هل تصدّر إيران التشيع إلى المغرب العربي؟

المغرب العربي

هل تصدّر إيران التشيع إلى المغرب العربي؟


08/11/2017

في ظرف بضعة أسابيع، صدرت مجلتان في التداول العربي، قاسمهما المشترك، الاشتغال البحثي على ظاهرة الإلحاد التي تهب على المنطقة خلال العقد الأخير، بما في ذلك حقبة ما بعد أحداث "الربيع العربي" [2011-2013].

يتعلق الأمر بالعدد السابع لمجلة "الاستغراب"، ثم مجلة "المحجة" (التي تصدر عن معهد المعارف الحكمية، وهي مجلة مُتخصّصة في الفكر الديني والفلسفة الإسلامية)، مع عنوان جاء كالتالي: "الإلحاد واغتراب الإنسان"، وتميّز بمشاركة أسماء مشرقية على الخصوص، إيرانية التداول المعرفي (عقيدة ومذهباً)، على غرار عدد كبير من المشاركين في ملف المجلة الأولى.
ليس الموضوع هنا التوقف عند أسباب ومُحددات ظاهرة الإلحاد، وهل الأمر لا يعدو أن يكون "مراهقة فكرية/ معرفية"، أو قناعة، أو مجرد رد فعل على ما تسبب فيه لنا ولغيرنا، الخطاب الديني التقليدي، بلْه الخطاب الديني الإيديولوجي السائد مع الظاهرة الإسلاموية؛ وإنما الحديث عن مرجعية مضامين هذه المقاربات.


سواء تعلق الأمر بمجلة "الاستغراب" أو مجلة "المحجة"، فالحديث منصبّ على مجلات فكرية تصدر عن مراكز بحثية تابعة للمجال التداولي الإسلامي الشيعي، في المشرق، في إيران ولبنان والعراق.
الشاهد هنا، أنّ هذه المجلات النوعية، إضافة إلى لائحة كبيرة من المجلات ذات الصلة، والتي تعج بها الساحة العربية، تأتي في سياق تفعيل مقتضيات التعريف بـ"المشروع الإيراني/ الشيعي".
الحديث له وجه واحد فقط من مشروع إستراتيجية تتفاعل فيه عدة مُحددات، منها المحدد الديني والسياسي والأمني والثقافي والدبلوماسي والاستخباراتي وغيرها من المحددات.

العوائق التي تواجه الباحثين في ظاهرة التشيع بالمغرب العربي قلّة المراجع والمواد الخام التي تساعد في قراءة الظاهرة

ولا يتعلق الأمر فقط بالمجال التداولي الإسلامي المغربي، بل يطال باقي المجالات التداولية الإسلامية، بما في ذلك التداول الإسلامي في القارة الأوروبية، بدليل ارتفاع أسهم التشيع من جهة، وتأكد اعتناق الآلاف من مواطنين شمال إفريقيا للتشيع في عديد دول أوروبية، وخاصة في بلجيكا وفرنسا وإسبانيا، ولو أن هذه السلسلة من المقالات التي سيجري نشرها في هذا الاتجاه، تركز بالتحديد على معالم "تصدير التشيع" لمنطقة شمال إفريقيا بالتحديد، وخاصة دول المغرب العربي: المغرب، الجزائر وتونس، والتي استهدفها مشروع "تصدير التشيع" كما استهدف دول جنوب الصحراء (السينغال، نيجيريا، كوت ديفوار..).
مُحددات المشروع الشيعي في المغرب العربي
سيتم التوقف عند أهم مُحددات هذا المشروع في المنطقة، ويمكن حصرها في المحددات التالية:
المُحدّد الديني والعقدي؛
المُحدّد السياسي والأمني؛
المُحدّد الثقافي والمعرفي؛
المحدد الإستراتيجي، كما يتضح، يشمل المُحددات سالفة الذكر، لأن القارئ إزاء عقل إستراتيجي يشتغل على عدة جبهات، خدمة لمشروعه التي تصاعدت أسهمه خلال العقدين الأخيرين، لاعتبارات عدة، ومن نتائج هذا "الكدّ الإستراتيجي"، على الأقل في المنطقة المعنية، أي في دول المغرب العربي؛ إذ صار المتابع يقرأ في تقارير الحريات الدينية الصادرة عن الخارجية الأمريكية، وقفات عند الأقلية الشيعية، وأصبح يسمع عن مطالب شيعة موريتانيا بالحق في إقامة الحسينيات، في بلد كان ولا زال سنياً أشعرياً وصوفياً، على غرار أغلب دول المنطقة، كما أصبح المراقب يعاين التنسيق بين شيعة الداخل وشيعة الخارج، كما على الخصوص مع شيعة المغرب في بلجيكا.
يأخذ هذا القول بعين الاعتبار المشروع الإستراتيجي بأبعاده؛ الدينية والمذهبية والعرقية والتوسعية بلْه الإستراتيجية، أما الحديث عن تيار إيراني محافظ وآخر إصلاحي، أو تحولات مرتقبة على تداعيات ومعالم المشروع، على إثر استحقاق رئاسي، وغيرها من المستجدات، فلا أثر لها مباشر على الأفق الإستراتيجي للمشروع؛ أي التوسع والهيمنة على باقي دول وشعوب وثقافات المنطقة، وما على أي مشكك في هذا المعطى النظري، سوى العروج على المعطى الميداني، عبر عقد مقارنة أولية بين معالم المشروع الإيراني مباشرة بعد اندلاع ما اصطلح عليه بـ"الثورة الإسلامية" في إيران [1979]، وبين معالم نفس المشروع اليوم، وتحديداً، معالم وتطبيقات المعطى النظري في دول المحيط الإقليمي، وخاصة في العراق ولبنان واليمن، واللائحة معرضة للامتداد، في ظل أداء متباين لباقي مشاريع الساحة، سواء تعلق الأمر بالمشروع السعودي السلفي، أو المشروع القطري الإخواني، [نسبة إلى جماعة الإخوان المسلمين].

مراكز بحثية شيعية تصدر مجلات فكرية للتعريف بـ"المشروع الإيراني الشيعي"

لقد طرأت عدة مستجدات محلية وإقليمية ودولية، أفضت إلى ظهور عدة مشاريع دينية تنهل عقدياً أو مذهبياً من مرجعيات دينية مشرقية، سواء تعلق الأمر بالمشروع السلفي، أو المشروع الإخواني، أو المشروع الشيعي، مع التذكير بأن بعض هذه المشاريع اليوم، في المجال التداولي المغاربي، ذات صلة وارتباطات بمؤسسات وتنظيمات واستراتيجيات مُسطرة خارج هذا المجال، وإن كانت  التقارير اللاحقة، ستتوقف بالتحديد عند معالم ومُحددات المشروع الشيعية دون سواه، مع التركيز أساساً على ثلاث دول مغاربية: المغرب والجزائر وتونس، والتذكير أيضاً بأن هناك عدة أبواب معرفية لمقاربة الظاهرة، بحيث يمكن مقاربتها من منظور فلسفة الدين، أو علم الاجتماع الديني، أو العلوم السياسية، خاصة أن الظاهرة تتداخل فيها مُحددات عقدية ومذهبية وسياسية واجتماعية، كما سلف الذكر.

 

عوائق منهجية
بقيت إشارة منهجية لا بد منها، وتهم كل الكتاب أو الباحثين أو الإعلاميين، من المعنيين بالاشتغال على ظاهرة التشيع في المنطقة، على قلتهم، وفي مقدمتها، تواضع المراجع أو قل المادة الخام التي تساعد في قراءة الظاهرة واستشرفا لمآلاتها في المستقبل.
من بين العوائق أيضاً، هاجس التقية الذي يواجه كل باحث معني بلقاء فاعلين شيعة في هذا المجال التداولي أو ذلك، ومن باب أولى هاجس التقيّة الذي يشتغل به العقل الجمعي الشيعي، إلى درجة وجود "تأصيلات شرعية" للعمل بعقل التقية مع كل عقل إسلامي خارج دائرة/ فضاء الشيعة، من منطلق أنّ الشيعة يعتقدون أن التقية واجبة لا يجوز تركها إلى يوم القيامة، وأن تركها بمنزلة من ترك الصلاة، وأنها تسعة أعشار الدين، ومن ضروريات مذهب التشيع، ويقول الخميني في المكاسب المحرمة (2/162): "وترك التقية من الموبقات التي تلقي صاحبها في قعر جهنم، وهي توازي جحد النبوة والكفر بالله العظيم".
هناك نموذج تطبيقي حول دور هاجس "التقية" في تمويه المتلقي والمتتبع للظاهرة، وتكمن أهمية النموذج أنّه يهم عملاً بحثياً، بله ما يمكن أن معاينته في المتابعات الإعلامية، أو في تفاعل العامة والخاصة مع خطاب وأداء الفاعل الشيعي.
يتعلق الأمر بمضامين تقرير بحثي يتطرق لواقع الشيعة في الفضاء الإفريقي، بما في ذلك واقع الشيعة في المجال المغاربي، ومضامين المحور المُخصّص للشيعة في المغرب، تعريفاً ببعض الفاعلين الشيعة، وتوقف التقرير عند نموذجين اثنين، يشتغلان في حقل الكتابة والإعلام، مع إرفاق الاسمين بصورة شمسية تعريفية، ويتعلق الأمر بالكاتب إدريس هاني، [أحد أشهر المتشيعين المغاربة، حسب تعريف التقرير]، وإدريس بن محمد بن أحمد الحسيني الإسماعيلي، [وهو كاتب وصحفي حسب ذات التعريف]؛ ولكن ما لم ينتبه إليه مجلس الأمناء في المؤسسة البحثية الدينية التي أصدرت التقرير، أن الأمر يتعلق بالاسم نفسه، ولكن لديه اسمه مستعار، ومُؤلف بعض الدراسات تعج بخطاب شيعي طائفي متشدد، كما يتضح مثلاً من خلال الإصرار على سبّ الصحابة، وبخاصة الدراسات التي تحمل عنوان: "لقد شيعني الحسين"، و"الخلافة المغتصبة".
انطلاقاً من هذه الأرضية النظرية الأولى، سيتم التوقف من هنا فلاحقاً، عند سلسلة مقالات حول الشيعة والتشيع، مع محطات ذات صلة وثيقة بالمُحدّدات الثلاثة سالفة الذكر: الدينية والعقدية؛ السياسية والأمنية؛ وأخيراً، الثقافية والمعرفية.

 

 

 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية