لماذا قتل "الإخوان" فرج فودة؟

لماذا قتل "الإخوان" فرج فودة؟


29/05/2022

عمرو فاروق

تحل في الثامن من حزيران (يوينو) المقبل، الذكرى الثلاثون لاغتيال الكاتب والمفكر المصري فرج فودة، والذي قُتل في 1992 بتحريض مباشر من جماعة "الإخوان" وقياداتها، الذين أفتوا بتكفيره وإباحة دمه لمخالفته ومعارضته منهجهم وأدبياتهم التي تغلغلت في عمق المجتمعين المصري والعربي.

في ثمانينات القرن الماضي، كان الجميع يتغني بالعصر الذهبي للخلافة الإسلامية وضرورة عودتها للمشهد اتفاقاً مع حالة المحاصرة الفكرية للدوائر المجتمعية الشعبية والسياسية، وغلبة ثقافة القطيع نحو الاتجاه للمشروع الأصولي، في حين وقف فرج فودة ليعلنها أمام الجميع "لا"، فقراءة التاريخ تشير عكس ذلك.

صاغ فرج فودة ملامح مشروعه الفكري في محاولة لوقف المد الأصولي، وتفكيك الخطاب الأيديولوجي للجماعات الدينية، والحد من تأثيراته في الشارع المصري، مرتكزاً على أربعة أعمدة أساسية هي: نقد الإسلام السياسي المعاصر، ونقد الإسلام السياسي التاريخي، وحتمية الاجتهاد وإعمال العقل، والدفاع عن أسس الدولة المدنية الحديثة.

كانت المناظرة الشهيرة التي عُقدت في معرض الكتاب الدولي بالقاهرة في كانون الثاني (يناير) 1992، تحت عنوان "مصر بين الدولة الإسلامية والدولة المدنية"، السبب الرئيسي في اغتيال فرج فودة، وهي المناظرة التي استمرت 3 ساعات متواصلة، وحضرها أكثر من 30 ألف شخص من أتباع تيارات الإسلام السياسي.

انقسم المُحاضرون في المناظرة إلى فريقين: الأول، يمثل "الدولة الدينية"، ويضم الشيخ محمد الغزالي، ومأمون الهضيبي، وهو كان نائب مرشد "الإخوان" والمتحدث باسم الجماعة حينها، والمفكر الإسلامي الدكتور محمد عمارة، والآخر، يمثل "الدولة المدنية"، ويضم الدكتور محمد خلف الله (حزب التجمع)، والدكتور فرج فودة.

بدأت المناظرة بكلمة للشيخ الغزالي، ذكر فيها أهمية الحفاظ على الهوية الإسلامية، ثم تبعه مأمون الهضيبي، الذي ركز على أهمية أن يكون الجدال والنقاش بين "الدولة الإسلامية" و"الدولة اللاإسلامية"، مؤكداً أن الإسلام دين ودولة وليس ديناً فقط.

وخلال ذلك تعالت هتافت الحضور بالنشيد الرسمي لـ"الإخوان": "الله غايتنا، والرسول قدوتنا، والقرآن دستورنا، والجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا".

كان الدكتور فرج فودة آخر المتحدثين، وبدأ كلامه بالرد على ما دار من حديث حول قدسية دولة الخلافة، مستشهداً بكلام الشيخ الغزالي نفسه، من أن الإسلاميين منشغلون بتغيير الحكم، أو الوصول إلى الحكم، من دون أن يعدّوا أنفسهم لذلك. وأشار إلى ما قدمته الجماعات الأصولية وما صدر عنها من أعمال عنف وسفك للدماء، ومستشهداً بتجارب الدول الدينية المجاورة، لا سيما الدولة الإيرانية، قائلاً: "إذا كانت هذه هي البدايات، فبئس الخواتيم، فالفضل للدولة المدنية التي سمحت لكم أن تناظرونا هنا، ثم تخرجون رؤوسكم فوق أعناقكم؛ لكن دولاً دينية قطعت أعناق من يعارضونها".

وأضاف: "لا أحد يختلف على "الإسلام الدين"، لكن المناظرة اليوم حول منطلقات "الدولة الدينية"، وبين "الإسلام الدين" و"الإسلام الدولة" رؤية واجتهاد، وأن "الإسلام الدين" في أعلى عليين، أما "الإسلام الدولة" فهو كيان سياسي وكيان اقتصادي وكيان اجتماعي يلزمه برنامج تفصيلي يحدد أسلوب الحكم".

وخاطب "الإخوان" قائلاً: "إذا كان التنظيم السري جزءاً من فصائلكم أم لا، تدينونه اليوم أم لا؟ هل مقتل النقراشي والخازندار بدايات لحل إسلامي صحيح؟ أو أن الإسلام سيظل دين السلام، ودين الرحمة، والدين الذي يرفض أن يُقتل مسلم ظلماً وزوراً وبهتاناً لمجرد خلاف" .

وهو ما دفع مأمون الهضيبي، للقول إن "الإخوان" يتقربون إلى الله بأعمال التنظيم الخاص (كيان مسلح)، وإنه لا يوجد لدى الجماعة برنامج تفصيلي.

وشعر حينها أنصار تيار "الإسلام السياسي"، أنهم عجزوا عن مواجهة فودة، بشيء من المنطق، خصوصاً في ما يتعلق بقضية "دولة الإسلام"، ومن ثم تحولت المناظرة لتحريض واضح وشحن علني لتكفيره، والطعن بأفكاره، وعقيدته وإيمانه.

لم تهدأ أجواء الصراع بين الطرفين بعد المناظرة لكنها اشتعلت، إذ ظهر الشيخ محمد الغزالي عقبها في برنامج "ندوة للرأي" على التلفزيون المصري، وقال بوضوح: "إن من يدعو للعلمانية مرتد يستوجب أن يطبق عليه حد الردة"، موجهاً كلامه تجاه فرج فودة الذي ألّف كتاباً يدعو للمفاهيم العلمانية تحت مسمى "حوار حول العلمانية".

في 1 حزيران (يونيو) 1992، قبل تنفيذ الاغتيال بـ5 أيام فقط، نشرت جريدة "النور" الموالية لتيارات الإسلام السياسي، فتوى رسمية لـ"جبهة علماء الأزهر"، (ندوة علماء الأزهر وقتها)، برئاسة الدكتور عبد الغفار عزيز، ونائبه الدكتور محمود مزروعة، تكفر فرج فودة تكفيراً صريحاً، بدعوى أنه مرتد، وتستوجب قتله.

عقب بيان "جبهة علماء الأزهر"، تسابقت المرجعيات التكفيرية للجماعات المسلحة للتأكيد على فتوى تكفير فرج فودة ووجوب قتله، من فوق منابر المساجد، وفي مقدمهم الأب الروحي لـ"الجماعة الإسلامية" الشيخ عمر عبد الرحمن، وكذلك الداعية "الإخواني" وجدي غنيم.

وجاءت عملية الاغتيال بتكليف مباشر من صفوت عبدالغني (القيادي بالجناح المسلح للجماعة الإسلامية)، من داخل محبسه، والذي كان مسجوناً بتهمة اغتيال رئيس مجلس الشعب الدكتور رفعت المحجوب في تشرين الأول (أكتوبر) 1990، ونقل محاميه للقتلة تكليفه بقتل فرج فودة.

في يوم الاثنين 8 حزيران (يونيو) 1992 تحرك عبد الشافي رمضان (26 عاماً)، وأشرف السعيد (29 عاماً)، بتكليف من محامي صفوت عبد الغني، واستقلا دراجة نارية، بمشاركة أبو العلا عبد ربه، المسؤول عن توفير الأسلحة والذخائر، (قتل في سوريا عام 2017)، وذلك بعدما استفتوا الدكتور محمود مزروعة وجهاً لوجه في استحلال قتل فودة.

في السادسة من مساء ذلك اليوم، خرج الدكتور فودة من مكتبه أمام "الجمعية المصرية للتنوير"، التي أسسها في مصر الجديدة، وفور مشاهدتهما له أمطراه بالرصاص، ما أسفر عن إصابته وابنه أحمد، وصديقه الدكتور وحيد رأفت زكي.

حملت سيارة الإسعاف الدكتور فودة إلى المستشفى، حيث قال وهو يحتضر "يعلم الله أنني ما فعلت شيئاً إلا من أجل وطني"، وحاول جراح القلب الدكتور حمدي السيد (نقيب الأطباء الأسبق) إنقاذ حياته، لكنه لفظ أنفاسه الأخيرة بعد 6 ساعات.

بعد تنفيذ العملية أعلنت "الجماعة الإسلامية" مسؤوليتها عن اغتيال فودة تطبيقاً لفتوى علماء الأزهر، ورحبت كذلك جماعة "الإخوان" من خلال متحدثها الرسمي مأمون الهضيبي، عبر صفحات جريدة "الأخبار"، وإذاعة "صوت الكويت".

أحيل المتهمون إلى المحاكمة الجنائية، وخلال جلسات محاكمتهم التي بلغت 34 جلسة، استمعت فيها المحكمة إلى أقوال 30 شاهداً، أشار المتهم الأول، إلى أن سبب اغتياله للدكتور فودة، أنه "كافر"، وبسؤاله "من أي من كتبه عرفت أنه كافر؟"، كانت المفاجأة أن المتهم لم يقرأ أي كتاب لفودة، مؤكداً: "أنا لا أقرأ ولا أكتب".

عقب عملية الاغتيال مباشرة، هرب رئيس "جبهة علماء الأزهر" الدكتور عبدالغفار عزيز، إلى الكويت (مصدر الفتوى الرسمية)، وأصدر كتاباً تحت عنوان "من قتل فرج فودة؟"، أورد فيه 4 اتهامات تفيد بتكفير فودة، أولها رفضه تطبيق الشريعة، حتى أنهى الكتاب بعبارة "فرج فودة هو من قتل فرج فودة"، وأن الدولة قد سهلت له عملية "الانتحار"، وشجعه عليها المشرفون على مجلة "أكتوبر". فاستدعت المحكمة نائبه الدكتور محمود المزروعة، رئيس قسم العقائد والأديان بكلية أصول الدين في جامعة الأزهر، والشاهد الرئيسي في القضية، فقال أمام المحكمة إن "فرج فودة مرتد بإجماع علماء المسلمين، ولا يحتاج الأمر إلى هيئة تحكم بارتداده، وهو مستوجب القتل".

لكن الحقيقة الغائبة، هي أن كلاً من الدكتور عبدالغفار عزيز، مؤسس "ندوة علماء الأزهر وقتها" عام 1992، ونائبه الدكتور محمود مزروعة، هما من العناصر المنتمية لجماعة "الإخوان المسلمين".

كان الدكتور عبدالغفار عزيز، أحد المساهمين في تأسيس المركز الإسلامي في ميونخ، أكبر معاقل "الإخوان" في أوروبا، ومن رجال مهدي عاكف (وفقاً لما دونه نجله وائل في مذكراته الشخصية)، وعند عودته إلى القاهرة، تم انتخابه ضمن قائمة "الإخوان" في مجلس الشعب المصري عام 1984، وكان ممثلاً لجامعة الأزهر عام 1986، لإلقاء كلمة رثاء المرشد العام لـ"الإخوان" عمر التلمساني، فضلاً عن دوره الداعم لحملات جمع الأموال من أجل "الجهاد الأفغاني"، وصدرت له تحذيرات صريحة من الأجهزة الأمنية بتحويله إلى المحاكمة بتهمة تمويل الإرهاب.

وتم القبض على الدكتور محمود مزروعة، بتهمة الانتماء لتنظيم "الإخوان" عام 1956، وتم الإفراج عنه عقب اصابته في عينه أثناء وجوده في السجن الحربي، وله ملف في جهاز أمن الدولة (الأمن الوطني حالياً) يحمل سجله التنظيمي.

وفي تشرين الأول (أكتوبر) 2013، صرح مزروعة بأن الدكتور محمد مرسي، خليفة المسلمين، وأن انتخابه يمثل بيعة كبيعة خلفاء الرسول أمثال أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وأن مَن يخرج عليه آثم شرعاً.

عن "النهار" العربي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية