لاجئون فلسطينيون في لبنان لـ "حفريات": الهجرة سبيلنا للكرامة

لاجئون فلسطينيون في لبنان لـ "حفريات": الهجرة سبيلنا للكرامة


08/09/2020

لم يترك الشاب محمود مفلح باباً إلا وطرقه بعد تخرجه من الجامعة؛ بحثاً عن فرصة عمل في مجال دراسته، إدارة المال والأعمال، لكنّ كافة محاولاته باءت بالفشل، والسبب أنّه لاجئ فلسطيني، حيث إنّه لا يحق للفلسطيني الحصول على وظيفة داخل المؤسسات الحكومية اللبنانية.

وبعد انسداد الأفق أمامه بالحصول على فرصة عمل قرر الشاب العشريني أن يعمل بمهنة تختلف عن مجال دراسته، لكنّه واجه مشكلة جديدة، وهي منع اللاجئ الفلسطيني من ممارسة ما يزيد عن 70 مهنة في سوق العمل.

اللاجئون الفلسطينيون في لبنان ممنوعون من تملك العقارات، والعمل في 71 مهنة داخل الأراضي اللبنانية، إضافة إلى إجبارهم على الاستحصال على إجازة عمل

وأخيراً قرر الشاب، الذي يقطن في مخيم الرشيدية، الاستغناء عن أحلامه، وأن يعمل في أيّة مهنة كانت، لتأمين مصروفه اليومي، ومساعدة والدته التي تعاني من مرض مزمن في شراء الدواء غالي الثمن، وعمل في جمع الحديد" الخردة" من حاويات القمامة، وبيعها حتى يستطيع البقاء على قيد الحياة في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها هو وغيره من اللاجئين الفلسطينيين.

لا حل لهذه المعاناة

يقول محمود مفلح، في حديثه لـ "حفريات": إنّ "اللاجئ الفلسطيني، يعاني الأمرّين في لبنان، ولا حلّ لمعاناته المستمرة إلا بالهجرة، لكن، للأسف، السفر يحتاج على الأقل إلى ٨٠٠٠ دولار، وهذا مبلغ كبير بالنسبة إلى اللاجئين، إضافة إلى المخاطرة فيه مع المهربين، والمخاطرة بالحياة بشكل عام، ورغم هذه المخاطر والتكاليف، إلا أنّ هذا يعدّ طموح معظم الشباب الفلسطينيين في لبنان.

اللاجئ الفلسطيني يعاني الأمرّين في لبنان

يضيف: "معاناتنا تزداد يوماً بعد يوم، فنحن نفتقد كافة الحقوق المدنية، وممنوعون من العمل داخل المؤسسات الرسمية ولو كعامل نظافة، إضافة إلى منعنا من العمل بكثير من المهن في القطاع الخاص، ومن يعمل يكون عاملاً غير قانوني، ولا يحصل على تعويض، ولا يتمتع بأيّة حقوق أو نقابات تحميه".

ويلفت إلى أنّ قانون العمل الجديد الذي أقرته وزارة العمل اللبنانية، يعدّ وسيلة لمنع الفلسطيني حتى من العمل بطريقة غير قانونية في القطاع الخاص؛ لأنّ تكلفته المالية كبيرة على أصحاب المؤسسات، فيضطرون للاستغناء عن الفلسطيني.

وينوّه إلى أنّه؛ في بعض الأحيان الحكومة اللبنانية تغلق المشاريع والمحال التجارية التي يعمل بها الفلسطيني.

منع الفلسطيني من التملك

ويواجه اللاجئون الفلسطينيون صعوبة في الحصول على منزل خارج المخيمات الـ (12)، وذلك تطبيقاً للقوانين سارية المفعول؛ إذ يقول اللاجئ الفلسطيني، حسن أبو رحيلة، في حديثه لـ "حفريات": "يُمنع اللاجئ الفلسطيني من شراء منازل أو محلات تجارية، وغيرها داخل الأراضي اللبنانية، لذلك يلجؤون إلى تسجيل العقارات التي يشترونها باسم أحد أصدقائهم اللبنانيين".

ويضيف: "نعاني من الاكتظاظ السكاني الكبير داخل المخيمات، والدولة اللبنانية تمنعنا من البناء وترميم المنازل، وفي حال أقدم أحد اللاجئين على البناء أو ترميم منزله، دون أخذ الموافقات، والتي لن يتمكن من الحصول عليها يكون مصيره الاستدعاء والسجن، وهذا ما حدث كثيراً في الآونة الأخيرة".

اقرأ أيضاً: تركيا وإسرائيل.. حقائق تنهي سنوات المتاجرة بقضية فلسطين

يواصل حديثه: "الحكومة اللبنانية تحاول مضايقتنا بشتى الطرق؛ إذ إنّنا لا نستطيع تحويل الأموال إلى الخارج، أو سحب الودائع والمدخرات، والودائع من البنوك، كما أننا لا نستطيع استلام الحوالات المالية من الخارج بالنقد نفسه الذي حوّل به، واستلامه بالعملة اللبنانية، وبسعر الدولة، وهو أقل من سعر السوق بما يقارب 30٪".

وينوّه إلى أنّ "الأونروا" لا تتدخل ولا تضع ضمن خططها أيّ شيء متعلق بالسكن، لكنّها تساعد في ترميم بعض المنازل التي تكون مهددة بالانهيار فقط.

 حياة مأساوية

في حين يقول الناشط في قضايا اللاجئين الفلسطينيين، محمد الناجي، لـ "حفريات": إنّ "اللاجئ الفلسطيني في لبنان يعيش حياة مأساوية للغاية في مختلف نواحي الحياة "السياسية، الاجتماعية، الاقتصادية"، فالأزمة التي يشهدها لبنان انعكست عليهم بالدرجة الأولى، ما أدّى إلى زيادة معدلات البطالة والغلاء الفاحش نتيجة ارتفاع أسعار صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية".

ويضيف: "لا يوجد اهتمام من قبل الحكومة اللبنانية، ومنظمة التحرير الفلسطينية، بسكان المخيمات الفلسطينية، واللاجئ يواجه مصيراً مجهولاً جراء القوانين اللبنانية الجديدة، والتي تعدّ ظالمة ومجحفة بحقه، إضافة إلى عدم توفر الخدمات الأساسية، مثل: "الصحة، التعليم، السكن، البنى التحتية، العمل". 

اللاجئ الفلسطيني في لبنان يعيش حياة مأساوية للغاية في مختلف نواحي الحياة

ويلفت إلى أنّ دور منظمة التحرير داخل مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان ضعيف جداً، ولا تقف بجانب اللاجئين على الإطلاق، وتتركهم يواجهوا الصعوبات لوحدهم دون مساندتهم.

ويبين أنّ وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" لا تقوم بدورها المطلوب تجاه فلسطينيي لبنان، وأنّ المساعدات التي تقدّمها لهم لا تسمن، ولا تغني من جوع، وهي أقل بكثير من الدعم المخصص لهم.

ويفيد بأنّ غالبية اللاجئين الفلسطينيين في لبنان أصبحوا تحت خطّ الفقر، وأنّ نسبة الفقر ارتفعت إلى 80٪ وتخطي معدلات البطالة حاجز الـ 70%، إضافة إلى تدنّي الدخل اليومي لآلاف الفلسطينيين إلى أقل من دولارين يومياً.

اقرأ أيضاً: لماذا تواصل السلطة الفلسطينية ملاحقة النشطاء المنتقدين لفساد سياساتها؟

وينوّه إلى أنّ اللاجئين الفلسطينيين في لبنان ممنوعون من تملك العقارات، والعمل في 71 مهنة داخل الأراضي اللبنانية، إضافة إلى إجبارهم على الاستحصال على إجازة عمل، بصفتهم أجانب، وليسوا لاجئين فلسطينيين كما صنفتهم الأمم المتحدة.

ويُشار إلى أنّ عدداً من السياسيين اللبنانيين طالبوا بمنع اللاجئين الفلسطينيين من مغادرة المخيم والتنقل داخل المدن اللبنانية، بذريعة عدم تفشي فيروس كورونا.

470 ألف لاجئ فلسطيني

من جهة ثانية، تقول مسؤولة الإعلام في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين بلبنان، هدى السمرة، لـ "حفريات": يعيش في الجمهورية اللبنانية ما يزيد عن 470 ألف لاجئ فلسطيني، موزّعين على 12 مخيماً، 156 تجمعاً، وأوضاعهم المعيشية سيئة بالأساس، وازدادت سوءاً مع اشتداد الأزمة الاقتصادية في لبنان، وأزمة كورونا، وتفجير بيروت مؤخراً، وفي خضمّ هذه الأزمات المتعددة، فإنّ الأشخاص الأكثر ضعفاً وتضرراً هم اللاجئون الفلسطينيون.

 وتبيّن أنّه رغم الصعوبات والتحديات المالية التي تعاني منها "الأونروا"، إلا أنّها تواصل جهودها لتقديم خدمات التعليم والصحة، وتقديم المساعدات النقدية للحالات الأكثر حاجة ضمن برنامج شبكة الأمان الاجتماعي، وخدمات الصحة البيئية، والبنى التحتية وغيرها.

تكمل: "المساعدات التي نقدمها تغطي الاحتياجات الأساسية، لكنّ حاجات اللاجئين في ظلّ الأزمات المتلاحقة في لبنان، وفي ظلّ الصعوبات الاقتصادية التي يواجهونها ازدادت بشكل كبير، خصوصاً في ظلّ إغلاق البلد بسبب أزمة "كوفيد-19"، وارتفاع حدة الفقر والبطالة في أوساط اللاجئين الفلسطينيين.

مساعدات استثنائية

 وتشير إلى أنّ الظروف الصعبة دفعت "الأونروا" إلى طلب المزيد من الدعم من المجتمع الدولي لتوفير مساعدات استثنائية، مثل: المساعدة النقدية الطارئة لكلّ اللاجئين الفلسطينيين، وإدراج اللاجئين في أيّة استجابة فورية لحالة الطوارئ في لبنان، لافتة إلى أنّ "الأونروا" سوف تحتاج إلى الدعم المالي لتعزيز النهوض الاقتصادي وسبل العيش لهؤلاء اللاجئين في مرحلة لاحقة.

 وبحسب مسؤولة الإعلام في وكالة الغوث؛ فإنّ السلطات اللبنانية تفرض قيوداً على حقّ اللاجئين الفلسطينيين في العمل، وحقّهم في التملُك، وإنّ الأونروا تتواصل مع المسؤولين اللبنانيين وتلعب دور المناصرة للمساعدة في التخفيف من هذه القيود، وتحسين ظروف عيش هؤلاء اللاجئين بالتعاون مع لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني وكلّ القيادات الفلسطينية.

يصف مسؤول فريق الشفاء الطبي في مخيم شاتيلا، محمد حسنيين لـ"حفريات" الوضع الصحي داخل مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بـ "المتردي" بفعل إهمال وكالة الغوث الدولية

 وتوضح: "هناك قيود مفروضة على دخول مواد البناء إلى عدد من المخيمات الفلسطينية"، وتمّ وضع آلية من قبل وكالة الغوث الدولية، لاستحصال التراخيص لتأهيل البيوت وفق آلية ومعايير محددة، وذلك بفضل مشاريع ممولة من الاتحاد الاوروبي وبنك التنمية الألماني.

من جهته، يصف مسؤول فريق الشفاء الطبي في مخيم شاتيلا، محمد حسنيين، الوضع الصحي داخل مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بـ "المتردي" بفعل إهمال وكالة الغوث الدولية، ووزارة الصحة اللبنانية، وعدم وجود مستشفيات داخل المخيمات.

يخبر حسنيين "حفريات"؛ بأنّ فيروس كورونا ينتشر سريعاً بين الفلسطينيين في لبنان، لعدم قدرتهم على دفع تكلفة مسحة الفحص مرتفعة الثمن، وهذا مؤشر خطير على زيادة معدلات الإصابة داخل المخيمات الفلسطينية".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية