
ترجمة: محمد الدخاخني
خلال زيارتها الأخيرة إلى لبنان، أشارت نائبة المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط، مورغان أورتاغوس، إلى رغبة إدارة ترامب في نزع سلاح حزب الله بسرعة أكبر. بل إنّ أورتاغوس لجأت إلى حسابها على (إكس)، المعروف سابقًا باسم (تويتر)، لمهاجمة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، الذي كان قد صرَّح في مقابلة تلفزيونية بأنّ شروطها "مستحيلة" فيما يتعلَّق بمصادرة الجيش اللبناني لسلاح الحزب.
سواء كان جنبلاط محقَّاً أم لا، فمن الخطأ الاعتقاد ـ كما يفعل البعض في الولايات المتحدة وإسرائيل وحتى داخل لبنان ـ بأنّ مشكلة سلاح حزب الله يمكن حلها بالقوة. فالعلاقات الطائفية في البلاد هَشَّة للغاية بحيث لا يمكن تجاهل المخاطر الحقيقية لأيّ تحرك عنيف ضد الحزب.
وأيُّ قرار باللجوء إلى الخيار العسكري من جانب الدولة من المرجح أن يأتي بنتائج عكسية. أوّلاً، حزب الله ليس بالضعف الذي يحول بينه وبين الدفاع عن ترسانته بفعالية إذا قرَّرت قيادته ذلك. ومن شأن أيّ قتال أن يتأجَّج بسرعة في وسط المناطق المدنية، على نحو يتسبَّب في دمار لبنان واستقطابه بشكل أكبر. وهذا بدوره من شأنه أن يحشد إلى جانب الحزب الكثيرين من مؤيديه داخل الطائفة الشيعية في البلاد، الذين يعانون اليوم بالفعل من عواقب حرب الحزب ضد إسرائيل.
وإذا تصاعد القتال، فسيضطر الجيش اللبناني أيضاً إلى مواجهة تداعيات التوترات الطائفية في صفوفه. وعندما استُخدم الجيش سابقاً ضد جزء من الشعب اللبناني، انقسم إلى فصائل متناحرة ـ كما حدث عام 1976 أو في عامي 1989ـ1990. ولهذا السبب، على سبيل المثال، خلال الحرب الأهلية القصيرة التي وقعت عام 1958، حرص قائد الجيش آنذاك، فؤاد شهاب، على بقاء الجيش محايداً.
وفي مثل هذه الحالة، من المرجح أن تتنصل إدارة ترامب من مسؤوليتها تجاه لبنان وتتركه غارقاً في صراع داخلي. بعبارة أخرى، يريد المسؤولون الأمريكيون من لبنان اتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه حزب الله، ولكن إذا ساءت الأمور، فمن المرجح أن يُحمِّلوا اللبنانيين مسؤولية النتيجة.
لا بدّ أن الرئيس اللبناني جوزيف عون يُدرك هذه المخاطر. لقد كان ضابطاً عام 1990 عندما خاض الجيش حرباً مدمِّرة مع ميليشيا القوات اللبنانية. وعلى الرغم من أنّ الجيش كان أقوى حينها، فإنّ الميليشيا دافعت عن مناطقها بشراسة، ممّا أدى إلى سقوط العديد من الضحايا المدنيين. ولن يرغب عون في تكرار هذه التجربة، وقد صرَّح مؤخَّراً بأنّ أيّ عملية نزع لسلاح حزب الله يجب أن تتم عبر الحوار.
وهناك عامل آخر يفرض الحذر، ألا وهو أنّ القرار النهائي بشأن سلاح حزب الله بيد إيران. فمنذ الصراع بين إسرائيل وحزب الله العام الماضي، والذي أدى إلى مقتل معظم القادة العسكريين للحزب، وأمينه العام حسن نصر الله، وخلفائه المحتملين، هاشم صفي الدين ونبيل قاووق، صار الإيرانيون، بحسب معظم الروايات، مسيطرين بشكل مباشر على الحزب.
بعبارة أخرى، من غير المنطقي أن يتخذ المسؤولون اللبنانيون موقفاً صارماً تجاه سلاح حزب الله، في حين أنّ صانعي القرار الفعليين هم في طهران. وفي ضوء ذلك، يبدو أنّ عون ورئيس وزرائه نواف سلام، قد اعتمدا استراتيجية بديلة أكثر استحساناً في الوضع الراهن.
ويتضمَّن هذا النهج تضييقاً تدريجياً لهامش مناورة حزب الله، وإعادة تأكيد سلطة الدولة في المؤسسات الوطنية المهمة. وقد حققت الدولة ذلك من خلال ضمان خلو المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني من الأسلحة، وهو شرط رئيس لـ "قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701"، ممَّا حرم حزب الله من وجود جبهة نشطة مع إسرائيل.
كما فرض الجيش سلطته على نقاط الدخول الرئيسة إلى لبنان ـ المطار والميناء والمعابر والمناطق الحدودية الرئيسةـ، وهذا أمر بالغ الأهمية لضمان عدم قدرة حزب الله على تسليح نفسه أو تمويل نفسه من خلال أنشطة حدودية غير مشروعة، وقد سعت بيروت إلى تحسين التنسيق مع السلطات السورية في هذا الصدد.
في الوقت نفسه تُصوِّر الدولة هذه العملية على أنّها موجهة ضد جميع الجماعات المسلحة في البلاد، وليس حزب الله فحسب. ولذلك يحرص عون وسلام على تناول مسألة نزع سلاح مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. ولا يريد عون وضعاً يبدو فيه حزب الله وحده مستهدفاً من قِبل الدولة.
ومن جوانب نهج عون وسلام التدريجي تحميل حزب الله مسؤولية الانفصال عن الدولة. فالغالبية العظمى من اللبنانيين اليوم لا يرغبون إلا في دولة فاعلة بعد سنوات من الفوضى. ولذلك يسعى حزب الله إلى تجنب تحميله مسؤولية انقطاع الاتصالات مع الرئيس والحكومة.
وهذا النهج المرن هو بالضبط ما تتطلبه الوقائع اليوم. ففي العلن ما يزال حزب الله يقاوم أيّ نقاش حول نزع سلاحه، ولكنّ هذا له ثمن. فإسرائيل تواصل مهاجمة مخازن أسلحته كما يحلو لها، بدعم أمريكي، والحزب أكثر عزلة من أيّ وقت مضى في الداخل، حيث لم يعد الكثير من اللبنانيين يعتبرون ترسانة حزب الله المستقلة أمراً مرغوباً فيه، ولن يقبلوا بصراع جديد مع الإسرائيليين.
في نهاية المطاف، قد تتمثَّل حسابات عون وسلام في أنّه حتى القادة في إيران -إذا وصلوا إلى قناعة مفادها أنّ مسألة السلاح تضرُّ حزب الله أكثر ممّا تفيده- فقد يلجؤون إلى موقف أكثر تنازلاً، وقد يشمل هذا مقايضة بتسليم السلاح مقابل منح الطائفة الشيعية صلاحيات دستورية أكبر.
يرى عون أنّه من شأن هذا أن يُمثِّل إنجازاً كبيراً. فإذا كان نزع السلاح هو العامل الحاسم في اندماج جميع الطوائف اللبنانية في الدولة، فسيكون قد حَقَّق الكثير بذلك. في غضون ذلك يُفضّل كلٌّ من عون وسلام التحلي بالصبر، واللعب على المدى البعيد، وتجنب التصرفات المتسرعة التي يُشجِّعها البعض داخل لبنان وخارجه.
المصدر: