تراهن تركيا على الانتماء العرقي الذي يجمع بينها وبين جمهوريات وسط آسيا لتحويل منظمة الدول التركية من أهدافها القائمة على التعاون التقليدي إلى عالم تركي بمصير مشترك اقتصاديا وسياسيا وثقافيا يمكن أن يتحول إلى قطب إقليمي مؤثر، خاصة أن دوله تحوز مواردَ طبيعية متنوعة.
ويقع المقر الرئيسي لمنظمة الدول التركية في إسطنبول وتضم كلا من تركيا وأذربيجان وكازاخستان وقرغيزيا وأوزبكستان. وتعود فكرة تأسيس هذا القطب إلى فترة الرئيس التركي الراحل تورغوت أوزال.
وخلال القمة الثامنة في إسطنبول في 12 نوفمبر 2021 تقرر تغيير اسم المجموعة من المجلس التركي إلى منظمة الدول التركية مع قبول تركمانستان كدولة مراقبة. كما صدّقت المجموعة على وثيقة “نظرة على العالم التركي – 2040”.
ويقول مراقبون إن الهدف الأول من هذا التحالف هو وضع أسس واضحة وسهلة لتعزيز التعاون بين دوله من ناحية أولى، ومن ناحية ثانية تعزيزه بين هذه الدول وبقية دول آسيا، وخاصة أوروبا عبر تركيا المرشحة منطقيا لأنْ تكون بوابة هذا “العالم التركي” نحو أوروبا وما يحمله ذلك من عائدات كبرى لأنقرة، وتثبيت تركيا كحلقة وسطى ضرورية بالنسبة إلى الأوروبيين بينهم وبين روسيا وأيضا بينهم وبين دول آسيا الوسطى، خاصة في مجال المحروقات.
ويهتم مكتب التجارة الخارجية للمنظمة -بشكل خاص- بالتعاون متعدد الأطراف في جميع المجالات، لاسيما الاقتصادية والتعليمية والثقافية، بالإضافة إلى بناء الثقة في ما يتعلق بقضايا التعاون الإقليمي.
ولتأسيس التكامل الاقتصادي والاستجابة المناسبة للصدمات العالمية، تعمل المنظمة على تعزيز التعاون في اتجاهات مختلفة، بما في ذلك التجارة والطاقة والنقل والخدمات اللوجستية والأمن السيبراني والزراعة والسياحة وسن القوانين وحفظ النظام ودعم العلاقات الثقافية وتشكيل منصات للتغلب على التحديات الحديثة.
وركزت المناقشات في الاجتماع الثامن لرؤساء دائرة الجمارك التابعة لمكتب خدمات التجارة الخارجية في بيشكيك القيرغيزية على إنشاء ممر جمركي مبسط يهدف إلى تحسين كفاءة النقل ومرور البضائع عبر مراقبة الحدود وتطوير نظام النقل واللوجستيات وتسهيل أمن هذه العمليات وضمانه.
وشهد الاجتماع المخصص لوزراء تكنولوجيا المعلومات والمسؤولين من الدول الأعضاء في المنظمة، في باكو الأذرية، تقديم مقترحات لزيادة التعاون الإقليمي في مجال الأمن السيبراني.
كما ناقش منتدى منظمة الدول التركية للأعمال الزراعية في طشقند بأوزبكستان إمكانية توسيع التعاون بين الدول الأعضاء من خلال تنفيذ مشاريع مشتركة، لاسيما في مجال التعليم الزراعي ونقل التكنولوجيا.
واتفقت الدول الأعضاء في الاجتماع الأول لمنظمة الدول التركية حول الموارد البشرية، الذي انعقد في إسطنبول يومي 28 و29 يوليو الماضي، على العديد من الإجراءات التي ستُنفذ بشكل مشترك، بما في ذلك تشكيل مجموعات عمل متخصصة وبرامج تبادل الخبرات وإطلاق برنامج تدريبي شامل للكفاءات من الدول الأعضاء والدول المراقبة في منظمة الدول التركية.
وتسعى المنظمة -إلى جانب التأثير الإقليمي- لتوسيع العلاقات على المستوى الدولي وتتعاون مع الكيانات العالمية مثل منظمة الصحة العالمية، ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
ومن المتوقع أن يلعب تمثيل المجر في المنظمة دورا هاما في تطوير العلاقات مع الدول الأوروبية والمنظمات القارية في هذا الصدد. وليس من قبيل الصدفة أن المجر اقترحت في العام الماضي عقد قمة مشتركة لرؤساء دول منظمة الدول التركية ومجموعة فيشغراد (التشيك والمجر وبولندا وسلوفاكيا) خلال رئاسة بودابست الدورية لمجموعة الدول الأوروبية الأربع.
وأصبحت منظمة الدول التركية في الوقت الحالي أكثر جاذبية، ونجد الكثير من البلدان حريصة إما على الانضمام إليها أو المشاركة في أنشطتها بصفة مراقب؛ إذ أعلنت 15 دولة اعتبارا من يوليو 2022 اهتمامها بالانضمام إلى المنظمة بصفة مراقب.
ويعود الاهتمام بالتعاون مع هذه المنظمة إلى أن الدول الأعضاء فيها تمتلك موارد طبيعية قيِّمة، وبنية تحتية حديثة، وموارد طاقة، وخطوطا لوجستية في اتجاه الاتحاد الأوروبي والصين.
وتولي المنظمةُ مسألةَ تطوير طرق النقل وممرات الطاقة التي تعبر بحر قزوين من آسيا الوسطى اهتماما خاصا، وهو ما قاد إلى تدفق استثمارات كبيرة في البنية التحتية لهذه البلدان، ولذلك بدأت هذه المشاريع الاستثمارية تتوسع.
وهكذا أُتِيحت الفرصة لتحويل جميع الطرق، بما في ذلك الممر العابر لبحر قزوين، إلى شرايين المنطقة الرئيسية التي تعكسها طرق التصدير العالمية لموارد الطاقة في آسيا الوسطى. وامتدادا لهذه السياسة عقد في باكو في 27 يونيو الماضي الاجتماع الثلاثي الأول لوزراء الخارجية والنقل من أذربيجان وكازاخستان وتركيا. ومن المقرر أن تصبح هذه الصيغة آلية فعالة في تعزيز الأمن والاستقرار والتعاون على المستوى الإقليمي.
ولذلك تشمل أهداف منظمة الدول التركية الرئيسية خلق ظروف مواتية للعلاقات التجارية الإقليمية والاستثمارات والسعي لتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية شاملة ومتوازنة، مع توسيع العلاقات المتبادلة في العلوم والتكنولوجيا والتعليم والثقافة والمساهمة بشكل كبير في إحلال السلام والأمن في المنطقة.
ومع ذلك، لا تقتصر المنظمة على العمل في إطار الدول الأعضاء فيها؛ إذ تتعاون منظمة الدول التركية بانتظام مع الدول والمنظمات المجاورة. وسيكون تعزيز التعاون في قطاعات النقل والطاقة والاقتصاد في الوقت الحالي، مع تزايد التهديدات التي تطال الأمن العالمي والاستقرار والتنمية الاقتصادية، أمرا حاسما في عملية مواجهة وتقليل المخاطر والتحديات في منطقة أوراسيا الأوسع. لذلك ليس من قبيل الصدفة أن يختار مجتمع الخبراء تقييم منظمة الدول التركية على أنها “واقع جيوسياسي جديد” في الفضاء الأوراسي.
ويريد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من خلال الاستمرار في دعم خيار “العالم التركي” إعادة تأسيس إمبراطورية تركية بمواصفات جديدة تقوم على شبكة المصالح والارتباطات مع دول قائمة ومهمة ومؤثرة أو مع دول تنتظر دعمه.
ويقول كبير الباحثين في أكاديمية وزارة الخارجية الروسية فلاديمير أفاتكوف إنّ “أنقرة تريد أن تصبح سيدة العالم التركي؛ فأكثر القوميين الأتراك تطرفا واثقون من أن جميع الأتراك يجب أن يتوحدوا تحت راية تركيا ويعيشوا وفقا للقواعد التركية”.
عن "العرب" اللندنية