مصدر واحد هدف واحد: تفكيك الشبكات المعقدة للإعلام التابع لجماعة الإخوان المسلمين

مصدر واحد هدف واحد: تفكيك الشبكات المعقدة للإعلام التابع لجماعة الإخوان المسلمين


19/10/2020

ساهمت الأوضاع السياسية والإعلامية التي تلت ثورة الـ25 من يناير 2011، في إعادة صياغة مفهوم جماعة الإخوان المسملين عن وسائل الاتصال الجماهيري، والشبكات الإعلامية الفاعلة، ودفعت تلك الأوضاع قيادة الحركة إلى تبني مشروعات جديدة، كان هدفها النهائي الترويج لها، والتبشير بدعوتها داخل وخارج مصر.

ومنذ ذلك الحين، بدأت الشبكات الإعلامية التابعة للإخوان المسلمين في التداخل والتعقد بدرجة كبيرة وغير مسبوقة، إلى أن وصلت، خلال السنوات الخمس الماضية، إلى شكل هيكلي يمكن تشبيهه بحيوان الإخطبوط ذو الأذرع المتعددة.

وتتكون تلك الشبكات من سلسلة قنوات فضائية، ومواقع إلكترونية، وصحف ورقية، إضافةً لشركات إنتاج إعلامي تعمل جميعها بشكل منسق في تركيا وقطر، والمملكة المتحدة.

السياسة كمحرك للإعلام.. كيف تشكلت شبكات الإخوان الإعلامية منذ 2011؟

مَثل رحيل الرئيس الأسبق “محمد حسني مبارك”، عن السلطة في 11 فبراير 2011، نقطة تحول مفصلية في تاريخ جماعة الإخوان المسلمين، التي منحتها حالتي السيولة الأمنية والسياسية، حينئذ، فرصة ذهبية للعودة للمجال العام بقوة كبيرة، بعد أن كانت سابقًا محصورة في إطار المساحات التي تتيحها التفاهمات التي أجرتها مع نظامي “السادات”، و”مبارك”.

وخلال بضعة أشهر من رحيل مبارك، أنشأت جماعة الإخوان المسلمين صحيفة يومية (الحرية والعدالة)، وقناة تلفزيونية (مصر 25)، بجانب امتلاكها قناة أخرى تتبع التنظيم العالمي/ الدولي هي (الحوار اللندنية) وسلسلة من المواقع والمدونات الإلكترونية، لكن السمة العامة لهذه الشبكة الإعلامية كانت الفشل في إحداث أي أثر إعلامي أو دعائي فارق، في مقابل القنوات والمواقع المعارضة للجماعة، وتبني الشبكة لأسلوب “خطاب الذات” أي مخاطبة أعضاءها وأنصارها دون التركيز على بقية فئات الشعب، في تجسيد واضح لحالة العزلة الشعورية عن المجتمع التي تجد لها مرتكزات عديدة داخل البناء الفكري الإخواني.

وأمام الضغط الإعلامي والسياسي الذي عاشته جماعة الإخوان المسلمين، بدأ التفكير في إنشاء شبكات إعلامية جديدة، تتولى مهمة الترويج لها داخل وخارج البلاد، وتكون بمثابة أدوات لتحريك الوضع السياسي، ودعم الاستراتيجية الإخوانية، وتأييد القرارات والخطوات التي تتخذها.

وبالفعل، بحلول عام 2012، كان هناك مشروع تبنته قيادة الإخوان المسلمين لإطلاق شبكة تلفزيونية اسمها(الشعب) والتي كان مقرراً لها أن تكون عبارة عن باقة إعلامية للقنوات الخفيفة (Light) وتشمل قنوات المنوعات، والرياضة، إضافةً لقناة محلية تبث البرامج الحوارية (Talk show)، ويترأسها “ماجد عبد الله”[1]، بينما تكون شبكة مصر العربية متخصصة في تقديم المحتوى الجاد، وتشمل قناة إخبارية دولية تضم مراسلين في كل الدول، وأخرى محلية تهتم بالشؤون الداخلية المصرية، إضافةً لسلسة مواقع إخبارية إلكترونية وصحيفة يومية، ويترأسها “أحمد الشناف”[2].

واستأجرت الشبكات الإعلامية الإخوانية كامل استديوهات شركة “مسك” الإعلامية التابعة للشركة العربية للإنتاج الإعلامي التي كانت تُطلق سلسلة قنوات ART، وهي سلسلة استديوهات ضخمة بمحافظة الجيزة المصرية، وسخرتها لإطلاق قنواتها الجديدة، كما استعانت بعدد من الوجوه الإعلامية غير المحسوبة على الجماعة، وقتها، كالمذيعين “محمد ناصر”، و”معتز مطر” لتتمكن من كسر حالة الرفض الشعبي المتصاعدة تجاهها، في ذلك الحين، وبالفعل بدأت شبكة الشعب البث التجريبي في مارس 2013، وكان يُفترض أن تبدأ شبكة مصر العربية بثها التجريبي في أغسطس من نفس العام، لكن كلا المشروعين أُجهضا مع عزل “مرسي” في يوليو 2013.

ومع الإطاحة بحكمها من مصر، أعادت جماعة الإخوان المسلمين توجيه مواردها المالية والإعلامية، لتشكيل قناة “أحرار 25” والتي بدأت بثها من لبنان، وتلقت دعمًا مباشرًا من قطر، وشارك في تأسيسها أيمن نور وعدد آخر من المتحالفين مع الجماعة[3]، إضافةً لقناة “الشرعية” وقناة “رابعة” اللتين تأسستا في تركيا.

وتعرضت القناة الأولى لضغوط  من أطراف لبنانية، اضطرت معها للإغلاق بعد وقت قصير من إطلاقها، كما فشلت تجربة قناة “الشرعية”، واعتمدت على بث فيديوهات لمسيرات وفاعليات أنصار الإخوان، دون وجود خريطة برامجية، بينما استمرت قناتها الأخرى “رابعة” في العمل، بصورة متواضعة، حتى إغلاقها في عام 2015، بقرار من إدارة القمر الصناعي الفرنسي “يوتل سات”.

إعادة هيكلة القنوات الفضائية

مع دخول عام 2014، أطلقت جماعة الإخوان المسلمين 3 قنوات جديدة هم: “مكملين”، و”الشرق”، و”مصر الآن”، وذلك ضمن محاولاتها لاستعادة الفاعلية التنظيمية والإعلامية، بالتزامن مع تولي القيادة الجديدة (اللجنة الإدارية العليا برئاسة محمد كمال) إدارة شؤون الإخوان.

ورغم توجهها الداعم للجماعة، إلا أن القنوات الثلاث السابقة لم تتح أي معلومات عن مالكيها عبر مواقعها أو صفحتها الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن بحسب مصدرين منفصلين[4]، فإن قناة الشرق التي أسسها “باسم خفاجى” واشتراها لاحقًا “أيمن نور”، تتبع فعليًا لـ”المجلس العربي”[5] المدعوم قطريًا.

في حين يتكون مجلس إدارة فضائية مكملين من: عزام التميمي، (القيادي بالتنظيم العالمي للإخوان، وعضو مكتبها بلندن)، ورجال أعمال قطريين آخرين، بينما تكونت الإدارة السابقة لـ”مصر الآن” من بعض قيادات الإخوان بما فيهم أحمد عبده، (مدير القناة)، وأحمد عبد الرحمن، (عضو مكتب الأزمة بالخارج الذي حُل في وقت سابق، وأحد الذين تتهمهم السلطات المصرية بقيادة الحراك الإخواني المسلح)، وأغلقت القناة في في 2015 بسبب الخلاف الداخلي في الجماعة.

ونتيجة فشل القنوات الإخوانية في إحداث تأثير استراتيجي داخل أو خارج مصر وفقدانها للزخم الجماهيري، اضطرت القيادة العليا للحركة بالاتفاق مع ممولي القنوات، لإعادة هيكلة قنواتها ومنابرها الإعلامية، في أواخر عام 2014، ومن الواضح أن أجهزة الاستخبارات المصرية تمكنت من رصد كواليس تلك العملية، إذ ذكر الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” تفاصيلها، خلال لقاءٍ مع رؤساء تحرير الصحف المصرية[6]، قائلًا: (قطر وتركيا والتنظيم الدولي للإخوان تؤسس عدة شركات وصحف ومواقع إلكترونية ورصدوا مئات الملايين من الدولارات لتحقيق هذا الهدف، وبدأت تظهر بعض تلك الكيانات على الساحة كشركة فضاءات ميديا)[7]

وتزامن حديث الرئيس المصري مع وضع الشركة القطرية اللمسات النهائية لإطلاق شبكة تلفزيون العربي في الذكرى الرابعة للخامس والعشرين من يناير 2011، التي يُشرف عليها “عزمي بشارة” المستشار السياسي للأمير القطري.

شبكات عنكبوتية وتنسيق مركزي

يمكن ملاحظة أن الشبكات الإعلامية للإخوان، تعمل بصورة منسقة فيما بينها ووفقًا لأجندة إعلامية متشابهة، وهذا يوحي بأنها في النهاية تنبع من نفس المصدر، وتخدم نفس الأهداف الدعائية التي رسمها المسؤولون عنها.

وفي هذا الصدد، يمكن تشبيه التلفزيون العربي والمواقع والصحف المرتبطة به، بالشبكة العنكبوتية التي نُسجت بالأساس في داخل “فضاءات ميديا”، الذراع الإعلامية القطرية، وامتدت منها إلى المملكة المتحدة وغيرها من الدول، فعلى سبيل المثال يتبع تلفزيون سوريا (يبث من إسطنبول التركية) لشركة ميتافورا، وهي نفس الشركة التي تُنتج برنامج “جو شو” الذي يبث على “تلفزيون العربي” من لندن، وتعد الشركة الأخيرة، مجرد واجهة لـ«فضاءات ميديا».

وضم  «تلفزيون العربي» عند التأسيس مجموعة قيادات تنفيذية مرتبطين بـ«فضاءات ميديا»، منهم: إسلام لطفي الذي كان قد شغل منصب (مدير تنفيذي بفضاءات ميديا) والذي كان متحالفاً مع الإخوان المسلمين بعد ثورة يناير ، وأحمد زين، وعباس ناصر (مراسلا الجزيرة السابقين)، ومحمد فريد الشيال (مدير تنفيذي بصحيفة العربي الجديد).

ومن نفس الناحية، تدير شركة I horizons، إحدى الشركات التي استحوذت عليها «فضاءات ميديا» في 2013، المحتوى الإخباري بشبكة العربي، وهي مسؤولة عن تطوير المحتوى بصحيفة العربي الجديد، وبمجموعة الجزيرة الفضائية، فضلًا عن تصميمها وإشرافها على موقعي النيابة العامة القطرية، والهيئة العامة للطيران المدني بقطر.

وتضم شبكة «فضاءات ميديا» القطرية والتي يرأس مجلس إدارتها سلطان غانم الكواري كل من  صحيفة العربي الجديد، وموقع عربي 21، وصحيفة زمان الوصل السورية، وصحيفة المدن اللبنانية، وموقع ألترا صوت، إضافةً لموقع عرب 48 الفلسطيني.

ومن اللافت للنظر أن رئيس تحرير صحيفة المدن هو اليساري اللبناني ساطع نور الدين، كما أن المسؤول عن موقع ألترا صوت “عباد يحيى” الذي كان مؤيدًا لمحور «إيران- حزب الله»، قبل أن ينضم لفريق الموقع، وهذا يعطي لمحة عن استخدام قطر لبعض اليسارين العرب كأدوات في مشروعاتها الإعلامية.

وليس ببعيد عن الشبكة السابقة، يمكن ملاحظة نفس أوجه التشابه في القنوات الإخوانية التي تبث من تركيا، فقناة “وطن” الناطقة بلسان الإخوان[8]، هي امتداد لقناة “مصر الآن”، ويترأس مجلس إدارتها “محمود حسين” (الأمين العام السابق، وعضو لجنة إدارة الجماعة حاليا)، وتضم نفس الرموز القديمة في القناة السابقة وعلى رأسهم “إسلام” عقل المدير الحالي لـ”وطن”.

بينما يتولى أحمد الشناف، الرئيس السابق لشبكة مصر العربية، إدارة قناة “مكملين” حاليًا، فيما يعمل “ماجد عبد الله” الرئيس السابق لشبكة الشعب، كمذيع بقناة الشرق، ومدرب إعلامي بشركة “سكون ميديا” التي تعمل من إسطنبول.

وترتبط “سكون ميديا” بصورة مباشرة بـ”فضاءات ميديا”، إذ تولت الأولى إنتاج برامج تلفزيونية ومحتويات إعلامية لصالح التلفزيون العربي، وتلفزيون سوريا، وشركة ميتافورا التابعة لـ”فضاءات”، كما ترتبط شركة الإنتاج بقناة “الشرق”، والتي أنجزت لصالحها برامج إعلامية عدة، من بينها برنامج “بالتأكيد مع هشام عبدالحميد” الذي قدمه الممثل المصري المقيم بتركيا “هشام عبد الحميد”.

ويبدو جليا أن شركة «فضاءات ميديا» القطرية تشغل حيزًا رئيسيًا في التكوينية البنيوية لشبكات الإعلام الإخواني، الذي يظهر أنها تنبع من نفس المصدر،  وتعمل بصورة مركزية منسقة تنفيذا لسياسات إعلامية عليا تحددها الشركة القطرية أو جهة أخرى مرتبطة بها، كما أن الفضائيات العديدة التي تتبع هذه الشبكات، تعمل بنفس الأطقم الإعلامية والإدارية والفنية، ويتم تدوير العاملين فيها على القنوات المختلفة، وفقًا لما تقتضيه الظروف المختلفة، فعملية انتقال المذيعين والمعدين وغيرهم من قناة إلى أخرى تتم في نفس المساحات، دون خروج عن إطار شبكة القنوات الإخوانية شبه المغلقة. أي أن غالبية المحطات الفضائية والمواقع الإلكترونية تبدأ من فضاءات ميديا وتنتهي إلى فضاءات ميديا، مع كثير من التشعب على مستوى المحتوى وبلدان الإصدار.

خاتمة

تمثل وسائل الإعلام الجماهيرية، أحد الركائز الأساسية لمشروع الانتشار والسيطرة الذي تتبناه جماعة الإخوان، ولهذا السبب، تولي الحركة اهتمامًا كبيرًا لهذا الملف، خاصةً خلال السنوات السبع الماضية والتي شهدت الإطاحة بحكمها من مصر، إذ ساهم الإعلام في ذلك عبر تسليط الضوء على فشلها في إدارة الدولة، وسعيها للسيطرة عليها عبر ما عُرف بـ”مشروع الأخونة”.

وقُبيل إزاحتها من السلطة، سعت جماعة الإخوان لتأسيس شبكات إعلامية كبيرة بدعم وتمويل رسمي، وشبه رسمي، (عبر رجال أعمال بارزين مقربين من السلطة الحاكمة)، من دولة قطر، وتسهيلات من تركيا  ، لكن تبقى قطر اللاعب الأساسي والمؤثر في ملف الشبكات الإعلامية، نتيجة أسباب عدة أهمها خبرتها في إدارة هذا الملف عن طريق شبكاتها الإعلامية المعقدة، فضلًا عن الدعم المالي السخي الذي تقدمه للإخوان ومنصاتها الإعلامية.

ويفرض المسؤولون عن شبكات الإخوان الإعلامية، حولها ستارًا من التعتيم المتعمد خشية انكشاف مصادر تمويلها أو معرفة الداعمين الحقيقين لها، كما يتم اختيار العاملين في تلك الشبكات بدقة، وبناءً على معيار الثقة لا الكفاءة للحفاظ على الجيتوهات الإخوانية الداخلية، ومع ذلك يمكن رصد التشابكات بين القنوات والمواقع الإخوانية، ومحورية الدور القطري في عملية الدعم المادي، والتوجيه الإداري، عن طريق شركة «فضاءات ميديا»، وغيرها.

وفي سياق متصل، تكشفت خلال الفترة الماضية، عددًا من وقائع الفساد المالي والإداري داخل القنوات والمواقع الإخوانية وهو ما أثر عليها بالتأكيد لكن لا يمكن، حتى الآن، معرفة انطباعات الممولين الرئيسين لها حول هذه الوقائع، ومدى التأثير الفعلي على هذه القنوات.

عن "مركز الإنذار المبكر"


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية