هل أحرج الصدر حلفاء إيران بمطلب إغلاق السفارة الأميركية؟

هل أحرج الصدر حلفاء إيران بمطلب إغلاق السفارة الأميركية؟

هل أحرج الصدر حلفاء إيران بمطلب إغلاق السفارة الأميركية؟


05/11/2023

أحمد السهيل

مع استمرار الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة منذ نحو شهر تدور التساؤلات حول إمكانية أن تصل انعكاساتها إلى المحيط الإقليمي، وتحديداً العراق، خصوصاً مع استمرار تصعيد اللهجة من أطراف عدة إزاء الوجود الأميركي في البلاد.

وعلى رغم تبني جماعة "المقاومة الإسلامية في العراق" هجمات عدة على القواعد الأميركية في البلاد وتصعيد ميليشيات "حركة النجباء" أخيراً ضد الوجود الأميركي، فإن أياً من الميليشيات الرئيسة الداخلة ضمن "الإطار التنسيقي للقوى الشيعية" لم تتبن تلك الهجمات، وهو ما يشير إلى أنها لا تود إثارة واشنطن، خصوصاً مع التنسيق الكبير الحاصل بين البلدين خلال الأشهر الماضية.

صمت حلفاء إيران

وبعد أيام على دعوة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الحكومة والبرلمان العراقيين إلى إغلاق السفارة الأميركية لدى البلاد، عاد ليقول الأربعاء الماضي، إن "المقاومة الفلسطينية انتصرت وكشفت عن زيف كثير ممن حملوا شعار القضية".

وتابع الصدر في بيان أن "المقاومة انتصرت بوقوفها مع شعبها وقوف الشعب معها وبمظلوميتها أمام إرهاب الكيان الصهيوني، وتعاطف معظم شعوب العالم في أوروبا وأميركا وآسيا وأفريقيا معها".

وأشار إلى أن المقاومة الفلسطينية "كشفت زيف كثير ممن حملوا شعار القضية، وها هم لاهون بالاجتماعات الاقتصادية أو الرياضية".

وكان الصدر قد دعا في 27 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي الحكومة والبرلمان العراقيين إلى إغلاق السفارة الأميركية لدى بغداد كرد على دعم واشنطن غير المحدود لإسرائيل في حربها على قطاع غزة، مهدداً "إن لم تستجب الحكومة والبرلمان، فلنا موقف آخر سنعلنه لاحقاً".

وكانت جماعة "المقاومة الإسلامية في العراق" قد تبنت في بيانات عدة الهجمات المتكررة بالصواريخ والطائرات المسيرة التي طاولت قواعد عسكرية تضم قوات أميركية في العراق.

وكان القيادي في "الإطار التنسيقي" علي الفتلاوي قد أشار في وقت سابق إلى أن "الإطار لديه تحفظات وتقاطعات مع الولايات المتحدة كقوات احتلال عسكرية، لكن هو ليس ضد أية بعثة دبلوماسية سواء كانت أميركية أو غيرها من جميع دول العالم الأوروبي والعربي، وغيرها، خصوصاً أن العلاقات السياسية والاقتصادية وغيرها مطلوبة مع كل دول العالم".

قرار سيدمر العراق

لأيام عدة ساد الصمت أروقة الحكومة العراقية وأطراف "الإطار التنسيقي" الموالي لإيران إزاء دعوة الصدر إلى إغلاق السفارة الأميركية، حتى صرح المتحدث باسم الحكومة باسم العوادي باستحالة تطبيق هذا الطلب.

ووصف المتحدث باسم الحكومة العراقية باسم العوادي، قبل أسبوع، المطالبات بإغلاق سفارة واشنطن في بغداد بأنه "قرار من شأنه تدمير العراق".

وأضاف في حديث تلفزيوني أن "أي قرار يستهدف البعثات الدبلوماسية يؤثر بشكل كبير في العلاقات الخارجية العراقية"، مبيناً أن قراراً كهذا "لن يؤثر فقط في اتفاق الإطار الاستراتيجي بين واشنطن وبغداد، بل سيؤدي إلى دمار العراق بسبب الأهمية الدولية لوجودها في العراق".

وتأتي تلك التصريحات تزامناً مع تصاعد الحديث خول "انقسامات حادة" داخل الإطار التنسيقي في شأن الموقف من استهداف المصالح الأميركية.

في المقابل يعتقد مدير منطقة الشرق الأوسط في مؤسسة "غالوب الدولية" منقذ داغر أن دعوة الصدر الأخيرة مثلت "عملية إحراج سياسي كبير للأطراف الموالية لإيران في العراق"، مبيناً أن ما يجري لا يخرج من حدود "معارك الرأي العام".

ويشير في حديث لـ"اندبندنت عربية" إلى أن جماعات "الإطار التنسيقي" باتت تواجه "إحراجاً كبيراً أمام الرأي العام العراقي"، مبيناً أن ما يجري ربما يؤدي إلى "انشقاق بعض الجماعات الأكثر تطرفاً من هذا التشكيل السياسي". ويتابع أن "الإطار التنسيقي" لن يتجاوب مع دعوة الصدر، وربما يكتفي بـ"إصدار البيانات أو تكليف بعض مجاميع الظل عمليات عسكرية محدودة"، لافتاً إلى أن ما يجري في الساحة العراقية لا يخرج عن حدود "التلاعب الإعلامي".

تفكيك دعاية حلفاء إيران

يبدو أن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر يحاول خلال الفترة الأخيرة تفكيك السردية التي اعتمدها الميليشيات الموالية لإيران خلال السنوات الماضية عبر دعوته تلك الجماعات إلى إغلاق السفارة الأميركية وقطع العلاقات الدبلوماسية معها على أثر دعم واشنطن لإسرائيل في حربها على قطاع غزة.

ولعل اللافت هو أن تلك الجماعات كثيراً ما طالبت قبل وصولها إلى السلطة الحكومة العراقية بإنهاء الوجود الأميركي في البلاد، فضلاً عن توجيهها ضربات عدة، سواء للسفارة الأميركية لدى بغداد أو القواعد العسكرية التي يوجد فيها العسكريون الأميركيون.

وسرعان ما تبدلت مواقف القوى الموالية لإيران بعد تشكيل حكومة محمد شياع السوداني التي ترعاها الميليشيات الولائية، إذ تضاءلت المطالبات بالحد من الوجود الأميركي، وتوقفت بشكل شبه كامل عمليات استهداف مصالح واشنطن في البلاد.

ويرى رئيس مركز "التفكير السياسي" إحسان الشمري أن مطالبة الصدر الأخيرة "أحرجت قوى الإطار التنسيقي بمستوى كبير، لا سيما أن تلك الأطراف تبنت في السابق، وحتى الآن، مبدأ معارضة الوجود الأميركي، سواء الدبلوماسي أو العسكري".

وتابع أن الفصائل المسلحة التي تمثل ركيزة "الإطار التنسيقي" كثيراً ما "طالبت بإغلاق السفارة الأميركية ورفع شعارات مناهضة لواشنطن".

ويضيف أن غاية الصدر من البيان الأخير تتمثل بـ"محاولة كشف حقيقة التزامهم تلك الشعارات"، مبيناً أن ما جرى "أثر بشكل كبير جداً في صدقيتهم أمام الشارع العراقي".

ويبدو أن عدم تجاوب الفصائل المسلحة مع دعوات الصدر الأخيرة بخصوص الوجود الأميركي في البلاد "سيؤثر بشكل مباشر في السردية التي تعتمد عليها تلك الأطراف في دعايتها السياسية"، بحسب الشمري الذي يلفت إلى أن الفصائل "فقدت ثقة كثير من جماهيرها، فضلاً عن تسببها في تصاعد الثقة بقرار انسحاب الصدر وعدم اشتراكه في الحكم".

وفي شأن رد الحكومة على طلب الصدر يعتقد الشمري أن رأي الحكومة بخصوص البعثة الدبلوماسية الأميركية واستحالة إخراجها من العراق يمثل موقف عدد من قوى "الإطار التنسيقي"، ولا يمكن للحكومة تجاوزه. ويشير إلى أن وجود "الإطار التنسيقي" في السلطة يحتم على أطرافه عدم التصعيد مع واشنطن، خصوصاً مع إدراك تلك الأطراف أن "أميركا تمتلك كثيراً من الأدوات التي يمكن من خلالها إحراجهم في الداخل العراقي، وأي انسحاب للبعثة الدبلوماسية الخاصة بواشنطن سيدفع بقية البعثات إلى الانسحاب"، مبيناً أن هذا الأمر ربما يؤدي في النهاية إلى "عزلة للعراق وتحوله إلى جغرافيا عدائية قد تعيده إلى طائلة البند السابق وفرض قيود إضافية على الدولار".

رسالة إثبات وجود

وكانت ميليشيات "حركة النجباء" قد أعلنت أن المقاومة الإسلامية العراقية قررت "تحرير العراق عسكرياً". وتزامناً مع بيان الميليشيات المسلحة قال رئيس الحكومة العراقية محمد السوداني، اليوم السبت، إن "الدولة هي المسؤولة عن اتخاذ القرارات الكبيرة وفقاً للدستور والمصلحة العليا للعراقيين". وأضاف أن "استقلال قرارنا الوطني يقع في طليعة المبادئ التي نتحدث عنها"، مشيراً إلى أن "القضية الفلسطينية تمثل المشهد الأكثر رسوخاً وثباتاً في مواقفنا، لأنها الحق الدائم في الأرض والمقدسات المحتلة". وتابع "عبرنا عن موقفنا الرسمي بكل وضوح منذ اليوم الأول للعدوان، وثبتناه في قمة القاهرة، ونكرره في اتصالاتنا مع المسؤولين من الدول الأخرى".

في السياق، يعتقد المتخصص في مجال العلوم السياسية عصام الفيلي أن دعوة الصدر الأخيرة في مقابل كونها محاولة لإحراج خصومه فإن "المدرسة الفكرية التي يتبناها الصدر تمثل محركاً رئيساً في اتخاذه خطوة كهذه"، مبيناً أنه دفع كتلته عام 2020 "للتصويت على إخراج القوات الأميركية على رغم تقاطعه الشديد مع الأطراف المسلحة القريبة من إيران حينذاك".

ويتابع الفيلي أن الصدر تمكن من "إحراج خصومه من خلال دعوته الأخيرة، بخاصة أن كثيراً من الجهات لم تتجاوب مع هذا المطلب، وكانت المحصلة تجاوب 37 نائباً فقط من أصل أكثر من 300 نائباً في البرلمان". ولفت إلى أن حدود تفكيك دعوة الصدر الأخيرة لا تتوقف عند هذا الحد، إذ إنها ربما تمثل أيضاً "رسالة إثبات وجود بعد غياب طويل عن المشهد السياسي في البلاد".

وختم حديثه بأن جميع الأطراف السياسية في البلاد باتت تدرك أن "إغلاق السفارة الأميركية يعني إنهاء وجود الدبلوماسية الغربية في العراق"، مبيناً أن هذا الأمر "سيضع البلاد في أتون أزمة كبيرة لا نهاية لها، وستؤثر بشكل مباشر في اقتصاد البلاد الذي يعاني كثيراً من الإشكالات في الفترة الأخيرة".

عن "اندبندنت عربية"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية