لماذا انزعجت جماعة "الإخوان" من مسلسل "الاختيار"؟

لماذا انزعجت جماعة "الإخوان" من مسلسل "الاختيار"؟


19/04/2022

عمرو فاروق

في إطار رؤيتها لبناء مشروع المواجهة الفكرية لمكافحة الإرهاب والتطرف، وظفت الدولة المصرية قوتها الناعمة، متمثلة في الدراما الوطنية المدعومة بالمضامين الروائية والوثائقية، إذ إن الفن والثقافة يمثلان ركائز بناء الفكر الجمعي للمجتمع والحفاظ على هويته من التخريب المتعمد. 

منذ عرض مسلسل "الاختيار"، لم تتوقف الحملات الممنهجة من جماعة "الإخوان المسلمين" للنيل من العمل الدرامي والقائمين عليه، سعياً الى التشويش على رسالته التي تمثل ضربة استباقية في قلب الجماعة التي تلاعبت مراراً بالحقائق المرتبطة بالمراحل الزمنية السابقة، وتشويه المرويات التاريخية والأحداث السياسية. 

ثمة تخوفات حقيقية لدى جماعة "الإخوان" من مسلسل "الاختيار"، ومشروع الدراما والسينما الوطنية الذي شرعت فيه الدولة المصرية على مدار السنوات الماضية، باعتباره يشكل تهديداً لمستقبل الجماعة الفكري والسياسي والتنظيمي، من خلال تناول الأحداث والوقائع الموثقة التي لا تقبل الشك أو التزييف وطرحها أمام الرأي العام، وقطع الطريق على الجماعة للتلاعب بتاريخ تلك المرحلة بالأكاذيب الملفقة والتخفي في طور "المظلومية التاريخية".  

ساهمت دراما "الاختيار" بشكل غير مباشر، في تحصين عشرات الأجيال الحديثة من مخاطر الاستقطاب والاستغلال والوقوع في شباك "استراتيجية العقول البيضاء"، التي تعتمد عليها جماعة "الإخوان" في محاولة إعادة تموضعها وخروجها من التعثر الفكري، والتخبط التنظيمي، كونها تعتبر الفئات الشبابية بمثابة المخزون الاستراتيجي لضمان بقائها وتمددها تاريخياً وسياسياً. 

يسعى القائمون على مسلسل "الاختيار" إلى وقف التمدد الفكري والتنظيمي لجماعة "الإخوان"، وتقديم تصحيح للمفاهيم والرؤى المغلوطة التي صاغتها وسوقتها على مدار أكثر من 90 عاماً، تولدت خلالها منهجيات التكفير والعنف المسلح التي هددت السلم المجتمعي، انطلاقاً وتحقيقاً لنظرية "أستاذية العالم". 

دراما "الاختيار"، وثقت الدور الوطني لرجال المؤسسة العسكرية، ودورهم في الحفاظ على سيادة الدولة المصرية ومقدراتها، وحمايتها من الوقوع في أتون الحرب الأهلية والاقتتال الداخلي، على أيدى الجماعات الأصولية المسلحة التي لا يعنيها سوى تحقيق مآربها على حساب الدولة ومؤسساتها. 

في إطار سعيها الدائم الى اختراق مؤسسات الدولة والتغلغل في أركانها وأروقتها وتطويعها في خدمة المشروع القطبي، اعتمدت جماعة "الإخوان" على خطاب يساهم في تدمير الولاء لمفاهيم "الدولة الوطنية"، مقابل إعلاء قيم لـ"الأممية الأصولية"، التي تمثلها الجماعة بفروعها المنتشرة عبر التنظيم الدولي في أكثر من 80 دولة عربية وأوروبية، ملتحفة عباءة الدين زوراً وبهتاناً. 

قدم "الاختيار" بلورة عملية لفكرة "القدوة الوطنية" التي غابت كثيراً أو تم تغييبها عمداً، عن أعين الأجيال الحالية، في ظل تعرضها وتأثرها بمشاريع الحروب النفسية التي تم صوغها لتدمير الهوية الفكرية والثقافية للشارع المصري والعربي، ومحاولة انتزاعه من عروبته وقوميته، لا سيما أن المؤسسات التعليمية والثقافية فشلت على مدار سنوات طويلة في خلق الروح الوطنية وتأصيلها لدى الشباب الذين تُركوا لمخاض جماعات الإسلام السياسي

انتبهت جماعة "الإخوان" وأتباع تيارات الإسلام السياسي إلى خطورة القدوة الوطنية وتأثيراتها في الشارع المصري، ومن ثم في إطار عمليات الإحلال والاستبدال عمدت إلى تشوية الدور التاريخي للقوى السياسية والعسكرية، بما يضمن لها فراغ الحالة الذهنية لدى الأجيال الجديدة، وحشوها برموز فكرية أصولية أمثال سيد قطب وحسن البنا وزينب الغزالي ومصطفى السباعي وعبد الله عزام، وغيرهم.  

عرقل مسلسل "الاختيار" مخطط جماعة "الإخوان" التي كثفت تحركاتها على مدار السنوات الأخيرة (تحديداً)، في إسقاط هيبة المؤسسات الأمنية والعسكرية، ومن خلفها قضية "الانتماء الوطني"، من خلال حملات ممنهجة وممولة تدعو إلى رفض الانتماء الى تلك المؤسسات، والتشكيك في سمعة القائمين عليها، بما يضمن القضاء على قاموس "القدوة الوطنية" في التاريخ المصري الحديث. 

لم تغفل الدراما الوطنية عن التطرق الى وسائل التجنيد والاستقطاب التي تنفذها جماعة "الإخوان" وحركات الإسلام السياسي بين أوساط الشباب، لمحاولة السيطرة عليهم نفسياً وذهنياً وعقلياً، تحت شعارات السمع والطاعة والولاء والبراء، و"بيعة الموت"، والانجراف بهم تجاه العمل المسلح، فضلاً عن توظيفها الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة لخدمة الأهداف السياسية. 

لا شك في أن صناعة الدراما والسينما تمثل تجسيداً لواقع ما تحياه الدولة المصرية تاريخياً، وقد تركت أثراً واسع الانتشار منذ نشأتها، لكنها مع الأسف، شهدتا تراجعاً ملحوظاً وحالة من التغريب على مدار سنوات طويلة أمام مشاريع أخرى تركية وهندية وأميركية، وعجزت عن أن تقدم محتوى وطنياً، رغم ضخامة الأرشيف الحركي للأجهزة السيادية في قضايا الأمن القومي الذي يمكن تحويله الى محتوى يخاطب وجدان الشارع المصري. 

عن "النهار" العربي

الصفحة الرئيسية