المغرب في مواجهة التشيع الإيراني في غرب أفريقيا

المغرب في مواجهة التشيع الإيراني في غرب أفريقيا


07/04/2022

يمثّل التشيع الإثني عشري خطراً سياسياً على الأنظمة السياسية في العالم الإسلامي؛ ليس لأنّ الشيعة بشكلٍ عام خطرٌ، ولكن لارتباط النموذج الذي كُتب له السيادة في التشيع بنظرية الإمامة الدينية السياسية، والتي لا ترى شرعيةً في أنظمة الحكم السنّية، التي تعتبر أقرب إلى الأنظمة السياسية الطبيعية، حتى في نسخها الأقرب للاستبداد.

وزادت نظرية ولاية الفقيه التي طُورت في نسختها الأخيرة على يد آية الله الخميني من هذا الخطر؛ إذ إنّ الشيعة الإثني عشرية بات لهم دولةً للمرة الأولى، وفق نظرية دينية بحتة، ولهذا فإنّ نشر التشيع بشكله هذا يسلب الإنسان من ولائه الوطني، ويجعله أقرب موالاةً لإيران ونظامها الحاكم.

وتبعاً لهذا تتوجس الأنظمة السياسية العربية خوفاً من الاختراق الشيعي لمجتمعاتها، وكان للمملكة المغربية تجربة مع ذلك الخطر؛ حين استغلت إيران العلاقات الدبلوماسية معها في اختراق المجتمع، ونشر التشيع، الذي يمثّل امتداداً سياسياً للنموذج الإيراني بأهدافه التي تتقاطع مع مصالح المغرب.

المغرب في مواجهة التشيع

وفي العام 2009 قطع المغرب علاقاته الدبلوماسية بإيران، على خلفية تصريحاتٍ إيرانية تمس سيادة البحرين. إلا أنّ ذلك لم يكن السبب الوحيد، فسبق ذلك بعام جهود مغربية لمواجهة التشيع في الداخل، بإعلان الخطة الملكية لإصلاح الحقل الديني وإحداث مجلس علمي للجالية المغربية بأوروبا، للتصدي لنشر التشيع بين المغاربة في الخارج.

العاهل المغربي متوسطاً علماء من دول أفريقية

وبعد قطع العلاقات الدبلوماسية مع طهران شنّـت السلطات حملات تفتيش واسعة في المكتبات ومحلات بيع الأقراص المدمجة، وأغلقت قسم اللغة الفارسية من كلية الآداب والمدرسة العراقية، التي تأسست عام 1976 على خلفية تهمة الترويج للمعتقدات الشيعية، وأعادت السلطات فتحها لاحقاً في العام 2012.

اقرأ أيضاً: الشيعة والسنة.. الفتنة الكبرى في 100 سؤال

وينصّ "ميثاق العلماء" الذي دشنه العاهل المغربي على الثوابت التالية؛ العقيدة الأشعرية داخل مذهب أهل السنة والجماعة، والمذهب المالكي داخل مذهب أهل السنة والجماعة، واحترام الحياة الروحية للمغاربة في إطار التصوف السني. وعلى خلفية اتّهام المغرب لإيران بتسليح وتدريب جبهة البوليساريو قُطعت العلاقات الدبلوماسية مرةً ثانية في عام 2018، بعد أنّ عادت بينهما عام 2014.

التنامي الكبير للعلاقات المغربية مع إسرائيل رغم ما يوفره من قدرات أمنية واستخبارية للمغرب إلا أنّه ثغرة تستفيد منها إيران، التي تعتمد على ترويج دعاوى تصديها للهيمنة الدولية

وكان آخر صدام معلن بين الدولتين حول نشر التشيع في نهاية كانون الثاني (يناير) الماضي، حين اتهم وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، طهران بنشر التشيع داخل المملكة وفي غرب أفريقيا.

اقرأ أيضاً: 6 معارضين من علماء الشيعة لولاية الفقيه.. لماذا رفضوها؟

ويقول الباحث والكاتب الصحفي المغربي نورالدين اليزيد: "يبدو أنّ أسباب الأزمة القائمة بين إيران والمغرب باتت مكشوفةً، ولم تعد مقتصرة على الرسائل المشفرة أو السرية المتبادلة بين مسؤولي البلدين، عندما لم يتردد وزير الخارجية في اتهام طهران مباشرةً وبدون أدنى تحفظ، بأنّها تسعى لنشر مذهبها الشيعي، ليس فقط داخل التراب المغربي ولكن حتى في القارة الأفريقية وتحديداً، في الغرب الأفريقي".

اقرأ أيضاً: هكذا تُعسكِر إيران التشيع في العراق

وتابع الباحث المغربي لـ"حفريات": "أكد بوريطة في ذات الجلسة البرلمانية، على أنّ الأمن الروحي للمغاربة وللقارة الأفريقية يعتبر من صميم مواجهة توغل المذهب الإيراني ونشره في غرب أفريقيا".

آليات نشر التشيع

ويرى أستاذ العلوم السياسية، محمد عزت عبد الحافظ: أنّ "إيران وجدت ضالتها في قارة أفريقيا من أجل ضرب عزلتها الإقليمية والدولية وتعزيز موقفها إقليمياً ودولياً، لهذا كانت منطقة غرب أفريقيا هي الساحة الرحبة التي تحركت فيها إيران من أجل تحقيق أهدافها وإستراتيجيتها في القارة الأفريقية، مستخدمة في ذلك العديد من الأدوات والمداخل لتعزيز نفوذها وحضورها في الغرب الأفريقي، بما شكل مصدر تهديد للدول الأفريقية والقوى الإقليمية لا سيما الدول العربية وكذلك بعض القوى الدولية".

سوادغو: يتعامل المتشيعون الجدد مع أوطانهم بوصفها أوطاناً ثانوية

وذكر في دراسة منشورة في موقع "آراء حول الخليج": "يُعد النفوذ الإيراني في دول غرب أفريقيا هو الأبرز في دول القارة كلها، حيث ترتكز إستراتيجية إيران على عدة محاور، تتمحور حول هدف رئيسي وهو نشر المذهب الشيعي في المنطقة، حيث يمثل إقليم غرب أفريقيا بيئةً خصبة لنشر التشيع، خاصة أنّ الكثافة الإسلامية المرتفعة في بلدان المنطقة من الممكن أن تتعاطف مع إيران، كونها دولة إسلامية وعضو في منظمة المؤتمر الإسلامي. بالإضافة إلى بعض التحديات التي تواجه المسلمين في بعض دول الإقليم وتُسهل من مهمة طهران في التغلغل هناك مثل الوضع الاقتصادي، والفقر، وعمليات التنصير، وانتشار المذاهب المختلفة مثل البهائية والديانات التقليدية".

اقرأ أيضاً: حركة الصابرين.. هل تمثل ذراع التشيع الإيراني في غزة؟

وكتب: "تقوم إيران بمحاولات نشر التشيع في المنطقة باعتبارها تعاني من التنظيمات الإسلامية المتطرفة والأفكار السلفية المتطرفة، الأمر الذي استغلته إيران لنشر المذهب الشيعي تحت ذريعة نشر الإسلام الوسطي".

ويرى الباحث في الشؤون الأفريقية من بوركينا فاسو، محمد الأمين سوادغو" أنّ "التشيع في غرب أفريقيا مرّ بثلاث محطات؛ الجاليات اللبنانية أول نواة الشيعة، والدبلوماسية الإيرانية، والثورة الإيرانية الخُمَينية".

اقرأ أيضاً: ظروف نشأة حزب الله وعلاقته بالشيعة

ونشر سوادغو دراسةً بعنوان "انتشار التشيع وتأثيره في النسيج الاجتماعي في غرب أفريقيا". وقال لـ"حفريات": "هناك عوامل تساعد على نشر التشيع منها؛ تقليل دعم النشاط الدعوي السنّي بحجة مكافحة الإرهاب، وضعف دور المؤسسات التعليمية الإسلامية السنّية، إلى جانب الدعم المالي الكبير من إيران والعراق للمؤسسات الشيعية، والنشاط البارز للدبلوماسية الإيرانية في نشر التشيع".

اقرأ أيضاً: هل تصدّر إيران التشيع إلى المغرب العربي؟

وحذر سوادغو من المخاطر الناجمة عن نشر التشيع الإيراني، وقال: "هناك مخاطر اجتماعية وسياسية وأمنية؛ فالأولى تتعلق بتفتيت النموذج الاجتماعي السائد، وخلق العداوات بين المسلمين بسبب التفرقة المذهبية". وعن الخطر الأمني قال: "يتعامل المتشيعون الجدد مع أوطانهم بوصفها أوطاناً ثانوية، حيث يتحول انتمائهم لإيران أكثر من انتمائهم لبلدانهم، وهم بهذا نواةً لتشكيلات سياسية ومسلحة لخدمة نفوذ إيران".

رمزية أمير المؤمنين

وتبعاً لذلك، فوجود التشيع في مجتمعات غرب أفريقيا سيخدم السياسة الإيرانية النشطة، ومصالحها التي تصطدم بمصالح الدول الخليجية والعربية، وخصوصاً المغرب الذي له مصالح قوية بدول الإقليم.

اليزيد: ترغب الرباط في تقوية أواصرها بغرب أفريقيا

وأفاد الباحث نور الدين اليزيد: "أخذاً بعين الاعتبار المكانة الروحية للملك محمد السادس الذي يتمتع بصفة "أمير المؤمنين"، التي يخولها له الدستور المغربي، وهي الصفة التي باتت لها امتدادات أفريقية قوية، تتجاوز دول منطقة الساحل والصحراء، إلى عديد من دول غرب إفريقيا، وخاصة مع تواجد زوايا دينية تدين بالولاء لهذه "الإمارة" المغربية، لأسباب اجتماعية وسياسية تاريخية، وهو ما يجعل مريدي هذه الزوايا الأفارقة لا يترددون عند تلاوة الأوراد بالدعاء لأمير المؤمنين ملك المغرب".

وأضاف: "لعل ذلك ما جعل ملك المغرب ينشئ معهداً خاصاً لتكوين الأئمة المرشدين، ويخصص مقاعد مهمة للأفارقة لتكوينهم ليكونوا مرشدين وأئمة في أوطانهم؛ كل ذلك جعل من المغرب لاعباً مهماً في نشر والدفاع عن المذهب السني في تخوم أفريقيا".

الباحث في الشؤون الأفريقية، محمد الأمين سوادغو لـ"حفريات": التشيع في غرب أفريقيا مرّ بثلاث محطات؛ الجاليات اللبنانية أول نواة الشيعة، والدبلوماسية الإيرانية، والثورة الإيرانية الخُمَينية

وعن ارتباط المكانة الدينية بمصالح المغرب، قال الباحث المغربي: "ترغب الرباط في تقوية أواصرها بغرب أفريقيا، لاسيما من خلال مطالبتها بالانضمام للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (سيدياو)، وعملها الدؤوب مع نيجيريا من أجل التقدم أكثر في مشروع أنبوب الغاز الذي ينطلق من الأخيرة ويخترق دول غرب أفريقيا ويمتد إلى المغرب ليصل إلى أوروبا لاحقاً".

اقرأ أيضاً: الشيعة العرب..هكذا استغلت وشوهت إيران قضايا الوطن العربي

وشدد على أنّ "المعطيات السابقة تجعل المغرب في جوهر أي صراع مفترض قد يجتاح المنطقة؛ وعندما يتعلق الأمر بتمدد المذهب الشيعي إلى هذه الربوع الأفريقية، فإن المغرب سيكون بدون شك ولزاماً معنياً بالدفاع عن مصالحه الروحية والاقتصادية والأمنية، خاصة في ظل وجود سوابق له مع إيران الشيعية على المستوى الداخلي، ما يجعل المواجهة بلا هوادة ولا تحفظ من قبل مملكة محمد السادس المدعومة طبعاً من حلفائها الخليجيين، بل والغربيين كذلك".

ورغم جهود المغرب الدعوية والتعليمية في أفريقيا، من خلال معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات، ومؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بفروعها الـ32 المنتشرة في سائر ربوع القارة، إلا أنّ المغرب يحتاج إلى جهودٍ أكبر لمواجهة قوة الآلة الإعلامية والدعائية والتكنولوجية الإيرانية من جانب، وكذلك يفتقر المغرب إلى قوة النموذج الإيراني في الدبلوماسية الاقتصادية والتي تعتبر مفتاحاً إيرانياً لدى سلطات دول غرب أفريقيا، ولهذا فالتكاتف الخليجي - المغربي مطلب جوهري لمواجهة أنجع وأشمل للتمدد الإيراني.

اقرأ أيضاً: التشيع في المغرب: وهم يراهن عليه الولي الفقيه كطابور خامس

وبجانب ذلك، فالتنامي الكبير للعلاقات المغربية مع إسرائيل رغم ما يوفره من قدرات أمنية واستخبارية للمغرب إلا أنّه ثغرة تستفيد منها إيران، التي تعتمد على ترويج دعاوى تصديها للهيمنة الدولية، ودعم القضية الفلسطينية، التي تلقى زخماً كبيراً لدى المسلمين في الدول الأفريقية.

ويذكر أنّه بعد عودة الملك محمد الخامس من منفاه، وانتزاع المغرب استقلاله عن فرنسا عام 1956، بدأت العلاقات بين البلدين تتطور، وقدمت طهران دعوة للملك لزيارة طهران، ولكن رحيل محمد الخامس حال دون ذلك، وشهدت الخمسينيات والستينيات وسبعينيات القرن المنصرم ذروة العلاقات الثنائية الدافئة بين البلدين. وبعد ثورة 1979 أعلنت إيران رسمياً دعمها لـ"حق تقرير المصير في الصحراء" وافتتحت مكتب لـ"جبهة تحرير بوليساريو" في طهران، فقُطعت العلاقات بين البلدين عام 1981، وعادت عام 1991 حتى القطيعة عام 2009.

ويضم إقليم غرب أفريقيا 16 دولةً، ويمتد جغرافياً من موريتانيا غرباً حتى النيجر شرقاً، ومن موريتانيا شمالاً حتى ليبيريا جنوباً، ومن ليبيريا غرباً حتى نيجيريا. ويحد هذا الإقليم من الشرق دولتا تشاد والكاميرون، بينما يحده من الغرب والجنوب المحيط الأطلنطي، ومن الشمال دولتا الجزائر وليبيا.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية