"الثلث المعطل": العراق على خطى لبنان في وصفة "الحُكم السعيد"

"الثلث المعطل": العراق على خطى لبنان في وصفة "الحُكم السعيد"


09/02/2022

بعد فشل البرلمان العراقي، أول من أمس الاثنين، في انتخاب رئيس الجمهورية، يواصلُ زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، مناورتهُ السياسية لكسرِ قوى ما يسمى  بـ "الثلث المعطل"، لقرارِ البرلمان في حال انتخاب رئيس الجمهورية الجديد، بعيداً عن التوافقاتِ مع القوى المعترضة على التحالف الثلاثي القائم بينهُ وزعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود بارزاني، والقيادي السُنّي ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي. 

اقرأ أيضاً: العراق: هل يرتّب الأكراد فوضى البيت الشيعي؟
وعلى الطريقةِ اللبنانية، وفي وصفة "الحُكم السعيد"، أفادت المحكمة الاتحادية العليا بوجوب حضور ثلثي أعضاء المجلس النيابي لانعقاد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، المنصب المتنازع عليهِ بين مرشح الاتحاد الوطني الكردستاني، برهم صالح، ومرشح الديمقراطي الكردستاني، هوشيار زيباري، الذي علّقتْ المحكمة ترشيحهُ بناءً على دعوةٍ قضائيةٍ من قبل خصوم الصدر، تتهمهُ بالفساد لدى استيزارهِ سابقاً.

جلسة البرلمان العراقي التي فشلت في جمع النصاب لانتخاب رئيس الجمهورية الجديد
ثناءُ الصدر على قرارٍ قضائيٍّ سابق بشأنِ ردّ طعون قوى "الإطار التنسيقي" بنتائج الانتخابات، التي حلَّ فيها بالمركز الأول "75 مقعداً"، جعلهُ في موقع الحرج من نقدِ القرار القضائي الجديد، والذي جاء لصالح خصومهِ في البيت السياسي الشيعي؛ لذا كان قرار تجميد مفاوضات تشكيل الحكومة المقبلة والاستحقاق الرئاسي، مناورةً صدريةً لتفويت الفرصة على "الإطار التنسيقي" من استخدام فيتو "الثلث المعطل"، في جلسةِ يوم السابع من شباط (يناير)، التي فشلت في انتخاب الرئيس الجديد.

اقرأ أيضاً: العراق: هل يُحيي "داعش" الخطاب الراديكالي للفصائل الشيعية؟
ويتكوّن ثلثا البرلمان العراقي من 220 نائباً من مجموع 329 نائباً، بينما يجمع التحالف الثلاثي أقل من 200 نائباً فقط، فيما يحاول الزعيم الشيعي كسب الوقت وترميم الخلاف داخل البيت السياسي الكردي، لكسبِ الأصوات الـ 18 التي يمتلكها الاتحاد الوطني الكردستاني.  

فشل جلسة انتخاب الرئيس
بحضورِ 58 عضواً، أحالَ مجلس النواب العراقي جلسة انتخاب رئيس البلاد الجديد إلى جلسةٍ تداولية، تمخضت عن أداءِ نوابٍ جُدد لليمين الدستورية، وانتخاب مقررة لهيئة رئاسة المجلس، فضلاً عن مناقشة عدد من القضايا التشريعية والرقابية والتنظيمية. 

القضاء يربك الحسابات السياسية .. والصدر يسعى لاستثمار الوقت لترميم الخلاف بين الحزبين الكرديين لضمان أصواتهما كاملةً، ومواجهة محاولات "الإطار التنسيقي" لعرقلة مشروع الأغلبية الوطنية 


ووجهت هيئة رئاسة البرلمان باستضافةِ وزيرَي الزراعة والتجارة، لمناقشةِ تأخر توزيع مستحقات الفلاحين والواقع الزراعي على وجه العموم، كما وجهت الأمانة العامة للبرلمان بمخاطبة مجلس الوزراء؛ للإسراع بإرسال الموازنة الاتحادية، ليتسنّى للمجلس الشروع بمناقشتها والتصويت عليها. 

زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر يحاول استثمار الوقت لكسب الأصوات المريحة لتشكيل حكومة الأغلبية الوطنية
وبهذا، فشل المجلس من جمعِ ثلثي أعضائهِ لانتخابِ رئيس الجمهورية، بعد مقاطعةِ الكتل الرئيسة، وفي مقدمتها؛ الكتلة الصدرية، وكتلة الديمقراطي الكردستاني، وكتلة السيادة، ومجموع كتل "الإطار التنسيقي"، التي أعلنت عدم حضورها، بمجرد أن أعلنت القوى الثلاث المتحالفة رفضها حضور جلسة الاثنين، ما يعني عدم تحقيق النصاب وفشل الجلسة في استكمال الاستحقاق الرئاسي الثاني، المتمثل في انتخاب رئيس الجمهورية، بعد انتخاب القيادي السنّي محمد الحلبوسي رئيساً للبرلمان، في التاسع من كانون الثاني (يناير) الماضي. 
القضاء يربك الحسابات السياسية
وأربك ردُّ المحكمة الاتحادية العليا مختلف الحسابات السياسية، بعد تفسيرها لنصٍ دستوريٍّ متعلقٍ بشأنِ الكتلةِ الأكبر، استفسرَ عنهُ نوابٌ في "الإطار التنسيقي"، وتفسير آخر تقدمَ بهِ رئيس الجمهورية المنتهية ولايته، برهم صالح، حيال المادة 76 من الدستور، والتي تنص على حضور ثلثي أعضاء مجلس النواب لافتتاح جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، وفق تفسير المحكمة الأخير.   

قضاة المحكمة الاتحادية العليا في جلسة تفسير المادة الدستورية المتعلقة بالكتلة الأكبر

وجاء التفسير الأول ضدّ طموحات "الإطار التنسيقي"، الذي أخذَ يصرّحُ أكثرَ من مرة، أنهُ الكتلة الأكبر في البرلمان، في حين لم يكن القرار لصالحِ الكتلة الصدرية، الفائز الأول في الانتخابات التشريعية الأخيرة، لأنّ الأمر القضائي حدّدَ الكتلة الأكبر التي يكلفها رئيس الجمهورية لتشكيل الحكومة المرتقبة؛ بمعنى أنّ القضاء رمى الكرة ثانيةً في مرمى البيت السياسي الشيعي المتصارع على تشكيل الحكومة الجديدة، وأيضاً اعتبرَ القرار القضائي بحضور ثلثي أعضاء المجلس قبل انتخاب الرئيس في مصلحة الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي يبحثُ عن وقتٍ إضافي لترتيب أوضاعهِ مع خصوم الديمقراطي الكردستاني، من القوى الشيعية والسنّية، لتجديد الولاية الثانية لمرشحهِ برهم صالح. 
الصدر يستبق الأحداث
وما أن أطلقت المحكمة الاتحادية أحكامها بشأنِ الاستحقاقات القادمة، علّقَ زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، مفاوضاتهُ بشأنِ الكابينة الوزارية القادمة، مع شريكيهِ الكردي والسنّي، الموقف الصدري الأخير، فسّرَ على أنهُ محاولة لإبعادِ أيةِ اتهاماتٍ قد تطالهُ لدى دعمهِ شخصياتٍ متهمة بالفساد في مناصب رفيعة بالدولة، على شاكلةِ هوشيار زيباري، مرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني لرئاسة الجمهورية. 

النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني ماجد شنكالي: تحالفنا مع الكتلة الصدرية، وتحالف السيادة، تحالفٌ متماسك
وقررت المحكمة الاتحادية، الأحد الماضي، إيقاف إجراءات ترشح زيباري، لمنصب رئيس الجمهورية "مؤقتاً"، بناءً على شكوى قدمها نواب في "الإطار التنسيقي"،  بسبب إقالتهِ من منصب وزير المالية، عام 2016، من قبل مجلس النواب بتهم "فساد".

اقرأ أيضاً: السعودية تدعم محاولات العراق للإفلات من قبضة إيران.. ما الجديد؟

ويبدو أنّ الزعيم الشيعي لا يريد أن يضعَ نفسهُ في المحظورات القانونية أو المناوشات الإعلامية التي يشنّها ضدهُ خصومهُ في "الإطار التنسيقي"، وهو ما جعلهُ يرفع اليد عن دعم ترشيح زيباري، في الوقت الذي هاتفَ فيهِ زعيم الحزب مسعود بارزاني، لتوضيحِ موقفه.
ويقول النائب عن الديمقراطي الكردستاني، ماجد شنكالي، لـ "حفريات": "تحالفنا مع الكتلة الصدرية، وتحالف السيادة، تحالفٌ متماسك"، مبيناً أنّ "بارزاني تفهمَ موقف الصدر، لدى الاتصال الذي جرى بينهما".

محاولات ترميم البيت الكردي
 مخاوفُ التيار الصدري تجاه ضمان الأغلبية الوطنية لتشكيل الحكومة، بدأت لحظة التصويت على مرشحهِ لمنصب نائب رئيس البرلمان حاكم الزاملي، والذي نالَ 182 صوتاً؛ بمعنى أنّ الأغلبية المريحة التي يطمح لها الصدريون، غير مضمونة في جلسة تمرير رئيس الجمهورية، والحكومة لاحقاً، وتأتي محاولات الكتلة الصدرية في كسبِ أصوات الاتحاد الوطني الكردستاني "18 مقعداً"، لكنّ تلك المحاولات تصطدم بحليفهِ الديمقراطي الكردستاني، الذي ينافس "الاتحاد" على المنصب السيادي الأول في بغداد. 

الباحث السياسي الدكتور محمد نعناع: الفرصة ممكنة في التئام الحزبين الكرديين مجدداً
ويتيحُ قرارَ المحكمة مزيداً من الوقت، لزعيم التيار الصدري، لفتحِ قناةِ اتصالٍ داخليةٍ بين الحزبين الكرديين، وترميم الخلافات الأخيرة بينهما، لحاجةِ الطامح إلى الائتلاف الحكومي لمجمل الأصوات الكردية والسنية، مقابل حراك ومساعٍ من "الإطار التنسيقي" لإفشالِ، أو قضمِ، محاولات الصدر في تحقيق مشروع الأغلبية الوطنية الذي يتبناه.

اقرأ أيضاً: من المسرح إلى الرياضة... هكذا يحاول الحشد الشعبي العراقي تجميل صورته

الباحث السياسي محمد نعناع، تحدث بشأن ذلك، لـ "حفريات"، قائلاً إنّ "الفرصة ممكنة في التئام الحزبين الكرديين مجدداً، لأنّ الديمقراطي الكردستاني في حاجةٍ ماسة في المستقبل القريب إلى الاتحاد الوطني؛ إذ ستشهد كردستان انتخابات نيابية خاصة بالإقليم، كما أنّ الاتحاد هدّدَ بفضّ الشراكة الحكومية معه، مما يعني إمكانية تقسيم كردستان إلى إدارتين، وهو ما لا يرتضيهِ بارزاني". 

خرق الدستور "يشوه الديمقراطية"
وما يزال الوقتُ متاحاً أمام الكتل النيابية المتنافسة بحدةٍ على المناصب السيادية والوزارية في العراق، إلا أنّ السياق التنافسي لتلك الكتل لا يعد طبيعياً وفقاً للدستور. 

ويرى مراقبون أنّ عدم الالتزام بالتوقيتات الدستورية لتشكيل الحكومة "يشوه الديمقراطية". 

أستاذ العلوم السياسية الدكتور إحسان الشمري لـ "حفريات": ديمومة الخرق الدستوري، كجزءٍ من المناورةِ السياسية، سيقودُ البلاد إلى حالةٍ من التيهِ السياسي، وشلّ الدولة

ويرى أستاذ العلوم السياسية إحسان الشمري؛ أنّ "استمرار عرف خرق الدستور يشوّه الديمقراطية، ويفقد الثقة بالعملية السياسية، ولا تكترث الكتل لخرق كهذا"، داعياً "القوى التوجه إلى المحكمة الاتحادية لاستحصال حكم يمنع التجاوز على التوقيتات الدستورية، لأنّ الإفتاء القضائي بحرمةِ خرق التوقيت الدستوري يقود إلى انتخابات مبكرة وهنا يصبح رأي المحكمة ملزماً، ويضع كلّ القوى السياسية أمام الاستحقاقات". 

أستاذ العلوم السياسية الدكتور إحسان الشمري: استمرار عرف خرق الدستور يشوّه الديمقراطية

وأبلغ "حفريات"؛ بأنّ "ديمومة الخرق الدستوري، كجزءٍ من المناورةِ السياسية، سيقودُ البلاد إلى حالةٍ من التيهِ السياسي، وشلِّ الدولة، لا سيما أنّ هناك استحقاقات ينتظرها الشعب العراقي على مستوى الخدمات والإعمار، وملف النازحين والإصلاح السياسي"، لافتاً إلى أنّ "الحلّ لمشكلات كهذه يكمنُ في إيجاد فنّ التنازل من قبل القوى السياسية التقليدية، وعليها أن تدرك أنّ عملية الانسداد تربك الشارع المحلي".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية