مرجع عراقي يطالب بهدم قبور الأئمة: هل يشتعل البيت الشيعي؟

مرجع عراقي يطالب بهدم قبور الأئمة: هل يشتعل البيت الشيعي؟


24/04/2022

مثلّت الأحداث التي رافقت الخطبة الموحدة لأحد أتباع التيار الصرخي في العراق، والتي طالب فيها رجل الدين علي المسعودي بـ "هدم قبور الأئمة الشيعة"، ثم اعتقال مجموعة واسعة من المنتسبين للتيار، جانباً من جوانب الصراع الذي يجري على تخوم الانسداد السياسي، بينما يتخذ طابعاً طائفياً.

أكثر من مجرد خطبة

تفخيخ التصريحات التقليدية وتوظيفها بهذا الشكل الواسع والمؤثر لدرجة ضغطت على أعصاب الجميع، إنّما يؤشر إلى محاولات خارجية محمومة تهدف إلى تحقيق مصالح مباشرة لأطراف محلية منخرطة في العملية السياسية، وذلك بدعوى حماية المذهب الشيعي من الإساءة، ومواجهة التحركات التي تسعى لإضعافه سياسياً، ومن ثم، إيجاد صيغة أخرى غير حكومة "الأغلبية الوطنية" التي يتبناها زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، في مواجهة "الإطار التنسيقي".

منتصف الأسبوع، أوقفت قوات الأمن العراقية خطيب صلاة الجمعة (علي المسعودي) التابع للمرجع الديني الشيعي محمود الصرخي، في بابل، وذلك بعد دعوته إلى هدم المراقد والمزارات الدينية الشيعية باعتبارها مخالفة للدين الإسلامي، وفق حديثه. وقالت وزارة الداخلية، في بيان رسمي؛ إنّ "وكالة الاستخبارات شرعت بحملة واسعة لملاحقة عناصر إحدى الحركات الدينية المتطرفة، والتي تحاول الإساءة إلى الرموز الدينية والطقوس الإسلامية وهدم المراقد المطهرة".

إثر خطبة المسعودي طوّق محتجون العديد من مساجد ومقرات الصرخيين في العاصمة العراقية بغداد

وتابعت: "وفقاً لمعلومات استخبارية دقيقة تمكّن رجال وكالة الاستخبارات من إلقاء القبض على 6 متهمين من هذه الحركة المتطرفة، التي تحاول بثّ الفتنة بين أبناء شعبنا العراقي الواحد في محافظات البصرة وكربلاء المقدسة وميسان".

وإثر خطبة المسعودي طوّق محتجون العديد من مساجد ومقرات الصرخيين في العاصمة العراقية بغداد، كما أحرقوا بعضها، وتحديداً في المحافظات الوسطى والجنوبية. غير أنّ الصدر بعث برسالة طالب فيها المسعودي بالتراجع عمّا ورد في خطبته، وإلا سيتخذ جميع الإجراءات القانونية والشرعية والعرفية. وقال إنّ "بعض من ينتمون بالتقليد للصرخي، يحاولون إدخال بعض العقائد المنحرفة للمذهب، وآخرها ما صدر من إمام حجة لهم في محافظة بابل، الذي طالب بهدم القبور".

تجفيف السيولة الطائفية

وفي بيان رسمي، أعلنت وزارة الداخلية العراقية إغلاق مقار حركة الصرخيين، التي وصفتها بـ "المنحرفة"، وقالت إنّها تتابع "بحرص ومسؤولية تعزيز الأمن والاستقرار والحفاظ على السلم المجتمعي. الانفعالات الشعبية والتظاهرات التي انطلقت في عدد من المحافظات على خلفية دعوات وخطب مشبوهة تستّرت برداء الدين أطلقها نفر ضال ومنحرف وتخريبي".

وزارة الداخلية العراقية: الدعوات الصادرة من حركة الصرخيين تضمّنت إساءات لعقائد ومشاعر المواطنين، وتهدف إلى إثارة البغضاء بين صفوف أبناء شعبنا، وتحقيق أهداف خبيثة

ورأت وزارة الداخلية أنّ الدعوات الصادرة من الحركة قد "تضمّنت إساءات لعقائد ومشاعر المواطنين"، والتي تهدف إلى "إثارة البغضاء بين صفوف أبناء شعبنا، وتحقيق أهداف خبيثة غادرها العراقيون إلى غير رجعة"، لافتة إلى أنّ "تشكيلات وزارة الداخلية أغلقت مقار هذه الحركة المنحرفة، واعتقلت بمذكرات قضائية المنحرفين المتجاوزين على المشاعر والعقائد لينالوا جزاءهم العادل أمام القضاء".

وفي حديثه لـ "حفريات"، يوضح المتحدث الرسمي باسم المرصد العراقي للحقوق والحريات، عادل الخزاعي؛ أنّ الصرخين أو أتباع المرجع الصرخي الحسني، هو مرجع عراقي عربي، مقرّه مدينة النجف، ويمتلك العديد من المدارس الدينية وحوزات علمية ومساجد منتشرة في الفرات الأوسط وجنوب العراق، كما يقدّر أتباعهم بمليوني شيعي من العشائر العراقية الشيعية.

صراع المرجعيات

وبسؤال الخزاعي عن الخلاف بين المرجع الصرخي والسيستاني وإيران، يجيب الخزاعي: "يدعو الصرخي إلى إنشاء مرجعية شيعية عربية عراقية، تقف على النقيض من المرجعية الإيرانية، كما يدعو إلى الخروج على مرجعية المرشد الإيراني، علي خامنئي، باعتبارها غير شرعية وغير ملزمة للشيعة العرب في العراق، كما أنّ هناك عدة خلافات عقدية وفكرية بين حوزة الصرخي والسيستاني فيما يخصّ التقارب السنّي الشيعي؛ فالصرخي يدعو لتقارب ما بين المذهبين، وقد حرم على أتباعه سبّ الصحابة وزوجة الرسول، بل وذهب إلى الطعن بالروايات التاريخية الشيعية التي تسيء لهم، وهنا بدأ الخلاف العميق بين الحوزتَين في النجف، فكرياً وسياسياً، ومن ثم، تسرّب شعور بالتهديد والخطر الوجودي لدى مرجعية السيستاني لما للصرخي من مقبولية شعبية بدأت تنمو".

الخزاعي: يدعو الصرخي إلى إنشاء مرجعية شيعية عربية عراقية، تقف على النقيض من المرجعية الإيرانية

يتفق والرأي ذاته، المركز اللبناني للأبحاث والاستشارات، والذي ألمح إلى وجود عوامل سياسية واضحة تقف وراء الشحن الطائفي، وقد أوضح أنّ العلاقة بين الصدر والسيستاني لا تمرّ بأفضل أيامها؛ فزعيم التيار الصدري، أجرى أواخر كانون الثاني (يناير) الماضي، حركة "دراماتيكية" استبدل خلالها محافظ النجف، بآخر من مقربيه، من دون التنسيق مع مرجعية السيستاني التي تتخذ من النجف مقراً لها، وعليه انعكس الفتور بين الطرفين، في جلسة انتخاب الرئيس نهاية الشهر الماضي، حين قاطع نواب كثر على صلة بالعتبات الدينية ومرجعية النجف، جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، وساهموا في إفشال مشروع الصدر وحلفائه من السنّة والكرد بتمرير حكومة أغلبية لا تخضع للتوافق الشيعي. وربما اعتقد الصدر؛ أنّ القيام بحركة "تحريضية" تقود إلى مشهد هدم مآذن مساجد الصرخيين، ومحاولة استئصالهم، قد تكون مرضية لصنّاع القرار في منزل السيستاني، المنزعجين من ازدياد تفرد الصدر في قراراته كما في اختيار محافظ النجف.

وفيما يتّصل بالمشكلات الأمنية بين الصرخي والحكومات المتعاقبة، منذ عام 2003 وحتى الآن، يقول المتحدث الرسمي باسم المرصد العراقي للحقوق والحريات؛ إنّ الأزمة مزمنة وسابقة على تاريخ التصريحات الأخيرة للمسعودي، كما أنّه "لم تهدأ الأوضاع الأمنية بين الصرخي والحكومات العراقية، بينما وصلت إلى ذروتها بين عامَي 2007و2008؛ حيث قام رئيس الوزراء نوري المالكي بحملة أمنية كبيرة على مناطق نفوذ الصرخي في النجف والسماوة، كما تم قتل العشرات من أتباع الصرخي وسجن المئات منهم وسط تأييد مرجعية السيستاني، وعبر الخطب التي كان يلقيها بواسطة وكيله مهدي الكربلائي، وأيضاً وسط تأييد إيراني للتخلص من هذه المرجعية وأتباعها في العراق".

في زمن رئاسة حيدر العبادي، تم السماح، بشكل جزئي، لعودة الصرخي للعراق، وممارسة الأنشطة الدينية بصورة محدودة، وغير معلنة

ويلفت الخزاعي إلى أنّه في زمن رئاسة حيدر العبادي، تم السماح، بشكل جزئي، لعودة الصرخي للعراق، وممارسة الأنشطة الدينية بصورة محدودة، وغير معلنة، إضافة إلى بناء مساجد، وإعادة استقبال الطلاب في مدارس الصرخي الدينية.

وعرج المصدر ذاته على تداعيات الخطبة الموحّدة التي حملت عنوان (حرمة بناء القبور وزيارتها)، التي تسبّبت في حرق وهدم مدارس ومساجد الصرخي، إضافة إلى الهجوم على منازلهم وتهجير أفراد تابعين لهم، موضحاً أنّ الخطبة كانت تشير إلى المراقد الشيعية في كربلاء والنجف، وكذا مرقدي علي بن أبي طالب والحسين بن علي رضي الله عنهما. ويردف: "تمّ إثر ذلك دعوات لهدم مساجد ومدارس الصرخي، وفي اليوم نفسه، انطلقت هذه الحملات من مقار الأحزاب السياسية الشيعية المقربة من إيران. وبعض المشاركين في الهجوم هم نواب برلمانيون شيعة، وتمّ حرق وهدم قرابة 88 مسجداً ومدرسة دينية، ومهاجمة نحو 150 منزلاً من أتباع الصرخي، ناهيك عن تهجير العديد منهم وتهديد آخرين بالقتل".

أما موقف الحكومة العراقية، فيقول الخزاعي؛ إنّه كان "صامتاً، ولم يكن هناك أيّ تدخّل، لا أمني أو عسكري، بل وجود سيارات الشرطة والجيش قرب المهاجمين كان موقف المتفرج فقط بدون أيّ تدخل يذكر".

مواضيع ذات صلة:

المغرب في مواجهة التشيع الإيراني في غرب أفريقيا

صراع الرئاسة في العراق: مَن الكرديّ المقبول لدى السنّة والشيعة؟

العراق: الأتاوات والمخدرات وراء صِدام الجماعات الشيعية في ميسان

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية