العراق: الأتاوات والمخدرات وراء صِدام الجماعات الشيعية في ميسان

العراق: الأتاوات والمخدرات وراء صِدام الجماعات الشيعية في ميسان


15/02/2022

على طول نهار كامل، لم يستطع وجود القائد العام للقوات المسلحة مصطفى الكاظمي في محافظة ميسان، جنوب العراق، من ضبطِ الاضطراب الأمني "الواضح للعيان" في المحافظة، بل زادت الجماعات المسلحة من تحديها لهرمِ السلطة التنفيذية، لدى مواصلتها عمليات الاغتيال في المدينة؛ التي شهدت هدوءاً نسبياً، بعيد نجاح مفاوضات التيار الصدري وحركة عصائب أهل الحق، في إنهاء النزاع بينهما في المحافظة.
  واتهمت اللجنة المشكلة؛ بناءً على مبادرةٍ أطلقها الزعيم الصدري مقتدى الصدر، واستجاب لها رئيس "العصائب" قيس الخزعلي، الجمعة الماضية، "طرفاً ثالثاً" بالاغتيالات التي طالت عناصر محسوبة على الطرفين؛ فيما أكدت الاحتكام لسلطة القانون؛ في جميع الاتفاقات لـ"اجتياز المرحلة".

وذهبت أغلب التقارير الإعلامية إلى أنّ الصراع الدائر في محافظة ميسان، يأتي وفق دوافع سياسية ضاغطة على الجهتين الشيعيتين المتنافستين على تشكيل الحكومة المقبلة، وهما "الكتلة الصدرية" و قوى "الإطار التنسيقي"، إلا أنّ تواصل "حفريات" مع شخصيات ميسانية معنية بملفِ حقوق الإنسان، كشف أنّ الصراعَ اقتصادياً بالدرجةِ الأولى؛ بين الجماعات الشيعية التي تتنافس بحدة على وارادات المنفذ الحدودي للمحافظة المحاذية لإيران. كما أنّ الاقتتال قائم بشأنِ تجارة المخدرات المستوردة من الجار الشرقي للعراق. 
 نتائج أمنية بعيد الاتفاق سياسي
وبعد مرورِ يومٍ واحد على اتفاق التيار الصدري وحركة العصائب، تمكنت القوات الأمنية العراقية من اعتقال 8 مطلوبين، بينهم منفذ لـ 20 عملية اغتيال في محافظة ميسان.

 ناشط ميساني يكشف أنّ الصِدام بين الجماعات المسلحة في المحافظة، دوافعهُ اقتصادية، من أجل الاستحواذ على موارد منفذ حدودي مع إيران بغية استيراد وتسويق المخدرات إلى الداخل   


وكانت آخر جريمة هزت الرأي العام المحلي، هي اغتيال القاضي أحمد فيصل الساعدي، مسؤول ملف المخدرات في المحافظة، وأعقبها لاحقاً اغتيالانِ لعنصرينِ من التيار الصدري، أثناء تواجد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي؛ الذي وصلَ المحافظة للوقوف على حيثيات مقتل القاضي الساعدي. وجاءت عمليات الاغتيال؛ كردِ فعلٍ على اغتيالاتٍ سابقة؛ طالت ثلاثة أخوة منتمين لحركة العصائب.

بيان لخلية الإعلام الأمني قال إنّ "قيادة عمليات ميسان ألقت القبض على المجرم (حسن طراد) المسؤول عن تنفيذ العديد من عمليات الاغتيالات والخطف وإرهاب المواطنين في المحافظة"، مبيناً أنّ "المعتقل مطلوب إلى القضاء العراقي وفق المادة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب، وتمّت عملية إلقاء القبض عليهِ في عملية مداهمة نوعية داخل المحافظة".
صراع دوافعهُ اقتصادية
وذهبت معظم السرديات والتحليلات السياسية إلى نيةِ قوى "الإطار التنسيقي"، لتصعيد الموقف الأمني في جنوب العراق، بغية الضغط على التيار الصدري، وإجبارهِ على التفاوضِ وإشراكهِ برمتهِ في الحكومة المرتقبة، إلا أنّ ناشطينَ من أهالي محافظة ميسان، فنّدوا تلك التوقعات والمرويات، وأكدوا لـ"حفريات"، أنّ دوافع الاحتراب بين الجماعات الشيعية المسلحة مغزاهُ "اقتصادي محض".



ويقول ناشط ميساني؛ فضل عدم الكشف عن هويتهِ لدواعي أمنية، إنّ "الصِدام بين الجماعات المسلحة في المحافظة، دوافعهُ اقتصادية، من أجل الاستحواذ على موارد منفذ الشيب الحدودي مع إيران"، مبيناً أنهُ "يتم فرض الأتاوات والضرائب على البضائع المستوردة من قبل التجّار، فضلاً عن استيراد وتسويق المخدرات إلى داخل المحافظة".

وبشأن اتهامات اللجنة السياسية المشتركة لـ"طرفٍ ثالث" بافتعال الأحداث في ميسان، أوضح أنّ "الطرف الثالث، هي حركة أنصار الله الأوفياء، وهي حركة منشقة سابقاً عن حركة عصائب أهل الحق، وتعمل حالياً بالتنسيق مع الحركة الأم، وتمارس عمليات اغتيال بحقِ المناوئينَ لهما من الجانب الصدري"، مؤكداً أنّ "إدانة هذه الحركة واضحة لدى المجتمع الميساني الذي يقفُ متفرجاً على الأحداث المكشوفةِ لديه".
العصائب تتبرأ من "طراد"
ونتيجة للتفاعل مع الأحداث الأمنية الجارية في جنوب العراق، واعتقال القوات للمتهم بتنفيذ عمليات الاغتيال (حسن طراد)، أعلنت حركة عصائب أهل الحق، براءتها من المعتقل الذي ينسبهُ الشارع المحلي إلى الحركة.

وقالت الحركة في بيان لها
"استكمالاً للجهود المبذولة من أجلِ درءِ الفتنة، وإبعاد مخاطرها وأضرارها عن أهلنا في محافظة ميسان العزيزة، نعلن دعمنا الكامل لإجراءات الأجهزة الامنية في المحافظة، لتنفيذِ أوامر القبض الصادرة بحقِ المطلوبين بجرائم القتل والاغتيال والخطف دون النظرِ إلى انتماءاتهم الجهوية او العشائرية". 

وأكدت أنّ "المدعو (حسن طراد) ليس لديهِ أيّ انتماء رسمي لحركتنا، وليس لنا أيّ علاقة به، وسبق أن أدعى ذلك، وصدرت براءة منهُ قبل عامين؛ بتاريخ 10 شباط (فبراير) 2020".

وجاء موقفُ حركة "العصائب" بعد اجتماع ممثليها مع ممثلينَ عن التيار الصدري، بناءً على دعوة زعيم التيار مقتدى الصدر، الجمعة الماضية، وقبولها من قبل رئيس الحركة قيس الخزعلي، حيث أفضى الاجتماع إلى "احتكام الطرفين إلى القانون في كل الاتفاقات، وامكانية اجتياز المرحلة".
سلطة العشائر فوق السلطات
وتعدُّ محافظة ميسان، من أكثر المحافظات العراقية الجنوبية التي لا تهدأ أوضاعها الأمنية، نتيجة تفوق سلطة العشائر؛ لما تمتلكهُ من سلاحٍ وأفرادٍ ونفوذ، فوق جميع السلطات الأخرى. لذا تعجز القوات الأمنية التي ينتمي أفرادها إلى أغلب عشائر المحافظة، من ضبط الأمن فيها، واعتقال المخالفين للقانون.

ولدى سؤالنا عن سلطة المحافظ علي دواي، بصفتهِ المسؤول الأول في المحافظة، والمدعوم من قبل التيار الصدري، أجاب الناشط الميساني: "المحافظ أشبه بالعاجز، وبنفس الوقت يرفضُ جلبَ قواتٍ أمنيةً من خارج المحافظة، لأنهُ يتصف بالديكتاتورية الإدارية، ولا يريد أن تأتي قوة مدعومة اتحادياً تنافسهُ على قرار المحافظة".



ويؤكدُ أنّ "عدم فاعلية القوات الأمنية في ميسان، لكون معظم منتسبيها من أبناء المحافظة وعشائرها، وقيامهم بالواجب الأمني تجاه الجناة، يعرّضهم للملاحقة العشائرية، في ظل ضعف اسناد القيادات الأمنية لأفرادها"، لافتاً إلى أنّ "السلطة القضائية هي أيضاً تقفُ في منطقة محايدة، لأنّ القضاة أيضاً لديهم امتدادات عشائرية، ومحكومين بمنظوماتهم العرفية؛ أكثر من المنظومة القانونية".
مطالبات بتدوير القيادات الأمنية
وبناءً على عمقِ الأزمة الاجتماعية التي تعيشها القوات الأمنية في محافظة ميسان، طالبَ مراقبون القائد العام للقوات المسلحة مصطفى الكاظمي إلى "تدوير القيادات الأمنية" في المحافظات العراقية.

 


 الباحث العراقي نجم القصاب لـ"حفريات": على القائد العام للقوات المسلحة أن يعملَ على تدوير القيادات الأمنية في المدن العراقية، وأن يكون القادة الأمنيون ليسوا من أبناءِ المدينةِ نفسها


ويقول نجم القصاب، رئيس مركز المورد للدراسات والإعلام، إنّ "الواقع في مدينة ميسان، معقد جداً، إذ للمدينة حدود مع دول أخرى، وفيها الكثير من الأزمات والمشاكل السياسية والجنائية، والبعض أراد أن يستغلَ الخلاف الموجود بين التيار الصدري وعصائب أهل الحق"، مشيراً إلى أنّ "الفتنة لو حصلت، لكانت ستمتد إلى مدنٍ أخرى؛ كالبصرة وذي قار، ومن ثم إلى محافظات الوسط والعاصمة بغداد، وبهذا ستكون محرقة لكلِّ العراقيين".
وأبلغ "حفريات"، أنّ "الوفدين المفاوضين من خلال متابعتنا لهما، دعما سلطة القانون، وعدم الوقوف لطرف إذا أُدينَ قانونياً، وبالتأكيد عدم تطبيق القانون على أطراف متحزبة في ميسان، سيخلقُ مشاكل عشائرية، لأنّ حصر السلاح المنفلت ضروري للتهدئة".
وطالب القصاب، بـ"وجوب حصر السلاح بيد الدولة؛ لأنّ البلاد تشهدُ تحولاً كبيراً في الملف الأمني؛ إذ بدأت الجماعات المسلحة استخدام الطائرات المسيرة في الوقت الراهن، رغم أنّ لدينا أجهزة أمنية كبيرة، وعلى القائد العام للقوات المسلحة أن يعملَ على تدوير القيادات الأمنية في المدن العراقية، وأن يكون القادة الأمنيون ليسوا من أبناءِ المدينةِ نفسها".
الكاظمي: الفوضى لا ترحم أحداً
وكان رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، قد وصلَ الأربعاء الماضي، رفقة وزيري الداخلية والدفاع إلى محافظة ميسان، للوقوف على مجريات مقتل القاضي أحمد فيصل الساعدي، إلا أنّ مع تواجدهِ شهدت المحافظة عمليتيْ اغتيالٍ طالتا ضابطاً، وآخر من المحسوبين على التيار الصدري، الأمر الذي دفعَ زعيم التيار إلى أطلاق مبادرة تفاوضية مع حركة "العصائب".


وقال الكاظمي؛ في كلمةٍ لهُ خلال اجتماعهِ بقيادات الأجهزة الأمنية في ميسان، "نمرّ اليوم في ظروفٍ سياسية معقدة جداً، هذه المرحلة مفصلية ومهمة، ولا يجوز لأحدٍ استغلال هذه الظروف لإشاعة الفوضى"، داعياً "جميع القوى دون استثناء، الأمنية والسياسية، والاجتماعية، إلى التحرك السريع وتحمل مسؤولياتها".

وأضاف، أنّ "الفوضى لا ترحم أحداً، والجميع سيدفع الثمن، فعلينا أن نعملَ معاً، ونتعاون لنصل إلى النتائج المرجوّة"، مخاطباً المجرمين "ستنالون العقاب القاسي، ولا يعتقد أحد أنّ بإمكانهِ أن يعلو فوق القانون، أو يسعى إلى إشاعة الفوضى دون محاسبة".

وتابع قوله "اتخذنا إجراءاتٍ سريعة لمعالجة التداعيات، ووجهنا بتشكيل قيادة عمليات ميسان، والعمل على إعادة وضع الخطة الأمنية لمعالجة الخروقات الحاصلة"، مؤكداً متابعتهُ الشخصية لـ"وضع المحافظة مع القيادة الأمنية المشتركة يوماً بيوم، وسيتم اعتقال جميع المجرمين وتسليمهم إلى القضاء، وإنزال أشد العقوبات بهم، ولا أحد فوق القانون، وليس مسموحاً لأحد أن يتجاوزَ الدولة ومؤسساتها".
 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية