الإخوان المسلمون في الدول المغاربية.. تقدير موقف

الإخوان المسلمون في الدول المغاربية.. تقدير موقف

الإخوان المسلمون في الدول المغاربية.. تقدير موقف


11/02/2024

هناك مجموعة من القواسم المشتركة في أداء جماعات الإخوان المسلمين في الدول المغاربية؛ أي في المغرب والجزائر وتونس وموريتانيا وليبيا، وهي قواسم لا تختلف كثيراً عمّا أصبحت تمرّ به الجماعة في المنطقة العربية، وفي مقدمة هذه القواسم تراجع الشعبية لدى الرأي العام، وكثرة الخلافات أو الصدامات مع النخب، وخاصة النخب السياسية والفكرية، وانسحاب وانفصال عن المشروع... إلخ.

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون في مصر والسودان والصومال.. تقدير موقف

ومع أنّ الجماعة وفروعها لم تصنف جماعة إرهابية في الدول المغاربية، حتى إنّها تشتغل في مؤسسات الدولة أو حاضرة في المنظمات الأهلية والعمل الطلابي والنقابي وغيره، وبالرغم من ذلك، لم يخرج أداء مُجمل الجماعات والأحزاب الإخوانية المحسوبة على الإخوان في الدول المغاربية، على واقع التراجع التنظيمي والأزمات الداخلية وكثرة الانتقادات الصادرة عن الجميع، بما في ذلك عن نسبة من أتباع الجماعة، والذين انضم بعضهم إلى أحزاب سياسية منافسة، بحكم بقاء الهاجس السياسي، أو أخذوا مسافة من الإيديولوجية الإسلاموية، وطرقوا باب العمل الصوفي، كما نعاين مع نسبة من شباب الإخوان على الخصوص.

 

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون في بلاد الشام.. تقدير موقف

من منظور إخواني صرف، لا يوجد مشروع أداء إخواني في دولة من الدول المغاربية يبعث على التفاؤل، من موريتانيا إلى ليبيا، مروراً بالمغرب والجزائر وتونس، كما تلخص ذلك مثلاً الهزائم الانتخابية التي تعرّض لها إخوان المغرب في أيلول (سبتمبر) 2021، ومؤشرات المتابعات القضائية التي تطال بعض قيادات المشروع في تونس، والأمر نفسه مع حالة التشرذم التنظيمي الذي يُميز أداء إخوان الجزائر، أو حالة التراجع التنظيمي الذي يُميز أداء إخوان موريتانيا.

هناك مجموعة من القواسم المشتركة في أداء جماعات الإخوان المسلمين في الدول المغاربية

هي حالة تأزم إخواني مغاربي تميز أغلب الحركات والأحزاب الإسلامية المحسوبة على المرجعية الإخوانية بالتحديد، بخلاف حالة الحركات السلفية أو الظاهرة الجهادية، التي تبقى أقلية أساساً، إضافة إلى أنّ التيار السلفي يمرّ بمراجعات، بينما الحالة الجهادية غير مقبول بها أساساً من لدن الرأي العام المغاربي، والأحرى من لدن الحكومات والأنظمة.

 

من منظور إخواني صرف، لا يوجد مشروع أداء إخواني في دولة من الدول المغاربية يبعث على التفاؤل، من موريتانيا إلى ليبيا، مروراً بالمغرب والجزائر وتونس

 

وفيما يلي (5) وقفات مع أداء المشاريع الإخوانية في الدول المغاربية، وهو أداء متباين ومتعدد الأوجه والجبهات، وإن كان يمرّ بحالة نكوص أو تراجع ظرفي بحكم تطورات الساحة السياسية والأمنية والاستراتيجية في المنطقة العربية، إلّا أنّ الأمر يهم ظاهر الصورة؛ لأنّ التراجعات السياسية والحزبية، بما في ذلك الفشل في الاستحقاقات الانتخابية، الرئاسية أو التشريعية أو غيرها، لا يفيد بأنّنا إزاء تراجع إيديولوجي؛ لأنّ المشاريع حاضرة نسبياً في العمل الأهلي وفي المراكز البحثية وفي المنصات الإعلامية وفي العالم الرقمي وفي المؤسسات الدينية والثقافية وغيرها، مع فوارق في مؤشر الحضور.

الحالة المغربية

هناك تياران إسلاميان بارزان في المغرب؛ الأوّل محسوب على المرجعية الإخوانية، ونواته حركة "التوحيد والإصلاح"، وحزب "العدالة والتنمية"، حتى إنّ الرئيس السابق للحركة يشغل اليوم منصب "الاتحاد العالمي لعلماء لمسلمين" [منظمة إسلامية محسوبة على المشروع الإخواني]؛ والثاني جماعة "العدل والإحسان" المحظورة؛ لأنّها لا تعترف بشرعية مؤسسة إمارة المؤمنين في المغرب، وكان أصلها الإيديولوجي صوفياً بدايةً لأنّ مؤسِّسها الشيخ عبد السلام ياسين قادم من طريقة صوفية، قبل تأسيس جماعة تصنف في خانة "تسييس التصوف"، لكنّها تضم اليوم عدة مكونات إيديولوجية وصوفية وإخوانية وحتى سلفية.

ـ بالنسبة إلى المشروع الأول [الحركة والحزب]، فإنّه يعيش نكسة تنظيمية وأزمة إيديولوجية وتراجعاً كبيراً في الشعبية الانتخابية (انتقل من الرتبة الأولى في تشريعيات 2011 و2016 نحو الرتبة الـ8 في تشريعيات 2021)، خاصة أنّه كان يقود العمل الحكومي من جهة، وكان يقود تسيير كبرى بلديات كبرى المدن المغربية (الدار البيضاء، الرباط، فاس، طنجة، مراكش، تطوان.. إلخ).

 

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون في الأردن: انحسار متسارع

كانت أحداث "الفوضى الخلاقة" [الربيع العربي] فرصة أمام المشروع من أجل التغلغل أكثر في مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني، وجاءت تشريعيات 2016، بسياقاتها الإقليمية، لتساهم في تكريس هذا التغلغل، لكنّ تشريعيات 2021 أجهزت نسبياً على أحلام التمكين، لأسباب عدة، منها ردة فعل الدولة، وتفاعل النخب، والتصويب العقابي للرأي العام، ضمن أسباب أخرى خاصة بالمشروع نفسه، منها هيمنة نواة إسلامية حركية على حزب ليس إسلامياً كلياً، بما يُفسر استحواذ أعضاء الحركة على أهم المناصب في الحزب، وبالتالي تهميش أطر الحزب القادمين من خارج الحركة؛ وصاحب ذلك ظهور مآزق أخلاقية سلطت عليها بعض الأضواء الإعلامية، وحظيت بتأييد أعضاء المشروع، من باب "نُصرة التنظيم"، وهو دفاع مشروع أخذاً بعين الاعتبار أنّه سائد مع باقي الإيديولوجيات السياسية، إلّا أنّه مع إيديولوجية إسلامية حركية، كان على حساب أدبياتها؛ وأخيراً، تكريس ازدواجية نظرية وعملية مناقضة للخطاب الإسلاموي في التفاعل مع عدة قضايا، من قبيل الدفاع عن ممارسة إسلاموية في التعامل مع قضية، والدفاع عن ممارسة سياسية علمانية في الدفاع عن قضية أخرى، (التباين في التعامل مع ملف تطبيع العلاقات المغربية الإسرائيلية مثلاً).

ـ بالنسبة إلى المشروع الثاني [الجماعة]، فإنّها تعيش مخاضاً تنظيمياً وإيديولوجياً في آن واحد، وبيان ذلك كالتالي:

تؤمن الجماعة بضرورة قيام وتأسيس "دولة الخلافة" حسب أدبيات مرشدها ومؤسِّسها، لكنّها تعاين واقعاً مغايراً للدول الإسلامية لا يخرج عن وجود الدولة الوطنية؛ هناك أيضاً مخاض وخلافات داخلية لدى الجماعة بخصوص التعامل مع قضايا الداخل مقارنة مع قضايا الخارج، أو الخلاف حول التعامل مع إرث مؤسس الجماعة، بين تيار يدافع عن الإرث التربوي والدعوي، مقابل تيار ينهل من ذلك الإرث، ولكنّه منهمك أكثر في الإرث السياسي، أو الخلاف حول الانتصار للمرجعية الصوفية على حساب المرجعية السلفية، والخلاف المهم القائم بين الجيل المؤسِّس للجماعة والأجيال اللاحقة.

أمّا المخاض الأهم الذي تمرّ به الجماعة، فيكمن في الاستقالات والانسحابات من المشروع، إلى درجة أنّ بعض القيادات التي استقالت من المشروع أصدرت أعمالاً نقدية ضد واقع ومستقبل الجماعة، وهذه قضايا غائبة كليّاً في خطاب وإعلام الجماعة.

 الحالة الجزائرية

هناك ميزة خاصة تهم إخوان الجزائر مقارنة مع أغلب التجارب الإخوانية في المنطقة المغاربية، وعنوانها كثرة الانقسامات والصراعات، إضافة إلى ميزة أخرى نجدها لدى باقي الفروع، وهي تراجع الثقل الحزبي والسياسي.

 

هناك ميزة خاصة تهم إخوان الجزائر مقارنة مع أغلب التجارب الإخوانية في المنطقة المغاربية، وعنوانها كثرة الانقسامات والصراعات، إضافة إلى تراجع الثقل الحزبي والسياسي

 

بخصوص الميزة الأولى، إخوان الجزائر موزعون على تيارين اثنين على الأقل: الأول إخواني صرف، فكراً وإيديولوجيةً، والثاني نهضوي صرف؛ أي مشروع إخواني منخرط في مراجعات بعد انشقاق عن التيار الأوّل، ويمكن حصر أهم الحركات الإسلامية الإخوانية الجزائرية في (3) تنظيمات على الخصوص: "حركة مجتمع السلم"، وتعتبر الذراع السياسية الأبرز للإخوان في الجزائر، وثاني أكبر القوى الإسلامية في الجزائر، نشأت كحزب العام 1991، بعدما انتقلت الحركة من مرحلة العمل السري إلى العمل العلني، وخاصة في حقبة أحد أهم رموزها، محفوظ نحناح. حدث لاحقاً انشقاق في الحركة ليخرج الشيخ عبد المجيد المناصرة، والذي سيؤسس رفقة الشيخ مصطفى بلمهدي "حركة الدعوة والتغيير" في نيسان (أبريل) العام 2009؛ "حركة الدعوة والتغيير"، وتُعدّ الجناح الآخر للإخوان المسلمين في الجزائر، وتمتد عبر مختلف ولايات الجزائر، ولها مجلس شورى وهيئات تتكفل بالملفات الكبرى للدعوة والتربية، كما تضم أقساماً تنظيميةً تشرف على العمل اليومي لمختلف شؤون الحركة التنظيمية والتربوية والاجتماعية والسياسية وقضايا المرأة والشباب والجامعات، وبها الآلاف من الإخوان؛ وأخيراً، "جبهة العدالة والتنمية"، ويتعلق الأمر بحزب سياسي إخواني، أسّسه الشيخ عبد الله جاب الله في 30 تموز (يوليو) 2011 بعد انسحابه من "حركة الإصلاح الوطني"، ويوجد حالياً ضمن أحزاب المعارضة النيابية، ولكنّه حزب متواضع تنظيمياً.

الملاحظ في هذه التيارات أعلاه، وخاصة التيار الإخواني والتيار النهضوي، أنّهما يضمان تيارات فرعية، بمعنى أنّ سمة التشرذم والتشتت هي عنوان الحالة الإخوانية في الجزائر، وهي السمة القائمة منذ عقدين على الأقل؛ أي منذ نهاية "العشرية الدموية" [1992ـ 2002].

 

اقرأ أيضاً: الإخوان: إما الدولة أو الجماعة!

من نتائج واقع الانشقاق الذي يلازم الخريطة الإخوانية الجزائرية أنّه ينعكس على عدة مجالات حيوية، منها المجال السياسي والحزبي، وهذا ما أكدته نتائج آخر استحقاق تشريعي عرفته الجزائر، والذي جرى في 12 حزيران (يونيو) 2021، حيث شاركت (6) أحزاب إسلامية، من عائلتين سياسيتين مختلفتين: جاءت العائلة الإخوانية الأولى مُجسَّدة في التيار المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين ممثلاً في "حركة مجتمع السلم"، و"حركة البناء الوطني" المنشقة عنها؛ أمّا العائلة السياسية الثانية، فجاءت مجسدة في "التيار النهضوي"، ويضم كلاً من "جبهة العدالة والتنمية"، و"حركة النهضة" و"حركة الإصلاح"، و"جبهة الجزائر الجديدة" المنشقة عن الأخيرة بقيادة الصحفي والنائب السابق جمال بن عبد السلام، ولم تخرج حصيلة هذه المشاركة عن تأثير الصراعات القائمة بين الفصائل الحزبية الإخوانية والنهضوية، وبالرغم من مضاعفة عدد المقاعد البرلمانية، إلّا أنّهم فشلوا في الفوز بالمرتبة الأولى، وكانت هذه الانتخابات محطة مفصلية في بداية أول الجناح النهضوي.

لم تعرف الجزائر أحداث "الفوضى الخلاقة" لأنّها مرّت بنسخة أسوأ منها في "العشرية الدموية"، وساهمت تلك الأحداث في تقزيم وزن الإسلاموية، وفي مقدمتها الإسلاموية الإخوانية التي ما زالت حاضرة، ولكنّها مشتتة تنظيمياً على (6) أحزاب، وجاءت انتخابات صيف 2021 لتؤكد تواضع الوزن السياسي والانتخابي للمشروع الإخواني.

 الحالة التونسية

كان المشروع الإخواني في تونس تحت وقع الحصار والمطاردة طيلة حكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، لكنّ أحداث "الفوضى الخلاقة" [2011 ـ 2013] جعلته يعود إلى الواجهة السياسية، ويساهم في تدبير شؤون الدولة، سواء عبر بوابة المؤسسات التشريعية أو المجالس البلدية.

 

اقرأ أيضاً: مسيرة الإخوان.. هذه أبرز الحقائق التي كشفها "الاختيار3" عن الجماعة

تقف هذه العودة وراء تغلغل المشروع في مؤسسات الدولة، إضافة إلى أنّه أصبح حينها [2011] لاعباً سياسياً ملهماً لباقي التجارب الإخوانية في المنطقة، خاصة أنّه يضم أحد أهم المنظرين الإخوان، الداعية الإخواني راشد الغنوشي، وأحد الأسماء التي كانت تستضيفها المراكز البحثية الأمريكية من قبل، في سياق الترويج لأطروحة "الإسلام الديمقراطي" بتعبير نوح فيلدمان.

يجمع المشروع، على غرار باقي الفروع الإخوانية، بين العمل السياسي والعمل الديني، حيث النهل من منهج جماعة الإخوان عقيدةً وسياسةً، بما فيها أفكار سيد قطب عن "الحاكمية" و"الجاهلية"، ومجموعة سلفية صغيرة متأثرة بحركة المد السلفي المشرقي، لكنّ التيار الغالب فيها كان متأثراً بأفكار الجناح القطبي.

 

يعيش إخوان تونس على إيقاع أزمات تنظيمية من جهة خاصة بالمشروع نفسه، وأزمات خارجية تهم علاقتهم مع مؤسسات الدولة وفي مقدمتها؛ الرئاسة والقضاء، وأزمة ثالثة مع الرأي العام

 

ممّا يُميّز المشروع الإخواني التونسي طبيعة هيكلة الحزب، التي تنافس فيها هيكلة باقي الأحزاب السياسية، حيث يتفرع على المؤسسات التالية: هناك أوّلاً "المؤتمر الوطني العام"، وهو السلطة العليا في الحزب ينعقد بصفة عادية مرة كل (4) أعوام، واستثنائياً كلما دعت الحاجة إلى ذلك؛ وهناك موازاة معه، "مجلس الشورى"، ويمثل هذا المجلس أعلى مؤسسة قرار بين مؤتمرين، وتتمثل مهامه وصلاحياته في تحديد السياسات العامة للحزب طبقاً لتوجهات المؤتمر الوطني العام؛ مؤسسة رئاسة الحزب، ومؤسسة المكتب التنفيذي، الذي يعتبر أعلى مؤسسة تنفيذية للحزب؛ ثم هيئة النظام والرقابة المالية؛ وهيئة الرقابة والتدقيق المالي؛ والكتلة البرلمانية، ومركز التفكير الاستراتيجي، إضافة إلى أكاديمية التكوين والتأهيل القيادي؛ وتمثيليات الحزب في الخارج؛ وأخيراً الهياكل المحلية والجهوية.

 

اقرأ أيضاً: قطر والإخوان: هل حانت لحظة الافتراق؟

منذ عقد حتى ربيع 2022، جرت عدة تطورات تنظيمية لدى إخوان تونس، ساهمت في إحداث خلخلة تنظيمية داخل أوساط حركة "النهضة"، ومن مؤشرات الخلخلة التي تغذي أزمة المشروع الإعلان عن سلسلة من الاستقالات الجماعية لحوالي (100) من قياديي الجماعة، في سياق الاعتراض على تفاعل "النهضة" مع قرارات الرئيس التونسي، ومتابعة بعض أعضاء المشروع في عدة قلاقل قضائية وأمنية، وكلها عوامل ساهمت في تراجع شعبية المشروع على جبهتين: الرأي العام والدولة أو النخبة السياسية والأمنية والاقتصادية.

يعيش إخوان تونس على إيقاع أزمات تنظيمية من جهة خاصة بالمشروع نفسه، وأزمات خارجية تهم علاقتهم مع مؤسسات الدولة وفي مقدمتها مؤسسة الرئاسة والمؤسسة القضائية، وأزمة ثالثة مع الرأي العام، بحكم الاحتقان السائد في تونس تفاعلاً مع أداء الحركة طيلة (10) أعوام مضت، ممّا جعل صورته اليوم لدى النخبة والعامة سلبية ومغايرة كلياً مع تلك التي كانت سائدة منذ عقد.

 الحالة الموريتانية

رغم تواضع الوزن التنظيمي لإخوان موريتانيا، الذي تأسّس منذ (4) عقود ونيف، قبل خروجه الرسمي في عام 2007 تحت اسم "حزب الأمة"، إلّا أنّه يحذو حذو السياق التاريخي الذي مضى فيه التنظيم "الأم" في مصر، وتشبه ممارسات فرع الجماعة في موريتانيا ما قامت به نظيرتها في مصر قبل 2011، وأحد المؤشرات في هذا السياق، أنّ تشريعيات حزيران (يونيو) 2019، بالغت الجماعة في استعراض قوتها، عبر سلاسل بشرية حاشدة.

 

اقرأ أيضاً: لماذا كان الصدام مع "الإخوان" حتمياً؟

ولكن إجمالاً، في قراءة للأداء السياسي لإخوان موريتانيا، وخاصة في فترة 2019-2022، اتضح أنّ الاستحقاقات الانتخابية، والمناسبات السياسية اللاحقة، رسمت حداً فاصلاً بين واقعين للإخوان في البلاد، أولهما لعب حزب الإخوان قبل الانتخابات، دور الحزب الذي يشهد تماسكاً ويحوز بعض التعاطف في صفوف المنخدعين ببعض الشعارات وفتات المساعدات التي يوزعها على بعض الأوساط الفقيرة.

على غرار أغلب إخوان الدول المغاربية، تتفرع الخارطة الإخوانية الموريتانية على عدة جبهات، سياسية ودعوية واقتصادية وطلابية وغيرها. ففي المجال الاقتصادي مثلاً، يستفيد المشروع من زكاة الأعضاء، خاصة إذا كانوا من كبار التجار، كما أنّ زعيم الإخوان في موريتانيا يحمل رتبة قيادية، مستعيناً بقيادات أخرى في هذا السياق، من قبيل: "أمين سر الحركة"، و"رئيس لجنة الاكتتاب"، و"مسؤول الهيكلة"، و"رئيس لجنة المناسبات"، و"المسؤول المالي"، و"رئيس لجنة استقبال الضيوف"، ويُباشر تسيير المنظمات النقابية التابعة للتنظيم، منها نقابات طلابية وعمالية، إضافة إلى هيئات موازية، منها "مركز شنقيط للمالية الإسلامية".

 

أداء إخوان موريتانيا في تراجع سياسي ودعوي على حد سواء، وهذا وضع يكرس ما يُشبه عزلة المشروع في الساحة الموريتانية، وزاد من ذلك تراجع أداء المشروع في المنطقة المغاربية

 

تُعتبر الجبهة الدينية إحدى أهمّ جبهات المشروع، ومجسدة في "مركز تكوين العلماء" لإعداد الكوادر من العلماء الدينيين، ويقوده القيادي الإخواني محمد الحسن ولد الددو عضو "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين"، وهناك اتهامات حكومية متكررة ضد المركز تدور في فلك بث خطابات الكراهية والفكر المتطرف.

للمشروع جامعة طلابية، وهي جامعة عبد الله بن ياسين التي يديرها محمد الحسن الددو، وبسبب مرجعيتها الإخوانية، قرّرت الحكومة سحب ترخيص الجامعة، كما رفضت الحكومة منح التراخيص لأنشطة التنظيم الدعائية، ومن ذلك رفض طلب حصول التنظيم على ترخيص بتأسيس إذاعة للقرآن الكريم، كما أغلقت السلطات الموريتانية جمعية "الخير"، وفرع الندوة العالمية للشباب الإسلامي، المحسوبتين على تنظيم "الإخوان"، معلنة أنّ سبب الإغلاق خرق قانون تسيير الجمعيات في جوانب التمويل، وتسيير أموال الجمعية، واستخدامها، وغياب التصريح بمصادر التمويل، وكيفية صرف الأموال.

وعموماً، أداء إخوان موريتانيا في تراجع سياسي ودعوي على حد سواء، مع حضور في الواجهة الوعظية والمنظمات الأهلية، وهذا وضع يكرس ما يُشبه عزلة المشروع في الساحة الموريتانية، وزاد من ذلك تراجع أداء المشروع في المنطقة المغاربية.

 الحالة الليبية

على غرار الحالة التونسية، كان إخوان ليبيا في موقع المعارضة طيلة حكم العقيد معمر القذافي، قبل العودة إلى الساحة السياسية والحزبية والأهلية مباشرة بعد إسقاط نظام القذافي، مع الإعلان الرسمي عن تأسيس الحزب في نهاية 2011، تحت اسم "حزب العدالة والبناء" والذي اعتبر ذراعاً سياسية للإخوان.

 

اقرأ أيضاً: "الإخوان المسلمون"... المفككون

لم يخرج الأداء الميداني لإخوان ليبيا عن أداء باقي إخوان الدول المغاربية؛ أي الرهان على العمل القاعدي في مختلف أوساط المجتمع، وقد كانوا كذلك قبل سقوط نظام القذافي، والأحرى بعد أحداث "الفوضى الخلاقة"، ونجد في مقدمة الأسماء الإخوانية التي اشتغلت في هذا الإطار الثلاثي؛ علي الصلابي والصادق الغرياني وسليمان دوغة وغيرهم، إضافة إلى زعامات التيار المدني مثل؛ محمود جبريل وعلي الترهوني، رئيس هيئة خبرة الإخوان في العمل السياسي، وتنظيمها واستراتيجياتها الجاهزة والناجعة المستمدة من السياسات العامة الثابتة للتنظيم الدولي المتشعب، ممّا جعلهم يعرفون قواعد اللعبة قبل منافسيه.

مقابل النجاح السياسي والاجتماعي للجماعة بين 2011 و2015، تراجع أداؤها وفعلها سياسياً واجتماعياً منذ 2015 نتاج مستجدات الوضع الإقليمي، وكان لسقوط حكم الرئيس الإخواني محمد مرسي في مصر نتائجه المباشرة على إخوان ليبيا.

 

لا يشتغل إخوان ليبيا بشكل أحادي، بحكم الارتباط الإيديولوجي مع إخوان المنطقة، ومع الدول الحاضنة أو المؤيدة

 

بالنسبة إلى مراكز نفوذ المشروع، توجد على الخصوص في مناطق الساحل الغربي كمصراتة والزاوية وخاصة بين العاملين في مجال التجارة، إضافة إلى استقوائهم بأمراء الحرب وعناصر الميليشيات، لكنّ عددهم الحقيقي يبقى متواضعاً، وهم يعلمون أنّهم لن يستطيعوا الفوز في أيّ انتخابات، كما جاء على لسان رئيس حزب العدالة والبناء محمد صوان في تسجيل مسرّب، لذلك سعوا بكل إمكانياتهم إلى عرقلة انتخابات الـ24 من أيلول  (سبتمبر) 2022، من خلال تمسكهم بأن يتمّ أولاً الاستفتاء على مسودة الدستور المرفوضة من أغلب الليبيين، وهو ما يعني تأخير الاستحقاق الانتخابي.

لا يشتغل إخوان ليبيا بشكل أحادي، بحكم الارتباط الإيديولوجي مع إخوان المنطقة، ومع الدول الحاضنة أو المؤيدة، إضافة إلى الاستفادة من خلاصات مراكز الأبحاث والعلاقات العامة التي يتعاملون معها في المنطقة والخارج.

للمشروع قدرة على التواجد داخل المؤسسة التشريعية الليبية القادمة في ليبيا؛ ولديه مقدرة فكرية وثقافية على احتواء التيار الجهادي وتدبير الإرث الديني المؤسساتي لمعمر القذافي، والذي تجسّده "مؤسسة الدعوة الإسلامية العالمية"؛ وطبيعة الفعل السياسي والتنظيمي للإسلاميين في المنطقة، ممّا يُفسّر الاستباق الإخواني الليبي لهذه التطورات المستقبلية، عبر الإعلان عن التحول إلى "جمعية الإحياء والتجديد"، حسب ما جاء في بيان صدر يوم 2 أيار (مايو) 2021، وجاء فيه: "نعلن لكلّ الليبيين أنّ الجماعة قد انتقلت، بتوفيق الله وعونه، إلى جمعية تحمل اسم "الإحياء والتجديد"، وذلك تفاعلاً مع نتائج عدة تطورات ميدانية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية