لماذا تجدّدت خلافات "الإخوان" مع الانتخابات الرئاسيّة؟

لماذا تجدّدت خلافات "الإخوان" مع الانتخابات الرئاسيّة؟

لماذا تجدّدت خلافات "الإخوان" مع الانتخابات الرئاسيّة؟


01/10/2023

منير أديب

مشهدان لا يمكن تجاوزهما عند قراءة آخر التحولات التي مرت بها جماعة "الإخوان"، أحدهما مرتبط بالخلافات التي بدأت مع قرار الأمين العام للتنظيم الدولي إبراهيم منير، في تشرين الأول (أكتوبر) من عام 2021، التحقيق مع الأمين العام للجماعة محمود حسين، وآخرين من أعضاء مجلس شورى الإخوان، وثانيهما مرتبط بموقف كلتا الجبهتين المتصارعتين من الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها في كانون الأول (ديسمبر) المقبل.

خلافات الإخوان لم تبدأ منذ لحظة إعلان محمود حسين نياته بأن يتولى منصب القائم بأعمال مرشد الإخوان، بل سبقتها منذ تم إلقاء القبض على محمود عزت، نائب المرشد والقائم بعمله، في آب (أغسطس) من عام 2020، إذ ظل منصب القائم بالأعمال شاغراً، ورأى كل منهما أحقيته بتولي المنصب، وهنا يمكن القول إن الخلاف فقط طفا على السطح، عندما اتهمت كل جبهة الجبهة المتصارعة معها بالعمالة والخيانة؛ العمالة لأجهزة استخبارات أجنبية، وخيانة التنظيم وطعنه في الظهر.

ربما انخفضت نبرة الخلاف بين الجبهتين المتناحرتين داخل التنظيم منذ أن تولى صلاح عبد الحق، منصب القائم بعمل مرشد الإخوان، جبهة إبراهيم منير في آذار (مارس) من عام 2023، والذي ارتبط اسمه بأشهر خلاف وصراع شهدته الجماعة على مر تاريخها، لأن الرجل يتعامل باستراتيجية عدم إثارة نقاط الخلاف، وهنا التزمت الجبهتان عدم صدور بيانات تُعلي من قيمة الصراع، حتى خرج د. حلمي الجزار، في لقاء تلفزيوني على إحدى منصات الجماعة الإعلامية.

صمت حلمي الجزار 10 سنوات كاملة، وعندما ظهر على الإعلام خرج بـ95 عاماً من الخلافات المكبوته داخل التنظيم، والتي أظهرها الخلاف الشهير بين منير وحسين، ولعله كشف عنها في حواره؛ يُخطئ من يقرأ حداثة هذه الخلافات أو يقلل من شأنها، معتبراً إياها مجرد خلافات إدارية، وهذا ما وقع فيه مسؤول المكتب السياسي لجماعة الإخوان، جبهة الراحل إبراهيم منير، إذ وصف الخلاف بأنه محصور وسوف ينتهي في المستقبل، ما دامت كلتا الجبهتين تخضعان لقيادة مرشد الإخوان محمد بديع، القابع داخل السجن.

ويبدو وصف الجزار للخلاف تسطيحاً لأزمة تعيشها الجماعة خلال عقودها العشرة الأخيرة على الأقل، ظناً منها أنها قادرة على القضاء عليها في المستقبل؛ هذه الأزمة لا يفهمها عموم صف الإخوان من الأفراد والأتباع، بينما ينكرها القادة المطلعون على خلفيات ما يدور داخل التنظيم ودلالاته؛ هذا الجهل والإنكار سوف يزيدان من اشتعال الصراع وسوف يعجلان في انهيار التنظيم.

تزداد خلافات الإخوان وصراعاتهم مع غياب المعلومة، فما هو معلوم لأفراد التنظيم، وما تحجبه القيادة عن أتباعها أحد أسباب الانهيار؛ لا حلول عملية للخلافات القائمة، والتنظيم غير مهيأ للتعامل معها حالياً أو في المستقبل، وبالتالي هي جديرة بتفككه، هذا التفكك قد يأخذ عشر سنوات كاملة، ولكنه حتماً سوف يؤدي إلى هذه النتيجة.

سوف يكون لنا تدقيق بمقالات تالية بالبحث في تجليات هذا الصراع ونتائجه المتوقعة، وفق المعطيات المبنية على الفهم الدقيق للتنظيم، ولكن ما نود ذكره أنّ فناء التنظيمات الدينية المراوغة يأخذ وقتاً طويلاً، لأنها تنظيمات مراوغة، خلطت العمل الدعوي بالعنف، وأبطنت مواقفها ونياتها فخدعت بذلك ساسة ورؤساء وزعماء أمنيين ومثقفين، ولأن عمرها الممتد لقرن من الزمان جعلها متجذرة داخل بعض المجتمعات العربية، ولعل إقناع العقل الجمعي العربي بضرورة الاستئصال يحتاج وقتاً طويلاً لفهم التنظيم ومراميه، وهو ما حدث بالفعل، فبدأت الروح التي لامست جسد التنظيم تنفك عنه، ولعل هذه العملية تأخذ وقتاً ليس بالقليل، فكثير من المرضى في حالتهم المتأخرة، ولعل أغلبهم لا يشعر بأنه يغادر الحياة أو يحاول أن يقنعها بخلاف ذلك.

الإخوان مدرستان، إحداهما تميل إلى الوداعة في القول، والأخرى تميل إلى الخشونة، وكلتاهما تؤديان إلى نتيجة واحدة تُعبر عن منطق التنظيم واستراتيجيته، فمهما اختلف قول كل منهما فسلوكهما واحد، ولعل المدرسة الأولى أخطرهما، لأنك قد لا تستطيع أن تفهم التنظيم من هؤلاء القادة أو الأتباع الذين يسيرون على نهج هذه المدرسة، فهؤلاء قد يخدعون غيرهم لسنوات طويلة.

لا تسمح مدرسة التنظيم بتمدد أصحاب المدرسة الأخرى، فقط تستخدمهم في الواجهة، قد يكونون أكثر انتشاراً على منصات الإعلام أو معبرين عنها، ولكنهم ليسوا أصحاب قرار ولن يكونوا كذلك، وهدف التنظيم من استخدامهم هو خداع النّاس بحلو اللسان، فغالباً لا يتكلفون في أقوالهم ولكن يراوغون وهم يعرفون ذلك، وفي الوقت نفسه إما أنهم ليسوا أصحاب قرار أو أنهم يصطدمون بمدرسة الصقور داخل التنظيم.

أهمية هذه الرؤية في أنها تساعدنا في قراءة الخلاف بين جبهات الإخوان المتصارعة، كما أنها تضعنا على أعتاب قراءة أدق لتجدد هذا الصراع على خلفية الانتخابات الرئاسية خلال الشهور القليلة القادمة؛ فالجماعة المكلومة ما زال يتصارع أتباعها على المناصب والأموال داخل التنظيم، ولنا تفصيل بمقالات قادمة في هذه المساحة، لكن هذا التنظيم ما زال يتناطح قبل أن يعود إلى الحياة التي يأملها.

صمت الجزار دهراً بدعوى "أنّ نجتمع على كلمة سواء"، وعندما نطق نطق كفراً بالجبهة المتصارعة معه، فقلل من قيمتها وسفّهها، والأخطر أنه طعنها بخنجر في ظهرها، إذ قال كلاماً ينسف منطقها، وهو إعادة لما سبق وأعلنه الراحل إبراهيم منير، وهو اعتزال الإخوان العمل السياسي، واصفاً ذلك بأنه تمت مناقشته داخل أروقة الجماعة وأنه قرار مؤسسي، بينما جبهة محمود حسين، ترفع شعار القصاص، ولعل قادتها يقدمون أنفسهم لأعضاء التنظيم من هذه الزاوية.

وهذا ما دفع جبهة محمود حسين لأن تخرج ببيان تعلن فيه موقفها من الانتخابات الرئاسية في مصر ومن سجن أتباعها ومن خلافها مع جبهة الإخوان الأخرى، ولكن الإعلان تارة يبدو مباشراً وواضحاً حيث جاء فيه أن ما طرح تحت عنوان رؤية الجماعة السياسية للمشهد الجاري في مصر لا تعبر إلا عن رؤية صاحبها، وهنا قصد بيان الإخوان الذي طرحه حلمي الجزار، مسؤول المكتب السياسي للجماعة.

وهنا تجدد الخلاف، بل دعونا نستخدم المصطلح الأدق وهو طفو الصراع، ما يحدث داخل التنظيم ليس مجرد خلاف! الحديث ليس عن تجدده ولكنه على أهميته ودلالاته وليس في تأثيره فقط؛ صحيح نحن نتحدث عن جماعة منهارة داخلياً ولكننا نتحدث بالأهم عن دلائل هذا الصراع الذي يدل إلى تفكك الفكرة المؤسسة للتنظيم، بل وتفكك التنظيم نفسه، وأن هذا التفكك بدأ من داخل هذا الكيان، ولكنه يحتاج إلى عوامل مساعدة من خارجه حتى يصبح التنظيم مجرد سطر في كتب التاريخ يقرأ النّاس عنه كما يقرأون الآن عن جماعات الخوارج والمعتزلة.

عن "النهار" العربي




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية