

هذا التراجع عن النهج التصادمي الذي اتبعه طويلاً الرئيس التركي يعود إلى سياسة العقوبات التي ألمت بأنقرة في وقت تمر فيه البلاد بوضع اقتصادي متفاقم، إذ شهدت البلاد ارتفاعاً غير متوقع لمعدل التضخم بلغ 14 في المئة في نوفمبر (تشرين الثاني) مع توقعات بتجاوز هذا الحد، فضلاً عن تراجع قيمة الليرة التي هبطت إلى نحو أكثر من 30 في المئة مقابل الدولار، جنباً إلى جنب مع ارتفاع معدل البطالة.

ووفقاً لاستطلاع رأي أجرته وكالة "رويترز" بين متخصصين اقتصاديين، بلغ متوسط التقديرات للتضخم السنوي في ديسمبر (كانون الأول) 14.20 في المئة، ومن ثم فإن العقوبات الدولية ستكون أكثر خطورة على الاقتصاد التركي.

وفي ديسمبر الماضي، أقر الاتحاد الأوروبي حزمة عقوبات ضد تركيا بسبب ما وصفه بـ "أنشطتها الأحادية والاستفزازية في شرق البحر المتوسط" وسط إصرار أنقرة على التنقيب عن الطاقة في المياه التي تقع ضمن السيادة القبرصية واليونانية، وأرسلت مراراً خلال العام الماضي سفينة التنقيب "عروج ريس". وبموجب القرار الذي اتُخذ خلال قمة المجلس الأوروبي، يجرى إعداد قائمة موسعة من الأفراد الأتراك لفرض عقوبات، إذ دعا المجلس إلى اعتماد قوائم إضافية بناء على قرار صادر في 11 نوفمبر 2019 بشأن التدابير التقييدية في ضوء أنشطة التنقيب التركية غير المصرح بها شرق المتوسط.

وبحسب قرار العام 2019، تشمل العقوبات حظر السفر إلى دول الاتحاد الأوروبي وتجميد أصول أشخاص من الحكومة التركية وتجميد أصول كيانات. وفي فبراير (شباط) 2020، تم فرض العقوبات على نائب الرئيس ونائب مدير قسم الاستكشاف في شركة البترول التركية (تباو). 

وتأتي عمليات التنقيب التركية "غير القانونية" عن النفط في مناطق السيادة القبرصية واليونانية ضمن ما يعرف باستراتيجية "الوطن الأزرق" التي تنطوي على أهداف للسيطرة التركية ترتكز على جانبين، يتعلق الأول بمصادر الطاقة، وهي البحار الثلاثة التي تحيط بتركيا، المتوسط وإيجة والأسود، بينما الجانب الثاني استراتيجي، ويشمل البحر الأحمر وقزوين والعرب، بما في ذلك الخليج العربي. ويعتمد تنفيذ هذه الاستراتيجية على الهيمنة البحرية التركية في هذه المناطق، بما في ذلك السيطرة على مكامن النفط والغاز. 

العقوبات التي حلت على أنقرة لم تقتصر على الجانب الأوروبي، ففي 14 ديسمبر الماضي فرضت واشنطن عقوبات على الوكالة الحكومية التركية المكلفة بشراء الأسلحة، بموجب قانون مكافحة خصوم أميركا عن طريق العقوبات (كاتسا)، لشرائها نظام الصواريخ الروسية "إس-400" المضادة للطائرات، ووافق مجلس الشيوخ الأميركي بغالبية كبيرة على قانون تفويض الدفاع الوطني لعام 2021، الذي يتطلب من الرئيس فرض عقوبات ضد تركيا لشرائها النظام الصاروخي الروسي في غضون 30 يوماً من تمرير القانون في الكونغرس.

وبحسب تقارير الصحافة الأميركية، أظهرت التقديرات المالية الأولية أن أكثر من ملياري دولار من العقود يمكن أن تتأثر بعقوبات "كاتسا"، وهو ما يعادل خمسة في المئة من التجارة الأميركية - التركية، لكن التأثير قد يكون أوسع كما اتضح في حالات العقوبات الأخرى.

أداة العقوبات

يقول مدير السياسة العامة والاستراتيجية لدى مركز "سي يو إف أي أكشن فاند" للأبحاث في واشنطن، بوريس زيلبرمان، إن أداة العقوبات طالما كانت الأكثر فعالية في التعامل مع الرئيس التركي، وهو ما ثبت في الإفراج عن القس الأميركي أندرو برانسون الذي كان محتجزاً لدى أنقرة عام 2018، وكذلك استخدمت روسيا الأداة ذاتها بعد إسقاط الأتراك طائرة عسكرية روسية.

ومن المتوقع أن يستمر الكونغرس الأميركي في الضغط من أجل اتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه أنقرة. فبحسب زيلبرمان، شهدت السنوات الأربع الماضية جهوداً من الحزبين لفرض موقف أكثر صرامة ضد أنشطة تركيا الخبيثة، التي تقف وراء فرض إدارة الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترمب عقوبات (كاتسا)، والتأكد من طرد تركيا من برنامج مقاتلات "إف-35". ونفذ الكونغرس أيضاً حظر أسلحة بحكم الأمر الواقع، وإضافة إلى ذلك قوبل العدوان التركي على حلفاء الولايات المتحدة بما في ذلك اليونان وقبرص وإسرائيل بتشريعات تشجع التعاون بين هذه الرباعية الناشئة.

وفي حين نجح أردوغان في تقديم نفسه للرئيس الأميركي المنتهية ولايته كشرطي للمنطقة، يمكنه التدخل في سوريا وليبيا وحتى في القوقاز ضد الأرمن، فإنه من غير المتوقع أن تسير الأمور على هذا النحو في ظل إدارة بايدن، إذ يرى مراقبون أن السنوات الأربع المقبلة بالنسبة لتركيا وعلاقتها بواشنطن ستكون مختلفة تماماً عن نظيرتها الماضية.

وقال المسؤول السابق في البنتاغون والباحث المقيم في معهد أميركان إنتربرايز، مايكل روبين، لشبكة "سي.إن.بي.سي"، "الشيء الوحيد الذي جعل العلاقة متماسكة على مدى السنوات الماضية هو علاقة ترمب الشخصية مع أردوغان. بعد رحيل الأول يجب أن يكون الأخير قلقاً جداً".

وهناك كثير من الأمور التي يمكن أن تصبح محل توتر كبير بين واشنطن وأنقرة، بينها تلك المعنية بحقوق الإنسان في تركيا، والذي طالما انتقده الديمقراطيون. وقد وصف بايدن نظيره التركي في هذا الصدد بـ "المستبد" خلال حوار مع صحيفة نيويورك تايمز مطلع العام الماضي، إضافة إلى العمل العسكري ضد الأكراد في شمال سوريا ودعم حكومة أردوغان للجماعات المتطرفة في سوريا التي تصرّ أنقرة على أنها ليست إرهابية بل ضرورية لحماية مصالحها في المنطقة.

ومع ذلك، فإن ما يبدو من سعى تركيا للتهدئة تحت وطأة العقوبات ربما يكون فرصة جيدة للأوروبيين والإدارة الأميركية الجديدة على حد سواء في ترويضها والاستثمار فيها كشريك مهم، فبحسب كبير محللي الأسواق الناشئة لدى مؤسسة "بلو باي أست مانجمينت"، تيموثي آش، فإن تركيا شريك استراتيجي مهم لأوروبا والولايات المتحدة، لا يريدان فقدانها لمصلحة روسيا والصين".

عن "اندبندنت عربية"


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية