تضمنت شروط وقف إطلاق النار في لبنان تجريد الجماعات المسلحة من السلاح، وعدم حمل أيّ جهة غير رسمية السلاح، ليكون بذلك حق التسليح مكفولاً فقط للجيش اللبناني في الجنوب. وكان تجريد الجماعات المسلحة من السلاح هو الهدف الذي تعلنه إسرائيل منذ بداية الحرب، وأول شرط وضعته على مائدة المفاوضات، وقد أكد رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، خلال المفاوضات مع المبعوث الأمريكي عاموس هوكشتين، أنّ الحديث عن تجريد الجماعات المسلحة من السلاح أم غير قابل للطرح.
وأشار نبيه بري في كلمته التي ألقاها بعد قرار وقف إطلاق النار يوم الأربعاء 27 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي إلى بداية جديدة يتم فيها نزع السلاح عن الجماعات المُسلحة، وشدد نجيب ميقاتي رئيس حكمة تصريف الأعمال على استعداد السلطة لتعزيز انتشار الجيش اللبناني في الجنوب.
وتوقيع مثل هذا الاتفاق وتراجع حزب الله عن رفضه لشرط نزع السلاح، الذي جاء به قرار مجلس الأمن رقم (1701) في 11 آب (أغسطس) 2006، يعبّر عن هزيمة الحزب في الداخل اللبناني، وضعف شعبيته، بالتوازي مع هزيمته العسكرية التي شهدها العالم أجمع.
حزب الله والمقاومة
في تصريحات لأستاذ الفلسفة بالجامعة اللبنانية الدكتور خالد كموني لـ (حفريات) حول حزب الله والمقاومة اللبنانية أكد كموني أنّ "نشأة حزب الله كحزب تبنّى فكرة المقاومة ليست نشأة بريئة، فالنشأة البريئة قوامها مقاومة شعبية تتسلح تسليحاً ذاتياً، ويكون لديها مشروع وطني بالكامل، لذلك ما قام به حزب الله هو الانتماء للمشروع الإيراني الذي قاده الخميني، وحاول إقامة هذا المشروع في لبنان"، فحزب الله منذ نشأته يعبّر عن الإرادة الإيرانية، وليس اللبنانية، وهذا ما قاله أمين عام الحزب الراحل حسن نصر الله مرات عديدة بصراحة شديدة.
ويعبّر انتماء أيّ فصيل سياسي لدولة أخرى غير الدولة التي يعمل تحت مظلتها عن اختراق أمني وسياسي لهذه الدولة، وتفتيتاً لسيادتها، وهذا ما أقرّه كموني في قوله: "تؤثر هذه المسألة على نشأة الدول وتقدمها، لأنّ هناك مجموعة من أبناء الوطن تكون قد ارتبطت بأهداف دولة أخرى، هذه هي المصيبة الكبرى، فانتماء المقاومة إلى طرف خارج الوطن يحجب عنها الكثير من الفرص للالتقاء مع أبناء هذا الوطن، وهذا خطأ استراتيجي في حزب الله."
ويمثل عدم العمل تحت مظلة الدولة وجود ما يُمكن أن نسميه دولة داخل الدولة، وهو عامل رئيس للطائفية، وعدم العمل تحت مظلة رئيسية مشروعة، تكون له مصالح مختلفة عن مصالح الدولة التي يقع ضمن إطارها الجغرافي، وقد تتعارض مع مصلحة الدولة التي يعمل لصالحها؛ لذا فإنّه يكون بمثابة عدو داخلي يقف أمام وحدتها الوطنية التي تهدد بقاءه.
ويتساءل كموني: إذا كانت أهداف إيران تتناقض مع أهداف لبنان، فلمن ينحاز الحزب؟ مؤكداً أنّ طهران لديها أطماع في الدول العربية، مثل: سوريا والعراق ولبنان، وهذا ما عبّر عنه وزير خارجيتها تارة وسفراؤها تارة أخرى، عندما كانوا يأتون إلى بيروت ويقولون سيطرنا على (5) عواصم عربية وما إلى ذلك، وهم يعلنون بذلك امتداد مشاريعهم وحماية مصالحهم.
نهاية حزب الله وميلاد الدولة الوطنية
أكدت الكوارث التي خلفتها الحرب على لبنان أنّ الدولة اللبنانية لم تكن على استعداد لهذه الحرب، ولم تكن لديها النية أو الجاهزية لهذه الحرب، خاصة أنّ هذه الحرب لا تمثلها، وهذا ما عبر عنه الدكتور خالد كموني قائلاً: "كان على حزب الله ألّا يدخل هذه الحرب، فالحرب ليست لبنانية إسرائيلية، وإنّما هي ما يمكن أن نقول عنه تصفية حسابات بين إيران وأمريكا على الأرض العربية، هي حرب بالوكالة." ويؤكد الواقع رؤية كموني، فقد عبّر الشارع اللبناني عن رفضه حالة الحرب التي لم يكن له دخل فيها، خاصّة أنّ حزب الله رهن لبنان تحت تصرفه بحجة المقاومة، وأنّ هزيمته في الحرب كانت مدوّية.
وتُفيد التجربة التاريخية بأنّ أيّ حلّ خارج إطار الدولة الوطنية ينتهي بالفشل الذريع، وهذا ما رأيناه في الفترة الماضية على ساحات الحرب، وأقرّه الدكتور خالد كموني عند سؤاله عن أفق خروج الدولة اللبنانية من الأزمات السياسية والعسكرية والمدنية، وقد أجاب: لا يوجد عادة حلّ غير الدولة، وتدبر ما يمكن يتمثل في العودة إلى مظلة الدولة والخضوع لكيانها، لا شيء سوى الدولة بمؤسساتها الرسمية والجيش بتسليحه المؤسسي والرسمي، الدولة كما هي، وتعامل جميع الأطراف بمبدأ المواطنة، أي أنّك مواطن في الدولة، عند ذلك نستطيع أن نقوم بنهضة ذاتية، وبناء الدولة والتعافي من آثار هذه الحرب.
وبالسؤال عمّا إذا كانت شروط إنهاء الحرب تنذر بلبنان ما بعد الميليشيات، وتقليص النفوذ الإيراني، أجاب كموني لـ (حفريات): إنّ إسرائيل أعطتنا هدنة (60) يوماً، وفي هذه الأيام الـ (60) يجب تنفيذ القرار (1559)، وهو متعلق بسحب سلاح كافة الميليشيات الموجودة على الأراضي اللبنانية، ويعني حزب الله وغيره من الميليشيات، وتنفيذ القرارين (1701) و(1559) يؤديان إلى هزيمة الأهداف الإيرانية في لبنان. وهذه الهزائم تمتد إلى سوريا، ومن خلال ما حدث في لبنان وغزة، ويحدث الآن في سوريا، يمكن القول إنّ تقليص أذرع إيران في المنطقة قد بدأ.
ويُعدّ الحديث عن مثل هذه القرارات عودة لسيادة الدولة اللبنانية، ولكنّ المشكل في قبول حزب الله بهذه القرارات، حيث إنّه يضع نفسه بوصفه قائداً للمقاومة، وهو إحدى أذرع الدولة الإيرانية في المنطقة التي لا تتخلى عنها إيران بسهولة، وربما يكون هذا عائقاً أمام نهاية الحرب بشكل كامل، خاصة أنّ قرار مجلس الأمن رقم (1701) صدر في عام 2006، وكان حزب الله هو العائق أمام تطبيق هذا القرار.
وعن رضوخ حزب الله لقرارات الدولة اللبنانية علّق كموني قائلاً: المسألة متعلقة بالسلاح، فالسلاح يكون موجود في الجهات المشروع لها حمل السلاح، في يد الجيش، في يد الدولة، وهذا ستشرف عليه قوات دولية وعربية، والفاعل الرئيسي فيها قوات أمريكية، وبالتالي فالمسألة ليست صورية، والسلاح سيُعزل ويتم النظر في كيف يكون حزب الله حزباً سياسياً في لبنان. وإذا لاحظنا التصريحات السياسية لنواب حزب الله، فإنّهم يصرحون بأنّهم خاضعون لقرار الدولة وليسوا فوق الدولة، وهذه في نظري بوادر لتطبيق هذا القرار.
والواقع أنّ الشارع اللبناني أبدى سعادة كبيرة بوقف إطلاق النار، وكذلك أبدت الحكومة اللبنانية جاهزيتها لتطبيق الشروط الموجودة لوقف الحرب خلال (60) يوماً، ممّا يعني وجود أفق للبنان ما بعد الميليشيات بعد هزيمة حزب الله العسكرية والسياسية داخل الشارع اللبناني، وعبّر عنه قبول رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري بشرط نزع السلاح، وإبداء نجيب ميقاتي رئيس حكومة تصريف الأعمال استعداد الحكومة لنشر الجيش اللبناني في جنوب لبنان، وسحب قوات حزب الله.