تتزايد المخاوف في تونس من مغبة عودة عشرات المواطنين الذين قاتلوا بصفوف التنظيمات المتشددة في سوريا خلال الأعوام الأخيرة، ووقعوا في قبضة نظام بشار الأسد أو علقوا في المدن والمحافظات التي كانت تخضع لسيطرة قوى المعارضة بمختلف تشكيلاتها، وذلك بعد انهيار نظام الأسد وما رافقه من "تحرير" للمعتقلين في عدة سجون.
ويطالب محللون ونشطاء السلطات التونسية بالتحرك دبلوماسيا وأمنيا لتحصين البلاد من عودة مجموعات من المقاتلين من سوريا، فيما يجمع خبراء ومحللون على خطورة تسلل محتمل لإرهابيين مغاربيين إلى دولهم، وسط دعوات إلى اتخاذ سلسلة من الإجراءات الأمنية الاستباقية.
والأحد، أعلن مقاتلو المعارضة السورية الإطاحة بالأسد بعدما سيطروا على دمشق، مما أنهى حكم عائلته للبلاد بقبضة من حديد بعد حرب أهلية دامت أكثر من 13 عاما.
ومع التطورات التي تشهدها سوريا، أُطلق آلاف المساجين في عدد من السجون السورية بينها سجن حمص العسكري، وهو ما أثار مخاوف من إمكانية أن يكون بين هؤلاء إرهابيون ينحدرون من دول مغاربية.
تهديد خطير
وقد أصدر المرصد الوطني للدفاع عن مدنية الدولة (منظمة غير حكومية)، بيانا حذر فيه من "العودة الكثيفة لآلاف الأشخاص الذين تم تسفيرهم إلى سوريا بمساعدة الإسلاميين المتطرفين التونسيين".
وأضاف: "الآن، وقد تم إطلاق سراحهم من السجون السورية، يدعو المرصد السلطات التونسية إلى توخي الحذر الشديد من عودتهم إلى البلاد ورسم الخطط الحكيمة للتعاطي معهم، ليس فقط لما يمثلونه من خطر تطرف عنيف على مدنية الدولة التونسية، بل أيضا لما يمكن أن يكونوا مكلفين به من قبل أطراف استعمارية متسلطة".
من جانبه، أكد الخبير العسكري، الرئيس السابق للجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب (هيئة حكومية)، العميد مختار بن نصر، في تصريح لشبكة "الحرة"، أن عودة المقاتلين المتشددين بعد الأحداث الأخيرة في سوريا "يشكل تهديدا خطيرا ليس على تونس فحسب، بل على المنطقة المغاربية ككل".
وأشار إلى أن "الأعداد المحتملة للمقاتلين التونسيين بالآلاف، بالنظر إلى وجود أسر كاملة لهؤلاء المقاتلين عالقة في سوريا، وقد توسعت خلال الأعوام الأخيرة".
ويرجح بن نصر أن "تكون ليبيا البوابة الرئيسية لتسلل المقاتلين العائدين من سوريا إلى تونس، وذلك بالنظر إلى الوضع الأمني الهش في ليبيا، فضلا عن وجود حواضن تنظيمية للمقاتلين المتشددين، كتنظيم أنصار الشريعة التونسي، الذي احتمى عدد من قياداته بتنظيم أنصار الشريعة الليبي، إثر تصنيفه تنظيما إرهابيا في تونس".
كما حذر الرئيس السابق للجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب، من احتمال تسلل المتشددين العائدين من سوريا، عبر منطقة جنوبي الصحراء المتاخمة إلى تونس، والتي يتسلل منها مئات المهاجرين غير الشرعيين "تحت غطاء أجهزة إقليمية ودولية"، حسب قوله.
ضرورة الاستعداد الأمني
إلى ذلك، حث المحلل والخبير الأمني التونسي خليفة الشيباني على “وضع خطة كاملة للتوقي من الإرهاب” تضع في الاعتبار عودة هؤلاء المقاتلين الذين تقدر بعض الأرقام أن عددهم حوالي 3 آلاف شخص، وأكد في تصريح لصحيفة ”العرب” اللندنية، أنه “بعدما فتحت السجون السورية، لا بد من برنامج تواصلي مع القيادة الجديدة في سوريا بشأن مصير المقاتلين التونسيين.”
كما حذر الشيباني من أن “هناك إعادة انتشار للإرهاب والمقاتلين من أفغانستان إلى العراق إلى سوريا، وأيضا دول الساحل الأفريقي، وعلينا أن نعرف أن وراءهم أطرافا دولية تتحكم فيهم، والإرهاب ظاهرة دولية، وهناك جهود تقوم بها تونس وأخرى إقليمية ودولية.”
تشير تقديرات رسمية في تونس إلى التحاق نحو ألف شخص توجد أسماؤهم في سجلات وزارة الداخلية التونسية ببؤر القتال في سوريا منذ عام 2012
ويرى متابعون للشأن التونسي، بحسب العرب، أن المهم في الموضوع هو ضرورة الاستعداد الأمني والسياسي للتعامل مع عودة هؤلاء، وأخذ الأمر على أنه قضية حساسة في ظل مخاوف من أن تتولى جهات إقليمية تحريك هؤلاء لإرباك الوضع السياسي في تونس ضمن مقاربة أشمل تسعى لإحياء موجة “الربيع العربي” بشكل جديد مستفيدة من إسقاط الأسد والاهتمام الدولي بما يجري في سوريا وتركيز الأضواء على المسلحين الإسلاميين وبراغماتيتهم و”اعتدالهم”.
قضية التسفير مستمرة
ويحيل موضوع المقاتلين التونسيين في سوريا إلى ما يعرف بقضية "التسفير إلى بؤر التوتر"، التي يواصل القضاء التونسي النظر في فيها، ويتهم فيها مسؤولون كبار سابقون، أغلبهم قيادات إخوانية، بالتورط في تسفير آلاف الشباب التونسيين إلى سوريا بعد الثورة.
وفي أيلول / سبتمبر 2022، أمرت النيابة العامة في تونس بفتح تحقيق في قضية "تسفير" التونسيين للقتال إلى جانب التنظيمات الإرهابية في الخارج.
وشملت التحقيقات في هذه القضية، نحو 100 شخصية سياسية وأمنية، على رأسهم القيادي في حزب النهضة الإخواني علي العريض، الذي كان وزيرا للداخلية بين عامي 2011 و2012، قبل تكليفه برئاسة الحكومة حتى 2014، في ذروة فترة التحاق مئات التونسيين المتشددين للقتال في الخارج.
وتم اعتقال العريض وأصدر القضاء أمرا بسجنه على ذمة التحقيق في قضية "تسفير الجهاديين" إلى الخارج، في كانون الأول / ديسمبر 2022.
كما شملت التحقيقات في قضية تسفير المقاتلين، رئيس إخوان تونس راشد الغنوشي المعتقل على ذمة قضايا عدة منذ نيسان / أبريل من العام الماضي، إلى جانب رئيس جهاز المخابرات الأسبق الأزهر لونغو، وعدد من القيادات الأمنية التي عملت طوال الأعوام التي قاد فيها حزب النهضة الإسلامي الحكم في البلاد.
ويجرم قانون مكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال الصادر عام 2015، الانضمام إلى التنظيمات الإرهابية في الداخل والخارج، وارتكاب جرائم تصنف إرهابية.
أرقام متضاربة
وكان الباحث في معهد واشنطن، مؤلف كتاب "المقاتلون الأجانب التونسيون في العراق وسوريا"، هارون زيان، قد قدّر عام 2018 عدد التونسيين الملتحقين بصفوف التنظيمات المتشددة في مناطق النزاع السورية بـ 2900 شخص.
وقدّر وزير الداخلية التونسي الأسبق، الهادي المجدوب في إفادة سابقة أمام البرلمان عدد الإرهابيين التونسيين المتواجدين في بؤر التوتر بنحو 2929 متشددا.
كما تشير تقديرات رسمية في تونس إلى التحاق نحو ألف شخص، توجد أسماؤهم في سجلات وزارة الداخلية التونسية، ببؤر القتال في سوريا منذ عام 2012، لكن تقارير أمنية أخرى تحدثت لاحقا عن عودة المئات إلى تونس وإيداع عدد منهم السجون فيما جرى إخضاع آخرين إلى الرقابة الإدارية والأمنية وإجراءات المنع من السفر.
يذكر أن السلطات الأمنية التونسية منعت نحو 27 ألف شاب من الالتحاق بالتنظيمات الإرهابية بعدد من بؤر التوتر بينها سوريا.
عمليات إرهابية كبرى
كما وتفيد تحقيقات الأجهزة الأمنية والقضائية في تونس، أن عددا من المتورطين في تنفيذ عمليات إرهابية كبرى في تونس، منذ ثورة يناير عام 2011، التحقوا بعد تهريبهم بصفوف تنظيم "داعش" الذي كان يسيطر على بعض المدن السورية، مثل الرقة.
وكشفت تحقيقات رسمية عن هروب عدد من المشاركين في التخطيط للهجوم على متحف باردو وسط العاصمة تونس في مارس 2015، إلى سوريا، بالإضافة إلى عدد من المتورطين في الهجوم الدموي على نزل "الإمبريال" بمحافظة سوسة شرقي تونس في العام ذاته، والذي أسفر عن مقتل 40 شخصا جلهم من السياح البريطانيين.
وفي 2013، قتل مسلحون تابعون لتنظيم "أنصار الشريعة" الذي كان يدين بالولاء لتنظيم القاعدة، قبل أن تلتحق جل قياداته بتنظيم "داعش"، السياسيين شكري بلعيد ومحمد البراهمي.