كركوك: ورقة انتخابية أم نار تغذيها الانقسامات الإثنية؟

كوكوك: ورقة انتخابية أم نار تغذيها الانقسامات الإثنية؟

كركوك: ورقة انتخابية أم نار تغذيها الانقسامات الإثنية؟


13/09/2023

مع بدء الوساطات السياسية الانخراط في ضبط الوضع الأمني، ومتابعة التهدئة بين المحتجين وقوى الأمن، في كركوك، شمال العراق، بعد الاشتباكات العنيفة التي جرت، مؤخراً، فإنّ الأحداث تبدو مثل "نار تحت رماد"، وتؤشر إلى احتمالية اندلاع المواجهة وتجدد الأزمة في ظل عدم حسمها وطبيعتها المعقدة. 

الوساطة والحل

ووفق المعلومات الأمنية الرسمية، فإنّ عدداً هائلاً من الآليات العسكرية قد وصل إلى كركوك وعلى متنها عناصر من أفراد الأمن بالجيش والقوات الخاصة، فضلاً عن وحدات من مكافحة الشغب. فيما نقلت صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية عن ضابط كبير قوله إنّ القوات الأمنية لديها أوامر عليا بمنع أي مظاهرة غير مرخصة، في حين يتوقع مراقبون من سكان المدينة أنّ "الأجواء جاهزة تماماً للانفجار".

منذ عقدين وملف كركوك يمثل أزمة عالقة في "أجندات" الحكومات المتعاقبة بالعراق، منذ عام 2003، والآن تظهر هذه القضية بشكل مختلف، وقد دخلت على خطها قوى سياسية محلية وأخرى خارجية، بل، وربما، تنعكس أبعادها على التحرك العسكري الأمريكي في غرب العراق، حسبما يوضح الناشط السياسي والمدني العراقي، في حركة امتداد، الجناح السياسي لحركة تشرين، محمد الطائي.

محمد الطائي: القوى المتصارعة تسعى للهيمنة على كركوك

مسببات الأزمة في كركوك كثيرة، وفق تصريح الطائي لـ"حفريات"، وتبدأ من الدستور العراقي الذي وضعها، على نحو غامض، بين حكومتي المركز ببغداد والإقليم بأربيل، مروراً بعدم وجود إحصاء سكاني يمكن الاعتماد عليه في التمثيل السياسي للمحافظة، وانتهاء بالمحاصصة السياسية التي بنيت عليها العملية الديمقراطية، في العراق، بشكل عام. 

يضاف إلى ذلك قرب انتخابات مجالس المحافظات. وهنا؛ تسعى جميع "القوى المتصارعة إلى الهيمنة على هذه المحافظة سياسياً، نظراً لحساسية موقف كركوك أمنياً، مع الأخذ في الاعتبار أنّها (أي كركوك) تمثل فرصة لكسب الأصوات الانتخابية.

الحل الأمني في كركوك سيتمثل في استمرار سيطرة الجيش العراقي والقوات التابعة للحكومة الاتحادية على المحافظة، لحماية التنوع العرقي والديني فيها

ويشير الطائي إلى أنّ الحزب الديمقراطي الكردستاني، اعتبر "كركوك بوليصة تأمين في إطار تفاوضه مع قوى الإطار التنسيقي، المدعوم من إيران، وذلك للمضي في تشكيل حكومة محمد شياع السوداني". ويردف: "لا أعتقد أنّ حكومة الإقليم على استعداد للتخلي عن ورقة كركوك. بل إنّ أهميتها تزداد، اليوم بعد الآخر، في ظل حرب أمنية اقتصادية باردة في المنطقة، وكذا في ظل قرب موعد الانتخابات المحلية". 

البحث عن مكاسب انتخابية

ويرجح الناشط السياسي بحركة امتداد، أنّ الإطار التنسيقي ملزم بتنفيذ "العهود والمواثيق" التي قدمها للديمقراطي الكردستاتي، إلا أنّه، في نفس الوقت، قد وقع في "حرج كبير أمام الجمهور العربي والتركماني؛ إذ إنّ كركوك، التي استعادها الجيش العراقي بصلابة، وفرض فيها سيادة القانون، تخلى عنها الإطار التنسيقي باتفاق سياسي. وهذا ما جعل الأخير يدفع بفصائل المقاومة لتكون في خط التظاهرات الأول حفاظاً على ماء وجهه. كما أنّه وقع في حرج أمام قرار المحكمة الاتحادية التي أصدرت حكماً ولائياً بعدم جواز تسليم مقرات الحزب الديمقراطي سوى للجيش العراقي".

كان قرار سحب الجيش والتخلي عن المقر المتقدم سبباً في حدوث "بلبلة أمنية"، مما أدى إلى التحرك العسكري للفصائل المسلحة في كركوك وتصاعد "أزمة سياسية وأمنية لها بعد خاص حيث التواجد العسكري الموالي لإيران في المنطقة، وكذا التحركات الأمريكية في شرق سوريا. كما لا توجد مبررات تجعل ميليشيات الإطار التنسيقي متواجدة في المنطقة الغربية من العراق على عكس ما يحصل في كركوك. وقرار انسحاب الجيش العراقي مع عدم وجود قرار نهائي بتسلم قوات البيشمركة المقرات العسكرية يؤدي لفراغ أمني تسعى قوى عربية وتركمانية إلى ملئه"، حسبما يقول الطائي.

يرجح الناشط السياسي العراقي "أنّ الحل الأمني في كركوك سيتمثل في استمرار سيطرة الجيش العراقي والقوات التابعة للحكومة الاتحادية على المحافظة، لحماية التنوع العرقي والديني فيها في المقام الأول. كما أنّ الحل السياسي سيتمثل في إخراج كركوك من إطار المحاصصة، وإفساح المجال للأحزاب التي تمثل كافة المكونات بممارسة العمل السياسي وفق أطر العملية الديمقراطية وتحت مظلة الدستور العراقي".

عدو عدوي صديقي

وفق صحيفة "الشرق الأوسط"، يبدو أنّ أنصار الحزب الديمقراطي الكردستاني يرون في التهدئة الراهنة "انتكاسة لحضورهم في كركوك"، بينما يستعيد منافسهم الاتحاد الوطني الكردستاني نفوذه المحلي هناك، بسبب التقارب المتزايد لرئيسه بافل طالباني مع الفصائل الشيعية. وهذان الأخيران يطبّقان إلى حد ما مقولة "عدو عدوي هو صديقي" ضد مسعود بارزاني في كركوك، لكنّ تصفية الحسابات بهذه الطريقة، وفي مدينة مُركبة قومياً، سيبدو أنّه "لعب بالنار"، على حد تعبير مسؤول محلي في حكومة كركوك.

علي البيدر: الوضع في العراق يحتاج إلى التهدئة

وباشر زعيم تحالف "السيادة"، خميس الخنجر، دوره في عملية الوساطة والتهدئة وفق الاتفاق بين الحزب الديمقراطي وقوى الإطار التنسيقي. 

نهاية الأسبوع الماضي، انتقل الخنجر من أربيل، بعد اجتماع مع الحزب الديمقراطي الكردستاني "البارتي"، إلى كركوك، والتحق باجتماع "اللجنة الأمنية"، وإيجاد صيغة لوقف الاحتجاجات. وقال بيان للجنة: "إنّ الخنجر نقل رسالة مهمة وعاجلة من قادة الحزب الديمقراطي الكردستاني، تضمنت ما يشبه البراءة من "أيّ أنشطة احتجاج تعكر أمن كركوك".

المحلل السياسي العراقي، علي البيدر لـ"حفريات": إعادة نبش أزمة كركوك يمكن أن يؤثر على حالة الاستقرار السياسي والأمني التي تعيشها البلاد

وبحسب بيان اللجنة، فإنّ الحزب الديقراطي في أربيل نقل إلى كوادره في كركوك رسالة مفادها عدم التورط في الاحتجاجات، والدخول في الحوار السياسي.

وفي حديثه لـ"حفريات" يقول المحلل السياسي العراقي، علي البيدر، إنّ أزمة كركوك أو بالأحرى "إعادة نبش القضية" بمفاهيم جديدة يمكن أن يؤثر على حالة "الاستقرار السياسي والأمني" التي تعيشها البلاد، وتغير من أولويات الحكومة في معالجة بعض الأزمات، وكذا المسارات المؤسساتية، موضحاً لـ"حفريات" أنّ مثل هذه الحوادث "تستنزف الجهد السياسي والحكومي والأمني وتخلق أزمة مجتمعية جديدة، كانت صامتة وغير مفعلة. وهذه الأزمة نتائجها كارثية في هذا التوقيت. فالوضع في العراق يحتاج إلى المزيد من التهدئة".

فالأسباب بالنسبة للمحلل السياسي العراقي "سياسية وتداعياتها متفاوتة، تحديداً على الواقع الاجتماعي في المحافظة الشمالية أو بالعراق عموماً، نظراً لأنّ في كركوك مكونات عدة من كُرد وعرب تركمان وآشوريين، فضلاً عن المسيحيين والسنة والشيعة. وحتى داخل هذه العناوين هناك تفرعات وجزئيات قومية وطائفية متنوعة".

لذلك، من الممكن أن تكون هذه الأحداث "شرارة لخلق أزمة طائفية جديدة بمفاهيم متنوعة. ففي السابق كانت الأزمات كردية وعربية أو سنية وشيعية، ولكن اليوم الأزمة سوف تتعقد بسبب تعدد أطرافها. وبالتالي قد تنعكس على محافظات أخرى لها نفس التنوع السكاني والديمغرافي مثل محافظة نينوى وهذا ما يجعل العراق أمام تحديات خطيرة".

بالنسبة للأطراف التي تقف خلف هذه القضية، أو تحاول إطالة عمر هذه الأزمة، وإثارتها بطرق مختلفة، فهي "أطراف سياسية محلية. ولكنّ المؤشر الأخطر أن تكون هناك أطراف إقليمية محتملة"، وفق البيدر الذي لفت إلى موقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وتابع: "أتصور أنّ أردوغان، ينتهك سيادة العراق".

ولمّح البيدر إلى أنّ هناك عملية توظيف للأزمة، وهذا "التوظيف سياسي وانتخابي في هذه المرحلة من قبل جميع الأطراف. في مقابل ذلك، تبدو هناك عدة فرص للتهدئة من قبل بعض الشخصيات العراقية السياسية. كركوك أزمة مستمرة، منذ ستينيات القرن الماضي، لكن من المرجح معالجة هذه الأزمة بحلول ومقاربات نابعة من إرادة محلية كركوكية. فلا يمكن أن تكون كركوك بهوية واحدة، بل هي عبارة عن نسيج مجتمعي متداخل". 

وحول المآلات المتوقعة يرجح البيدر أنّ "قناعة الجميع وحتى الجانب الاجتماعي في العراق لم يعد يتحمل المزيد من الأزمات، بداية من أزمة احتلال، مروراً بصراع طائفي وإرهاب، وحتى عمليات تحرير رافقتها تحولات  ديموغرافية وفقر وبطالة وتدخلات خارجية. وعليه، فكل الأطراف في الشارع العراقي تحتاج إلى انفراجة".

مواضيع ذات صلة:

لماذا يستهدف الدواعش مخاتير القرى في العراق؟!

عملية جديدة للقضاء على داعش.. من يشارك بها؟ وأي المناطق تستهدف؟

قتلى وإصابات وحظر تجول.. ماذا يحدث في كركوك؟

 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية