
شكل جديد من التطرف والإرهاب تشهده أوروبا، حيث تسعى الجماعات المتطرفة إلى تحقيق أهداف سياسية وأيديولوجية مختلفة، ولكنها تتبنى استراتيجيات متشابهة في ممارسة العنف وجميعها تعتمد على نشر الخوف والرعب.
وتعمل هذه الجماعات المتطرفة بشكل منظم على استغلال وسائل التواصل الإنترنيت واستثمار عولمة الإنترنيت. وهذا ما يمثل تحدي كبير إلى الحكومات وأجهزة الاستخبارات، وهو ما تناوله ملف نشره "المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات"، بعنوان "داعش و”الجهاديون” في تقارير الاستخبارات الأوروبية".
يتناول الملف بالعرض والتحليل واقع تنظيم داعش وأنصاره في أوروبا، من حيث قدرات التنظيم الحالية بتنفيذ عمليات إرهابية، ومخاطر تنظيم خراسان وتهديدات التنظيم الحالية، كما يستعرض الملف وجود الجماعات الجهادية كحماس وحزب الله في أوروبا، ومخاطر هذه الجماعات الإسلاموية المتطرفة على الأمن القومي لدول أوروبا، ويتطرق الملف إلى التدابير التي اتخذتها الحكومات الأوروبية لمواجهة الإرهاب والتطرف.
داعش “والجهاديون” في تقارير الاستخبارات الألمانية والنمساوية
وبحسب الملف المنشور، فإن تقارير الأجهزة الاستخباراتية في ألمانيا والنمسا تؤكد تزايد التهديد الناجم عن الجماعات الإسلاموية والمتطرفة لا سيما بعد حرب غزة في تشرين الأول / أكتوبر 2023. بالتزامن مع الدعوات المستمرة والمتكررة من تلك الجماعات لتنفيذ هجمات إرهابية على الأراضي الأوروبية.
فقد ذكر تقرير جهاز الاستخبارات الداخلية بألمانيا، بعد إلقاء الشرطة الألمانية القبض أشخاص يشتبه في كونهم أعضاء في تنظيم داعش خراسان، أن جميعهم من آسيا الوسطى ودخلوا ألمانيا من أوكرانيا في بداية حرب أوكرانيا، وأضاف التقرير أنهم خططوا لشن هجمات وحددوا بالفعل واستكشفوا أهدافا محتملة وقاموا بمحاولات لشراء أسلحة.
وأفادت هيئة حماية الدستور الألمانية بتزايد التهديد الناجم عن الإرهاب الإسلاموي ” بشكل أكبر” منذ 7 أكتوبر 2023، حيث من المتوقع أن يظل العدد المحتمل للمتطرفين الإسلاميين عند (27200)، ويأتي الخطر الأكبر من “الذئاب المنفردة” والخلايا الصغيرة، وكان “داعش” يضع أنظاره بشكل متزايد على الهجمات ضد الغرب.
ولاحقا، حذرت وزارة الداخلية الألمانية من أن “داعش”، يمثل أكبر تهديد للأمن في ألمانيا، وأن “مستوى التهديد لا يزال مرتفعا، فيما اشتبهت الاستخبارات الداخلية الألمانية في أن بعض الجمعيات التي على صلة بحزب بالله “تمارس نفوذا قويا” على مساجد وجمعيات أخرى “إلى حد سيطرة تامة”، وهذه الأنشطة تهدف إلى نشر “المفهوم الثوري” لإيران الداعمة لحزب الله.
هذا وقد وافقت الحكومة الألمانية، في حزيران / يونيو 2024 على مسودة قانون لطرد وترحيل أي شخص في حال تأييده لجرائم الإرهاب ـ ترحيل الخطرين الإسلامويين إلى أفغانستان وسوريا، ثم صوت البرلمان الألماني لصالح قانون يحظر استخدام رمز “المثلث الأحمر” الموجه للأسفل، الذي يعد شعارا لحركة حماس، في الأماكن العامة، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، مع فرض عقوبات على المخالفين.
وفي تشرين الثاني / نوفمبر الماضي، أعلنت وزارة الداخلية الألمانية حظر أنشطة حركة “حماس” وكذلك شبكة “صامدون”، وبعدها شنّت الشرطة الألمانية حملة مداهمات واسعة ضد “المركز الإسلامي في هامبورغ” وخمس مجموعات تابعة له للاشتباه في صلتها مع حزب الله.
أما في النمسا، فتشعر الأجهزة الأمنية بالقلق من مجموعات لها صلة بـ”داعش” يُزعَم أنها مرتبطة بإمارة القوقاز، وهي جماعة إسلاموية متطرفة تعمل في إقليم القوقاز الروسي.
وكانت الحكومة النمساوية قد اعتزمت إقامة مركز جديد مهمته، مراقبة المؤسسات والمنظمات المتطرفة في البلاد لتفادي أنشطة الجماعة المتطرفة للتمركز باستغلال المناخ الديمقراطي في البلاد، أو تحت غطاء المؤسسات الخيرية الإسلامية.
كما شرعت منذ منتصف عام 2020 في تنفيذ خطة شاملة لمكافحة الإرهاب والتطرف داخل البلاد وخارجها، وأقرت عدة إجراءات وتعديلات على القوانين لملاحقة الجماعات المتطرفة على أراضيها.
اعش و”الجهاديون” في تقارير الاستخبارات الفرنسية والسويسرية
وبحسب ما أورده المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والتطرف، فإن تقارير المخابرات الفرنسية والسويسرية تشير إلى أنّ تنظيم داعش، رغم خسارته بالسيطرة على الأراضي التي كان يسيطر عليها في سوريا والعراق، لا يزال يشكل تهديدًا خطيرًا على الأمن الدولي، وخاصة في أوروبا.
وقد شهدت فرنسا خلال فترة خلافة داعش المزعومة من عام 2014 إلى عام 2019، ذروة في الهجمات والمخططات الإرهابية، وتشمل بعض الهجمات الكبرى هجوم شارلي إبدو في 7 و8 و9 كانون الثاني / يناير 2015، وهجمات باتاكلان وستاد دو فرانس في باريس في 13 تشرين الثاني / نوفمبر 2015، وهجوم شاحنة نيس في 14 تموز / يوليو 2016، وهجوم سوق عيد الميلاد في ستراسبورغ في 11 كانون الثاني / ديسمبر 2018.
وتشمل المؤامرات التي تم إحباطها أيضًا محاولة إطلاق النار في قطار تاليس في 21 آب / أغسطس 2015 والمؤامرة الفاشلة لتفجير القنابل في نوتردام في 4 سبتمبر 2016. ولا تزال باريس تعد هدفًا للتنظيم خاصة مع استضافة الأولمبياد.
وقد أثارت العملية الإرهابية في أحدى متاجر موسكو يوم 22 آذار / مارس 2024، الكثير من الشكوك، بتحول داعش إلى ورقة ضاغطة ضد الحكومات، وفي سياق الأحداث دوماً يطل داعش برأسه مع التطورات السياسية، وهذا ما يثير الشكوك حول الجهات التي تقف وراء تنفيذ هذه العملية وغيرها من العمليات واحتمالات أن تأتي العملية ضمن سياق التطورات الميدانية في حرب غزة والتطورات الجيوسياسية ما بين موسكو والناتو، ضمن فرضية “المؤامرة”.
تكمن خطورة أنشطة الجماعات الإسلاموية في تأسيس مجتمع موازي داخل المجتمع البريطاني لترويج أفكارها المتطرفة
يوجد أنصار داعش في العديد من الدول الأوروبية، مع تركيز خاص على فرنسا التي تُعد موطنًا لأكبر عدد من المقاتلين الأجانب الذين انضموا إلى التنظيم في سوريا والعراق. تُشير التقديرات إلى وجود ما بين 500 إلى 1500 من مقاتلي داعش في أوروبا، وهم قادرون على تنفيذ هجمات إرهابية “فردية” أو “ذئاب منفردة”.
وأورد الملف أن هناك موجة أكثر حداثة من الهجمات التي شنتها تنظيمات “جهادية” مختلفة في فرنسا، والتي كانت مدفوعة إلى حد كبير بتنظيم داعش، أو ردًا على ما اعتبره الجناة أعمال “تجديف” ارتكبها مواطنون فرنسيون.
من جهتها، تحذر الاستخبارات السويسرية من احتمال عودة المزيد من مقاتلي داعش إلى سويسرا، مما قد يشكل خطرًا أمنيًا. كما تُشير إلى خطر قيام “ذئاب منفردة” بشن هجمات. تتخذ سويسرا خطوات لمكافحة تهديد داعش، بما في ذلك، مراقبة الأفراد المشبوهين، تعزيز الأمن في المواقع الرئيسية، التعاون مع أجهزة الاستخبارات في الدول الأخرى.
ففي عام 2017، أصدرت الاستخبارات السويسرية تقريرًا حذر من ازدياد احتمال وقوع هجمات إرهابية من قبل داعش أو مؤيديه. وفي عام 2019 نشرت سويسرا استراتيجية مكافحة الإرهاب الوطنية التي تحدد الخطوات التي ستتخذها لمكافحة هذا التهديد.
داعش “والجهاديون” في تقارير الاستخبارات الهولندية والبلجيكية
تشهد بلجيكا وهولندا زيادة في التهديد الذي يشكله تنظيم داعش والجماعات الجهادية، حيث حذرت أجهزة الاستخبارات البلجيكية والهولندية من أن منظمات مثل داعش والقاعدة الحرب في غزة لحث المتعاطفين معها على تنفيذ هجمات في الغرب. كما تدعو هذه المنظمات إلى شن هجمات انتقامية على أعمال تدنيس القرآن الكريم في هولندا. ما دفع الأجهزة الأمنية في بلجيكا وهولندا لاتخاذ إجراءات وتدابير استباقية لمنع إي هجوم محتمل.
ويقدر عدد السلفيين “الجهاديين” في هولندا من (40-60) ألف في عام 2010. فيما ذكرت دائرة الاستخبارات والأمن العامة بهولندا (AIVD) في 2015 أنه لا يمكن تحديد الرقم بسبب التنوع الكبير والتداخل، والذي يعني غالبًا تداخل الحركات الإسلاموية فيما بينها وصعوبة التفريق بينها. تشير التقديرات إلى أن حوالي (500) رجل وامرأة في هولندا يعتنقون الفكر الجهادي. بينما تشير بيانات اللجنة الوطنية للأمن ومكافحة الإرهاب (NCTV) في2021 إلى أن عدد المساجد التي يديرها السلفيين ارتفع من (13) في 2014 إلى (27) مسجداً.
إلى ذلك، أفادت هيئة التنسيق البلجيكية لتحليل التهديدات (Ocam) في 27 آذار / مارس 2024 إلى خضوع (650) شخصاً يُعتبرون “متطرفين” أو “إرهابيين”، ويخضعون لمتابعة ذات أولوية، ويخضع (88%) من هؤلاء الأشخاص للمراقبة بسبب “التزامهم الفكر المتشدد بعدما شهد انخفاضًا بنحو (7%) مقارنة بالعام 2022.
هذا وقرر مركز تحليل التهديدات في أوروبا (OCAM) الحفاظ على مستوى التهديد في بلجيكا عند (3) من (4) . وقد ظل هذا المستوى قائما منذ هجوم بروكسل في 16 تشرين الأول / أكتوبر 2023. وأوضح مركز تحليل التهديدات أن هذا المعدل ظل ثابتا منذ ذلك الحين، ويرجع ذلك جزئيا إلى تصاعد الأوضاع في الشرق الأوسط وزيادة معاداة السامية.
ورفع المنسق الوطني لمكافحة الإرهاب والأمن مستوى التهديد من (3) إلى (4) في 12 ديسمبر 2023، لأول مرة منذ عام 2019، وأشار إلى أن التهديد الإرهابي متزايد، نظراً لانتشار الخطاب المتطرف من قبل الجماعات الجهادية التي أعلنت استعدادها لارتكاب هجمات إرهابية في أوروبا، جراء تأزم الصراع الإسرائيلي الفلسطيني منذ 7 تشرين الأول / أكتوبر 2023، وحوادث حرق القرآن في أوروبا مؤخراً، واستخدمت تنظيمات مثل داعش والقاعدة حرب غزة، لكسب متعاطفين معها لتنفيذ هجمات.
داعش “والجهاديون” في تقارير الاستخبارات البريطانية والاتحاد الأوروبي
ورغم ما حققته بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي من خطوات، بشأن مكافحة التنظيمات الجهادية وفي مقدمتها تنظيم “داعش” طوال السنوات الثلاث الأخيرة، إلا أن حرب غزة جددت المخاوف من احتمالية عودة هذه التنظيمات للقارة الأوروبية، الأمر الذي دفع مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب في شباط / فبراير 2024، للتأكيد على مواصلة العمل مع الدول الأعضاء لمواجهة أي تهديد يشكله داعش للسلام والأمن الدوليين.
لذا توالت التحذيرات من قبل الاستخبارات الأوروبية وخصوصاً البريطانية من محدودية النهج المتبع للتصدي لأي تهديدات إرهابية محتملة الفترة المقبلة.
وقد أشار مؤشر الإرهاب لعام 2022، إلى أن التطرف الإسلاموي يمثل خطورة على بريطانيا، وتعد السلفية الجهادية والجماعات الإسلاموية أكثرهم تغلغلاً بالمجتمع، وتضمن مؤشر الإرهاب لعام 2023 نفس التحذير، إذ تعد هذه الجماعات التهديد الرئيسي لأمن بريطانيا بمسؤوليتها عن (67%) من الهجمات الإرهابية، وتخصص الاستخبارات (75%) من عملياتها للتصدي لها.
تكمن خطورة أنشطة الجماعات الإسلاموية، في تأسيس مجتمع موازي داخل المجتمع البريطاني، لترويج أفكارها المتطرفة، وفي 15 آذار / مارس 2024 أكد وزير المجتمعات المحلية السابق مايكل غوف، أن الانتشار الشامل للأيديولوجيات المتطرفة اتضح أكثر بعد هجوم السابع من أكتوبر، ما يشكل خطراً حقيقياً لأمن البريطانيين والنظام السياسي في المملكة المتحدة.
إلى ذلك، تصاعدت المخاوف في أوروبا من وقوع عمليات إرهابية بعد حرب غزة، وفي 27 تشرين الأول / أكتوبر 2023 حذرت وكالة إنفاذ القانون الأوروبية “يوروبول” من هجمات إرهابية على أوروبا وتجنيد الشباب من قبل التنظيمات المتطرفة، ما يجعل الذئاب المنفردة أكبر تهديد يواجه أمن أوروبا.
وقد نوه تقرير أممي في آذار / مارس 2024، إلى أن انتقال أشخاص من شمال القوقاز وآسيا الوسطى نحو أوروبا، يمثل فرصة لتنظيم “داعش خراسان” لشن هجمات عنيفة في الغرب، مشيراً إلى دوافع تتعلق بوجود خلايا نائمة في أوروبا، والدعم المقدم لهم من الناطقين بالروسية المتواجدين في أوروبا، وصور الحرب في غزة. وتثير دورة الألعاب الأولمبية المقرر انعقادها في 26 تموز / يوليو 2024 في فرنسا قلق مسؤولي مكافحة الإرهاب، باعتبارها هدفاً لهذه التنظيمات.